اختلاط مستويات ونمط التفكير من شخص لآخر ومن جماعة لأخرى لا يفسد للود قضية مادام الجميع يصب في مجرى واحد لخدمة الصالح العام, مع الأخذ بالاعتبار ان الغاية لا تبرر الوسيلة خلاف ما يراه ميكافيلي بأن الغاية تبرر الوسيلة, أحببت اليوم ان أتطرّق لموضوع لم يتأتَ من فراغ أو اجتهاد بل هو نتاج معاينة استمرت أكثر من ثماني سنوات, ألا وهو التفكير بعقلية المعارضة, ويبدو ان هناك أحزاباً مازالت تفكر بهذا المستوى وهذه العقلية, ولا يكاد ينفك اعتقادها بأن الأطراف المناهضة وغير المناهضة لها بطبيعة الحال أهم اعدائها, ما أثر ذلك سلباً على العملية السياسية الناشئة في العراق الجديد, وجعلها تراوح في نفس مكان نقطة الشروع والانطلاق, دون التقدم وتخطي القدر المطلوب والمفروض لبناء دولة رصينة قائمة على احترام حقوق و واجبات جميع ابنائها دون تمييز, والنظر الى الهوية المذهبية والقومية والحزبية, والغريب في هذا الأمر ان هناك بعض الأحزاب ترفع شعارات وتنادي وتحث على مبدأ النزاهة والكفاءة سيما في المواسم الانتخابية, إلا ان الفساد ينخر مفاصلها دون ان تشعر, والأغرب من ذلك انها وان شعرت وأدركت وتيقّنت بأن بعضاً أو جزءاً كبيراً من كوادرها مفسدون , فأنها لا تقوى على محاسبتهم بل تكافئهم بمكان أعلى وأرفع من التي كانوا يشغلونها سواء كان ذلك في الحزب أو الدولة, لسبب انها تراهم لا يستحقون ان يعاقبوا بل يكافأوا لأنهم قضوا ردحاً من الزمن في سوح معارضة الطاغية, وتغض الطرف عنهم, في حين تجدها أي تلك الأحزاب كالسبع الضاري في محاسبة المقصرين والمفسدين الفاقدين للهوية الحزبية, ما شجعهم ذلك على الإسراع للإنتماء الحزبي مما جعل سمعتها الحسنة في مهب رياح الانتقاص والانتقاد اللاذع, ان هذا النمط والمستوى من التفكير يأخذ بأيدينا نحو منزلق خطير ومنعطف يؤسس لثقافة لم تألفها منظوماتنا الاجتماعية, ما ينذر ويهدد بسابقة لا تحمد عقباها في مقبلات السنين سيما انها تشجع وتغذي روح التحزّب لتؤتي رحاب الوحدة والوطنية وتنقصها من أطرافها, لا أجد عذراً يبرر سلوكيات هذه العقلية وقد كنت متعاطفاً كثيراً معها, ولكن سرعان ما انخفض منسوب هذا التعاطف في داخلي, اذ بخّرته شمس التصرفات الخارجة عن نطاق المعقول, واحالته غيوماً تأبى السماء ان تبقيه طويلاً إلا ان تحيله مطراً, ليعود الصفاء إليها من جديد. لا أعرف من سيبنيك يا موطني ؟ ومتى وكيف ؟ والذين حولك يريدون ان يقتلوك من حيث يشعرون أو لا يشعرون, هل ستبنيك تجمعات النخب بنرجسيتها المفرطة وشعاراتها الجوفاء الخالية إلا من نفسها ؟ أم الأحزاب المختنقة بصوت الآخرين وأصابعهم في آذانهم خوفاً من الصواعق ؟ اعتقد ان الفقراء سيكون لهم صوت يختلف عن صوتهم البنفسجي, يقرع أسماع المحتالين والفاسدين ويقول لهم: كفاكم عبثاً بمقدراتنا, ازرعوا القدّاح, فالطرقات مزدحمة وملأى بالجراح, وها هو الليل سينجلي ويُطرد من قبل الصباح, حينها ينبثق الضياء ليميط اللثام عن الحقيقة.
التعليقات (0)