مواضيع اليوم

عقيدة العنف والقتل عند الاسرائيليين - الحلقة الرابعة -

Nooor Alaml

2010-10-30 08:57:18

0

تاريخ من الجرائم:
لم يقترن تاريخ أمة من الأمم بالجرائم والقتل وسفك الدماء مثلما اقترن بها تاريخ اليهود، فالمتصفح لهذا التاريخ يجد أمامه نماذج لا تُحصى من التطبيقات الاجرامية للايديولوجية الدينية التي تحث على العنف والقتل، والتي تحدثنا عن بعض جوانبها في الحلقات السابقة. ويصفهم زعيم حركة الاصلاح الديني مارتن لوثر في كتابه (اليهود وأكاذيبهم) بقوله: "من المؤكد أن الشمس لم تشرق في هذا الكون على شعب أشد عطشا الى الدماء، وأكثر نزوعا الى الحقد، من اليهود. ومع هذا فهم يتصورون أنهم يزدادون زلفى الى الله باستئصال غيرهم ممن يعدونهم وثنيين. وأروع ما ينتظرون من (مسيا) أنه متى ما أتى، ذبح سكان العالم بالسيف أجمعين"(1).

وقد بدأت جرائم بني اسرائيل منذ أيامهم الأولى على عهد أنبيائهم، فبالاضافة الى إبادتهم لكثير من الشعوب وسكان المدن التي حاربوها، وقتلهم للرجال والنساء والأطفال على حد سواء، كما ورد في العهد القديم، فإن كبرى جرائمهم هي قيامهم بقتل الكثير من أنبيائهم.

ويشير القران الكريم الى ذلك بقوله: [..وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ] البقرة/61.

[إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ] آل عمران /21، 22.

[لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ] المائدة/ 70.

ويورد ابن كثير في تفسيره لآية سورة آل عمران حديثا عن مذبحة قام بها بنو اسرائيل ضد أنبيائهم، حيث قتلوا في ساعة واحدة ثلاثة وأربعين نبيا! والحديث يرويه أبو عبيدة ابن الجراح حيث سأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أي الناس أشد عذابا يوم القيامة؟ قال: "رجل قتل نبيا أو من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر" ثم قرأ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) [إنّ الّذِينَ يَكْفُرُون بِآياتِ الله ..] الآية، ثم قال: "يا أبا عبيدة قتلت بنو اسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة..".

ومن الأنبياء الذين كانوا من ضحايا اليهود زكريا (عليه السلام) الذي قتلوه شر قتلة وشطروا جسمه نصفين وهو داخل الشجرة يختبىء منهم، وقتلوا ابنه يحيى (عليه السلام) حيث فصلوا رأسه عن جسمه، كما انهم حاولوا قتل عيسى عليه السلام لكن الله حماه منهم ورفعه اليه.

وحاولوا قتل خاتم النبيين محمد (صلى الله عليه وسلم) مرتين كما تحدثنا كتب السيرة، المرة الأولى كانت أثناء توجه النبي (صلى الله عليه وسلم) الى بني النظير يستعينهما في دية قتيلين من بني عامر قتلهما أحد الصحابة خطأ، وكانت بنود دستور المدينة تفرض عليهم ذلك. فتظاهر هؤلاء باستجابة طلبه وانتدبوا رجلا منهم اسمه عمرو بن جحاش ليلقي صخرة على النبي (صلى الله عليه وسلم) من سطح البيت الذي كان يجلس تحت جداره، فأُخبر عليه الصلاة والسلام بما أضمره اليهود عن طريق الوحي وغادر مكانه فورا ليأمر بغزو ديارهم وإجلائهم من المدينة جراء خيانتهم تلك.

والمرة الثانية عندما قامت احدى نساء اليهود واسمها زينب بنت الحارث، بتسميم شاة وإهدائها الى النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد أن سألت عن أي عضو من الشاة هو أحب اليه، فقيل لها الذراع، فأكثرت فيها من السم وسمت سائر الشاة، فتناول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذراع فلم يسغها ولفظها وقال ان هذا العظم ليخبرني انه مسموم، ثم نودي على زينب فاعترفت بفعلتها، وقد مات الصحابي بشر بن البراء بن معرور الذي تناول الشاة مع الرسول (صلى الله عليه وسلم).

واستمرت جرائم اليهود في العصور التي تلت ذلك وأصبحوا مصدر إزعاج للشعوب التي عاشوا بين ظهرانيها أثناء فترة الشتات (الدياسبورا)، حتى ان أحد أسباب تبني الدول الغربية لفكرة إقامة دولة لليهود في فلسطين هو التخلص منهم ومن شرورهم.

