مواضيع اليوم

عصفورة تبكي اسمها الأرض ( 6_ 9)

أحمد الشرعبي

2011-07-04 04:48:30

0

 عصفورة تبكي اسمها الأرض ( 6 _ 9 ) . للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .

 

أيتها النجمةُ الضائعةُ في إسطبلاتِ بُكائي ، لماذا تلهثين وراء الزواجِ مني ؟ . لستُ رَجُلَ أعمالٍ ، ولا أملكُ عقاراتٍ. دعيني للوسواسِ القهريِّ يَحْرقني ، لكنني سأتحداه في الأزقة الخلفية للميناء في ضوءِ الرَّصاصِ في عنفوان اليورانيوم في حِبال المشانق والغسيل في عنف الأزهار السَّامة. وأحرقُ مراكبَ الشيطان في بِحار يأسه. إن سُعالي يتلاشى لأنني أموتُ. والليلُ أزرقُ . تمنعُ الذُّباباتُ ماءَ الْحُبِّ من الوصول إلى أرضيةِ شَعْري .
السنديانةُ مُرْضِعتي، وجَناحُ الرَّعدِ مَشْرحتي. ودمعي على فُرشاةِ الأسنانِ المتروكة بالدماءِ اغرورقَ. الليلُ مثلُ أحشائي أزرقُ . لو كانت جُروحي في مزارعِ الصَّليلِ أمطاراً ، لكان ظِلِّي نشيدَ الأمسِ وشلالاتِ غيابي .
عاصرتُ مجزرتي رغم ولادتها قبلي بعدةِ قرونٍ . ورُمِيَ ساعدي على نصوصِ البروقِ همزةَ وَصْلٍ. وقوسُ قزحَ يُتاجرُ بمثانتي في البورصةِ. وقامت مانعةُ صواعق بتحقيقِ مخطوطة رُفاتي. أهلاً بكم في الوطن الخراب، أهلاً بكم في الضياع الذي ابتكره الملوك الفاتحون . إنني لم أجد صدراً حانياً إلا المنفى . آتياً من أشلاء الضَّحايا . شَرَّحَت الكستناءُ جثةَ الصَّخر ، فهناك احتمالٌ أن أحدَ المشعوذين دَسَّ له السُّمَّ في طعامه . والطاغيةُ كابتن فريق كرة قدمٍ من المعاقين عقلياً خاسرٍ أبداً .
صَوَّرت الورودُ مراسمَ إعدامي بالأقمارِ الصناعيةِ، ونُقِلَت الصورُ إلى شاشاتِ الضفادعِ في بث حي ومباشر. لا أبناءَ لي يرجعون من المعركةِ فيخبرون أُمَّهم بأن تبدأَ العِدَّةَ . ولا امرأةٌ لي تسهر الليالي وهي تُخيطُ ثيابَ الحِدَادِ عليَّ . إنني مِن اكتشافاتِ المد البحري . كان اللهُ في عَوْني ، فأنا أُقاتِلُ داخلَ جِسْمي وخارجه .
هذا نزيفي حارساً على فُوَّهاتِ الخِيام . وأتت الشجيراتُ مَلْفوفةً بعظامي تحملُ نِعالَ الأنبياء كي تحيا . جبلُ أُحُدٍ قلبي الذي يعيشُ في آفاقِ الرِّياح . فَتِّتوا عِظامي ورُشُّوها على الطريقِ لإخفاءِ آثار أقدامِ النَّبي وصاحبِه .
تتشمسُ حالةُ الاستنفار القصوى في أوردتي المتشعبةِ أمواجَ رَصاصٍ . أحكامٌ عُرْفيةٌ في معدتي. أغارُ على شجرتي المنتشيةِ بطعني، لا مبرر أن تغاري عليَّ أيتها المرافئ، فهناك ملايين الفتيات يَعْبُرْنَ مجزرتي. اعتصمتْ بُحيراتي في ليلةٍ دمويةٍ مطيرةٍ مُطالِبةً بزيادة الرواتبِ لحراسةِ نُعوشي . وأوصالي تَرَكَتْني احتجاجاً على مُصافحتي للوديانِ. مساحيقُ البنكرياسِ تتغزلُ بي .
بناتِ إسلام أباد ، لا تذرفنَ اللؤلؤَ على مَشْرحتي ، فجثماني تحمله الأسماكُ إلى القاعِ . من أنا حتى تَبْكِيَ عليَّ الشُّموس ؟. إنني مجردُ غُربةٍ طَيْفها فراشةٌ وظِلُّها حصانُ المطر .
وُلِدْتُ مع الدماء ومِتُّ مع الدماء. جئتُ مع البكاء، وعُدْتُ مع البكاء . أصحابٌ يتبادلون البقدونسَ في مُناسباتِ اقتلاع جهازي التنفسي . ذبحتي الصدريةُ عيادةُ طبيبِ أسنانٍ . حزينٌ الحزنُ لأنه تفاجأ حين علم أن عائلتَه قَتَلَتْهُ وأن أُمَّه من الاستخبارات العسكرية . مناظرةٌ بيني وبين الصحراءِ، والفائز يُعلَن يومَ وفاتي. وناقةُ الربيع تدق النخلاتِ في فَقَراتِ ظَهْري . يتفحص البرقُ جُثتي كالسيارة المستعمَلة . لكنَّ جنينَ السنبلةِ عقيقٌ يتجسسُ على دقاتِ صدره .
غداً عندما تستهلكُ عينُ الماءِ المعاقةُ عقلياً دماغي، أعرفُ أن ظِلِّي صار عبئاً عليَّ. أرى في دمِ البِطْريقِ ذلك الكاهنَ المتوحش ، هل هو جرس رعشةٍ أم جُمجمةُ قاتِلٍ ؟ . والزيتُ المشاغِبُ يحتضنُ الفلافلَ ذات الرائحةِ المهرولةِ في الأمسياتِ العظمية. قَدَّم الغرابُ لي رِشوةً كي أمدحَه في عبير القصيدة ولكنني رفضتُ. حان وقتُ حصادي ، ونفسي تتآمر ضدي . إن المياهَ تجثو على رُكبتيها فوق سجاجيد المرعى خوفاً من مَلِك الملوك . رَحِمَكَ اللهُ يا قَلْبي ، أَتْعَبْتني حَيَّاً ومَيْتاً .
أكملي المشوارَ يا كشميرُ بدوني. دعيني للموتِ في الغابةِ وحدي ، فالسم ينخرُ جسدي. اتركيني وانطلقي قبل أن يأتوا ويقبضوا عليكِ . انزعي يدكِ من يدي . ارحلي سريعاً. لا تمنحيني جذوعَ الشجر تذكاراً، لأن السمَّ الذي يتنزه فِيَّ هو التذكارُ .
في مواسمِ تقشيري تكون أحداقي طابعَ بريدٍ على الرسائلِ التي لا تصلُ أبداً . نسوةٌ وَجَدْنَ تاريخهنَّ الشخصي في فُروجهنَّ . معابدُ الجنونِ عند حافةِ الأغبرةِ في سرطان الجِلد الساكن في الميناء والإناثِ العارياتِ على الشاطئ المسمومِ .
لأن عصيرَ الطرقاتِ في سِحْنتي سنابل ، يجرفني الصباحُ المقاتِلُ . الْمِسْني شتاءً ضعيفاً، وتَجاوَزْ عينيَّ وسَمِّهِمَا خريفاً. وَبَّخَنِي النهرُ لأن جوارحي أخطأتْ في حقه. إن فتياتِ المدارسِ في بطرسبرغ يتم بيعُهن إلى الأثرياء في الحقولِ الخرساء . وماركس يُلَوِّثُ الصحونَ في مطاعمِ فلسفةِ الشيطان .
لَيْتَ أُمِّي لم تَلِدْني . لَيْتني كُنتُ نَسْياً مَنْسِيَّاً . أَخرجُ من الدنيا لا لي ولا عليَّ . لو كان قبري مَخْفِيَّاً عن عيون البشر ، فلا يأتي إليه الجنرالات ويضعون أقدامهم عليه. هزمتُهم حَيَّاً ومَيْتاً . لو أنني مكنسةٌ في الجامعِ ، أو مخدة تحت رؤوس الأنبياء .
صناعةُ توابيتِ الحشائشِ سَتُوَفِّرُ لنباتاتِ الزينة دخلاً ثابتاً . تستطيع أميرةٌ ما شراءَ رَجُلٍ، لكنها عاجزةٌ عن شراء دماءِ الشَّفق . محاكمةُ السلاطينِ أعمدةُ ضوءٍ في اتساعِ الشارعِ المثمِرِ. دمُ الشهيدِ يُنَقِّي مياهَنا . حكمَ التوتُ على حُزني بالسجنِ المؤبَّدِ في جوارحي .
سلامٌ على قبرِ التي أَخذتْ قبري وحُبِّي معها . مدافنُ العواصفِ تتألقُ على أرجوحة الصدى الخشنِ . وبعدَ فوات الأوانِ تَذكَّرت الخزامى أن تسقيَ دمي استعداداً لزراعته في العاصفةِ الخضراء. وَدَّعت يتيماتُ الأصداءِ آباءهنَّ في محطة القطارِ ، إنهم سَيُقَاتِلون من أجل الكونتيسةِ اللاشيء .
نورسٌ شريفٌ عصرَ لحمَه في المعركةِ ، ولم يعصره في استجداء الأمراء . هناك هاجسُ البحورِ محروقاً مثلَ الكاوتشوكِ. وتخرجُ ظلالُ نُعوش النبعِ من عوادمِ السياراتِ. أسرابٌ من كُثبان الرمالِ تُساعد الصحراءَ على التخلصِ من الارتباكِ في ليلةِ الدُّخلةِ .
نقلوا مُجَمَّعَ المسافرين إلى رعشتي . لماذا يُرسِلون نعشي إلى أبي بالبريدِ الإلكتروني ؟ . قَتَلْتُموني ، إذن اذْهَبوا وناموا مع نسائكم ، وانتهى الأمر ! . فلا بلدٌ يسترُ طحالي بحِباله ، ولا أجدادي حاملو الصولجان . تتشمسُ الليالي في شتاءِ دموعي. وأطباءُ القصرِ يوصون الحواملَ بالمشي في جنازتي . وأثناءَ انعقاد الجنازةِ ستسكنُ في خيمتي غجريةٌ لن تحترمَ ذكرياتي مع الشَّافعي والخوارزمي . نظراتي غير خاضعةٍ لمزاجِ بناتِ أثينا التائهاتِ، ولن أدعَ نساءَ موسكو يتعلمن الثرثرةَ والغَزَلَ في ذبحتي الصدريةِ، هناك قربَ فراشاتِ غروزني .
تتعطرُ مُراهقاتُ الحطامِ باليورانيومِ المخصَّب. إنها أزمنةُ الغربِ السَّامِّ. المرفأ تفاحةٌ تُشعلُها قرودُ حكومة الإبادة. يصطادُ ظبيُ الأمعاءِ صيادَهُ. إن أعشابَ الذاكرة جِلدي الخالي من فُقاعاتِ السيانيد وتجاعيدِ شَعْرِ المسرحِ ، فأحضنُ أمسي ، وأبكي لتعليم الغيوم كيف تبتسمُ . وفَجْري النهوضُ من القش الصناعي . لقد مَدَّدَ شعراءُ الصَّديدِ مصابيحَ ولادةِ أمهاتهم على شُرفةِ الخليفةِ .
إنني تُرابٌ ينتصبُ على بقايايَ ضَحِيَّتي . وها هُنَّ الإسبانياتُ يُنهينَ امتحاناتِ الجامعة ، ثم يتجهزنَ لقصة حب جديدة ، والمشاركةِ في الرقصِ الجماعي على الأكفان البيضاء لصقر قُرَيْشٍ. البراكينُ تنتحبُ لأن القصائدَ القتيلةَ لا تُماثِلُ إلا مدفنها . والإنسانُ يرقصُ على حَبَّات الرَّملِ لكنها سَتَعْلوه يوماً .
أنا والزلزال نتبادلُ الخبراتِ. مواعيدُ خِتَانِ القمر. وصيةُ الديناصورِ بعد انقراضه. ما زال الفلاسفةُ الإغريقُ يرمونَ برجَ إيفلِ في أرحامِ بناتِ أثينا. فكيف سيقومُ الوردُ الأََسْودُ من قُمرةِ قيادة المجازر زُجاجاً يتواطئ مع المدير والسكرتيرة في الطوابقِ العلوية ؟. رَكَّبَت حكومةُ القراصنةِ على أثداء السَّيدات مُفاعلاً نووياً لاستخراجِ الحليب وإسالته في حقولِ القارةِ العجوز . وكُلُّ قُرصان عجوزٌ ، وكُلُّ صك غفران امتدادٌ للإبادةِ الجماعية .
مُصْحَفٌ مرفوعٌ على رَفٍّ في دقاتِ جَنَاني . ذكرياتُ الياقوتِ في أيام الرخامِ قصةُ الجرحى. تعتبرني سوقُ القتلى عريسَها المستقبلي. دروسٌ خصوصيةٌ في التخلصِ من المللِ وأنت ترقبُ المقصلةَ تهوي على ضوءِ ساعة يدكَ جِرْذاً مستحماً بكل سوائلِ الرفضِ. أضواءُ الحافلاتِ تُهَيِّجُ كرياتِ دمي وتغلِّفها بالقشِ المسمومِ. وكانت الأرضُ عظامي المغسولةَ. أيتها المذبحةُ، أنا فارسُ أحلامكِ ، فعانقيني قبل قدومكِ .
وأَغرقُ في فُتاتي. أستغيثُ قبيلةَ الرياحِ، فتنظرُ إليَّ مبتسمةً تظن أنني أرقصُ طرباً لصوتِ القاضي حاكماً عليَّ بمعانقةِ أطيافِ النمورِ الميتة . لم يمد شعبُ الرعودِ بنكرياسَ المساعدةِ لي ، ولكنهم أقاموا لي مأتماً مهيباً حَضَرَتْه رغماً عني الفرقةُ الموسيقيةُ التابعةُ لأطفال الشوارع . وأُرسلت فاتورتُه إلى الخشبةِ التي صُلِبَ عليها أُستاذي .
يا خالقَ النار ، اجْعَلْني ناراً لا تنطفئ على مراكب الغزاة . ذاكَ الرَّماديُّ تاجُ الحاكمةِ يشربُ مساءً بالنعنعِ وأدمعي ، ويأكلُ خريفَ المياه الصاعق . إن قُنفذاً رفع دعوةً على محاكم الرَّمد لأنها مَنَعَتْه من تطليقِ زوجته .
مثانةُ البكاءِ مزهريةُ الموتى يسكنون فيَّ ، لأن منعطفَ الحرير الغائبِ يبدأ من اندثار النمو في انطفاءِ البراعم الصغيرةِ. لأن ركوبَ سيارةٍ فخمةٍ لا يجعل الأنثى تجد أنوثتها. لأن مدينةَ البندقية ليست بمأمن من الاحتراقِ. لأن زعيمَ الجنون ليس بمأمن من الاغتيالِ . لأن السجينَ ليس بمأمن من القَتلة . لأن أزهارَ حدائقِ القصرِ ليست بمأمن من الذُّبول .
كأن الكآبة مستشفى للقلوب المسعورة في الطابقِ الثاني من المحكمة . تكتبني أغنيةٌ بعنوان " كيف تتخلصُ من القلقِ في الليلةِ الأولى من السجنِ المؤبدِ ؟ " . حَبلُ مشنقةٍ واحدٌ يلتف على رقبتين في القوقاز : تلك الشركسيةِ ودمعتي . وكان أذانُ المغربِ ينطلقُ بينما كنتُ في ثياب الإعدامِ . كَمْ وَدِدْتُ عندها لو صَلَّيْتُ المغربَ قبل تنفيذ ذلك الحكم .
كانت العرباتُ تجر جدائلَ الباندا ، والنجماتُ تُصَفِّقُ كالنباتِ الأطرشِ في بكائياتِ العُقبان
المدجَّنة. هذا أوان مقتلي، وابتسمت الصواعقُ. صمتُ المهرجاناتِ الصاخب يلفُّ الموقعَ الزمردي. تقتبس سحنتي معناها من أشكال سجاجيد الجامع . وعندما أَدْخُلُه آخذ فؤادي معي ولا أتركه على السور الخارجي. زهرٌ أبرصُ ذاك الذي خان أدغالَه الليلكية، وهي أيضاً خَانَتْه يومَ تَسَلَّمَتْ راتبَها من مغتصبِها. انخفضت معنوياتُ مقاصلي حينما أخبرتني تعرجاتُ قزحيتي بأنني شخصٌ غيرُ مرغوبٍ فيه في مكانِ الزَّمان . كأنَّ الأكشاكَ سجينٌ يخطبُ ابنةَ سَجَّانه .
للصخورِ القرمزية انتقامُ الفضةِ. لا تنتقمي مني، فأنا أُحبكِ. اسْتُري أقسامي بمعاصر زيتونٍ تبخرت من مُحَيَّايَ . كُلَّ مساءٍ أركضُ في ذرَّاتي فخوراً بموعدٍ يجمعني مع وجهي خارجَ نفوذِ المرايا الأجنبية. وفي طريقي إلى صلاةِ الفجرِ وجدتُ إحدى المومساتِ، فرميتُ عليها عباءتي وَوَعَظْتُها ثم ذهبتُ .
سيظل حَيُّ سان أنطوان بائساً ساجداً على عتبة قاعة الرقصِ الفخاري يرقبُ ماري أنطوانيت. رائحةُ عَرَقِ الإناث تملأ الدَّيْرَ وقاعةَ الرقصِ . جَلادون محنَّطون في اشتياق عشيقاتهم . حضارةُ الشعوذةِ مدرسةُ بناتٍ أم معرضٌ لأزياء القتيلات ؟، ويستمر عرضُ الأزياء في موناكو حتى ساعة متأخرة من عروقِ الثَّكالى الباكياتِ. التثاؤبُ الإسفلتي، وقائدُ جيوشِ الفراغِ المصابُ بالشذوذِ الجنسيِّ. وتجوبُ الرأسُ المقطوعةُ فِرَاءَ المجاعاتِ. خوفُ الصنوبرِ من عُزلته. تقلقُ المحيطاتُ من اعتزال الأملاح البلوطية .
وما زالت محاكمُ التفتيشِ تقذفُني في رُكامِ القيودِ، فتأتي المنبوذاتُ ويخلعن رموشي، ويسحقنها كالقصورِ الرملية ليصنعن منها كُحلاً للعرائسِ أمام الكاهن . للأنثى بنتٌ تقبرُ وجهَها في مرآةِ سيارتها الفارهة، وتنهار خلف المقودِ مبتسمة .
إن القمرَ يسيلُ على الثيابِ المجعَّدة . هي جروحي مهدُ الليلكِ ولحدُه أو أرقُ الطوبِ . عيناي تُجَدِّفان في عجينِ الأرضِ . كان سائقُ السيارةِ تشغله القيادةُ عن ملاحظة صَلْبي على حنينِ الغابة. والفلاحُ يشغله انتظارُ المحصولِ عن رؤيةِ لحظة نمو النباتِ . كائناتٌ حيةٌ في فلوريدا ترتدي تنانير قصيرة، تلعبُ الغولفَ في حُفَرِ المقابر. وصلت البارونةُ إلى حجرةِ سَلْخي بالخطأ ظناً منها أنها مبارةُ تنسٍ أرضيٍّ. وعلى الرغم من أن الشلالاتِ تتناولُ حبوبَ منع الحملِ إلا أنها حَمَلَتْ بجنين الثورة .
وأتى ميعادُ المحاكَمَة أو صُوَرُ الاقتراب منها . كُلُّ شيء مُرَتَّبٌ وَمُعَدٌّ بعناية . رجالٌ مُسلَّحون مفتولو العضلاتِ تقدَّموا بخطىً متسارعةٍ . كانت زنودُهم قطعاً خشبيةً صمَّاء ، غَرَسُوها فينا بأوتادٍ خيالية .
سار الرَّكبُ ، والحادي يرثي الإبلَ القتيلةَ، يفتشُ عنها فلا يجد سوى آثار أقدامها على رمالِ الأجرام البشرية. مزيجاً من الثقة والخوف والرعب كانت خُطانا. خرج كُلُّ درب ابتلعَ أطيافَنا، وتَصَاعَدَ من أجداثنا. اختناقَ النَّارِ الذي يسبقُ التأجج كان الطريقُ. قضينا حياتَنا والسجانُ يفكر نيابةً عنا، ويتخذ القراراتِ باسْمنا ونحن آخر من يعلم . تحددُ إدارةُ السجن مواعيد النوم والذهاب إلى المرحاضِ. تعذبك متى تشاء وتُفرج عنك متى تشاء . وأحياناً قد يُفتَح السجنُ في قاع المحيط لوسائل الإعلام الأجنبية ، بعد أن يتم تنظيفه من آثار الدماء والصرخات والجثث الملغاة . والحياة تستمر ! .
تتعانقُ طالباتُ المرحلةِ الثانوية عند أحواضِ السباحة في إجازة الصيف. يتذكرنَ أيامَ الدوام في المدرسة، وتتباهى كُلُّ واحدة منهن بأنها تعرَّفتْ على صديق أنيق وجذاب ، والمهم أنه يملك سيارة مرسيدس اشتراها له والده المليونير . يدرس الخطيبان إقامة حفل الزفاف في أحد الفنادق الراقية. يختلفان على اسم الراقصة ونوعية الخمور، وتكبر القضيةُ حتى يتدخل الأهلُ لحل الأزمة . وبالطبع لا تصل القضية إلى مجلس الأمنِ . والعجائز المشرَّدون يفكرون في الأماكن المناسبة للتسولِ. قد يتم لقاء بين ابنة ثريٍّ ترتدي فستان العُرس ، وبين أرملةٍ مُقْعَدَةٍ تتسوَّل قرب بوابة الفندق ، فينتبه الحراس إليها، ويأتون كي يطردوها . والحياة تستمر ! .
تلتصق المرأةُ بزوجها وتُرَقِّق صوتَها الخشن على السَّريرِ ، من أجل أن يكتب قطعة الأرض أو الفيلا باسمها . وتخرج الأراملُ ليبعنَ الدجاجَ والحمَام على أرصفة السوقِ القذرة . وفي الأُسرِ الثرية ، يتزوج أبناءُ العم بنات عمهم ليحافظوا على الثروة. لو تزوجَ المشرَّدُ ابنةَ عمه فسيحافظان على انكماشِ الملاجئ الموحلة، والخِيامِ المتطايرة ، وصفاراتِ الإنذار في حرب داحس والغبراء. نوعيةُ القماشِ الذي تُفَصِّلُ منه ابنةُ زعيم القبيلةِ ثوبَ العُرس ، يختلف عن نوعية قماشِ الظهيرة . لكننا سَنُبْعَثُ عُرَاةً .
نَشَرْنا إناثَنا على حبال الغسيلِ بدلاً من الملابسِ ، وحَوَّلْنا الشابَّ إلى حيوان جنسيٍّ يهرم نبضُه ويندثرُ غير شاعر بالمأساة ، حيث أصبح وجهُه مَيْتاً وقناعُه حَيَّاً . والأصلُ يستردُّ أشياءه . والحياة تستمر ! .
تحويلُ أعظمي إلى قضبانِ معسكرات اعتقال . والموظفةُ ترفعُ تنورتها شيئاً فشيئاً . وعلماءُ السلاطين يبتكرون الفتاوى المناسبة للحالة المزاجية للحاكم. والعَسَسُ ينتشرون في أبجدية الشُّعراء. والأصنامُ منصوبةٌ في الميادين العامةِ . والشعبُ يُباع على السجاد الأحمر في المطاراتِ .
الآنَ وليس الآن ، أغيبُ في مداراتِ الزُّرْقَةِ في عينيكِ العاريتين من الكحل والدهاليز الضيقة. نعم أنتِ يا مقصلتي . يُعجبني فيكِ أنكِ متوهِّجةٌ وحادة . سوف تقضي عليَّ في أجزاء من الثانية. إن هربتِ مني فسوف أواجهكِ ، أينما كنتُ . فأنتِ تتواجدين أينما وُجِدْتُ . أنتِ المؤنَّثُ خارج زيتِ عباراتِ الأسى . قد تقرئين هذا الكلام بعد أن تَفْصِلي مُرَكَّباتي . علاقتُنا وطيدةٌ ، وليست استنزافاً . أيها الرعدُ ، خُذ عنوانَ مجزرتي ، وتَذَكَّر المقتولين في شوارع الديمقراطية قرب جمعيات حقوق الحيوان . لا تَعْجَبْ . إن المقصلةَ هي المؤنَّث الوحيد الذي أتغزلُ به. فيها جاذبيةٌ تشدُّني وَتَرُجُّني. كان بيتُ أهلها الذين مُسِحُوا في المذبحة مقابل بَيْتنا الذي مُسِحَ في المذبحة ، لذلك نشأنا في أحضانِ بعضنا قريباً من المجازرِ والشواطئِ المتجهِّمةِ في وَجْهَيْنا المبتسمةِ للغرباء .
يوماً ما نَظَّفْتُهَا، ودفنتُها في الألمنيوم لعله يحميها من الصدأ. ولم أتوقعْ أن تظهرَ من جديد . يومَ لقائنا وَضَعْنا نفسَ العطر بدون اتفاق مُسبقٍ . تَبَادَلْنا ذكرياتِ أهلنا الميِّتين . وقالت لي ضاحكةً : (( لم يبقَ إلا أن أقتلكَ ، فوظيفتي إعدامُ الذكريات رغم حبي لها )) . ما زلتُ أذكرُ ضحكتها وأسنانها البيضاء جراء استخدام معجون الثلج. طلبتْ مني أن أُسامحَها عندما تقتلني، فهي _ كما قالت لي _ قطعة حديد لا أكثر ولا أقل . غادرتُ بقعة الوقتِ ، وقد نسيتُ أن أسألها إن كانت ستبكي عليَّ أم لا. وعندما تجدد لقاؤنا في عصر هولاكو الجديد ، وأحسستُ بها ستهوي عليَّ ، نظرتُ إليها، فرأيتُ في يَدَيْها وشمَ حناءٍ على شكلِ صورة فوتوغرافية تجسد ذلك اللقاء القصير العنيف، ثم رفعتُ رأسي قليلاً، فتشابكت نظراتُنا، وتكسَّرتْ .
أدرتُ رأسي، والجموعُ يتناولون _ في ميدان الحسم الأليم _ فطائرَ الجبنة وعصائرَ البرتقال الطازج، والأطفال يبكون، والأمهات مشغولات بقراءة كتب فن الطبخ. أغمضتُ عينيَّ، ونطقتُ الشَّهادتين، وشعرتُ بذراتِ الهواء تصهلُ مقتربةً مني، وبصفير رقيق يتهادى مُوَدِّعاً .
إنني أموتُ ليعيشَ البرقُ في جِلدي . أكرهُ الحشائش المنتحرةَ ، لكن البراعم الخائنةَ تنتحرُ كل ثانية رغماً عنها. أذكرُ بداياتي، لكنني أنتهي . تتكدسُ أعمدةُ الضباب في فُتاتي حتى تصيرَ مدينةً أثرية مطمورة تنتظرُ مَن يكتشفها .
أبناءَ جِلْدتي ، لا تبيعوا قزحيةَ عيني بعد مرور جنازير الدبابات عليَّ . لا تذبحوني مرَّتين ، فأنتم الذين فتحتم أبوابَ عاصمتي لجيوشِ الرُّومِ ، وأَسْكَنْتُم في خيامي حَيَّاتِ الليالي. أُقْتَلُ في الزاوية شريداً منبوذاً مُطارَداً، عند إبريقِ الوضوءِ وفِراشي ومخدتي المقطَّعة . نقتصدُ في استهلاكِ دموعِنا كي تكفيَ حتى نهايةِ الشهرِ. وإن افتخرت كُلُّ أُمٍّ بابنها رَجُلِ الأعمالِ ، فافتخري أُمِّي بابنك الثائر المشنوقِ في سراديب المجموعة الشمسية ، والذي رُميت أحداقُه على فوهاتِ الغدِ، وطاولاتِ المطاعم الرومانسية ، وثيابِ المراهِقات من المحلات الأجنبيةِ ، والحياة تستمر ! .

http://ibrahimabuawwad.blogspot.com/




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات