عطية هو عطية العوفي من التابعين، وأما علاقته بالمنابر الحسينية فهي تقتصر على ذكره في يوم العشرين من صفر من كل سنة، حيث يتم إحياء ذكرى أربعين الإمام الحسين عليه السلام. تذكر المنابر عطية في هذا اليوم حيث تتحدث عن دور ثانوي له ينحصر في مرافقة الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري وتقديم العون والمساعدة له أثناء قيامه بزيارة قبر الإمام الحسين في كربلاء إذ كان جابر وقتذاك شيخا كبيرا.
وللأسف فإن المنابر أو جلها لا تسلط الضوء على شخصية عطية، وتكتفي ببضع كلمات عن دوره المذكور، وكأنه شخصية هامشية.
عطية العوفي هو نموذج وعنوان يشير إلى بعض أوجه القصور التي تعاني منها هذه المنابر، فالرجل لم يكن شخصا عاديا أبدا؛ أبوه سعد بن جنادة العوفي أول من أسلم من أهل الطائف، صحب النبي وروى عنه عددا من الأحاديث، كما شارك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في حروبه وروى بعض أحاديثه، وعندما ولد لسعد ابن جاء به إلى الإمام علي لكي يسميه، فقال هذه عطية الله، فسماه عطية.
عطية هذا كان يروي الأحاديث عن جابر بن عبد الله الأنصاري وعن أبي سعيد الخدري وغيرهما من الصحابة؛ وقد عده البرقي من أصحاب الإمام الباقر ، وهو من رواة الأحاديث عند البخاري في كتابه ( الأدب المفرد ) وعند أبي داوود والترمذي وابن ماجة والإمام أحمد في مسنده. وقد وثقه ابن سعد وابن معين وسبط بن الجوزي.
عطية شارك في ثورة المختار الثقفي، وكان على رأس الجماعة الذين أوفدهم المختار إلى مكة المكرمة لإنقاذ الهاشميين الذين سجنهم عبد الله بن الزبير بعد أن رفضوا مبايعته، كما كان من الخارجين على الحجاج مع عبد الرحمن بن الأشعث، وبعد هزيمة ابن الأشعث تعرض للتنكيل والأذى بحلق رأسه ولحيته والضرب أربعمائة سوط بسبب تمسكه بمواقفه.
كل هذه التفاصيل وغيرها لا تأتي على ذكرها المنابر، وهو أمر يحتاج إلى تأمل.
فالمنابر الحسينية هي وسيلة إعلامية وتوعوية تعتمد التخاطب المباشر مع كافة أفراد المجتمع، وتمتلك بسبب عوامل عدة قدرة تأثيرية وتعبوية يغبطها عليها أي منبر آخر.
وقد لعبت على مدى زمني طويل دورا هاما في صياغة الوعي الديني والثقافي في المجتمعات الشيعية بشكل عام. وهي بلا شك مكتسب من المكتسبات التي يجب أن نحافظ عليها بتطويرها لتكون مواكبة لاحتياجات إنسان العصر ولتحقق رسالتها المتمثلة في تبليغ رسالة من تتشرف بالانتساب إليه، أعني الإمام الحسين عليه السلام الذي صاغ تلك الرسالة بشكل واضح وجلي، حين قال: إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ( صلى الله عليه وآله ).
ولكي تقوم بهذه المهمة خير قيام، أعتقد أنه لا بد من الالتفات للنقطتين التاليتين:
1- مسؤولية الخطيب: الخطيب هو العنصر الأساس في معادلة المنبر الحسيني، وعليه تقع المسؤولية العظمى في الارتقاء بخطابه ليصل إلى مستوى عالمي يستطيع من خلاله إيصال صوت الحسين وأهداف الحسين إلى كل العالم الذي سيحتفي حقا بهذه الشخصية العظيمة إذا تعرف عليها بصورة صحيحة عن طريق إبراز القيم الإنسانية الكبرى التي ضحى من أجلها الحسين، كالحرية والعدالة وكرامة الإنسان.
ولكي يكون الخطيب قادرا على ذلك، يلزمه امتلاك الكثير من الأدوات المعرفية والثقافية والدينية والتحليلية والتأثيرية والإقناعية؛ فليس صحيحا أن لا يكون مطلعا على التاريخ الإسلامي وتفاصيله، خصوصا تلك المتعلقة بالسيرة الحسينية وشخوصها وملابساتها، وليس صحيحا أن لا يكون قد طالع كتب التفسير والفقه، أو لم يكن قد تعلم فن الإلقاء والتأثير في الآخرين.
إن المدخل الأساس لكل هذا باختصار هو أن يعيش من يتصدى للمنبر الحسيني حالة من التطوير الذاتي المستمر، وإلا فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
2- مسؤولية المتلقي: وتتمثل في التفاعل الإيجابي من خلال تشجيع الخطيب الجيد والخطاب المتميز، ومكاشفة الخطيب بأوجه القصور في خطابه بكل صراحة لا تمس شخصه، وإنما تركز على مفردات خطابه. أما أن يكتفي المتلقي بالدور السلبي بعدم التشجيع أو النقد أو بالمدح المفرط أو الذم المفرط، فلن يؤدي إلى التطوير المطلوب. إن مسؤولية المتلقي المثقف مسؤولية مضاعفة إذ عليه يقع العبء الأكبر في ممارسة النقد البناء.
هناك بلا شك نقاط أخرى مهمة أدعو القارئ للمشاركة بها ليسهم في تصحيح الوضع نحو الأفضل.
التعليقات (0)