ومن الجرائم التي ارتكبها اليهود في القرن الثامن عشر تسميم قيصر روسيا الاسكندر الأول الذي حاول توحيد الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية، فقد تناول القيصر الغداء في كنيس لليهود فعاد منه مريضا، واكتشف طبيبه انه سُمّم بسم (الاكواتوفانا) ومات في كانون الأول من عام 1825(2).

وعندما حاول الرئيس الأمريكي ابراهام لينكولن إنهاء سيطرة المرابين العالميين على ثروات بلده بقيادة الامبراطورية المالية لعائلة روتشيلد اليهودية، كانت عقوبته الاغتيال أيضا عندما كان يحضر استعراضا مسرحيا في نيسان من عام 1865 على يد يهودي اسمه جون ويلكس بوث كان عميلا للروتشيليديين(3).

وفي روسيا أيضا اغتيل رئيس الوزراء بيتر ستوليبن على يد يهودي يدعى موردخاي بورغوف بعدما بدأ خطة اصلاحية شاملة لأوضاع البلاد ومحاربة دعاة الشيوعية بعد ثورة 1905(4).

تهمة الدم:
من الجرائم البشعة التي يُتهم بها اليهود الدم البشري الذي يستخدمونه في عجينة خبز الفطير الذي يصنعونه في عيد الفصح، فقد كثرت الاتهامات لهم بقتل ضحية من غير اليهود واستخدام دمه في صنع خبز الفطير المفروض عليهم في عيد الفصح.

ومن ذلك ما يروى من قتل اليهود للطفل المسيحي "هيوج" من مدينة لينكولن بانكلترا في موسم الفصح سنة 1255. ويطول سجل هذه التهمة كالذي حدث في لندن سنة 1257، وفي بفورتسهايم بألمانيا سنة 1261، وفي فورثامبتون سنة 1279، وفي ميونخ بألمانيا 1285، وأوبر نيتسل 1287، وبرن بسويسرا 1287، وكولمار 1292، وكريمس 1293(5).

وهذه التهمة ترجع الى ما قبل تلك التواريخ بزمن طويل، وكمثال على ذلك ما قاله المؤرخ اليهودي (يوسيفوس) الشهير المولود في سنة 37 مسيحية، وتوفي في رومية سنة 95 متكلماً عن الملك اليوناني (انطيوخيوس) الرابع الملقب بأبيغان، حيث دخل هذا الملك مدينة أورشليم ووجد في أحد محلات الهيكل رجلا يونانيا كان اليهود قد ضبطوه وسجنوه بمكان وكانوا يقدمون له أفخر المأكولات ليسمن حتى يأتي يوم يخرجون به لإحدى الغابات حيث يذبحونه، ويشربون دمه، ويأكلون شيئاً من لحمه، ويحرقون باقيه، وينثرون رماده بالفلاء، وذلك عملا بشريعتهم، وأن هذا المسجون استرحم من الملك أن ينقذه فأنقذه(6).

ونظرا لتكرر هذه الحوادث عقدت جلسة حافلة في سراي الملك لويس التاسع في باريس تحت رئاسة الملكة (بلانش) في 24 يونيو سنة 1240، وكان القصد من هذه الجلسة التحقيق في ادعاءات ضد اليهود بارتكاب أمور منكرة. ومن جملتها استنزاف الدم البشري حملاً على اعتقاداتهم الدينية وما جاء في تلمودهم. وأعطيت الحرية المطلقة لليهود بالمدافعة عن أنفسهم وعن تلمودهم. ولما لم يتمكنوا من إخفاء حقيقة ما نسب إليهم أقروا به(7).

ولم تخل كوردستان من هذه الحالة واتهام الأقلية اليهودية باستخدام الدم البشري في صنع فطير الفصح. جاء في كتاب (يهود كوردستان) الذي ألفه العالم الانثروبولوجي اليهودي (إريك براور) والذي توفي عام 1942وأكمله بعده وأصدره (رافائيل باتاي)، ذكر عدد من الحوادث في المناطق الكوردية في ايران اتهم فيها اليهود باستنزاف الدم، منها ما حدث في مدينة أورميه بين عامي 1827 – 1828 حيث اختفى صبي مسلم، فاتهم اليهود باستخدام دمه في صنع الماتزوت. فحبسوا جميع اليهود، بمن فيهم زعيم الطائفة ملا رافائيل، وقتلوا يهوديا ومزّقوه أشلاء عند بوابة المدينة، وأوسعوا يهوديا آخر ضربا حتى غاب عن وعيه. وفي النهاية أفرجوا عن اليهود بعد تدخل عباس ميرزا من تبريز ودفع غرامة بلغت ألف تومان لحاكم أورميه شقيق عباس ميرزا(8).

