مواضيع اليوم

علماء السلطة والجدار والجنة والنار

زين الدين الكعبي

2010-01-06 14:41:16

0

 

 

هنالك مقياس بسيط ومعروف لدى البشر يمكن من خلاله معرفة أن كان ما نفعله صح ، أم خطأ . وحده العمل اللذي نقوم به في الخفاء ونحرص على عدم أنكشاف أمرنا عندما نقوم به هو العمل الخاطيء والغير صحيح والآثم أحيانا . أما الأعمال اللتي نقوم بها في العلن ودون خوف فهي بالتأكيد أعمال صحيحة . وهذا هو المقياس اللذي من خلاله يمكن أن نقيم أفعالنا من خلاله .

كالسراق والزناة أقامت الحكومة المصرية سرا ، جدار تجويع غزة الفولاذي بأمر من الكيان الصهيوني وأمريكا اللتي تعرف قيمة سلاح التجويع جيدا ، بعد أن جربته على الشعب العراقي من قبل . ولم تبدأ القاهرة بالدفاع عن جدارها الآثم ألا بعد أن كشف الكيان الصهيوني نفسه أعمال الجدار . مما يعني أن الحكومة المصرية تعلم جيدا أن أقامة هذا الجدار هو عمل مخجل ومشين .

أما بعد أنكشاف الأمر فلقد أنقسم الناس كالعادة بين مؤيد ومعارض لهذا الجدار . فأصبح أبواق الحكومات وأحباء ماما أمريكا وكارهوا المقاومة وكل من له غرض آخر في صف . ووقف كل من يحمل ذرة من المشاعر الأنسانية ممن يعتقدون أن لاشيء ابدا يبرر تجويع أي شعب ومهما كانت الأسباب في الصف الآخر .

والشيء الغريب هو أن يتواجد في الصفين عربا وأسرائيليين وأوربيين وأمريكان وافارقة وآسيويين . مما يبين أن البشر ومها أختلف جنسهم أو عرقهم او دينهم قد يختلفون في تعريفهم للجريمة ، فيبررها بعضهم حينا ، ويضفي عليها الشرعية حينا اخر .

ولكن الشيء الأعجب من كل ذلك هو أختلاف علماء الدين المسلمين حول جريمة تجويع أهل غزة وهم من يفترض ان يكونوا الحامي الأول للقيم الأنسانية . فكيف يعقل أن يبرر رجل دين حصار وتجويع اطفال ونساء وعجائز أبرياء بحجة منع تهريب الأسلحة ؟ .

عبارة غاية في الدقة قالها الكاتب المعروف فهمي هويدي عن هذا الموضوع في مقال له حيث قال " الذي لا يقل سوءا عن إقامة الجدار الذي يحكم الحصار حول غزة، أن يتبناه بيان صادر باسم مجمع البحوث الإسلامية، فيبرره ويعتبر معارضته مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية ".

 جاء الأنقسام المشايخي أذا صح التعبير واضحا  حول الجدار . فعلى لسان مفتي الأزهر ورئيس المجمع  ، وفي مشهد تلفزيوني أعتبر طنطاوي أن بناء الجدار ليس فقط حق سياسي لمصر بل أنه " حق تكفله الشريعة الغراء "  وبذلك أصبح للجدار قدسية دينية قد تدخل من يعارض بنائه في اشكالية كبيرة يوم القيامة . وقد تودي به الى النار.

فيما هاجم القرضاوي الجدار معتبرا ان بنائه يناقض أحكام الشريعة . وبذلك أصبح تأييده رأيا قد يدخل صاحبه الجنة .

مع أني مع اعتبار آرائنا حول المباديء مهما كانت حجة علينا يوم القيامة . الا أن هذا الأختلاف يلقي الضوء ليكشف بوضوح كيف استطاع الساسة المستبدون على طول التاريخ الأسلامي من تسخير جزء من علماء الدين لأضفاء شرعية دينية على أعمال سياسية بحتة مناقضة للدين . حتى كأن الأسلام أصبح دينين او ثلاثة أديان أو أكثر .

هذا التخبط في الفتوى كان بالغ الوضوح في بيان " مضحك مبكي " للشيخ على عبد الباقى أمين عام مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، اللذي رفض فيه بشدة تشبيه الشيخ والداعية اليمني عبد المجيد الزندانى للجدار الفولاذي الذي تبنيه مصر على حدودها مع قطاع غزة بحصار النبى فى شعب بنى هاشم . مؤكداً أن القضية سياسية وسيادية ولا تحتاج لفتوى دينية .

فأذا كان الأمر كذلك فلماذا أفتى المجمع بأدخال معارضيه الى النار  ؟؟ .

لقد أصبح من الممكن معرفة آراء الحكومات العربية من خلال آراء المشايخ المعينين رسميا من قبل الحكومات في الدول المسلمة "وليست الأسلامية". فمثلما يبين رأي طنطاوي رأي الحكومة المصرية ، يمكن أن نعرف أن الحكومة القطرية رافضة للجدار من خلال رأي القرضاوي . كما يمكن معرفة رأي الحكومة الأيرانية الرافض للجدار من خلال خطبة الجمعة في طهران .

وليس من الصعب معرفة رأي الحكومة السعودية المؤيد لبناء الجدار أذا ما تأملنا الصمت المطبق لعلماء السعودية " اللذي  افتى احدهم بحرمة المظاهرات الداعمة للفلسطينيين  واعتبرها من باب الفساد قي الارض " حول الموضوع . صمت قد يبرره المأزق الأخلاقي لهؤلاء العلماء أزاء قضية أنسانية لايمكن أن يقبل بها الله ورسوله . ولكنه الخوف من السلطان .

بدون الديموقراطية وتحول المؤسسات الدينية في بلداننا الى أحدى مؤسسات المجتمع المدني سيظل الدين ألعوبة بيد الدكتاتوريات المستبدة .

 

مقال الكاتب هويدي حول فتوى طنطاوي

http://www.moheet.com/show_files.aspx?fid=333568

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات