في ظاهرة غير مدروسة إنفتحت أبواب الاستيراد في العراق على مصراعيه، فتدفقت السلع والمواد والأجهزة من كل حدب وصوب حتى أمتلأت أسواقنا بكل شيء من البضائع الجيدة وغير الجيدة وصارت تشكل علامة بارزة في التنوع والتلوين لكن هذا الاستيراد وبهذه الكيفية قد أثر على الكثير من المعامل والمصانع والورش المحلية التي كانت تمثل أحد رموز الاقتصاد العراقي من خلال تلبيتها جميع متطلبات المواطن العراقي وضرورات حياتهم اليومية حيث ساهم في إغلاقها وتشريد الآلاف من العمال وقطعت أرزاق عوائلهم.
حمدية جاسم محمد (موظفة) تقول: طموحي مشاهدة كل شيء في بلادي مطرّز بعبارة (صنع في العراق) في حين نرى ان العراق يستورد جميع الاشياء من الخارج من دون ان يضع ولو دراسة واحدة لانشاء معامل عراقية خالصة تواجه هذه الموجة الاستيرادية العشوائية لسلع وبضائع رديئة خالية من أبسط المواصفات الفنية، وهذا شيء مؤلم ونحن نستذكر معاملنا التي كانت تضاهي معامل العالم في انتاجها وجودة بضائعها .
ويذكر أحمد جبار محمد (صاحب محل لبيع الالبان): لقد اغلقت معامل الالبان أبوابها بعد ان اصبحت هذه الصناعة كاسدة أمام تدفق الالبان والاجبان المستوردة، إذ وجدت تقبلاً كبيراً من المستهلك العراقي مع اننا أهل الزراعة والمراعي والماشية والابقار بين الدول الصناعية ونقف مكتوفي الايدي أمام أجتياح هذه البضائع ولا نستطيع أن ننتجها بأيدينا، بينما نحن نتمتع بخبرات وكفاءات لا تقل عن البلدان الأخرى ومعاملنا الانتاجية التي توقفت خير دليل على صدق كلامي، فنحن في حاجة الى ان نعيد ترتيب البيت الاقتصادي العراقي وندخل مرحلة جديدة في صناعة متطورة تواكـــب الدول وهذا لا يحدث الا بتدخل حكومي مباشر .
عباس علي أحمد (موظف) يقول: نحن نعاني من المياه الملوثة التي تباع في الشوارع والمنتجة حسب اعتقادي من البيوت والمحال التجارية، بعيداً عن الرقابة والشروط الصحية التي أضرت بنا وبعوائلنا من مختلف أنواع الأمراض ، فلو قامت الجهات المسؤولة بانشاء معمل أو معامل كبيرة معروفة لدينا بنظافتها بدلاً من هذه المياه التي تباع على الأرصفة لأدى الى حماية المواطن من تلك الأمراض .
ويتذكّر حسن صالح علوان (بائع سجاد) شركات الصناعة النسيجية ومصنع بغداد للأثاث التي كانت تعبر من كبريات الشركات العراقية التي انشأت في أربعينيات القرن الماضي وغطت حاجة البلد من منتوجاتها سواء دوائر الدولة أو المواطنين، ولكن تعرّض هذا القطاع الى مشاكل كبيرة من عام 2003 بسبب انفتاح السوق العراقية أمام البضاعة الأجنبية وضعف الدعم المقدم لها من خلال عزوف شراء بضائعها ما سهم بتردٍ في معدلات الانتاج وتعرضها الى العديد من الخسائر وتوقفها بشكل نهائي.
ويطمح محمد انور المياحي (لديه محل لبيع المواد الغذائية في منطقة المعلمين) باعادة الحياة الى معالمنا التي كانت تنتج المواد الغذائية الجيدة مثل معمل (انتاج معجون الطماطة والمواد الغذائية المجمدة واللحوم والدهون والزيوت والبيض) والتي يمكنها ان تساهم في تخطي بعض متاعب الحياة ومواجهة ارتفاع الأسعار من خلال هذه الصناعة المحلية وهي صناعة رائجة يحتاجها كل مواطن .
وتتحسر أمل خليل ماهر (صاحبة محل لبيع الملابس المستوردة) عندما تراجع احدى الصيدليات لشراء بعض الأدوية لتجد هذه الكم الكبير من الشركات المنتجة للادوية الرديئة والتي لا تقارن مع الأدوية العراقية المعروفة بكفائتها في جميع البلدان المجاورة وطلبت بوضع ضوابط صارمة على دخول هذه الأدوية حفاظاً على أرواح عبد الله.
ويحذّر تحسين خليل مهدي (بائع ثلج) من ان الصيف على الأبواب وأغلب الناس يحتاجون في ظل انقطاعات الكهرباء إلى الثلج الذي سوف تعج بها محالنا لبيعه بينما نراه يفتقر الى أبسط الشروط والمقومات الصحية، فصناعة الثلج لم تعد كما كانت في السابق وضع المياه داخل قوالب صدئة ومن ثم اخراج الثلج بعد تعرضه لانانبيب الامونيا المثلجة داخل الأحواض بينما نعلم بأن الثلج ينتج بصناعات متطورة وهو صاف كالزجاج ونظيف ومعقم، وكانت دعواتنا من الجهات الحكومية العمل على ضرورة انشاء معامل خاصة بصناعة الثلج باشراف صحي متميز حتى نطمئن الى ما نعطيه إلى المواطن.
من جانبها وزارة الصناعة والمعادن باشرت باعداد دراسات خاصة باقامة مدن صناعية كبرى في عدد من المحافظات . وقال مصدر مسؤول في الوزارة في تصريح صحفي: تتجه الدولة حالياً لاقامة مجمعات صناعية كبيرة في كل محافظة لغرض انشاء مصانع متوسطة وصغيرة والذي من شأنه ان يسهم في تطوير الصناعات الوطنية وتلبية حاجة البلد من البضائع والمنتجات التي تقوم الدولة حالياً باستيرادها من خارج العراق فضلا عن أهمية هذه المشاريع في تشغيل أكبر عدد ممكن من الأيدي العاملة وامتصاص البطالة في المحافظات كافة، مضيفاً ان الوزارة باشرت باعداد دراسات لاقامة مثل هذه المشاريع في كل من محافظات نينوى وذي قار والانبار بالتنسيق المباشر مع مجالس المحافظات من خلال إستغلال قطع الأراضي العائدة للوزارة لاقامة المجمعات المذكورة على مساحة تقدر بـ(100) دونم لكل منها تكون كافية لانشاء ما لا يقل عن 100 مصنع بعد توفير الشروط الأساسية الأخرى كقربها من مراكز المدن ومصادر المياه والوقود والظروف الأمنية المناسبة.
فيما دعت عضو اللجنة المالية نجيبة نجيب الى تفعيل القطاعات الاقتصادية المختلفة من خلال وضع خطة استراتيجية مبنية على أسس علمية للنهوض بالاقتصاد العراقي. وقالت نجيب: يجب وضع خطة استراتيجية سواء كانت خمسية أم عشرية تشمل تأهيل وتفعيل جميع القطاعات الاقتصادية في البلد لا سيما (الزراعي والصناعي والسياحي) للنهوض بالاقتصاد العراقي وتحويله من اقتصاد ريعي أحادي المصدر إلى اقتصاد متين معتمد على قطاعات كبيرة غير النفط وأرجعت سبب تخلف الاقتصاد الوطني وعدم النهوض به الى غياب الارادة الحقيقية والرؤى الاقتصادية الواضحة في تشخيص المعوقات التي يعاني منها الاقتصاد العراقي وحلها، واضافت: ان العراق غني يتمتع بمقومات اقتصادية كبيرة لم تستغل سواء في القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية، مشيرة الى وجود أراض زراعية كثيرة في عموم البلاد لو تم استثمارها بالشكل الصحيح لكان العراق أصبح من البلدان المصدرة للمنتوج الزراعي علاوة على ما يملكه من معامل صناعية كبيرة وثروات طبيعة.
التعليقات (0)