علماء يهود أضاءوا سماء الاسلام
أبيّ بن كعب
أبيّ بن كعب بن قيس بن عُبيد النجّار - أبو منذر - الخزرجي كان قبل الإسلام حَبْراً من أحْبار اليهود، مطلعاً على الكتب القديمة ولمّا أسلم كان في كتاب الوحي. شهد بيعة العقبـة و بدرا وبقية المشاهـد وجمع القرآن في حياة الرسـول وكان رأساً في العلم وبلغ في المسلمين الأوائل منزلة رفيعة، حتى قال عنه عمر بن الخطاب (أبيّ سيد المسلمين).
كان أبيّ بن كعب في مقدمة الذين يكتبون الوحي ويكتبون الرسائل، وكان في حفظه القرآن وترتيله وفهم أياته من المتفوقين، وكان رسول الاسلام يعرض عليه آيات القرآن قبل تدوينها ويستشف هذا من حديث الرسول الى أبيّ بن كعب: (يا أبيّ بن كعب، اني أمرت أن أعرض عليك القرآن). هنالك سأله أبيّ: (يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، وهل ذكرت لك باسمي؟). فأجاب الرسول (نعم، باسمك ونسبك في الملأ الأعلى)... كما قال الرسول: (أقـرأ أمتي أبَيّ) رواه الترمذي. فقد كان أبيّ يتقن اللغة العربية الى جانب العبرية بل تفوق على العرب جميعا في اللغة العربية حتى صار ملازما للرسول أينما حل وارتحل يملي عليه الرسول الرسائل، وسور القرآن حال نزولها. وكان أبيّ عالما في التوراة والقرآن.
وعن أبي بن كعب أن النبي محمد صلّى بالناس، فترك آية فقال: (أيُّكم أخذ عليّ شيئاً من قراءتي؟). فقال أبيُّ: (أنا يا رسول الله، تركتَ آية كذا وكذا)... فقال النبي (قد علمتُ إنْ كان أحدٌ أخذها عليّ فإنّكَ أنت هو). وقال أبي بن كعب لعمر بن الخطاب: (يا أمير المؤمنين إني تلقيتُ القرآن ممن تلقّاه من جبريل وهو رطب)...
شهد أبـي بن كعـب مع عمـر بن الخطاب وقعة الجابيـة، وقد خطـب عمـر بالجابية فقال: (أيها الناس من كان يريـد أن يسأل عن القرآن فليأتِ أبـيَّ بن كعـب)...
وكان أبـيَّ بن كعـب واحدًا من الستة أصحاب الفُتْيَا (المجلس القضائي) الذين أذن لهم رسول الله ( بالحكم في حوائج الناس، وفض المنازعات التي تحدث بينهم، وردِّ المظالم إلى أهلها، وهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأبيّ بن كعب، وزيد بن حارثة، وأبو موسى الأشعري.
وكان أبيّ بن كعب لا يخاف في الله لومة لائم، وكان من الذين لا يطلبون من الدنيا عرضًا، فليس لها نصيب في قلوبهم، فعندما اتسعت بلاد المسلمين ورأى الناس يجاملون ولاتهم في غير حق قال: هلكوا وربِّ الكعبة، هلكوا وأهلكوا، أما إني لا آسى (أحزن عليهم) ولكن آسى على من يهلكون من المسلمين.
وكان عمر بن الخطاب يجل أبيَّا، ويستفتيه في القضايا، وقد أمره أن يجمع الناس فيصلي بهم في المسجد صلاة التراويح في رمضان، وقبلها كان يصلي كل إنسان وحده.
وعندما جُمع القرآن في خلافة عثمان بن عفان كان أُبيّ بن كعب يملي آيات القرآن على المجموعة التي انتخبها عثمان لهذا الغرض وأبيّ من بينهم، وأنّ سعيداً كان يعرب ما كتبه زيد. وعن مجاهد: "أنّ المملي أُبيّ بن كعب، والكاتب زيد بن ثابت، والذي يعربه سعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث"..
وتوفي أبيّ بن كعب في خلافة عثمان بن عفان، ويوم موته رأى رجلٌ الناس في المدينة يموجون بعضهم في بعض، فقال: ما شأن هؤلاء؟ فقال بعضهم: ما أنت من أهل البلد؟ قال: لا. قال: فإنه قد مات اليوم سيد المسلمين، أبيّ بن كعب..
وظل هذا اليهودي الأصيل حتى يومه الأخير منارة ونورا وهدى للمسلمين الأوائل عندما كان الاسلام لا يزال في مهده وفي أشد أوقاته حرجا، فكان أبيّ بن كعب من النجوم التي أضاءت سماء الاسلام..
التعليقات (0)