بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على سيدما محمد وعلى آله وصحبه:
هذه المسألة تبحث في كتب العقيدة عند الكلام في صفات الله تعالى في مبحث الوحدانية :فمن مباحث الوحدانية الكلام عن وحدانية الأفعال فاعتقاد أهل السنة والجماعة في ذلك يتلخص في النقاط التالية:
1_ أن الله هو الفاعل المنفرد بإحداث جميع المحدثات لا شريك له ولا معاون له سبحانه وتعالى .
2_ يستحيل أن يكون غير الله يفعل كفعله ، لأن الله لا شريك له في أفعاله بل هو المنفرد بالإيجاد والإعدام ،كما يجب الإيمان بتعدد أفعاله تعالى فهو يخلق ويعدم ويعطي ،ويمنع ،ويعز ويذل ،ويحيي ،ويميت إلى غير ذلك من الأفعال الكثيرة .
فالذي يوجدها من العدم أو يعدمها من الوجود بعد أن أوجدها هو الله تعالى وحده لا شريك له .
3_ أن أفعاله تعالى إما أن تظهر مباشرة بدون رؤية سبب ظاهر تقترن به كما في قوله تعالى ((إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون )) .
أوتظهر عند الاقتران بين الأسباب التي يوجدها تعالى .
4_ أن المخلوقات لا تخلق ولا تحدث شيئًا من المحدثات ،وإنما يقوم الفعل بها نتيجة لاكتسابها له فليست هي التي أوجدت الفعل من العدم إلى الوجود إنما الموجد له هو الله تبارك وتعالى ،فيجب أن نعتقد أن الأفعال كلها لله تعالى . وليس في الوجود فعل لغيره عز وجل فضلاً عن أن يكون له شريك ، بل هو تعالى الفاعل لجميع الأفعال .
مثال:الضحك والبكاء يقوم بالإنسان فنقول هو ضاحك أو باكي وهذا وصف له وأما الذي فعل ذلك فهو الله تعالى فهو الذي خلق هذا الضحك أو البكاء كما قال تعالى ((وأنه هو أضحك وأبكى )). وهكذا بقية الأفعال .
5_ أن ما يظهر من الأفعال على يد الخلق فالله خالقه وموجده ،وإنما لهم فيها الكسب فقط وهو مقارنة القدرة الحادثة للفعل عند وجوده، فإذا أراد الإنسان فعلاً من الأفعال كالحركة ،أو العطاء ،أو المنع مثلاً فالله تعالى هو الذي يخلق ذلك الفعل ويخلق لذلك العبد قدرة تصاحبه عند وجوده، وتلك القدرة ليست هي التي توجد ذلك القيام وإنما هي مصاحبة له، وكذلك ليست هي معاونة لله تعالى في ذلك الفعل .وهكذا جميع الأفعال كما قال الله تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)فالله الخالق لكل شيء.
ولذا فقد ضل قوم تعلقوا بالأسباب فظنوا أنها هي الخالقة للأفعال والنتائج فتعلقوا بها وغفلوا عن رؤية الموجد الحقيقي لها جل جلاله.
كما ضل قوم غلبت عليهم الأوهام حتى ظنوا أن نسبة الأفعال للعبد على وجه السببية تعني أنه شريك لله تعالى في الربوبية وجهل هؤلاء أن عقيدة أهل السنة أنه لافاعل حقيقة إلا الله وحده لا شريك له كما قال الله عزّ وجلّ : " ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ "وقال تبارك وتعالى : " وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا"و قال الله تعالى "وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ"
6_ ويستحيل على الله تعالى أن تدفعه أي دوافع للأفعال بل يفعل بمحض مشيئته تعالى لا بالاضطرار ولا بالدوافع التي تؤثر عليه فتدفعه لفعل شيء من الأشياء .ولذا فيستحيل أن يتصف بالأغراض في الأفعال أو الأحكام لأن ذلك بالنسبة إلى ذاته محال إذ لا يحتاج إلى جلب منفعة لنفسه ولا دفع مضرة عنه سبحانه وتعالى لأنه هو الغني عن كل ما سواه. وأما بالنسبة إلى خلقه فلا يجب عليه مراعاة مصلحة لهم ولا دفع مضرة عنهم بل يفعل ذلك من باب التفضل والإنعام لا من باب الوجوب عليه تعالى ،فمن أوجب على الله فعل شيء أو الحكم بشيء فقد افترى إذ لا يجب عليه شيء كاستحقاق ،وإنما هو أوجب على نفسه ما يريد من باب التفضل والإنعام أو من باب العدل فقط لامن باب الوجوب .فهو يفعل بمحض مشيئته تبارك وتعالى .
ولا يلزم من نفي الغرض العبث والسفه، لأن السفيه هو الجاهل بعواقب الأمور، وقد نفى الله السفه بقوله تعالى (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا)المؤمنون:115، وقال تعالى(وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين)الأنبياء:16. فالغرض من أوجه المماثلة المستحيلة باعتبار الأفعال والأحكام وهو مما ينتجها مباشرة.
7_ اعلم أن أفعاله تعالى وأحكامه وإن كانت منزهة عن الغرض لكن لا تخلو عن حكمة وإن لم تصل إليها عقولنا، لأنها لو لم تكن لحكمة لكانت عبثاً وهو محال عليه تعالى. والفرق بين الغرض والحكمة أن الغرض يكون مقصوداً من الفعل أو الحكم بحيث يكون باعثاً وحاملاً عليه والحكمة لا تكون كذلك. والحكمة هي ما يترتب على الفعل أو الحكم ولا يكون دافعاً يدفع الله لأفعاله سبحانه وتعالى . ولذا ففي قوله تعالى ((وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون ) ليس معنى ذلك أن عبادة الإنس والجن هي التي دفعت الله تعالى إلى خلقهم، لأن هذا يلزم منه أن الله تعالى محتاج إليهم لكي يعبدوه، وهذا باطل بالعقل والنقل،أما العقل فلأن المحتاج إلى غيره ليس بكامل في نفسه، وما كان كذلك فلا يستحق أن يكون إلها. وأما النقل فأحاديث كثيرة منها ما ذكره سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه عز وجل في الحديث القدسي "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني , يا عبادي , لو أن أولكم و آخركم , وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً , يا عبادي لو أن أولكم و آخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً " رواه مسلم.
8_ أن العبد كاسب وليس بخالق لفعله وقد يقال هو فاعل ونسبة الفعل إليه مجازاً ،أي ليس بخالق لفعله ولا محدث له ،أما الخالق فهو الله تعالى فهو الفاعل حقيقة.
والله الموفق . وللزيادة فتراجع كتب أهل السنة والجماعة كالطحاوية ،وشروح السنوسية ومنها نقلت أكثر ما كتب هنا ،والمسامرة شرح المسايرة ،وكبرى اليقينيات الكونية وشرح جوهرة التوحيد وغيرها من كتب أهل السنة في العقيدة.
وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
وسيكون هناك كلام مستقل عن عقيدة أهل السنة في الأسباب بإذن الله تعالى .
عن منتدى لأزهريين
التعليقات (0)