علمانيون و إسلاميون يروجون لثقافة الدروشة و يبيعون صكوك الغفران و يتمعشون من نشر الشذوذ الفكري و النفسي في بلاد الإسلام ..
في أواخر القرن التّاسع عشر الميلادي كانت حركات الإستعمار الكبرى للعالم الإسلامي تركز قواعدها في الهند ومصر والجزائر وتونس والسودان ... كحلقة أخيرة من حلقات تطويق العالم الإسلامي والإنقضاض على ثرواته و أراضيه و كل خيراته.. ونهبها..! وكان قد مهّد لإستعمار بلاد الإسلام بغزو حضاري و ثقافي نشيط، ابتدأه وألهب شرارته الأولى في ديار الإسلام ما يسمون عندنا « بزعماء الإصلاح العرب»!؟ وهكذا تراجعت الرّابطة الإسلامية كشكل من أشكال البناء السّياسي القائم .. أمام ضربات الإستعمار الموجعة .. وقد توّج ذلك بسقوط الخلافة الإسلامية العثمانية عام 1924م على يد كمال أتاتورك..
لقد تمزقت الرابطة الإسلامية - التي وحدت المسلمين سياسيا و جغرافيا لقرون عديدة - خلال القرن العشرين وتنازعت الدّول الإستعمارية الكبرى ميراث الإسلام وثرواته و أراضيه ... وسيطرت على أضخم قواعده وقدراته .. واندفعت الحركة الصّهيونية العالميّة بدعم مباشر من الإستعمار الغربي ..!! تسيطر على فلسطين وتجعل من احتلال بريطانيا للقدس مقدمة لسيطرتها عليها بعد خمسين عاما...!!
ولقد قاوم "ورثة الإسلام" في معارك حاسمة في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي في أفغانستان والقرم ومصر وسورية والجزائر والعراق وباكستان .. وحققوا بعض الإنتصارات.. وتحرّرت ديار الإسلام من نفوذ الإستعمار العسكري الغربي المباشر وانبعثت من قلبه « حركة تحرّرية و تنويرية » بعد طول سبات.
غير أن حركة التـّنوير والتـّحرر الفكري / الحضاري لم تلبث أن واجهت عقبات كأداء في العقود الأخيرة من القرن الماضي وبداية هذا القرن الجديد، فقد تحالف الإستعمار الغربي و الإستكبار العالمي والصّهيونية و أزلامهم.. من أجل ضرب حركة التـّنوير والتـّحرّر الإسلامية ودفعها دفعا للإنحراف عن ثوابتها الإسلامية و بصائرها القرآنيّة الأزلية المنزلة على محمد صلى الله عليه و سلم.." لتحرير البشرية من عبادة العباد لعبادة رب العباد و فك أسرها من الظلم و الطواغيت و الأغلال المختلفة...!؟.." ومن ثم فانّ أخطر التحدّيات التي تواجه "ورثة الأنبياء " - عليهم السلام - في السّنوات الأخيرة تتمثل أساسا في الحفاظ و الإستمساك الواعي بالهوية الإسلاميّة والثوابت القرآنية وحماية الهوية الثقافية والحضارية للشعوب الإسلامية، وتطوير هياكلها وتحرير الفكر الإسلامي من الجمود و التقليد والعمى الفكري/الحضاري و فكر الدروشة..! ومن الأخطار الفكرية الشاذة والمفاهيم الثقافية المغلوطة و المنحرفة عن هداية الله و بصائره الأزلية و قوانينه الأبدية المنظمة للأسرة و المجتمع و الحياة عامة.. ورعاية شؤون المسلمين في العصر الحديث طبقا للثوابت الإسلامية.. داخل أرض الإسلام
و خارجها ..! و تحصين﴿ أمة الإسلام ﴾ ضد المخاطر الثقافية والحضارية التي تلقى إليها عن طريق وسائل الإعلام والإتصال المختلفة.. وعبر التبشير.. والإستشراق المنحاز لضلالات رجال الدين اليهودي و المسيحي .. و ضد الشعوبية المتطرفة.. والقوميات المتعصبة.. وهي آليات
و مفاهيم منحرفة تلتقي جميعا على هدف : إذابة الهوية الحضارية و التشكيك في الثوابت الإلاهية لأمتنا الإسلامية.. بدعوى "الحداثة" و"العولمة" و"العلمانية" و" اللائكية " و الإجتهاد و مواكبة العصر..! و غيرها من بدع جاهلية الإنسان الغربي الحديث و حيوانيته و تخلف الإنسان العربي / المسلم و تبعيته و انهزامه الحضاري و انبتاته عن ثوابته القيمية الإسلامية و هجره للقرآن منذ أمد بعيد!!؟... وهي دعاوي وإن اختلفت مسمياتها وتنوعت مصادرها و اختلفت.. إلا أنّها تتّـفق على أن يترك المسلمون ثوابت دينهم الإسلامي ومفاهيم قرآنهم وقوانينه الأزلية المطابقة لحقائق الكون والحياة والإنسان و فطرته التي فطره الله عليها منذ خلقه للكون .. واستبدالها بفلسفات مريضة وتيّارات جانحة منحرفة من الفكر والثقافة والإعتقاد ونظرة خاطئة لحقيقة الألوهية والقدر و تأويل خاطئ للنصوص المقدسة ﴿ التوراة والإنجيل والقرآن ﴾ حتى يسهل للغرب الإستعماري و الإستكبار العالمي وأزلامهما من الأقوام التبع و ورثته من بني جلدتنا بعد ذلك السّيطرة على شعوبنا الإسلامية و استغلالها و إذلالها فكريا و حضاريا و سياسيا .. ونهب ثرواتنا .. واستغلال شعوبنا وتركيعها لسيادة الغرب الموهومة و ربوبيته المزعومة للعالم وإخضاعها لأطروحاته المعادية لكل مصالحنا و كل مصالح الشعوب المستضعفة..!!؟ هذا هو التحدي الكبير الذي يواجهه المسلمون/ "ورثة القرآن" في بداية هذا القرن 21 !؟ فالقضاء على أصالة هذه الأمة وكيانها الفكري والروحي و الحضاري .. هو مقدمة الغرب ألإستكباري/ الإستعماري لتحقيق مآربه ومآرب الصهيونية اللقيطة في الإستيلاء على ما تبقى من أرض الإسلام وخيرات أراضيه الممتدة شرقا وغربا !!؟
إنّ كلّ هؤلاء "الأعداء" لا يخفون عداءهم لحملة﴿ الرّاية الإسلامية﴾: الذين اختاروا طريق الأنبياء والصّالحين للسير على منهجهم
و الإنتصار للحق وإعلاء كلمة الله والتّمكين لشريعته الأزلية التي فطر الناس عليها في الأرض.. ومن ثََََم: تحقيق الأمن و الإستقرار لشعوبنا الإسلامية و لكافة شعوب الأرض.. و تحقيق وحدة المسلمين و عزتهم تحت راية القرآن و كلماته الأزلية المعجزة لأنها كلمات﴿ الله العزيز الخبير﴾.. وهذا العداء للإسلام و أهله تتفق عليه مختلف مؤسسات هؤلاء الأعداء: الثقافية والسّياسيّة والعسكريّة وغيرها، وورثتهم
و أتباعهم في ديارنا الإسلامية، وخلاصة ما يسعى إليه الغرب الإستعماري/ ألإستكباري بمعية الصّهيونية العالميّــة اللقيطة و أزلامهما من بني جلدتنا ..: هو التدجين ومن ثم الإحتواء و الهيمنة..! ولعل أبرز التّحديات التي واجهت الشعوب الإسلامية لتدجينهم و من ثم احتوائهم والهيمنة عليهم عن طريق العملاء و التبع تتمثل في تحريف مفاهيم الإسلام وتشويهها أو تأويلها وإخراجها عن طابعها المتكامل الجامع بين الدنيا والآخرة : متّهمين شريعته بأنها سبب تخلف المسلمين و تقهقرهم الحضاري..!؟؟ و قد نادى هؤلاء الأعداء جميعا باستبعاد مبادئه الأزلية و قوانينه الفطرية الحقة وعزلها عن الحياة..!!؟؟ ودعوا إلى "اللائكية" و"العلمانية" بديلا عنه!؟ كما استغلوا جهل العامة والخاصة في ديارنا و غفلتهم عن أهمية الشريعة الإسلامية والمفاهيم الإسلامية في الحفاظ على مكتسبات الأمة المسلمة وحماية النفس البشرية والكيان الإجتماعي من السقوط والإنهيار، ونادوا بالتحلل منها واستبدالها بقوانين الغرب وشريعته العمياء - والتي حولت العالم كما حولت مجتمعاته الغربية نفسها .. إلى غابة وحوش ضارية يأكل القوي فيه الضعيف كما هو مشاهد اليوم!؟- رغم عدم انسجام هذه القوانين
و التشريعات الوضعية العمياء مع بصائرنا القرآنية و خصوصيتنا الحضارية وقيمنا الثقافية ومفاهيمنا الإسلامية و قناعات شعوبنا الإسلامية ومعاييرها الإلاهية ..!؟
ثم امتدت دعوة التغريب و الإنبتات .. فزيفت المفاهيم وحرفت الكلم عن مواضعه وشوهت المبادئ التي أقامت الحضارة الإسلامية وأوصلتها إلى أقاصي الأرض واستمد منها المسلمون القوة على الصمود والقدرة على الفعل وبناء القوة والعزة والحضارة ووراثة الأرض وامتلاك ناصية الأمم و الشعوب لردح طويل من الزمن.. وأهلتهم لأن يكونوا :﴿ خير أمة أخرجت للناس﴾..!
ويمكن حوصلة الهجمة الغربية – الصهيونية و أتباعهما على الإسلام في النقاط التالية:
محاربة الإسلام عن طريق نخبه المتغربة/المنبتة عن هوية أمتنا الإسلامية ... بنظريات زائفة كالتي تزعم "أن الدين ليس سوى الإنعكاس الواهم في دماغ البشر للقوى الطبيعية التي تسيطر على وجودهم اليومي": ( نظرية كارل ماركس/ ماركس محق إذا كان يقصد الدين اليهودي و الدين المسيحي المحرف و ليس دين التوحيد لموسى و عيسى و محمد عليهم السلام المفصل في التوراة و الإنجيل
و القرآن) المنزل﴿ من لدن عزيز حكيم﴾..!
كما شكلت مصنفات ما يسمون "بفلاسفة الأنوار" في القرن الثامن عشر ميلادي أرضية خصبة لمحاربة الدين عامة والفكر الإسلامي خاصة، من بعد ما تبنته نخبة هامة من "زعماء الإصلاح" في البلاد الإسلامية !!!؟- كما سبق و بينا خلال دراستنا لفكر عبد الرحمان الكواكبي – راجع كتاب : نقد الإستبداد الشرقي عند الكواكبي و أثر التنوير فيه ، الصادر بتونس 2009 ، ولم يع هؤلاء –"الزعماء"- أنهم كانوا يحفرون مقابرهم و مقابر حضارتهم الإسلامية بأيديهم!؟.
محاربة القيم والمبادئ والثوابت الإسلامية و اليهودية و المسيحية المشتركة وكل القيم الإنسانية النبيلة التي تنسجم مع فطرة الإنسان السوي، بدعوى أنها قيم نسبية ومتغيرة، ومرتبطة بالبيئات والعصور وتختلف باختلاف الحضارات!!؟ (التطبيقات البشرية للقيم الإلهية هي عملية نسبية لكن القيم و المعايير والموازين الإلاهية مطلقة و أزلية و صالحة لكل زمان و مكان )، والعالم كله يخضع طوعا و كرها لهذه القوانين الإلاهية ../
الدعوة إلى هدم الأسرة باعتبارها من مخلفات المجتمعات الإقطاعية وعصور الإنحطاط !!؟ والتشجيع على العلاقات المنحرفة و الشاذة كاللواط والسحاق-العلاقات المثلية - وهو ما تدعو إليه رمز الشذوذ الفكري و الجنسي في تونس ألفة يوسف !؟ - ... والإجهاض... كحل للمشكلات الأسرية و الإجتماعية و الشبابية ، وهي دعوة شيطانية لتغيير خلق الله و فطرته التي فطر الناس عليها.. و بسبب ذلك تحولت حياة الناس شرقا و غربا إلى جحيم لا يطاق – كما حارت سيدة الشذوذ الفكري في أمرها : ألفة يوسف، راجع كتابها حيرة مسلمة- و فقد الرجل و المرأة دورهما الطبيعي المحدد لهما في الحياة .. فاستشرت الأمراض المزمنة نتيجة لذلك وانتشرت السيدا و العجز الجنسي و الأمراض العصبية والذهانية و غيرها انتشارا مرعبا بين الناس كما نلاحظ اليوم بل طالت الأمراض المرعبة حتى الحيوانات بسبب فساد الإنسان و سوء تقديره لعواقب تغيير خلق الله :(جنون البقر و أنفلونزا الطيور و الخنازير )...!!؟
الدعوة إلى قيام العلاقات البشرية على أساس المصالح المادية والعرقية والإثنية وإثارة العصبيات الطائفية والعرقية كما يروج الأمريكان و أزلامهم في العراق منذ احتلاله عام 2003..!!؟ ﴿هذه الدعوة تتناقض حتى مع دعوتهم للديمقراطية و دولة القانون ! لأن القانون لا يفرق بين الناس عند تطبيقه : إنهم عميان البصيرة كالأنعام لا يعقلون بل هم أضل و يحسبون أنهم مهتدون !؟
إيجاد الأحزاب السياسية – علمانية و إسلامية - التي تتبنى مفاهيم الغرب و معاييره المزدوجة في ديارنا و رعايتها ماديا و لوجستيا..!!
محاربة اللغة العربية الفصحى، لغة الإسلام الأولى ولغة القرآن الكريم/ الكتاب الذي تحدى الجن و الإنس على أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا.. لإدراكهم الإرتباط الوثيق بين اللغة العربية والدين الإسلامي ومجد ووحدة المسلمين، وقد عملوا جاهدين على ترويج الدعاوى التي تتهم اللغة العربية الفصحى بالعقم والبداوة وألقوا عليها مسؤولية التخلف الحضاري للمسلمين ورفعوا شعار: « من أراد التقدم والرقي فلا يتكلم اللغة العربية »! زاعمين بعدم استجابة اللغة العربية الفصحى للحضارة الحديثة وأنها لا تستوعبها وهي عسيرة على من يتعلمها ؟! متعامين بذلك عن أن توقف اللغة العربية الفصحى عن الإشعاع الحضاري الذي بلغته من قبل مرده تخلفنا الحضاري و ليس عجز اللغة أو تخلفها كما يزعمون ..!؟﴿راجع كتاب : اللسان العربي و تحديات الخلف الحضاري في الوطن العربي الإسلامي لمحمد بن سالم بن عمر الصادر بتونس 1995)
اعتماد مناهج تربوية من قبل الحكومات "العربية و الإسلامية" بعيدة كل البعد عن المنهج الإسلامي في تربية الإنسان المسلم المثبت من الله ﴿ بالقول الثابت﴾ و القوانين الأزلية و التنويرية في الحياة الدنيا وفي الآخرة، والمستضيء بنور الله و بصائره التي لا تخبو أبدا﴿ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ﴾.
خلق مفهوم صراع الأجيال حتى يسهل بعد ذلك دفع الشباب إلى الإنهيار والتمزق في ظل فراغ نفسي وفكري وثقافي وعطش روحي
و دفعه للإنحراف و الشذوذ و تقديس الجنس و المخدرات و الإعتقاد الخاطئ في عبثية الحياة..!!؟
وقد تخفى هؤلاء المستكبرون عميان البصيرة .. وراء مذاهب ونظريات منحرفة مغرضة أثبت العلماء المحايدون جهالتها و تفاهتها
و تضاربها مع حقائق الوجود وعدم ارتكازها على حقائق علمية ثابتة وانبناؤها على الظن والتخمين .. وليس لها أية صلة بالواقع البشري
و حقائق العلم و المعرفة، بل وقدرة هذه النظريات الفائقة على تخريب عقول الناشئة وصنع "الرجال الجوف " حسب تعبير أحد شعرائهم!!؟
كل هذه الوقائع قد ساهمت بدورها في تبعية مجتمعاتنا الإسلامية و تأبيد تخلفها حتى بدا للعيان أن شفاءها قد صار متعذرا..؟!
إن مجابهة كل هذه التحديات الخطيرة وغيرها على مستقبل أمتنا الإسلامية: تبدأ بتجديد الثقافة الإسلامية التصحيحية المبنية على الثوابت الإلهية الحقة... مستمسكين بثوابتنا القيمية والحضارية ومفاهيمنا الإسلامية المبثوثة في ثنايا "الذكر الحكيم" ميزان المسلمين الوحيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ، و الذي اتخذه المسلمون﴿مهجورا﴾ منذ أمد بعيد..! إنطلاقا من إدراكنا ووعينا بنسبية الحضارة البشرية و نسبية فهم الأجداد و الآباء للثوابت القرآنية و المعايير الإلاهية و الموازين الربانية كل حسب أزمنتهم و أمكنتهم و أطرهم التاريخية و الحضارية، إذ لا يعقل بداهة أن نجابه مفاهيم الزيف الحداثي والعولمة و هذا الضياع لكل شعوب العالم بسبب القوانين الوضعية الظالمة بحكم قصور واضعوها عن إدراك متطلبات الحياة الكريمة لبني آدم و التي أهوت بنا جميعا في مكان سحيق من الفقر و البطالة و الأمراض المزمنة – راقبوا الأزمات الإقتصادية و الإجتماعية المتكررة لكل الأنظمة العلمانية مهما اختلفت مسمياتها .. وكل منجزات الحضارة المعاصرة و ما بلغته من تقنيات غاية في التطور و التقدم .. لا يعقل أن ننظر إليها بأعين أموات منذ قرون خلت أو بمفاهيم عصور الإنحطاط في تاريخنا الإسلامي أو بمفاهيم حضارتنا الإسلامية القديمة .. أو بمفاهيم الغزالي وابن تيمية وابن رشد و غيرهم!؟ و الذين عاشوا في زمن غير زماننا و في واقع حضاري و اجتماعي معيش غير واقعنا في العصر الحديث (القرآن كثيرا ما عاب على المشركين نظرتهم التقديسية لميراث الآباء و الأجداد بقولهم : إنا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مقتدون !؟ وهو ما يكرره عرب القرن 21؟؟؟ ).. ودون أن نطور مفاهيمنا – مرتكزين على بصائرنا القرآنية ومعطياتنا الحضارية الراهنة – ونصحح ما تآكل منها بمفعول الزمن و تقدم الحضارة البشرية .. ونجعلها تأخذ بالألباب كما أخذت بألباب رجال الجاهلية الأولى .. لارتكازها على الحق والنور الإلهي و ثوابته الأزلية و قوانينه السرمدية التي كلّفنا – نحن أمة الإسلام وورثة الأنبياء - بالإستمساك بها و تبشير العالم برحمتها ... حتى نكون شهداء على الناس كافة و نقود مسيرتهم و مسيرة شعوبنا الإسلامية نحو التقدم و النما و الخير و الرحمة و الجمال.. في الحياة الدنيا و في الآخرة... فنغنم و يغنموا.. و نسعد و يسعدوا.. بعدما أرهقتهم و أرهقتنا القوانين الوضعية العمياء الظالمة و الحضارة الغربية المتداعية للسقوط!!!؟
إن دراستنا لكيفية قيام الحضارات البشرية المختلفة قد كشفت لنا - بما لا يدع مجالا للشك - أن الحضارات الإنسانية تخضع في صيرورة نشوئها و انقراضها – على اختلاف منظوماتها الفكرية و القيمية - إلى ثوابت و نواميس كونية أزلية عامة و مشتركة بين جميع البشر مهما اختلفت أديانهم و تنوعت ايديولجيتهم وتفرقت أراضيهم و اختلفت أزمانهم ..، و إن إيجاد حضارة متطورة و متقدمة يبدأ بإيجاد الإنسان
الذي يتبنى الأفكار و المفاهيم الراقية والمتقدمة..، فالله لن يغير ما بقوم حتى﴿ يغيروا ما بأنفسهم﴾.. وان قانون تغيير ما بالنفوس البشرية لتغيير الواقع المادي والحضاري للشعوب.. قانون أزلي لم يشذ عنه حتى أتباع المادية التاريخية الذين ينظرون إلى المادة كونها أساس كل أمر في الحياة، وأن البشرية مسيرة في مختلف أطوارها بتأثير المادة فقط..!!؟ فالقوانين التي تتحكم حقيقة في أحداث التاريخ البشري
و مجرياته وتوجه مختلف تطوراته هي القوانين الكونية /الأزلية التي سطرها الله في القرآن العظيم و يحكم بمقتضاها موجوداته و سائر مخلوقاته كما تخضع لها سائر المخلوقات طوعا و كرها.. و ما على الإنسانية إلا العودة إلى كتاب ربها مباشرة بدون وسائط رجال الدين إذا ما أرادت أن تهتدي و تنتظم أوضاعها و ينصلح حالها، و ليس إلى كتب رجال الدين من الفقهاء و الأحبار والرهبان الذين تكون تفسيراتهم وتأويلاتهم للنصوص المقدسة محكومة بمصالحهم و مصالح الطبقات التي يمثلونها أو الضاغطة عليهم سياسيا واقتصاديا و اجتماعيا..! لقد شكل رجال الدين و مفاهيمهم - و ليس الدين نفسه- في التاريخ و الحضارة الغربية عقبات معرفية خطيرة وقفت في وجه تطور المجتمع الغربي و نهوضه و تحرره- لذلك تكاتفت جهود« فلاسفة الأنوار" وجهود الماركسيين على إزاحة هذه العقبة الكأداء، حتى كان شعار الثورة الفرنسية:( اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس).. وشعار الماركسيين:( الدين أفيون الشعوب) .. كما شكل رجال الدين و الفقهاء في التاريخ الإسلامي و لا يزالون اكبر داعم لحكم الطواغيت المتألهين و السماسرة المتاجرين بقضايا الشعوب ..، وإلباس الحق بالباطل و تفريق الأمة الإسلامية الواحدة إلى ملل و شيع متفرقة... متناحرة ، بأسها بينها شديد..!!؟ فمنذ استيلاء معاوية ابن أبي سفيان على الخلافة الإسلامية بالقوة و قيامه بتصفية أنصار علي بن أبي طالب بعد و فاة الرسول صلى الله عليه وسلم بحوالي 30 سنة.. شرﹼع الفقهاء المسلمون للطريقة العنيفة التي توخاها معاوية للإستيلاء على الحكم بالقوة و برروها شرعيا..!؟ كما شرﹼعوا باسم الإجتهاد– منذ ذلك الحين - للمذاهب الفقهية و المدارس الإجتهادية التي فرقت المسلمين
و قسمتهم إلى ملل و نحل متنافرة و متناحرة.. كل حزب بما لديهم فرحون!؟ و هم الذين شرعوا و يشرﹼعون لمذاهب السنة ومذاهب الشيعة و لمذاهب السلفيين الجهاديين قتلة الأبرياء من خلق الله..!؟ و هم الذين شرعوا و يشرعون للحركات الإسلامية المنادية بالديمقراطية الغربية و الإعراض عن قوانين الله و سننه الأزلية المفصلة في القرآن الكريم..!؟ و هم الذين يشرعون للأنظمة العلمانية اللقيطة التي تحكم العالم الإسلامي اليوم بتبريرات "دينية" و "فقهية" و"اجتهادية"..!!؟ لذلك أصبح "الفقهاء الإسلاميون" كما الحركات الإسلامية ( دراويش مجتمعاتنا الإسلامية في العصر الحديث) يشكلون – كما شكل رجال الدين المسيحي- عقبة كأداء وخطيرة جدا أمام تحرر مجتمعاتنا الإسلامية من ربقة الإستعمار الحضاري الغربي و من الأغلال الفقهية التي صارت تكبل المواطن العربي المسلم بأثقال تدفعه دفعا إلى مكان سحيق من التخلف الفكري و الحضاري والإنحطاط الأخلاقي وانتهاج الدروشة أسلوبا لحياته مما جعله يعيش خارج الزمان و المكان حتى صار أضحوكة العالم يمتهن كل ما من شأنه تسلية الإنسان الغربي ..!! بمبررات دينية و فقهية و اجتهادية ما أنزل الله بها من سلطان.!!؟ و توسيع قابلية المواطن العربي المسلم للنهب المحلي و الدولي والإستغلال المنظم برضى تام حتى غدا هذا المواطن فيئا يسيرا و أسيرا للجراثيم الفتاكة و كل الأمراض المزمنة ﴿كما تكشف الإحصاءات الطبية الرسمية)وافتقاد الرجولة و الكرامة و الخضوع للإستبداد و الإستحمار الفكري و الميوعة و الزندقة في العصر الحديث..!؟ ﴿ راجع نداءات حارة في مدونة محمد بن عمر:islam3mille.blogspot.com)
لقد ظلّ " المفكرون وزعماء الإصلاح و الزعامات السياسية " في البلاد الإسلامية يعتقدون ولا يزالون بأن الأنظمة والتشريعات السياسية والإجتماعية و الإقتصادية الغربية و غيرها .. هي التي ستنهض أمتهم الإسلامية من كبوتهم إذا ما اقتبسوها من المجتمعات الغربية المتقدمة، فاقتبسوا أنظمة الغرب وتشريعاته و لا يزالون، لكن دون جدوى...!؟ فالحال تزداد سوءا و انتكاسا على مر الأيام ..! وما دروا أنه على الرغم من تنوع الأنظمة والتشريعات لدى الشعوب المختلفة قامت الحضارات العديدة في التاريخ البشري.
إن القوانين والتشريعات ما هي إلا شكل من أشكال التنظم وتسهيل العلاقات الإنسانية في المجتمعات البشرية المختلفة، وتنبع عادة من حاجيات هذه المجتمعات وطموحاتها و تعبر عن إرادة أبنائها.. وتنبثق عن منظوماتها القيمية والفكرية و موازينها الدينية ومفاهيمها عن الكون والإنسان والحياة و معاييرها الدينية و الحضارية.. وليس هناك أي سند تاريخي أو واقعي يدل على أن الحضارة تبنى نتيجة لهذه القوانين والنظم والتشريعات البشرية و الوضعية..، وإنما هو إلتباس الأوضاع وضبابية الرؤيا.
لقد حد "بديع السماوات و الأرض" حدودا معلومة و قوانين راقية و ضبط سننا أزلية ثابتة لجميع مخلوقاته منذ خلقه للكون و الإنسان
و الحياة.. تحيى بمقتضى السير على هداها كل الكائنات الحية و تضمن بها لنفسها صيرورة سالكة و حياة طبيعية هانئة.. وإن خروج أين من هذه الكائنات عن حدود الله و قوانينه و نظامه البديع وسننه الدقيقة في الكون و الحياة ، الذي أبدعه الله بقدرته الفائقة و حكمته الأزلية .. = يعني حتما فقدان هذه الكائنات الضعيفة في أصل خلقتها لتوازنها الحيوي واندثارها أو موتها و هلاكها.. فخروج كوكب الشمس عن مداره الذي خلق له يعني حتمية احتراق الكون برمته .. كاحتراق القطار الذي يحيد عن سكته..أو تحطم السيارة أو الشاحنة الجانفة عن الطريق المعبدة لسيرها ..!؟ كذا تضطرب حياة بني آدم و تنتابهم شتى الأمراض والمهالك و العلل – كما هو حالهم اليوم في مختلف أنحاء العالم - إن هم حادوا قليلا أو كثيرا عن ﴿الصراط المستقيم ﴾المعبد لهم للسير فيه منذ الأزل، و قد فصلت لهم معالمه و دقائقه تفصيلا بينا في كل الكتب الإلاهية التي لم تطلها يد التحريف أو التأويل أو التشويه - كما هو شأن القرآن الكريم - .. و قد عمل كل الأنبياء عليهم السلام على تذكير أقوامهم بمختلف معالم هذا ﴿الصراط المستقيم﴾ منذ نوح عليه السلام و انتهاء بمحمد صلى الله عليه و سلم.
إن الزيغ عن قوانين الله الأزلية و سننه الفطرية التي فطر الناس عليها يعني حتمية نيلهم الخزي و الشقاء في الدنيا (من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) بحكم موت أرواحهم التي فصلوها عن خالقها – الذي نفخها فيهم - بكامل إرادتهم ... و خلودهم في عذاب جهنم يوم يقوم الناس لرب العالمين.فالله عز وجل قد أبان للإنسان المنهج الحق والشريعة الحق منذ خلق آدم عليه السلام، لذلك نجده عز وجل يخاطب عبده آدم عليه السلام منذ البداية قائلا: ﴿اهبطوا منها جميعا – الجنة- فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾(سورة البقرة الآيتين 38 و39 ). كما نجد الله عز وجل يذكر المسلمين دائما بأن القرآن هو كتاب الله الخالد الذي جاء مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل وكل الكتب الإلاهية السابقة له:﴿إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى﴾(سورة الأعلى الآيتين 18و19) وعندما يخاطب الله بني إسرائيل يقول لهم :﴿يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون. وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون﴾ (سورة البقرة الآيتين 40 و41). كما أن عقيدة المؤمن مبنية أساسا على الإيمان بالله وجميع كتبه ورسله لأنها في النهاية كتاب واحد و إن تعددت لغاته واختلف حاملوه ... يقول الله عز وجل:﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل أمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير﴾ (سورة البقرة الآية 285 ). وعندما يأمر الله عز وجل المؤمنين بصيام شهر رمضان يذكرهم بأن فريضة الصيام قد فرضت على المؤمنين من أتباع الرسل السابقين أيضا: يقول الله تبارك وتعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾(سورة البقرة الآية 183). وكثيرا ما ذكر القرآن المؤمنين أنه يريد أن يهديهم ﴿سنن الذين من قبلهم﴾ من عباد الله الصالحين .. والحاصل أن شريعة الله و منهجه في الحياة مكتملة منذ خلق الله عز وجل آدم عليه السلام وقرر أن يجعله خليفة في الأرض، فأوامر الله ونواهيه ثابتة لا تتغير ولا تتبدل بتغير الزمان أو المكان، وكانت المهمة الأساسية لرسل الله عليهم السلام تذكير أقوامهم بها ليسير على هديها من شاء ويكفر بها من شاء، والمتبعون لها يسميهم الله:«المؤمنون والمهتدون وأولو الألباب وأولو العلم...» وغير المتبعين لتعاليم الله يسميهم الله :« المشركين والكفار والمنافقين والعصاة والظالمين والذين لا يعقلون والجاهلين و المفتقدين للعقل و العقلانية على عكس ما يتوهم إخواننا العلمانيون و اليساريون .. كما يشبههم الله عز وجل بالأنعام﴿ بل هم أضل﴾... وبالتالي لم يترك الله إمكانية للإجتهاد البشري في الدين ولو كان هذا المجتهد نبيا أو رسولا. فالتشريع و تحديد المعايير للسلوك البشري .. قد اختص الله به دون سائر البشر،وكل ما يحتاجه المؤمن في حياته الدنيا قد فصل الله فيه القول تفصيلا..! وقد أعلمنا الله عز وجل أنه:﴿ ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾ و﴿ وكل شيء فصلناه تفصيلا﴾. وهذا الإخبار القرآني باكتمال شريعة الله وتفصيل كل دقائقها ينزع عن المجتهدين في الدين و الفقهاء الإسلاميين ( أصحاب العمائم و الدراويش بحكم انتهاجهم لأسلوب حياة لا يتلاءم مع عصرهم بدعوى اقتدائهم بالسلف الصالح ؟؟!!) أي مشروعية، بل إن الله يعتبر أن أتباع هؤلاء المجتهدين في الدين /الدراويش :﴿ قد اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم﴾ كما فعل اليهود والنصارى من قبل ،وبالتالي فان المجتهدين في الدين كالمذهب المالكي و المذهب الشافعي و مختلف المدارس الفقهية سنية كانت أو شيعية ... وأتباعهم هم كفار ومشركون في المفهوم القرآني بل يعيشون في ظلمات بعضها فوق بعض بسبب نظرتهم للحياة بعيون أموات و ليس بعيونهم التي أنعم الله بها عليهم! فالمؤمن بالله حق الإيمان المقتنع بربوبية الله عز وجل لا يحتاج لانتهاج السلوك القويم إلاّ لكتاب الله الذي أنزل( الكتاب و الميزان﴾ الذي هو آيات بينات / بصائر إلاهية قادرة على إنارة دروب المؤمنين في كل زمان و في كل مكان على عكس المقولات البشرية التي كثيرا ما تقف حاجبا عن رؤية الواقع و الحقائق الوجودية .../ و هذه البصائر الإلاهية استطاع محمد صلى الله عليه وسلم - قدوة جميع المؤمنين- وأنصاره من الأميين المؤمنين فهمها واستيعابها بحسب معطيات عصرهم الحضارية (أي فهما نسبيا بحكم بشريتهم)، وإقامة دولة إسلامية قوية على أساسها..أوصلت تعاليم الله و شريعته و معاييره و قرآنه إلى أقاصي الأرض.!
لقد بدأ الصراع بين الحق و الباطل منذ أن بدأت الحياة على الأرض..! و قد ألهب شرارة هذا الصراع إبنا آدم عليه السلام.. و بدأ الصراع بين متبع لهداية الله المفصلة في الكتاب المنزل وخائف من عقابه.. و بين متبع لهواه و أنانيته..! لا يهمه أرضي الله أم سخط ..! و لكي لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، اقتضت حكمة الله أن يبعث رسلا من البشر- مبشرين و منذرين - يذكرون أقوامهم بتعاليم الله و ثوابته و قوانينه الأزلية في شتى مجالات الحياة الدنيا.. و قد اجتبى الله هؤلاء الرسل من بين الناس لما تحلوا به من طهر و عفة و رجاحة عقل مقارنة بمعاصريهم من ذوي الألباب .. إن مهمة هؤلاء الرسل عليهم السلام تتمثل أساسا في تذكير أقوامهم بآيات الله البينات و طريقه المستقيم و المتضمنة لكل تعاليم الله مبتدئا بنوح عليه السلام و مختتما بمحمد صلى الله عليه و سلم.
إن تعاليم الله التي ذكر بها نوح – عليه السلام – قومه هي نفسها التي أوحى الله بها إلى محمد صلى الله عليه و سلم في ﴿القرآن﴾ وهي نفسها التي ذكر بها موسى و عيسى عليهما السلام : ﴿في التوراة و الإنجيل﴾ و هي نفسها التي ذكر بها داوود و إبراهيم عليهما السلام في ﴿ألزبور و الصحف﴾ : وهي ثوابت صار على هديها كل الصالحين من عباد الله المخلصين عبر مختلف العصور و ألازمان و في كل مكان .. إن السير طبق تلك الثوابت الإلاهية ( آيات بينات ) ماضيا و حاضرا و مستقبلا .. و إلى أن يرث الله الأرض و من عليها هي الضامن الوحيد لرضوان الله و الفوز بجنته يوم يحشر الناس لرب العالمين... و هي الضامن الوحيد لوحدة الأمة الإسلامية في العصر الحاضر و العصور اللاحقة وهي الضامن الوحيد لقوة الأمة الإسلامية و وحدتها و عدم تشرذمها كما هو واقعها الآن بفعل هجرها للقرآن و لجميع ثوابته منذ زمن بعيد.
إن مبادئ الله و ثوابته في الكون و الإنسان و الحياة و المجتمع هي مبادئ عامة لكل البشر منذ خلق آدم عليه السلام وهي مفصلة تفصيلا دقيقا في كل الكتب السماوية قبل أن ينالها التحريف و التأويل و التشويه من قبل بعض أتباع الرسل السابقين على محمد صلى الله عليه و سلم .. لذلك اقتضت حكمة الله أن يكون الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه و سلم ﴿ القرآن﴾ معجزا و غير قابل للتحريف أو التأويل أو التشويه ... متحديا الإنس و الجن أن يأتوا بسورة من مثله لأن محمدا صلى الله عليه و سلم هو آخر المرسلين لبني البشر ، و كتابه ﴿ القرآن ﴾هو آخر الكتب السماوية المنزلة على بني آدم .. من اتبعها فقد هدي إلى الصراط المستقيم و من زاغ عنها بدعوى الحداثة و الإجتهاد و التأويل فقد ضل ضلالا مبينا..!!
إن قراءة متبصرة لآيات القرآن العظيم .. لا تلفها الأهواء و التأويلات المغرضة.. تكشف لنا عن كل القوانين والسنن الفطرية التي تتحكم في جميع العوالم التي خلقها الله و الخاضعة طوعا أو كرها لمشيئته عز وجل لا تحيد عنها منذ الأزل .. كما تحتوي هذه الآيات و خاصة الآيات المدنية منها على كل سنن و قوانين أمة الإسلام الأبدية في الأسرة و المجتمع .. و التي قد سار على هديها الصالحون من عباد الله منذ أقدم العصور، و ملخصها:﴿ اعبدوا الله مالكم من الاه غيره﴾ فتوحيد الله وخضوع الإنسان السوي المؤمن لشرع الله في الأسرة والمجتمع و كل علاقات الإنسان بنفسه و بربه و بأخيه الإنسان و بالطبيعة واستشعار الله و خشيته سرا و جهرا – على عكس خضوع الإنسان لقوانين وضعية المفتقدة لكل وسائل الردع و الرقابة -.. كانت و لا تزال جوهر كل الرسالات السماوية .. و لذلك جعل الله الأمة المستمسكة بهذه القوانين الأزلية المستشعرة لخشية الله في الخضوع لتعاليمها .. أمة الشهادة على الناس أجمعين: ﴿ و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا﴾ (سورة البقرة الآية 143).إن تشبث أمة الإسلام بقوانين الله و سننه الأزلية يخضع في التطبيق و التجسيد للنسبية التي يخضع لها سائر عمل بني آدم الذين يحيون في إطار زماني و مكاني محدودين .. فما ارتاه الرسول الكريم و صحابته استجابة لأوامر الله و نواهيه في المجال السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي و في الحرب وفي السلم و تنزيل شرع الله في الحياة المدنية و تشكيل مختلف الأجهزة التنفيذية في المجال الأمني و العسكري و الإجتماعي و السياسي و غيره: أي في ميدان المعاملات و ليس في ميدان العبادات- قد يختلف اختلافا كليا عن ذلك الذي يرتئيه المسلمون في العصر الحديث لبعث دولة الإسلام دولـــــــــــة الــتـــــوحـــــيد القادرة لم شعث المسلمين و توحيدهم في كيان قوي .. نصرة لدين الله و للمسلمين في مشارق الأرض و مغاربها.. إن تغير العصر و تطور نوعية الحياة فيه و تقدم منتجات الحضارة الإنسانية.. لا يعني مطلقا تغيير المسلمين ﴿ لصراط الله المستقيم ﴾ و أحكامه و سننه الأزلية المفصلة في الذكر الحكيم.. بل يعني فقط الأخذ بأسباب الحداثة المادية و التقنية في الخضوع لكل قوانين الله و أحكامه في القرآن و الإجتهاد في تنفيذ الأحكام الشرعية المستمدة من القرآن بالأساليب و الوسائل الملائمة لحضارتنا في العصر الحديث قدر المستطاع ..
كما لا بد من استحداث الوسائل والآليات المناسبة و الأجهزة التنفيذية الملائمة و الكفيلة بتوزيع ثروات أرض الإسلام بأقصى درجات العدالة الإجتماعية و الأخوة الإسلامية و تقوى الله التي تجمع كل المسلمين برباط الإسلام حكاما محكومين ..!
التعليقات (0)