ولا شك أن الكثير منا قد سمع من كبار السن هنا في كوردستان العراق، الذين عاصروا اليهود الكورد قبل هجرتهم الى اسرائيل، وهم يروون قصصا عن تحذيرات الآباء والأمهات للأطفال بعدم الاقتراب من أحياء اليهود خوفا من اختطافهم واستنزاف دمهم! ولقد حدثتني الوالدة انها عندما كانت صغيرة، صعدت يوما الى سطح بيت عائلة يهودية كانت تسكن خلف دارهم، وبشقاوة الطفولة! رمت حجرا وشجت رأس فتاة صغيرة يهودية في باحة الدار، فهربت وطاردتها والدة الفتاة اليهودية وهي تطلق الشتائم، ولما رجعت أنّبتها والدتها (أي جدتي) محذرة إياها من أن اليهود يختطفون الأطفال ويذبحونهم ويستنزفون دماءهم لاستخدامها في أعيادهم وشعائرهم الدينية!. ومع ان تاريخ المجموعات اليهودية التي سكنت في كوردستان العراق لم يسجل حوادث الدم، إلا ان مجرد وجود هذا الكلام بين الكبار في ذلك الوقت يحمل دلالات كثيرة، والدخان يدل على النار كما يقال..

وفي مقدمته لكتاب (الكنز المرصود في قواعد التلمود) يقول الشيخ مصطفى أحمد الزرقا: "لما كنا أطفالاً في مدينة حلب موطني الأول من بلاد الشام (سورية) كنا نسمع الأمهات يمنعن أولادهن الصغار من الخروج خارج البيوت وحدهم، ويحذرنهم بأن اليهود يخطفون الأطفال خفية، ويأخذونهم إلى حيث يستنزفون دماءهم!!. وفي يفوعتنا كنا نتلقى التوصيات بأن لا يمر أحد في حارة اليهود منفرداً - وهي حارة طويلة متعرجة - وأنه إذا مر فيها أحد منا فدعاه يهودي لدخول بيته لإيقاد النار لهم بحجة أنهم لا يمسون النار يوم السبت، فيجب أن لا يدخل حذراً من أن يغدروا به فيقتلوه باستنزاف دمه!!"(9).

وتكرر تلك الاتهامات ضد اليهود وفي مختلف العصور وفي مناطق عديدة من العالم، لا يدع مجالا للشك بأنها حوادث حقيقية وليست أساطير ولا إشاعات ولا مجرد تهم تطلق جزافا، يقول العلامة الدكتور حسن ظاظا: "يتسائل الانسان إزاء سيل من هذه التهم يغطي كل العصور الوسطى والجزء الأكبر من العصر الحديث، أهذه كلها إشاعات؟ وهل من الممكن أن تنشأ إشاعة وتهمة ووصمة عار بهذه الضخامة، فتغطي رقعة العالم كله، على مدى عشرات من الأجيال، دون أن يكون لها أدنى نصيب من الواقع؟"(10).

جريمة قتل الأب توما وخادمه:
ومن أبشع وأشهر جرائم الدم التي اتهم اليهود بارتكابها جريمة قتل الأب توما وخادمه المسلم ابراهيم عمار في دمشق سنة 1840م. وهذه الحادثة سجلها المؤرخ الفرنسي (إشيل لوران) في كتابه (تاريخ سوريا لسنة 1840) اعتمادا على محاضر جلسات التحقيق التي جرت في القضية. وقد قام د. يوسف حنا نصر الله بترجمة هذا الكتاب الى العربية، وترجم كتابا آخر بعنوان (اليهودي على حسب التلمود) للفرنسي الدكتور روهلنج، وقام بجمع الكتابين في كتاب واحد أسماه (الكنز المرصود في قواعد التلمود) والذي طبع في مصر لأول مرة عام 1899. وقد حول الأديب الراحل هذه الحادثة الى رواية رائعة بعنوان (دم لفطير صهيون) تحدث فيها عن تفاصيل الجريمة ومصير المجرمين بأسلوب قصصي جذاب.

وخلاصة القصة أن أحد الرهبان المسيحيين الكاثوليك باسم الأب توما الكبوشي الايطالي الأصل والفرنسي الجنسية، ابتعث الى دمشق التي عاش فيها أكثر من ثلاثين سنة، وكان محبوبا من أهلها نظرا، وكان قد تعلم الصيدلة واستعمال الأدوية فكان يعالج المرضى بدون مقابل سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهوديين.

وفي مساء اليوم الخامس عشر من شهر فبراير (شباط) سنة /1840/ طُلب الأب توما لحارة اليهود لتطعيم ولد وقاية من الجدري فلبى الدعوة في الحال. ولما شاهد أن الولد المطلوب لأجله مريض وحالته خطرة لم ير إجراء التطعيم مناسباً، فرجع لديره. وكان بالقرب من بيت الولد المريض دار (داود هراري) الذي كان يعتبر من أتقياء اليهود في الشام. وكان النصارى يبالغون في اعتباره وتوقيره وإكرامه، حتى أنهم كانوا يقولون عنه يهودي نصراني صالح. وكان داود هراري صديقاً للأب توما، فلما رآه ماراً أمام داره استدعاه للدخول فلبى الأب دعوته، ودخل فوجد هناك أخا داود، وعمه، واثنين من عظماء اليهود. فلما صار في إحدى الغرف أُغلق الباب، وانقض جميع الحاضرين عليه كالذئاب الكاسرة، ووضعوا على فمه منديلاً، وربطوا يديه ورجليه، ثم نقلوه إلى غرفة بعيدة غير مطلة على الشارع، وألقوه هناك إلى أن أظلم الليل، وأخذوا في الاستعدادات اللازمة لذبحه! فلما جاء الحاخام استدعوا حلاقاً اسمه سليمان، وأمروه أن يذبح القسيس. فخاف هذا الرجل وامتنع عن الإقدام على العمل. فجاء الرجل التقي بين اليهود، داود هراري صديق الأب توما نفسه، وأخذ السكين ونحره!! ولكن يد هذا الصديق أخذت ترتجف فتوقف عن إكمال العمل، فجاء في الحال أخوه هارون لمساعدته. وكان سليمان الحلاق قابضاً لحية الأب توما. وكان الحاضرون يتناولون الدم في إناء ثم يضعونه في زجاجة بيضاء، أرسلت فيما بعد إلى الحاخام باشي يعقوب العنتابي.

وبعد أن تمت تصفية دم الذبيح على هذه الحالة نزعوا ثيابه عن جثته وأحرقوها، ثم قطعوا الجسد قطعاً، وسحقوا العظام بيد الهاون، وطرحوا الجميع في أحد المصارف المجاورة لمنزل الحاخام موسى أبي العافية. وظنوا أنهم قد دفنوا الحادثة في قبر عميق!. ولما تأخر الأب في الرجوع إلى ديره قلق عليه خادمه إبراهيم عمار الذي كان مسلما. وبما أنه كان يعرف أن الأب توجه الى حارة اليهود جاء إليها يسأل عنه، وكان قتلة الأب توما يتوقعون مجيء الخادم ليسأل عن سيده فكلفوا مجموعة أخرى بمراقبته للقبض عليه هو الآخر، فانتظروه حتى جاء ثم أدخلوه الى دار ماهر فارحي مدعين أن سيده موجود فيها ليطعم ولدا وسيتأخر، فاحتجزوه وذبحوه وسكبوا دمه في طست من نحاس، ثم رموه في مرحاض موجود في باحة الدار يمر تحتها وموصل مباشرة بالمصرف!.

وفي صباح اليوم الثاني 16 شباط جاء الذين كانت عادتهم الحضور لسماع قداس الأب توما فلم يجدوه في الدير، وقال بعضهم انه شاهد الأب توما عشية أمس متوجها لحارة اليهود. فانتابهم القلق فانتشر خبر اختفائه وأبلغوا الحكومة التي بدأت التحقيق في المسألة بأمر من الوالي شريف باشا، وتم اعتقال 16 شخصا اعترفوا أثناء التحقيقات بجريمتهم، وقال سبعة من المتهمين إنه قبل الواقعة بأيام أخبرهم الحاخام باشي (أي رئيس الحاخامين) أنه يلزم الاستحصال على دم بشري لاستعماله في عيد الفصح القريب، فأجابه داود هراري أنه سيستحصل على ذلك ولو كلفه من الأموال ما لا يعد. وبواسطة اعترافات المجرمين التي كانت مطابقة لبعضها تم العثور على الجثة وعلى بعض الملابس.

وبعد أن تمت التحقيقات ثبتت التهمة ضد المتهمين، ثمانية منهم بتهمة قتل الأب توما، والثمانية الآخرين بتهمة قتل الخادم ابراهيم عمار، وتوفي في أثناء المحاكمة اثنان منهم، ونال العفو أربعة لأنهم أقروا بالحقيقة، وحكم على العشرة الباقين بالإعدام.

ومن ضمن الذين صدر عنهم العفو حاخام يسمى موسى أبو العافية اعتنق الدين الإسلامي وتلقب بمحمد أفندي وترجم نصوصا من التلمود الى العربية ثبتت في محاضر التحقيق.

وكاد حكم الاعدام ينفذ على المتهمين لولا أن قنصل فرنسا - الذي متابعا للقضية عن قرب لكون الأب توما مواطنا فرنسيا - رأى أن يعرض أوراق القضية على إبراهيم باشا (نجل محمد علي باشا) الذي كان وقتئذ قائدا للجيوش المصرية ويحتل جيشه سورية لكي يصدق عليها. فاستغل يهود أوروبا ذلك وتحرك أغنيائهم من أجل إنقاذ المحكوم عليهم وطمس القضية، فأرسلوا مندوبين منهم هما (كراميو، وموييز مونتيفيوري) منتدبين من قبل جمعية الاتحاد الاسرائيلي في فرنسا فذهبا الى مصر واتصلا بالخديوي محمد علي باشا وقدما له غرامة مالية من أجل إعادة النظر في القضية، فأمر الخديوي بالعفو عنهم وإخلاء سبيلهم وليس فقط إعادة النظر في القضية! والغريب أن المندوبين اليهوديين اعترضا على تعبير (العفو) في الـ(فرمان) الصادر من الخديوي لأنه يوحي بأن المعفو عنهم مذنبون! فأمر بتغيير هذا التعبير الى تعبيرات أخرى عمومية لا تدل على ثبوت الجرم بحق المتهمين!! مع أن كافة وقائع القضية واعترافات المتهمين والمثبتة في محاضر التحقيق، وبحضور قناصل عدد من الدول، تدل على ارتكابهم للجريمة النكراء.

الهوامش:
1- اليهود وأكاذيبهم، مارتن لوثر، ص 78، مكتبة النا فذة 2007. وهذا الكتاب يمثل المرحلة الأولى من موقف لوثر من اليهود، وهو موقف عدائي الى أقصى الحدود دعا فيه الحكام الى منعهم من ممارسة شعائر دينهم والتخلص منهم وتهجيرهم. أما المرحلة الثانية فهي موقف مغاير تماما ويمثلها كتابه (المسيح ولد يهوديا) الذي كتبه عام 1523م، وفيه دعا الى التعامل مع اليهود بـ(محبة المسيح)، وهو أول من دعا الى إعادة اليهود الى فلسطين والقدس وإقامة دولة لهم هناك كشرط أساسي لتحقق العودة الثانية للمسيح، وبالتالي فإن الجذور الأولى للصهيونية تعود الى لوثر وحركته الدينية، وتكون الصهيونية المسيحية بذلك سبقت الصهيونية اليهودية بعدة قرون.
2- حكومة العالم الخفية، شيريب سبيريدوفيتش، ص 110/ دار النفائس 2005.
3- أحجار على رقعة الشطرنج، وليام غاي كار، ص 152، دار النفائس 2004.
4- المرجع السابق، ص 184.
5- الفكر الديني اليهودي.. أطواره ومذاهبه، د. حسن ظاظا، ص 185، 186/ دار القلم، الدار الشامية 1999.
6- الكنز المرصود في قواعد التلمود، د. يوسف حنا نصر الله، ص 28. نقلا عن كتاب (صراخ البريء) لحبيب فارس، وهذا الكتاب الأخير طبع في ثلاثة أجزاء عام 1891م ولكن جميع نسخه جمعت وأتلفت من قبل اليهود وأصبح من الكتب التي يصعب الحصول عليها، لأنه فضح أسرارهم وجرائمهم ونشر الكثير من حوادث استنزاف الدم البشري التي ارتكبوها في الشرق والغرب.
7- المرجع السابق، ص 27.
8- يهود كوردستان، إريك براور، ص 336. ترجمه الى العربية شاخوان كركوكي وعبد الرزاق بوتاني، مطبعة آراس في اربيل.
9- الكنز المرصود، ص7.
10- الفكر الديني اليهودي، ص 186.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !