بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
الكلام في الأسباب تابع للكلام في الأفعال وقد سبق أن ذكرت أن ذلك يبحث في العقيدة عندالكلام عن صفة الوحدانية .
والكلام في الأسباب يتركز على الآتي:
1_ يجب بيان مصطلحات عند العقائديين يستعملونها عند بحث المسألة .فمنها هل السبب مؤثر؟ومعنى المؤثر اصطلاحاً هو الخالق .فأهل السنة يعتقدون أنه لاخالق إلا الله تعالى وحده لا شريك له ولذا فليس السبب بمؤثر أي ليس بخالق لشيء ، فالأسباب لا تخلق شيئاً .هذا اعتقاد أهل السنة .
وقد خالف في ذلك طائفتان :
الأولى :تعتقد أن السبب مؤثر بذاته مستقل عن الله تعالى وهذا كفر مخرج من الملة .وهو قول الفلاسفة.
والطائفة الثانية :طائفة مبتدعة :تعتقد أن السبب يخلق النتيجة بقوة أودعها الله فيه، ولكن ليس خالق كند لله تعالى .
والجمهور على أنهم مبتدعة ضلال لا يصلون إلى الكفر المخرج من الملة.ومن العلماء من كفرهم بذلك ،والمعتمد عدم تكفيرهم.
2_ نوع الربط بين الأسباب هل هو عقلي أم عادي ؟فأهل السنة يعتقدون أن الربط بين الأسباب والنتائج هو ربط عادي لا عقلي لأن الربط العقلي لازم بخلاف الربط العادي فليس بينها تلازم ،ولذا فمن الممكن أن لايحدث الارتباط بين الأسباب ،وتحصل النتيجة ،ويمكن أن يحصل ارتباط بين الأسباب ولا تحصل النتيجة ،ففي قصة وضع سيدنا إبراهيم عليه السلام في النار لم تحدث النتيجة المعتادة لمثل هذا الأمر وهي الاحتراق ،وهذا أمر خارق للعادة ،ولذا يسمى الارتباط عادي عند أهل السنة أي جرت العادة بالحس أن تحصل النتيجة عند الارتباط بين الأسباب ،ولكن هذه العادة قد لا تحدث ،وهذا يسمى خرقاً للعادة إما معجزة لنبي ،أو كرامة لولي أو غير ذلك .
كما أنه يمكن أن تحصل النتيجة بلا ارتباط بين الأسباب .كولادة سيدنا عيسى عليه السلام بلا أب ،ونحوها من خوارق العادات.
3_ أن الله يخلق عند الاقتران بين الأسباب وليس بها أي ليست الأسباب معاونة لله تعالى ،بل هو غني عنها ،وهذا معنى قول أهل السنة أنه يخلق عندها لا بها ،لأن الباء المنفية هنا هي باء الاستعانة ،فالله لا يستعين بشيء من الأسباب .
4_ لا تأثير للعباد وغيرهم من الأحياء في أفعالهم(أي لا يخلقونها ) وأفعالهم على قسمين: اضطرارية واختيارية فالأفعال الاضطرارية هي التي يخلقها الله في الحي ولا يكون له فيها اختيار ولا كسب كحركة الارتعاش فإن تحدث بلا اختيار منه.
5_ الأفعال الاختيارية :للعبد فيها كسب واختيار:فالاختيارية :هي التي يخلقها الله في الحي ويكون له فيها اختيار ويخلق الله معها قدرة، وبيان ذلك أن الله تعالى إذا أراد خلق فعل اختياري في العبد مثلا كالقيام والقعود والمشي فإنه جل وعلا يخطره ببال العبد ويجعل لخلقه سببا وهو اختيار العبد لذلك الفعل، أي إرادته له وميله إليه، فإذا اختاره وتوجه إليه خلقه الله فيه، وخلق له معه قدرة، ترتبط وتقترن بالفعل الذي اختاره من غير أن يكون هو الذي خلق شيء من ذلك ، فهي كالأسباب العادية يخلق الله الفعل عندها أي معها لا بها، ولا يلزم من تعلقها بالفعل الاختياري تأثيرها فيه أي ليست هي التي خلقت ذلك ، لأن الصفة قد تتعلق ولا تؤثر أي لا تخلق ،فالقدرة كالعلم فإنه من الصفات المتعلقة ولا تأثير له فيما يتعلق به أي لا يخلق ، وذلك التعلق أعني تعلق القدرة الحادثة بالفعل الاختياري أي ارتباطها واقترانها به هو المسمى بالكسب، ولأجله يضاف الفعل الاختياري إلى الحي وينسب إليه .
فالفعل الاختياري ينسب إلى الله خلقا وللحي كسبا، ويصح نسبة شيء واحد لفاعلين مختلفين بجهتين مختلفتين كالدار المستأجرة تنسب لمالكها بجهة الملك ولمستأجرها بجهة الانتفاع.
6_ أن الشر مخلوق لله تعالى ، لكن الأدب أن لا ينسب لله تعالى إلا الحسن فينسب الخير لله والشر للنفس وإن كان منسوباً خلقاً لله تعالى ، وذلك لأن نسبة الشر يتبادر منها عادة الرضا به، ومعلوم أن الله تعالى لا يرضى بالشرِّ .
7_ أن السبب مهما بلغت قوته وآثار نفعه فليس ذلك من ذاته أي هو لا يخلق ذلك النفع بل هو من الله تعالى وحده لا شريك له ،أجراه الله تعالى على يد ذلك العبد أو عند تعاطي ذلك السبب .
8_ أن منكر الأسباب مبتدع ضال لأن الشرع قد جاء بإثبات الأسباب فمن أنكرها فقد كذب الشرع الشريف.
9_ أن الله تعالى قد شرع العمل بالأسباب مع توكل القلب على الله وحده لا شريك له .
10_ أن نفع الأسباب بإذن الله تعالى متفاوت بينها فليست كل الأسباب على درجة واحدة في النفع بل جعل الله بعضها أكثر نفعاً من الآخر .فنفع الأنبياء والأولياء مثلاً ، أعظم من نفع عامة المؤمنين وذلك فضل الله يؤتية من يشاء .
وهنا متممات للموضوع :
1_ الحكم التكليفي للأسباب:
الأصل أن تعاطي الأسباب جائز شرعاً حتى يرد الدليل المانع من سبب معين.
ونقصد بالجائز أقسامه الثلاثة الوجوب ،والاستحباب ،والإباحة.
فمثال السبب الواجب:كالصلاة المفروضة .وكأكل الميتة للمضطر بقدر دفع الضرر.
ومثال السبب المستحب:كالنوافل بأنواعها .وكالتوسل بالصالحين في الحياة الدنيا والحياة البرزخية .
ومثال السبب المباح:كالأكل ،والنوم ،والمشي وغيرها من الأسباب.
واما السبب المنهي عنه فعلى قسمين :محرم ،ومكروه.
فالسبب المحرم :كالربا لطلب الرزق .وكالزنا لقضاء الشهوة .
ومثال السبب المكروه:استخدام الأدوية المظنونة الضرر بلا نفع راجح .
2_ نوع الأسباب الجائزة بالنظر إلى النتائج: هي على أقسام:فمنها ماهو متحقق النفع قطعاً .ومنها ما هو راجح النفع .ومنها ماهو متوهم النفع .
فمن تعاطى أي سبب من هذه الأقسام فلا شيء عليه من حيث الحكم الشرعي إن لم ينهى الشرع عنه .
أما من حيث النتيجة:فإن متحقق النفع نتيجته قطعية النفع.
ومترجح النفع نتيجته راجحة النفع .
واما متوهم النفع فنتيجته متوهمة ففي الغالب أنه لا فائدة فيه.
والله أعلم وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
منتدى الأزهريين
التعليقات (0)