عصفورة تبكي اسمها الأرض ( 3 _ 9 ) . للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .
كَيْف أبدأ ؟. مِن عَرَقِها أم مِن عَرَقي ؟. كيف أسيرُ ؟ . على حبل مِشنقتي أم على ضريحها ؟. كانت تنشرُ الغسيلَ على كوكب عُطارد . وَقَّعْتُ الأوراقَ اللازمة لإعدام خشبة الإعدام .
خَرَجْتُ من دمائي ، والدُّوار يَصْعقني . تقيَّأتُ على ثياب الرياح . أرى عصيرَ ليمون تَسْبح فيه مذابحُنا. سأرتدي ثيابَ العُرس في طريقي إلى المقصلة . انفجرتُ باكياً .
تزايد معدلُ هطولِ الدمع . وأدخلتُ رأسي تحت المخدة ، غرستُ أظافري فيَّ. أتألم رماداً. نُثِرَتْ أقسامي. اقْتُلِيني قبل أن أقتلكِ . اشربيني مع الماءِ قبل أن يشربكِ مع النبيذ . زوجةُ الفيضان هي القربانُ ، وعروقُ الليل هي المذبحُ . كلماتٌ لا تسمعها تلك المقتولة .
وأتى الصباحُ . عمليةُ إنقاذٍ أخيرةٌ بائت بالفشل . وسيرتي الذاتية_ إن كان لي سيرةٌ _ لن ترحمني. ركبنا السيارةَ . لقاءٌ هو أم فِراقٌ ؟ . فقدتُ القدرةَ على الكلامِ. وتمكَّن الصَّمتُ مِنَّا ، تَجَذَّرَ وأصبحَ راسخاً كمهاجرٍ فقيرٍ استوطنَ في أجنحةِ غُرْبته . دقائقُ مَرَّت أم قرونٌ من الحرقة واللهيب . لم أدمع ساعتئذ ، سافرت الدموعُ . إنه الانكسارُ اللامتوقَّع . عَلَّمَني السَّرابُ كيف أقطع الشارعَ ولكنه لم يُعَلِّمْني كيف أُصادِق شراييني . صوتُ البابِ مسمارٌ . جثوتُ على رُكبتيَّ ، وارتكزتُ على الأرضِ بباطنِ كَفِّي. لونُ الخشبِ المطعَّمِ بالصدفِ ألغى ألواني . نظرتُ إلى البجعة وبَيْننا أُلوفُ السدود . خِفْتُ الذهابَ إليها . خفتُ أن ترى عيوني . مُتكوِّمةٌ على نَفْسها . لا تجدْ حَوْلها إلا ثياباً مُقطَّعةً . تَسترُ جَسَدَها بجسدها. ليت الأرضَ ابتلعتْ دموعي . ليت أمي لم تَلِدْ رمالَ البحر . لا طيورٌ تشاركني انتحاري ولا صدى يتداولُ صرختي في السوقِ السوداء . غسيلُ أموالٍ أم غسيلُ أعضاء هؤلاء الأحلام ؟ . رائعٌ توقيعكَ على شهادة وفاتي .
قامت وقد ظننتُ أنها ستأتي تعاتبني ، تلكَ القطةُ المصلوبة على زجاج السيارات . كانت منتصبةً . أجالتْ بصرَها في المكان. وتوجَّهتْ صَوْبَ النافذة العريضة بخطواتٍ قاسية . فكرتُ حينئذٍ أنها ستتنفس الهواءَ ، ولكنها ألقتْ بنفسها من النافذة . جحظت عينايَ ، واحتلني الوجوم . ثم ضحكتُ . لا بد أنني ضحكتُ على نحو هستيري . ونهضتُ أرقص . أحضرتُ ما تبقى من ملابسها ، وغطيتُ بها وجهي . وبدأتُ أرقص أرقص أرقص إلى أن سقطتُ على السجاد . قَتلتُ نَفْسي التي نَالتْ أوسمةَ الهراء .
قاتلٌ وجهي الدُّخاني . إنه الخراب في المحاصيلِ الهالكة . وانقطع عن نبضي كهرباءُ الشتاءِ . سأعملُ لا لأنسى بل لأتذكرَ ما ردَّدته الذُّباباتُ في حجراتِ الماضي . زعم الحبُّ أنني جاسوسٌ للعاصفةِ أنقل أخبارَ الرمد إلى الشلالات . وبينما كانوا يستعملون " بينما " أحسستُ بلغتي تنساني في مأتم .
مِن الظلام والأمطارِ العاريةِ يَفِرُّ فَراري . يومَ عَصفتْ في حواجبي الجهاتُ ، وسال جبيني باروداً . وُلدتُ قبلَ شنقِ جارِنا البريء . هكذا هي شجراتي العاصفاتُ ، أغنيةً لأطفال تقمَّصت الألغامُ أطرافَهم .
على المسرحِ يمارسُ الضبابُ هوايته في التمثيل. شمسٌ تُفسِحُ لي في حُضْنِها بُقعةً لنهايةِ سِحنتي. أَرْبِطُ جذعَ الأقحوانةِ بأراجيحِ السراب . وإنْ ساقَ الطاعونُ بَعْضي إلى الهاويةِ لَغَّمَتْنِي القممُ العابرةُ . فلتكونوا نوافذَ للغد ، ارْحَموا الأطفالَ الذين يَزْرعون في قَزَحِيَّاتهم الأسمدةَ الكيماوية .
إذا شاءَ المنفى أن يصبحَ عالِماً في العناصرِ المشعة ، فعليه أن يتوقع الإصابة بالسرطان . انظري أوتادَ مأساتي إلى صفحاتِ أقلامي بالخط العريضِ " المنفى يُصابُ بالسرطان " . خبرُ الموسمِ . نحن نتشرد وغيرنا يحقق سبقاً صحفياً . أين سنأوي في عالَمٍ يَسْلخنا ويبيع جِلْدَنا للسَّائحات ؟ .
وشاحُ غيمةٍ على كَتِف البارود . وتحرَّكت الخلجانُ في طوابيرِ التلاميذ عندما سمعتْ قرعَ الجرسِ . الحِصَّةُ الأولى بَدأتْ . ماذا سَيُعلِّمون البعوضَ في حلبات مصارعة الدِّيكة ؟ . يَعْزِفني كُلُّ مَن يراني . في تلك البلدةِ ، وأباريقُ الفخارِ على عيونِ الثيرانِ . ما الفرقُ بين البقرةِ والجاموسةِ ؟. سؤالٌ هامشي مثل أجساد الفقراء .
لِنُغيِّرْ صيغةَ الحقول . ما الفرقُ بين المنفى الذي وُلِدَتْ فيه العُقبانُ والمنفى الذي مَاتتْ فيه ؟ . تَنْبتُ أجوبةُ الصَّدى على آثارِ السِّياطِ على بَطْني . مُناقشاتٌ في برلمان النعاس حول رفاهية المواطن الذي لا يعرفُ أنه مواطن ! .
واستسلمَ صوتُه للفضاء . إن انتحارَها عُودُ مِشنقةٍ يتزوَّج عُودَ ثِقابٍ. القُربانُ في جسد الشَّفق . قارةٌ من النزيف المتواصل . ماتت لِتُولَدَ الثائراتُ ، لكي نُشَيِّدَ مصنعاً من جماجمنا يقوم بإنتاج حبال المشانق الملتفة على أعناقِ القاتلين . وجدتُ جُثَّتها تنمو عليها الفِطْرياتُ . غَطَّيْتُ ذاكرةَ الصحراء بالنُّعوش .
تناثر الجنودُ باعةً مُتَجوِّلين في وقت إغلاقِ سوقِ النخاسة . نملةٌ تُدَرِّسُ ابنتها لغةَ الضباب . قَرَّرْتُ حَفْرَ القبر بأظافري . حفرتُ قبراً عميقاً وأدخلتُها فيه ، وحثوتُ عليها الترابَ الممزوج بالفراشات الميتة نتيجةَ الجوع . باسمِ الشعب أُعلن موتَ الشعب ! . أيها الثوار من أجل تحرير السَّردين من مجرات الرعشة ، أَنعي إليكم وطناً تناثر في ضباب النوافذ المكسورة . باسمِ الشعب الميت في صحاري المحيط الهادي .
خَوْفُ الكُمَّثرى أحدُ القضاةِ يُصدِرُ قوانينَ صَهْري بالمياه الجرداءِ المنحصرة في بيوت الرُّفاتِ ، ثم يذهبُ وينام مع زوجته . إنني عندما أرى ناساً لا يستحقون أن أُسمعَهم أشعاري فإنني أُسمعها لسلاسل الجبال. كان السَّيافُ يحاولُ إنهاءَ وجبة حَقْني بالدخان المجنون بسرعة ، لأن زوجته تنتظره على الغداء . قد عَلَّمَني حبلُ مِشنقتي شُربَ الشاي بالسَّبانخ .
الموناليزا هذيانُ انفعالاتٍ جنسيةٍ مُهَيِّجة على حديد الصدأ في برج إيفل . أعلامُ القراصنة ممسحةٌ على بابِ كهفي ، تدوسها أقدامُ ابنةِ عَمِّي وهي تدخلُ مع أهلها ليُلقوا النظرةَ الأخيرة على جثماني . لعبُ كرةِ القدمِ مع أطفالِ سراييفو أحب إلي من التزلج في جبال الألبِ . ومساعدةُ الطفلاتِ الشركسياتِ في قطفِ الزهورِ أحب إلي من التنزه في هاواي مع العاريات . والصهيلُ في المعاركِ أحب إلي من رنين خلخالِ امرأة .
وهكذا أَسْكَنوني السجنَ ، لأني ما كتبتُ الشِّعْر تحت شُرفاتِ العاهراتِ ، لأني ما قَدَّمتُ قصائدي لبغايا بني إسرائيل ، لأني لم أُصاحِب فتياتِ اليهودِ الثرياتِ في مكاتب الشركات في نيويورك ، لأني رفضتُ دعوةَ الوزيرة إلى سريرها في شقتها في مانهاتن . لأني ما كتبتُ رسائلَ الغرامِ للملكةِ فكتوريا . لأني لم أسجد لصنمٍ حجري أو بشري ، لأني لم أخن وطني وشعبي، لأني لم أُنَسِّق صفقاتِ الرقيق الأبيضِ في البيت الأبيض ، لأني لم أُهَرِّبْ أفخاذَ المراهقات في حقيبة الأزرار النووية ، لأن عَيْني خَطَّت بيانَ الثورة ، لأني ما صَوَّرْتُ المرقصَ على طوابع البريدِ ، لأني فضحتُ الكهنةَ وهم يتحرشون جنسياً بالراهباتِ ، لأني لم أبع سائلي المنويَّ في زُجاجاتِ الكُنْياك .
للجسدِ بصمةٌ مثل الإبهام تشقُّ الغَمامَ والطريقَ الصاعد . العودةُ إلى جسدِ السجين . عدتُ من نفس الطريقِ التي سرتُ فيه . لم يتغير شيءٌ سوى أن الشمسَ تحرَّكت . خُروجي مأساةٌ تُلهِمُ الروائيين . خارجَ القضبانِ نكأت الحنطةُ جراحاتي .
هناكَ سجنٌ أكبرُ في الخارجِ . قضبانٌ أكثر، وفرحٌ أقل. شَرَدْتُ من الأَسرِ إلى الأَسرِ . صَعدتُ من القيدِ كارهاً ، وعُدتُ مُشتاقاً لعُزْلةٍ تستثمرُ أعضائي . ليت حُبِّي للبحرِ يرجمني بالقطن كي يُطَهِّرَ غضاريفي من الدودِ والاكتئابِ .
سَيْفي مرهونٌ عند المجرَّة . لن يُباعَ في المزاد العلني . بِيعوا جِلدي وفُكُّوا الرَّهنَ. فأبي عاملُ منجمٍ في مجرةِ درب التبانة، وجَدِّي سائقُ شاحناتٍ على خط الأرضِ القمر . أرى قوةَ الأحلام في إبادة الوهم . حطامٌ للبناءِ ، سأصهرُ مِشْطَ الريحِ في حوضِ أسماكٍ . يا قيوداً تُفَرِّخُ نباتاتٍ مُقَاوِمَةً في حُلُوقِ الصاعقةِ . ها أنا أتقدمُ في المساء الخالي من حُلْمي شريداً معه مخيَّماتٌ . أنا لا المسرحيةُ لا المسرحُ لا الممثِّلُ لا المخرِجُ لا القاعة لا السِّجادةُ الحمراء في المطار . يا مجرَّةً مقتولةً على مِعصمِ الكَوْن . بَيْننا أنشودةٌ قصيرةٌ عن بناتٍ ذَهَبْنَ إلى الموتِ . وعَرباتُ نقلِ المحكومين بالإعدام تغرقُ في الحبوب المنوِّمة .
إنَّنا رَكَضْنا في القبوِ أجساماً مثقوبةً ، وسيجذبُ غموضُ الفضةِ فراشاتي ، وأظل وحيداً كما بدأتُ دراستي في مغاراتِ المستقبلِ . إن طريقي لا يتسعُ إلا لأهدابي . ستنادي عليَّ مُعَلِّمتي : (( عُدْ أيها الولدُ اليتيمُ فنحن نُحِبُّكَ )) . ينحرفَ قطاري عن السِّكة يوماً ، وربما أَصِلُ إلى عَبَراتٍ في خريرِ الملحِ أو شجرة سجينةٍ في قلعة . وسأبقى تحتَ المطر .
تحشدُ الصفحاتُ البيضاءُ سطورَها في دَرْبي . لن أستلمَ بطاقةَ دعوةٍ إلى عُرْسِ جارنا. والآباءُ قلقون في ردهات المستشفى . يلتصقون بأبوابِ غرف الولادةِ . طفلٌ جديدٌ يسيرُ نحو المجزرة الجديدة . وأنا أُفتِّش عن ذكرياتي : (( كَم مرةً قُتِلْتُ في حياتي ؟ )) . لكنَّ الغَمامَ لا يَهُمُّه هذا السؤالُ . لو أُمِّي حَيَّةٌ لاهْتَمَّتْ بالإجابة . سأتركُ الإجابة للقاضي المعيَّن من قبل أعدائي . كأن ارتعاشاتي هرولةُ صخراتٍ في ريشِ المكانِ، وها هي الكواكبُ تشقُّني بمنشارِ الجنونِ. أَحزمُ حقائبَ نباتات الزِّينة . لكن رصيدي في بنك الجثثِ لا يكفي لشراء حقيبة. إذن سأحزمُ كومةَ ورودٍ، أضعُ فيها طواحين الهواءِ لأتنفسَ إن قُطعت الكهرباءُ عن أَوردتي . سأمنحُ ضريحي حَقَّ كتابةِ سيرتي الذاتيةِ أثناءَ تَحَوُّلي إلى جثةٍ مشهورةٍ .
ما رائحةُ حطب فراق الحافر لضجر الحصان ؟ . إن عَرَقي المصيدةُ والطُّعْمُ لحيتانٍ لم تُولَد . يشقُّ الغَسقُ طريقَه في تفَّاحاتي مَنْفياً مطارَداً . هناك ، حيث وُلدتُ وأضحكني بكاؤهم، وهناك حيث مِتُّ وأبكاني فرحُ السهولِ . مُذْ جئتُ إلى الأرضِ وأنا أبكي وأبكي ثم أبكي وأحكي ما جرى للحُلْم فوقَ الشهقاتِ. آهاتي كُسِرَتْ حين سمعتُ الصباحَ يقول للدمعةِ : (( أنت طالِقٌ ! )). للنعوشِ دَقَّاتٌ . وأولئكَ المشنوقون أبناءُ الغدِ . مهما يَكُن مِن نَعْشٍ ، فالعشبةُ العاشقةُ تُعانِقُ بُؤْسي على ستائرَ معدنيةٍ . الشرارةُ الأولى نحو حائط المقبرةِ في الشارعِ العامِ .
كان هناك بنتٌ متأخرةٌ عن المدرسةِ. هي أندلسيةٌ من مدينةٍ لم يصمد فيها سوى المساجد. عروسٌ شهيدةٌ ظَلَّ وجهها في فضاءِ غروزني رايةً. حَضَنَتْني ذكرياتٌ. اشتبكتُ مع أوردتي. صدري يعج بالشهداءِ ، بدمائهم التي غسلت بواباتِ التاريخِ، بنظراتهم وهي تناقشُ مسألة اقتحامِ وجهي لبابِ الحِصْن .
عنفُ الألوانِ في منديلِ مزرعةٍ قتيلةٍ . أقيسُ منسوبَ دمي في سُدودِ بلادي بحنجرةِ بجعةٍ تموتُ بين غَدِها ولُغتها . لا زوجةٌ تُغَسِّلُنِي إنْ مِتُّ ، ولا إمامُ مسجدٍ يُصَلِّي عليَّ ، فالأئمةُ معتقَلون في قلاعِ النبلاء .
تقرعُ بناتُ آوى أبوابَ انبعاثي . تَوَّجَ الرمادُ الكونتيسةَ الثريةَ تاجَ العذاب في احتفال مُقْتَبَسٍ من انتهاء ثمود . الوطنُ ليس عُلبةَ مكياجٍ لعشيقةِ الكاردينالِ ، وإنما قلبٌ يتفجرُ زيتوناً وتِيناً . وَوَصِيَّتي تكتبني بماءِ النَّخيل ، وستنشرها دارُ نشرٍ في كوكبِ المريخ ، لعل النيازكَ تَطَّلع عليها إذا سَارتْ في طريقِ جُرحي ، لعلَّ غُصوني تُلغي حَظْرَ التجولِ في وريدي . اختلفتْ أشكالُ رَبَطات العُنُقِ لكنَّ المجرِمَ واحدٌ . مضيتُ إلى زنزانتي ، ووصلتُ إليها . المكانُ هادئٌ . ما زال القفصُ المفتوح على وريدي يُعذِّبني بأشكالِ العصافيرِ المهروسةِ . مملكةُ الضَّحايا . أَصبحتُ واثقاً زفيري . صار للضحايا فمٌ ومجرى تنفسٍ يحرقون فيه ضبابَ الجريمة . رائحةُ الخشبِ الزمرديةُ ، والموكيتُ الجديد . كلُّها ترافقني عندما يَنْسِفني طيرُ المأساةِ .
يا مَلِكَ الأغبرةِ ! . الدنيا سجنٌ أكثرُ قذارةً . اختاروا لي أحكاماً مؤبدةً تستحقني . إِنكم إن تُفرِجوا عَنِّي تَصْلبوني . البقاءُ في سجنٍ صغيرٍ أفضلُ من البقاءِ في سجنٍ كبيرٍ. لا أحترم الدودَ ولا أنتمي إلى قمصان أحكام الطوارئ. لستُ أُؤْمن بالقضاة الذين يُعيِّنهم ضُبَّاطُ المخابرات في خط الاستواء . هُمْ غربالٌ متكررٌ غير مثقوبٍ يَسْلخُ أباريقَ الوباء .
وُلِدْتُ بَيْنكم لكني أَسْمعُ الأنينَ الأنثوي في شوارع القمر . قُرصُ الشمسِ طردَ الخلفاءَ من شبابيك قصورهم لأنهم صاروا زَبَداً . والدلافينُ تقود المظاهَراتِ في قيعان المحيطات. وطُيوري تُنَظِّم العصيانَ المدني على أسلاكِ الكهرباء . وصديقي الأعمى مُتَّهم بخطفِ الطائرات . والأطفالُ الرُّضَّعُ يُخطِّطون لقلب نظام الحكم . فيا ضوءَ الشموعِ ، مَشْهداً مَنْسِيَّاً أُسَمِّيكَ ، وقاتلاً مأجوراً تُسَمِّينِي.
طُرِدَ البركانُ من مَنْصبه ، وتقاعدت الأدغالُ . حزينٌ أنا لأن الزلازل ماتتْ في سُعالي . استقالت الشوارعُ . سافرَ النهرُ إلى الخارج لإكمالِ دراسته . نوارسُ الجرحِ تعاني البطالةَ .
إِسطبلاتٌ في قاموسِ الينابيع، ومصانعُ لإعادةِ تكريرِ الدَّمع الفائضِ عن دَمْعه. سأتركُ أعصابَ الشَّفق تستريحُ في بطيخةِ الذاكرة . أَغلقَ النهارُ ذاكرته بمفاتيح الشجيراتِ . يَعْصِرني النعاسُ المتشظي . صَرَعَتْني لذةُ الأقمارِ فانسحبتُ من شحمي إلى الحرية . والحجَرُ طبيبٌ نفسانِيٌّ لمن يملكون أجرةَ العلاج . أما نحن _ وأتحدثُ في هذا الفضاءِ باسمِ الينابيعِ والجبال والنَّعنع _ فلا نملك أجرة الطبيبِ والدواءِ. لم يَستفد اليَنبوعُ من خريطة الجينات الوراثيةِ التي اكتشفها الأغنياءُ .
دَعِي عَنْكِ القلقَ يا سنابكَ خيلِ أجدادي ، فنحنُ نعتني بأجسامنا في إسطبلاتِ الخليفةِ حيث فرضَ الجليدُ علينا الإقامةَ الجبريةَ . يخجلُ الظلامُ من الأزهار، والحديقةُ في طريقها إلى الدمار. وَحْدَنا، كُنَّا نحكي قصصَ مشانقنا للهدهدِ قبل نَوْمه . أخافُ أن يأتيَ يومٌ تصيرُ فيه مشانقُنا ورقاً أبيضَ تُلَفُّ به الفطائرُ ، أو رسوماً متحركةً على عُلَبِ حليبٍ تشتريها الأمهاتُ غيرُ المرضِعاتِ من المتاجرِ الأجنبيةِ .
وطنٌ تحت رمل المحيطات بحجمِ عودِ الكبريتِ لا يَحْضنُ إلا قاتلينا . أعيشُ في ملعقةِ الصهيلِ نقاءَ العاصفةِ في لحظةِ ميلادها . جهازُ الكمبيوترِ مأتَمٌ ، والشظايا بيتُ عزاء . غاصت المياهُ الجوفية في شالِ الحِدَادِ. ما زالت ثيابُ زوجتي الميتةِ تُحْرَقُ بالمطرِ. متى تخرج الأوحالُ الباكيةُ من أجندةِ الصَّاعقةِ ؟ .
شعبٌ للبيعِ في وحدة العناية المركَّزة في البلاد التي ترفع انتحارها إكليلَ غارٍ . قَرَأْنا ظِلَّنا بلغةٍ تطيرُ بنا فوق الحدودِ تَصْرعنا وتَقْبرنا . غباءُ الطوبِ يُرَاوِغُ نخلةً عزباء في وجه السماء . لماذا يُمَجِّدون القرصانَ في تلك البلداتِ المدمَّرة ؟ . الاعترافُ الأخيرُ والشرايينُ المغلَقة ، ومرضى السُّكري يقومون بمحاولةٍ أخيرةٍ لحقنِ القرميدِ بالضحك المرير . الكرةُ الأرضيةُ تُدافع عن حقوقِ الشموس المبحرة فِيَّ ، والرصيفُ روائيٌّ فاشل .
كأنني رَضِعْتُ من نهودِ المنافي . عائداً من كارثةٍ يوميةٍ في شَفَتيَّ صادقتُ القبطانَ قبيلَ غرقه في جُزُرِ الإنفلونزا . للمرساةِ المتقاعدةِ تنظيمٌ سِري يَنبعُ من انفجاري ، ويصب في حبَّاتِ الغِناء . أصارعُ سطوةَ الرمال في انتحاراتِ الفؤوسِ . سوف تَهُزُّ البوصلةُ الأثريةُ ضوضاءَ الخِرَافِ في مراعي الخيبةِ ، وكلُّ البوصلات تشيرُ إلى صَلْبِي .
اصْبِرْ نشيداً حُرَّاً كالأحجارِ الكريمةِ لأنهم لن يستطيعوا رسمَ قلبي على الرخام . فوجهي زالَ والرياحُ والطوفانُ. أمعاءُ الهزيمة سلةُ قُمامةٍ، ينتعلُ الغرورُ اشتعالَ إشارات المرور. إخوتي لصوصٌ . إن تم اغتيالي فلا تندهشي يا مساءاتِ الينبوعِ ، فحياتي نظرياتُ كيمياء في لُعابِ سمك القِرْش .
يا أيها النملُ الداعمُ لجهودِ السلامِ في عَظْمي . مَن أنتَ في الليالي الأسيرات ؟ . دَرِّسْنِي علمَ الاقتصادِ وكيف أمتص ماءً بلون نزيفي في الجرةِ المهشَّمة. قبري وطني المؤقَّت راحلٌ إليه ، وكتاباتي ستعيد ذكراي ترفرفُ على ثوب الصقورِ الجاف . لَمْلِمي نقوشَ الحِنَّاءِ في قاموس الصَّحاري . فلتكسِرْ أرقامَ السُّهوب ومَرْكباتِ أميرةِ النِّفاياتِ . روائحُ القُمامةِ تتسلقُ شُرفاتِ العار .
في مقهىً لجباةِ الضرائبِ ، تجلسُ النسوةُ على صورِ الزعيمِ يَنْطَفِئْنَ في دُخانِ السيجارِ ، والتبغِ المصنوعِ من مخيماتِ النازحين إلى مَقْتلي. كُنَّ يَتَوَحَّشْنَ بروجاً من القسوةِ والعقيقِ المزوَّرِ. والديوكُ المشرَّدةُ تَوارَتْ في سُرَّتي. نحن نقطنُ في بكائي المحتل . يكاد جفافُ صرخاتِ الوِحْدَةِ يقتلعني من نخاع عَظْمي لأن المجاعاتِ فَرَّت إلى خياناتِ الرصيفِ .
أنهارُ ثم أنهضُ من احتراقاتِ النبات الصحراوي. كُلُّ غارٍ منفاي، وكل دمعةٍ زُوَّادةٌ للأمواج المقبلة مِن الضَّحية . وأنا ضَحِيَّةُ نَفْسي . هل سيغدو شَعْرُ إبطيَّ عُشباً لملاعب كرة القدم ؟ .
يداكَ أيها الشتاتُ تعطفان عليَّ ، تَسْقطان ضَمَّادةً على جبهتي المفتوحة . مندهشةٌ فَرَسي ، ولا فرسٌ لي . السَّفر يعني نهايةَ اغتراب الزبرجد على توهُّجات نجمةٍ . ليت رسوماتي عُشٌّ للمذنَّباتِ المحتاجة إلى شُقَّةِ الزوجية . أُقَبِّلُُ روعةَ المئذنة . في تقاطعات خيوط كفي أمطارٌ تُكْسَرُ ، وعلى ظَهْري دبابيسُ الطرقات. أكتبُ أحترقُ أشتعلُ أذبلُ أفنى أموتُ. تتلاشى أجملُ العواصفِ دون أن تخطبني أيٌّ منها . وأولادُ الحارةِ ينسجون من شراييني كرةَ سلة .
أَينَ تَمُتْ أَكْتُبْ . صديقان قَبَّلا الحمَامَ الزَّاجلَ وماتا كما يموتُ الموظفون العاديون في طوابيرِ انتظارِ الرواتب. سُقوطي مخطوطةٌ تُحقِّقها ملحمةُ الصواعقِ بدون إِذْني . تَذْكرين كَفَني ؟. بدا وكأنه لا يعرفني . تذكرين كفنكِ ؟ . بدا وكأنه كفني . نحن مَيِّتان ، فشكراً لحكومتنا ! . بَلَدي كُرَّاسةٌ تخطُّ فيها الأعاصيرُ مَرْثيةً لروحي . كَم بَدَتْ قَرْنِيَّتي وقوداً للزوابع ! . يا هذا العالَم اسْمَعْ تدحرجَ أشلائي على شاشةِ مروحيةٍ . صياحُ حيطاني يُعجِبُ الآخرين . كُرْسِيُّ الهضبةِ المتحركُ يستهزئ بعُروقي . تكتئبُ عصفورةٌ مخنوقةٌ بين درجات سُلَّمِ الاحتضار .
أُمِّي ، إنهم يُقَدِّمون كَبِدي في ليلةِ الدُّخْلَةِ للشجرِ المتزوِّجِ ، في صحونٍ مع التوابلِ الشهية . حزنتُ عندما أُصيبَ الزورقُ بالعجزِ الجنسي . النساءُ المطلَّقاتُ ، والمتزوِّجاتُ من الصَّدى ، والمولودُ الأول ، والضائعاتُ . وبائعةُ التُّرمسِ في بداية الليلِ والبَرْدِ ، إلى جانبها نارٌ صغيرةٌ تَحرق ذكرياتِ الغيوم .
لا يَهُمُّ إحضارُ هدايا في ذكرى وفاتي ، فميناءُ رعشتي الخرابِ رثاءٌ للحُلْمِ الضائعِ . دائماً يتصرفُ بلوطُ الغرباء بصورةٍ مخلةٍ بالآدابِ العامة في خِزانتي . لكنَّ الجبلَ المنزوي تَغَيَّرَ مُذْ سَكَنَتْه صدمةٌ عصبيةٌ لأن رملَه المائي خَانَه . والمفاجأةُ السارةُ أن العطرَ راح يُنَظِّمُ فتراتِ الحملِ لامرأته !.
http://ibrahimabuawwad.blogspot.com/
التعليقات (0)