بلادي اليوم /خالد اسماعيل
نسمع بين الحين والآخر بالعقوبات الاقتصادية على البلدان (أحيانا من أوروبا وأخرى من الأمم المتحدة وعادة من الولايات المتحدة الأميركية)، أما أن تأتي العقوبات من مجلس جامعة الدول العربية وعلى دولة عربية، ففي الموضوع سر يستوجب التوقف عنده وطرح المئات من الأسئلة عن مدى قابلية تطبيق هذه العقوبات. فقد تحمل العقوبات العربية تداعيات على الاقتصاد السوري بشكل عام تداعيات خطرة، إذ تعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والحياتية القائمة والتي تشهد تراجعا قويا للنمو الاقتصادي من 5.5% إلى نمو سلبي بسبب الاضطرابات الأمنية والسياسية والعقوبات الاقتصادية الأوروبية والأميركية وأخرها العقوبات العربية وتظهر مفاعيلها من خلال تقلص الصادرات أكثر من 25% وتراجع الحركة السياحية. إن تصريحات رئيس اللجنة العربية لمتابعة الأزمة السورية لم تشمل التأكيد على رفع العقوبات فوراً كما وعد نبيل العربي أمين عام الجامعة العربية. ولأن هذا ليس بيت القصيد هنا فإن السؤال المنطقي لكل من ساهم في اتخاذ قرار المقاطعة لسورية هو هل كانت المقاطعة الاقتصادية وغيرها لسورية في مصلحة الشعب السوري والحفاظ على أرواح المواطنين وسلامتهم على ضوء الوضع المستجد في سورية العربية التي تولت على مدار ستين عاماً مكتب المقاطعة العربية للكيان الإسرائيلي ونجحت في ذلك من دون المهمات الأخرى التي تولتها دول عربية مختلفة.
إن نظرة متفحصة أو حتى سطحية للوضع المعيشي في سورية بعد القرار يشير بوضوح إلى الحجم الكبير للضرر الذي ألحقه هذا القرار بالشعب السوري والاقتصاد السوري، ولا يمكن لحمد بن جاسم وزير خارجية قطر أو سواه الادعاء أن القرار منع أي طرف منخرط في الصراع بسورية عن مواصلة ممارسة قناعاته سواء كانت صحيحة أو باطلة، والمحصلة أن عمليات القتل ازدادت،وانتشرت بشكل أكبر مجموعات المسلحين والخارجين عن القانون، كما تفاقم الوضع الاقتصادي متمثلاً في زيادة غير مسبوقة لأسعار المواد الاستهلاكية كما ازدادت نسبة البطالة والفقر وبدأت أزمة الوقود والكهرباء تطل برأسها،بعكس ما زعم أصحاب القرار من أنهم يقصدون رفع المعاناة عن الشعب السوري. لا شك أن في الموضوع تأثيرا كبيرا على المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي في السنوات السابقة (نحو 9 ملايين سائح)،أكثر من 60% وانخفاض الحركة الاستثمارية الى أكثر من 40%، وتباطؤ نشاط القطاع المصرفي وتراجع موجداته نحو 13% إضافة إلى خسارة النقد الوطني السوري نحو 10% من قيمته وتقلص موجودات المصرف المركزي السوري بالعملات الأجنبية نحو ملياري دولار (من 18 إلى 16 مليار دولار)، وهروب الأموال إلى الخارج وتوقف تحويلات السوريين العاملين في الخارج والضغط المستمر على الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي كانت ومازالت تدفع ضريبة المواقف والقرارات.
ووافقت جامعة الدول العربية على العقوبات الاقتصادية على سورية،فقد كان عنوانها اقتصاديا بحيث هدفها عزل النظام وإنهاكه اقتصاديا وتفكيك أوصاله تدريجيا.وجاءت العقوبات لتطال في الدرجة الأولى الشعب السوري من خلال تضييق الخناق عليه ومضاعفة معاناته ومآسيه المعيشية واليومية بهدف تحميل النظام المسؤولية.فالعقوبات الاقتصادية الخارجية وبالأخص العربية، لا بدّ أن تكون مبعث قلق أساسي لدمشق،ليس فقط بسبب الآثار المادية لهذه العقوبات على الاقتصاد السوري بل أيضا للتأثيرات المعنوية على مختلف القطاعات الاقتصادية السورية.وكان وزير الخارجية السورية وليد المعلم وقد أعلن إن قرار الجامعة العربية بحظر التعامل مع المصرف المركزي السوري بمثابة "إعلان حرب اقتصادية".
وبالأساس فان الاقتصاد السوري يعاني بسبب العقوبات الأمريكية والأوربية قبل فرض العقوبات العربية وحتى قبل ذلك فان سوريا كانت تعاني من مشكلات اقتصادية رئيسة منها البطالة العالية نسبيا والتضخم واتساع رقعة الفقر بالإضافة إلى موجة من الجفاف القاسي ضربت البلاد لسنوات عدة. وجاءت العقوبات لتلقي بظلالها وبشكل هائل على الاقتصاد السوري وبالأخص فيما يتعلق بضرب قطاع السياحة والخدمات الذي يشكل 12% من إجمالي الاقتصاد السوري والذي يقدر انه أدى إلى خسارة الاقتصاد السوري عائدات تصل إلى نحو 4 مليارات دولار.
إن تجارب العقوبات السابقة بحق دول أخرى أظهرت إن هذه العقوبات لا تمس إلا الشعب فهو المتضرر الأكثر وما الحصار الاقتصادي المفروض على العراق في التسعينيات إلا برهان على ذلك.وهناك واقع أخر يتعلق بكون سوريا من ناحية الموقع هي مركز التواصل التجاري والجغرافي البري بين مختلف بلدان الشرق الأوسط وما يعني إن عزلها اقتصاديا لا بد وان ينعكس سلبا وبقوة على جميع البلدان المحيطة (لبنان والعراق والأردن وتركيا ومصر وغيرها).
وربما كان الإجراء الأقوى،من بين إجراءات الجامعة العربية وهو وقف التعامل مع المصرف المركزي السوري، والمصرف التجاري السوري.فالعقوبات التجارية وفي حال النجاح بتطبيقها تعني وضع سوريا تحت حصار شبه تام مع ما يعني ذلك من انعكاسات كارثية على الاقتصاد السوري من ناحية الارتفاعات المحتملة في مستويات البطالة والتضخم وانتشار الفقر. إضافة إلى الانخفاض الطبيعي في العائدات من العملات الصعبة التي يمكن إن تؤثر بقوة على استقرار الليرة السورية.
بشكل يحفظ كلا من العراق ولبنان على العقوبات بحق سوريا نقطة ضعف مهمة في عقوبات جامعة الدول العربية،بالأخص إذا ما أضيفت لها ملاحظات الأردن الذي أعلن موافقته عليها، لكنه أشار إلى الصعوبات التي تعترضه في تطبيقها..فلبنان الذي يعد الثاني عربيا من ناحية الأهمية التجارية بالنسبة لسوريا فمن المستبعد إلى حد كبير التزامه بالعقوبات التجارية، وكون سوريا هي المنفذ البري الوحيد للبنان في علاقاته مع غالبية الدول العربية، وتشكل التجارة مع لبنان نحو 11 في المائة من حجم التجارة الخارجية السورية.ويمثل العراق ولبنان ابرز وجهتين لتصريف المنتجات الصناعية والزراعية السورية،كما إن إغلاق الحدود السورية يعني وقف التجارة البرية وتجارة الترانزيت بين لبنان من جهة والخليج والعراق من جهة أخرى.
أما بالنسبة للأردن فيبدو الالتزام بالعقوبات ضد سوريا بالغ الصعوبة كما أعلن مسؤولون أردنيون في حال لم تنجح عمان في تأمين بدائل للخسائر المحتملة لفرضها عقوبات على سوريا. وتعد الأراضي السورية مسرحا أساسيا لعمل قطاع الترانزيت الأردني الحيوي للغاية للاقتصاد الأردني. وأيضا كرابط تجاري بين الأردن وكل من تركيا ولبنان إضافة إلى كونها الطريق البرية للصادرات والواردات الأردنية إلى أوروبا عبر المرافئ اللبنانية على البحر المتوسط.
حتى الالتزام المصري بالعقوبات يواجه صعوبات خصوصا وان مصر تتمتع بفائض تجاري مهم لصالحها في التعامل مع سوريا ولن يكون امرأ هينا على المنتج المصري التخلي عن السوق السورية في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من تأثيرات الاضطرابات السياسية التي تعصف بالبلاد منذ بداية العام.
على الرغم من القرار السياسي التركي الحاسم في التعامل مع دمشق فان الإجراءات الاقتصادية أمر أخر فقد تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين العام الماضي نحو 2.4 مليار دولار وهو تبادل لصالح تركيا. وتعتمد العديد من القطاعات الإنتاجية في جنوبي تركيا على الأسواق السورية.ما يعني إن احتمال فقدان هذه الأسواق سيكون له تأثير بالغ السلبية على تلك المناطق.
ومع إن أنقرة أعلنت أنها تفكر في استبدال سوريا بالعراق وكطريق للترانزيت إلى الدول العربية إلا إن هذا لن يكون سهلا لأسباب اقتصادية منها إن مسافة النقل يمكن إن تتضاعف وتزداد معها التكلفة، إضافة إلى الصعوبات الأمنية المحتملة لتركيز عبور كل تلك التجارة في مناطق معرضة لمواجهة توترات أمنية مع الانفصاليين الأكراد.
فالعقوبات تشكل ضغطا هائلا على دمشق، لكنها أيضا ستكون ضغطا قويا على العديد من الدول المحيطة والتي تعاني في غالبيتها أساسا من صعوبات اقتصادية ومخاطر اضطرابات شعبية.وتعتمد دمشق على احتياطها من العملات الصعبة والتي يقول بنكها المركزي انه يصل إلى 18 مليار دولار, وعلى قدرتها الإنتاجية الذاتية, بالأخص من المواد الغذائية والمواد الاستهلاكية الأخرى وإنتاجها من الوقود لمواجهة العقوبات الخارجية. ويقول مسؤولون سوريون: إن حاجات البلاد الاستهلاكية مؤمّنة لعامين.ومع إن المصرف المركزي السوري نصح بالاتجاه إلى المصارف الروسية لتغطية الائتمانات إلا إن حجم التجارة الحالي الضئيل مع روسيا يقلل من فاعلية وسرعة نتائج هذا التوجه. وما يضعف الموقف الاقتصادي السوري إن حجم العلاقة بين هذا الاقتصاد واقتصاديات الدولة الحليفة والصديقة لسوريا كإيران وروسيا والصين والهند ضئيل للغاية ويحتاج لمدد طوال لزيادته، إضافة إلى بعد المسافات بين سوريا والدول التي تعدها صديقة لها وهو بعد يصب في غير صالح الإنتاج السوري وقدرته التنافسية.
http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=759
التعليقات (0)