من عادات الإنسان العربي في هذا العصر إعطاؤه عقله إجازة مفتوحة غير مدفوعة الأجر فلا يستعمله إلا في أمور محدودة جدا في حياته تكاد تدور في فلك واحد أكل وشرب عمل وكد تزاوج وإنجاب فكاد أو أصبح مثالا ممتازا للبهيمية الآدمية . وقد تكالبت على هذا الإنسان المسكين العوامل التي تعزز هذه العادة (اقتصادية – سياسية – نفسية – وحتى دينية في بعض الأحيان ). يوجد هناك نوع آخر من الإنسان العربي وهو أيضا أراح علقه بأن سلمه لغيره , فهو إمام متدين متشدد وعقله بيد رجال الدين أو حداثي مستغرب عقله عند الغرب ومفكريه.
النوع الأول المتدين فهو من سلم علقه لرجال الدين فلا يستخدمه أبدا ، فكل ما يسمع من رجال الدين في خطبهم وكلاماتهم هو الحق المطلق بلا تدقيق ولا تمحيص , وكأن الدين (أقصد الديانات السماوية الثلاث) أتى ليلغي العقل ويسلم الأمر لعدد محدود من الأفراد تتلاعب بمصير الأمم . وقد أحسن " بعض" رجال الدين استغلال هذه الفرصة لمصلحته وراح يتلاعب بأموال وأملاك وحتى أعراض بعض الناس الذين سلموا له عقولهم وأنفسهم طوعا له كما حدث في بعض كنائس أوروبا في عصور الظلام , وكما حدث ويحدث الآن في عالمنا العربي . هناك إضفاء للعصمة على رجال الدين فيعتبر هو الممثل والوحيد والأوحد لله والحق المطلق في كل ما يقول , مع وجود التناقضات والاختلافات في ما يقوله رجال الدين حتى داخل الدين الواحد والطائفة الواحدة وهذا طبيعي بل صحي (اختلاف الآراء ) وذلك نظرا لاختلاف طبائع البشر في فهم الأمور والنظر لها من زاوية مختلفة . والعيب الذي أشير إليه هنا ليس الرجوع إلى عالم الدين فيما هو مختص فيه (فهذه سيرة عقلائيه ) ولا حتى في استشارته في بعض الأمور (لأنه في اعتقادي أن الدين الكامل هو الذي تشمل تعليماته كل مجالات الحياة الإنسانية ) ولكن العيب في أن نلغي عقولنا تجاه ما يقوله رجال الدين وإضافة القداسة على ما يقولون ومحاولة الدفاع عن أخطائهم أو عدم السماح بنقد ما يطرحون على منابرهم . إلى جانب هذا القسم هناك من أضفى على التقاليد والأعراف قداسة وعصمة لا أعلم مصدرها ؟؟!!! فحتى اللباس العربي أضفي عليه نوع من القداسة وأي مساس به يعتبر جريمة يجب أن يعاقب عليه القانون ؟؟؟!!! وهناك من جمع وخلط بين الدين وبين الأعراف والتقاليد . ونسى أو تناسى أن هذه الأعراف والتقاليد هي ما تعارف عليه الناس في زمن ما و قلدت الأجيال الحالية الأجيال السابقة وهذا ما يخضع لتغيرات الزمان وليست بثابتة .
أما القسم الأخر من العقول العربية فهم في تقليد مطلق لما حدث في الغرب كردة فعل على سيطرة الكنيسة والنظام الإقطاعي على مناحي حياة الإنسان الأوروبي في العصور الوسطى , فكانت ردة الفعل رفض كل ما هو من الدين ومن الشرق والسقوط في أحضان كل ما هو غربي . فتصور البعض أن أساس تخلف الإنسان العربي هو عروبته أو تدينه . وإهمال العوامل الأخرى التي تسببت في تراجع العرب وتخلفهم , و تقدم الإنسان الغربي وتطوره . فأراح هؤلاء عقولهم بنسخ التجارب الحداثيه الأوربية واستجلابها بحذافيرها لمحاولة تطبيقها بالقوة على الإنسان العربي حتى وإن اختلفت طبيعة هذا الإنسان واختلفت الظروف الاجتماعية والسياسية له . فالحداثة بحد ذاتها لا خطأ فيها بل هي طبيعة تغير الزمان وتطور الإنسانية . ولكن لا نلغي الدين ونربطه ببعض الممارسات في لحظات معينة فالدين كما أقر علماء الاجتماع مرتبط بالإنسان ولا يمكن فصل الدين عن حياة الإنسان ، والديانات جاءت لكي تكمل الجانب الناقص في عقل البشر فقدمت التشريعات الحياتية في كل المجالات . والديانة وتعاليمها مصممة من قبل رب البرية والعالم بأصلح الحلول لمشاكلها وحاجتها. ولا أفهم حتى الآن ما هو التعارض بين الدين وبين الحداثة ؟؟؟!!!!. الإنسان العربي المعاصر مستهلك بنسبة 99.9 % مما يستخدم بدءً من ملابسه الداخلية وصولا إلى الطائرات والمركبات , وبفضل "بعض" هؤلاء الحداثيين انجرت هذه القاعدة على العقل العربي فصار يستورد الأفكار ولا ينتجها !
التعليقات (0)