مواضيع اليوم

علمانية الصحابة..سقيفة بني ساعدة نموذجا ج1

جمال الهنداوي

2009-03-02 19:25:15

0

في أي محاولة للحديث عن إشكالية عجز العقل العربي المسلم عن استيعاب نظرية واقعية وملزمة وقابلة للتطبيق للحكم كممارسة وتقليد نجد البحث يقود بالضرورة القسرية إلى التعاطي مع الموروث السياسي الاسلامي وبالتأكيد جانب التشريع منه, ولا يمكن التوصل إلى مقاربة موضوعية للبنى التحتية المؤسسة للعقلية الفقهية المسلمة دون التحرش بفترة الخلافة الأولى أو ما يصطلح عليها ببواكير فترة الخلافة الراشدة .مع الأخذ بنظر الاعتبار السير على أطراف الأصابع في دهاليز تلك الفترة الحرجة لكثافة الحجب والسواتر القدسية التي تحيط برجالات صدر الإسلام الأول,خير القرون وعهد الرسالة في انصع صورها,الصحابة العدول الذين بأيهم اقتدينا اهتدينا.فمعضلة إمامة المسلمين بعيد وفاة النبي محمد وطريقة تعامل الصحابة معها ومع ما بعدها شكلت المرتكز التي تدور حوله غالبية الأنشطة التشريعية والفقهية التي تعاملت مع مسألة الخلافة والحكم.

ونظراً للركام الضخم من الأبحاث التي تناولت تلك الفترة فأننا لا نأتي بجديد إن قلنا بأن مؤتمر السقيفة كان من أهم الأحداث وأخطرها من حيث التأسيس لاول ممارسة عملية لإتمام الدين واكتمال النعمة,حيث انه يمثل أول تجربة للمسلمين للقطع بمسألة على درجة من الخطورة دون وجود الرسول ليفصل في المسألة وليصوب رأيا أو ليجيز قرارا أو ليدعو الله أن يأتيه الحل من السماء ,ونحن هنا نتغاضى عن الأسلوب الممسرح حد الغرابة الذي وصلنا للواقعة وعن المحاولات الفجة لإضفاء بعض التلقائية والعفوية والآنية على ردود أفعال بعض أبطال ذلك المشهد البالغ الأهمية في تاريخ الإسلام والمسلمين ولن نكون معنيين بتحليل المزاج السياسي لتلك الفترة بقدر اهتمامنا بالأسس والقواعد التي اتبعها أو استند عليها كل من أطراف النزاع في ذلك الوقت لدعم وجهة نظره وبيان أحقيته بالإمامة العامة للمسلمين.

فالتاريخ يحدثنا-وبلا مواربة- بأن هناك عدة أطراف كانت تنتظر الإعلان الرسمي لوفاة النبي محمد لتنفيذ أو تفعيل بعض ما تم إقراره  من وسائل للسيطرة على السلطة. فلقد سارع الأنصار إلى سقيفة بني ساعدة، لعقد اجتماع لدراسة الاحتمالات المتوقّعة للخلافة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) و لكن يبدو انه لم يكن جميع الأنصار على رأي واحد، فقد كانت تختفي في أفق الاجتماع نوايا متنافرة وتنطوي النفوس على رغبات متضادّة وشبح العداء المستحكم بين الأوس والخزرج كان حاضراً وبقوة في هذا الاجتماع, فعندما تحدث شيخ الخزرج سعد بن عبادة مستثمرا ًالرضا المعلن من قبل النبي محمد على الأنصار ومخاطباً الحاضرين قائلاً:

"إنّ لكم سابقةً إلى الدين وفضيلةً في الإسلام ليست لقبيلة من العرب، إنّ رسول الله لبث في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأوثان، فما آمن من قومه إلاّ قليل، حتى أراد بكم خير الفضيلة، وساق إليكم الكرامة، وخصّكم بدينه، فكنتم أشد الناس على من تخلّف عنه، وأثقلهم على عدوّه من غيركم، ثمّ توفّاه الله وهو عنكم راض. فشدّوا أيديكم بهذا الأمر فإنّكم أحقّ الناس وأولاهم."

وجدنا من يجيبه مؤيداً وداعماً ومصفقاً :" وفّقت في الرأي وأصبت في القول، ولن نعدو ما رأيت، نولّيك هذا الأمر".أو من يرد متشككاً ومتريثاً و متردداً:" فإن أبى المهاجرون وقالوا نحن أولياؤه وعشيرته".أو من راد عليهم بما لا يحتمله الموقف من تراخ, فقالوا:" نقول: منّا أمير ومنكم أمير"،مما دفع شيخ الخزرج إلى الاعتراف المبكر والاستباقي بالهزيمة  فعلّق مدعياً الحكمة قائلاً:" فهذا أوّل الوهن".

وهنا يسجل لنا التاريخ - بمواربة وتدليس واضح- دخول حزب المهاجرين معززاً بهذا الوهن"وبقبيلة بني أسلم التي أقامت حواجز مسلحة في جميع مداخل وطرقات المدينة" ليفتتح أبو بكر الحديث بأسلوب لبق منمق روعيت فيه الكياسة الدبلوماسية وإبداء الرغبة بالتوافق لكسب الموقف فخاطب الأنصار باللطف، ولم يستعمل في خطابه أيّ كلمة مثيرة فقد قال: "نحن المهاجرون أوّل الناس إسلاماً، وأكرمهم أحساباً، وأوسطهم داراً، وأحسنهم وجوهاً، وأمسّهم برسول الله  (صلى الله عليه وآله) رحماً، وأنتم إخواننا في الإسلام، وشركاؤنا في الدين، نصرتم وواسيتم، فجزآكم الله خيراً، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا نفتات عليكم بمشورة، ولا نقضي دونكم الأمور،"أي منصب استشاري شرفي ووجاهة اجتماعية وامتيازات مالية تحت بند السابقون المقربون.ولكن هذا كان تحت سقف الطموح بكثير لمعظم الأنصار حيث نرى الحباب بن المنذر بن الجموح يقول:" يا  معشر الأنصار! املكوا عليكم أمركم، فإنّ الناس في ظلّكم ولن يجترئ مجترئ على خلافكم، ولا يصدر أحد إلاّ عن رأيكم، أنتم أهل العزّة والمنعة، وأولو العدد والكثرة، وذوو البأس والنجدة، وإنّما ينظر الناس ما تصنعون فلا تختلفوا فتفسد عليكم أموركم،"ولكنه هنا يكبو بملاحظة مضافة زائدة لا مبرر لها:" فإن أبى هؤلاء إلاّ ما سمعتم فمنّا أمير ومنهم أمير."

ليتلقفها عمر بن الخطاب: "هيهات لا يجتمع سيفان في غمد، والله لا ترضى العرب أن تؤمّركم ونبيّها من غيركم، ولا تمتنع العرب أن تولّي أمرها من كانت النبوّة منهم، فمن ينازعنا سلطان محمّد ونحن أولياؤه وعشيرته."

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !