مواضيع اليوم

عصرّيات جدتي ( 1) ، (2) ، (3) .

متوكل ابو اسامة

2012-11-07 06:25:08

0

 (1)

 

لي عادة أقوم بها منذ زمن ، وهي زيارة جدتي الطاعنة في السن ، الطاعنة في الطيبة والحكمة ايضاً ، أزورها كل عصر اثنين من كل أسبوع ، أزورها في بيتها الطيني الذي رفضت الخروج منه ، وأصرت على البقاء فيه محبذةً ترميمه المرة بعد الأخرى على أن تكون سجينة العلب _ حسب وصفها_ ، أدخل عليها وأجدها جالسة وفي قربها دلة القهوة وإبريق الشاهي الذي مازال يحتفظ بحرارته المتزامنة مع قدومي ، وبينهما وعاء صغير يحوي تمراً عذباً.
لم أزرها يوماً كعادتي هذه إلا وتدور بيننا أحاديث شيقة جداً وممتعة ، أقترب منها ككل زيارة وأقبل رأسها ، كانت كفيفة ، تمد يداها الصلبتين وتحتضن يدي وتمررهما على شعري وتتأكد بأني كما أنا منذ أخر زيارة لها.

كانت تفرح بي ، وكنت أشعر معها بالحياة وهي العجوز المسنة ، كانت تمدني بحنان لم تؤثر فيه نزعات التغيير ، ولا الماديات التي باعدت الأخ عن أخيه ، ومزّقت الأسرة ، وشتت المجتمع.

أجلس بقربها وكان يفصل بيننا مسند قديم بعمر حنانها ، وكان هناك وسادتان قديمتان محشوتان بالتبن يسندان ظهرينا. أمد يدي لدلة القهوة وأشم رائحتها التي تتبخر ساعة مغادرتي لبيتها الطيني ، أصب لي ولها فنجانين ، وتحرص كل مرة على تذكيري " بالقدوع" ، هذا التمر الذي يشبه طعمه طعم الطفولة ، أفرح بحرصها ودعوتها ، وأمد يدي لأخذ تمرة أضعها في فمي لأشعر بطعمها ينساب في روحي… أرفع رأسي وأنظر لوجهها وأرى في قسماته ماض نقي ، وحاضر حزين ، ومستقبل غامض.

كانت تسألني دوماً ، ماالجديد؟ كانت حريصة على معرفة كل ما يجري من وراء جدران بيتها الطيني ، حتى أن مذياعها الروسي الصنع يكاد لا يغلق عدا اوقات صلاتها أو نومها.
في زيارتي هذه دار بيننا هذا الحوار ، بعد إلحاح منها على معرفة ما يجري في الخارج..
- ما قلت لي وشهي أخبار الدنيا؟
- أبد يمه ، الدنيا ما تبشر بخير ، انتي ما سمعتي امريكا وش سوت بالمسلمين؟
- وش ذي امريكا؟ تعني الامريكان الحمران اللي يشرون منا اللي يسمونه البترول؟
- إيه هم يا ميمتي ما غيرهم..
- وش سووا بالمسلمين عسى ربي ياخذهم.. كلش إلا المسلمين حماهم ربي..؟
- أبد يا ميمتي.. انتي ما سمعت بشخص اسمه بن لادن؟
- إلا بالرادو يقولون انه كان مجاهد بأفغانستان وإنه حارب الكفار..
- صتس يمه هذا صحيح..والكفار هم اللي صنعوا رادوتس هذا اللي قدامتس واللي صناعته روسية واللي بن لادن حاربهم..
- هو! اجل ليش حاربهم؟
- لانهم دخلوا أرض مسلمة هي افغانستان وبغوا يخربونها ويضيقوا على المسلمين ويقضوا على الإسلام… والحمدلله يا ميمتي طلعوا الروس بفضل الجهاد… بس المجاهدين " عكشوا " هناك ولا جوا لأهلهم…
- شلون يعني يا وليدي ؟ يعني عقب ماانتصروا ما تركوا افعانستان؟
- إيه يا ميمتي..
- هو! ليش مادام الكفار طلعوا ودحرهم رب العالمين؟
- علمي علمتس يمه..!

كانت جدتي حريصة على معرفة كل ما يدور ، ولكني أنا الذي لست حريصاً على الكلام عن كل ما يدور ، لشعور خائر أوهن كل رغبة لي في الإستمرار…
إنتقلت بها إلى موضوع أخر وقلت لها :
- يمه يقولون إن المرة تبي تسوق سيارة..
- هو! تسوق سيارة!..هي تعرف تسوق؟ ( ماأجمل تلقائيتك أيتها الجدة)..
- لا ماتعرف.. بس يقولون إنه لازم تسوق علشان تخفف من ضغوط الحياة..وعلشان هي له الحق انه تسوق…
- طيب وراه ما تسوق؟ وش اللي يمنع؟
- يا ميمتي..انتي ادرى إن المرة عندنا ما تعرف شيء بالدنيا.. وعلشان تسذا المشايخة حرموا انه تسوق خوفن من الفتنة..وخوفن من الشباب..والشباب الله يهديهم يخوفون ولا يفكرون إن عندهم خوات مثلهم مثل غيرهم لازم يحافظون عليهن..
- ( تضحك ضحكة طاهرة كطهر سجادة الصلاة التي بقربها وتقول) : هذانا حنا ركبنا الحمير بالمزرعة.. وركبنا البعارين بالبر… ورسنا.. وحصدنا مع الرجال وما صار شيء وآنا امك!
- ياميمتي معتس حق.. بس ترى زمنكم غير زمنا…زمنكم كله صدق ووفاء وطهارة..بس زمنا صار يوحش..كلن يشك..وكلن يركض وراء رغباته..وما يصير انه ما صلح به امركم بزمنكم يصلح به امرنا بزمنا…
- يا وليدي دام النفوس طيبة والنوايا حسنة تبي تبتل الدنيا بخير.. ودام النفوس تغيرت تبي تغير الدنيا معه..
- يا ميمتي معتس حق… بس ترى المرة الحين فاهمة وتعرف وش مصلحتها.. لكن يخافون عليه انه تفسد..والدنيا ياميمتي كفا تس شره صارت توحش ومهب مثل مانتي خابرة…
- طيب ياوليدي وش تبي تاصله انت؟ انت ودك المرة تسوق والا ما تسوق؟
- يا ميمتي ودي تسوق بس مهب خذني جيتك..لازم أول ولي الامر يسن قوانين صارمة تحقق الحفاظ على عرض المرة وتصون كرامتها..وما تخلي أي احدن يفكر بالتعدي عليه… وشوفي وش صار بحزام الامان يوم شدوا على الناس..صار كلن يربطه ..بالبداية كانوا خايفين من المخالفة اللي تدفعهم دراهم..وبعدين صارت عادة..
- وشو يا وليدي حزام الامان؟
- هذا يا ميمتي حزامن يربطه سواق السيارة على صدره حتى لو لا قدر الله صار حادث يقلل من الضرر اذا شاء الله..
- طيب ياوليدي وراه توهم يسوون تسذا مع انه مبطي والسيارات بالديرة؟
- يا ميمتي لان الامير آبو متعب ولد عبدالعزيز أل سعود امر بذلك طول الله عمره..
- الله يرحم عبدالعزيز يا وليدي ويسكنه النعيم..
- امين يا ميمتي.. وليت عياله يمشون دربه وهم قده..
- يا وليدي ترى أل سعود اللي ياصلهم ما يقصرون معه.. وهذا اللي نعرفه كلنا حتى جدك الله يغفره يعرف ذا…
- معتس حق يا ميمتي.. بس لازم حنا نروحلهم علشان يسمعوننا..والا لازم هم يجونا علشان يسمعونا ؟
- يا وليدي المفروض الثنتين نروحلهم ويجونا..
- بس يا ميمتي هم ما يجونا ..وينتظرون نجيهم..وتعرفين انتي انه به بعض اللي يشتغلون عندهم ما يوصلون لهم وش نبي..علشان يستمرون هم اكلين ..شاربين..منعمين..متنعمين والناس بكربه..
- ميخالف يا وليدي بس الله يحفظ ال سعود وش دراهم هم آن اللي يشتغلون معهم تسذا… انتم لازم تاصلون وتعرفونهم… وتراهم ما يقصرون..
- معتس حق يا ميمتي.. بس بعد لازم أل سعود يبادلوننا هالشيء علشان حنا وهم نسير بالبلاد إلي احسن ما يكون… وترى البلد تتعرض لهجمات شرسة من الامريكان والصهاينة ومال للبلد إلا اهله… وحنا نقبل التراب اللي نمشي عليه…بس غديهم يعرفون ذا…
- يا وليدي الله يطول بعمرهم يعرفون وظن بهم خير تلقى خير..
- والله يا ميمتي عمرنا ما ظنينا بهم إلا خير… ونتمنى انهم يقرون اللي دار بيننا آنا وانتي ويدرون إن بالبلد ناس يحبونه ويحبونهم..
- الله يكتب اللي به الخير يا وليدي.. والحين اذن المغرب خلن اروح اتوضى واصلي..

هكذا كانت هذه العصرية مع جدتي ، وكل عصرية والوطن بخير.

(2)

 

وكعادتي من كل يوم إثنين تكون زيارتي لجدتي ، هذه المرة ركنت سيارتي خارج حدود الحارة الطينية ، وإستخدمت وسيلة المشي على الأقدام ، مررتُ على الذكريات ، وتوقفت عند بيت أبو صالح ، تذكرت كيف عاش هذا الرجل وحيداً كهذه الشجيرة الصغيرة التي ما زالت بقرب بابه ، لم يطلها الزمان ، ولا هجرة السنين ، باسقة كحزنها الشامخ ، أتأمل داره وبابه ذو اللون السماوي ، أتلمسه لاتأكد من خشونة الصبغ القديم ، وأجده كما كان إلا شحوب حزين إنتقع في مساحته .

أترك أبو صالح الذي غاب مع السنين وسحبته كما سحبتنا إلى أقدار مجهولة ، وتتوقف قدماي عند بيت كنا نسميه البيت المسكون ، بيت أم رويشد ، هذه العجوز التي تعيش لوحدها والتي كل ينبذها لأسطورة سكنت الجميع بأن هذه العجوز الطيبة تتعامل مع الجن . هل كانت هذه العجوز تتعامل مع الجن؟ العجوز التي كلما شاهدتني أغدقت علي مما يكون في جعبتها من حلوى ، أم لأن وحدة الإنسان ممقوتة ، ولا يمكن أن يراها الأخرون سوى بهذا الشكل؟ الآن بدأت أفهمك ياأم رويشد ، يا تلك العجوز التي تشبه هذه النخلة الباسقة من فوق جدار بيتك ، كلاكما مسكون بالوحدة ، وكلاكما ينتظر شيء ما ، النخلة تنتظر أن تثمر لتعطي بسخاء دون مقابل ، وأم رويشد تنتظر أن يعود من مات ، إنه أبو رويشد الذي سلمها مفاتيح الدنيا ، وسُلم هو مفاتيح الأخرة.

لا أدري هل جئت لزيارة جدتي أم جئتُ للبقاء عند الذكرى؟ ربما جئت لكليهما ، و سحبني حنين الطفولة إلى التأكد من صلابة ذاكرتي حول المكان الذي ضم طفولتي. أقف مشدوهاً أمام جدار أشبه بوجه شيخ هرم ضاعت ملامحه ، جدار كنّا نعلق فيه أسلاكاً بشكل دائرة ونربطها في الجدار لنلعب كرة السلة ، أقف مواجهاً الجدار باحثاً عن أثر المكان الذي كنّا نربط فيه تلك الأسلاك ، هل مسحه الحزن كغيره؟ لا أثر… ! ياإلهي أيعقل أن تمحو الأحزان حتى ذكرياتنا؟ … هناك جدتي باقية… لألحق عليها قبل أن يمحوها الحزن.

لم أكن أريد أن أترك الحارة دون مسح شامل لكل ركن شهد على وجودي ، لكن جدتي بقهوتها التي بدأت تناديني تنتظرني. أسارع الخطى وأنا أتأمل بسرعة كل البيوت التي لم أقف عليها جيداً.

أمام بيت جدتي وبابها الخشبي المطرز بنقوش من صنع _ رحمه الله_ أبي علي نجّار الحي ، كان الباب موارى ، دلفته بخفة وهدوء ، لأسمع صوت جدتي يتعالى دون آن يفقد رتمه الحنون : تأخرت اليوم كثيراً؟!

- مسيتس بالخير يمه ( أقبل رأسها وكأنني أحضن صغيراً)…
- هلا وليدي ، وراك صيّفت ؟
- وش أقولتس يا ميمتي… وقّفت سيارتي بطرف الحارة ، ومريت على بيت أبو صالح ، وبيت أم رويشد ، وقعدت أتذكر ذيك الأيام الزينة…
- الله يرحمهم كلهم… ويرحم كل المسلمين …

كعادتها تصرّ وتكرر عليّ أن أصب لي فنجان من دلتها الصغيرة قبل أن تبرد ، وأن أطعّم لساني ببعض من تمرها الذي له طعم مغاير…


- سمي يمة..هذاي اتقهوى…
- وشلونك يا وليدي.. وش أخبار أميمتك وابيّك؟
- أميمتي تسلم عليتس ، وابيّي الله يرحمه يمه ، نسيتي إنه توفى العام الماضي؟
- الله يرحمه يا وليدي… لا تلومن الذاكرة مهب اللي خبرك… يالله الخيرة..
- يالله الخيرة…
- وش عندك من علوم ؟ ( وكأنها لا يكفيها ما يأتي به مذياعها الروسي الذي ما زال صامداً رغم تفكك دول الإتحاد السوفييتي وجدار برلين.. و.. )
- أبد يا ميمتي… بي ضيقة صدر ، الدنيا صارت تركض… وطلع شيء اسمه الإنترنت ،، واخذ الناس وخلاهم ما يعرفون بعض إلا عن طريقه… و..
- وشهو يا وليدي الإنترنت… ؟ ( نطقتها هكذا :الانترانت )
- هذا يا ميمتي لو اقولتس عنه قلتي إن القيامة قامت… هذا يا ميمتي شيء عجيب يخليتس متصلة بكل العالم عن طريق جهاز كمبيوتر ( بعد شوي تبي تسألني وشو الكمبيوتر) وبه شركة تكون واسطة بين جهازك ، وهو يستخدم بواسطة التلفون… ( كيف أشرحلها ؟)… المهم هو جهاز بالبيت يخليتس تسولفين مع كل واحد عنده جهاز ببيته حتى لو كان بأقصى الدنيا مهب بس بالسعودية..
- يعني مثل التلفون تسولفون به؟
- إيه يا ميمتي مثل التلفون ، بس بعد مثل الجرايد والمجلات والتعلل.. ماأنتم تعللون مع الجيران وتسولفون… يعني هكالجهاز كلشن به…
- والله يا وليدي مادري وش قلت..! ولو اني فهمت شوي بس مهب واجد… وهذا الجهاز ما تدري عنه الشرطة؟
- أي شرطة يا ميمتي… الجهاز صار يباع بالبقالات مثل الميرندا اللي تحبينه
- هو مهب أول اللي يلقون عنده جهاز يقولون عنه يتجسس على الدولة ويمسكونة ويسجنونه ويمكن ما يطلع… أنت نسيت العبدي يوم قامت امه بالصبح ومالقته ، وقالوا إن الشرطة اخذته لأنه راعي اسلاك وتركيب ومادري وشو؟
- يا ميمتي خبرتس قديم… الدنيا تغيرت والدولة مهب باتلة تسذا.. الدنيا ما ترحم.. كل الدول الحين تغيرت.. وتبين دولتنا هي الوحيدة اللي ما تتغير؟ … يا ميمتي الإنترنت قلبت الموازين.. انتي نسيتي منول اللي يلقون عنده كتب ما تعجبهم ويسمونه كتب ممنوعة… منول اللي يلقون عنده كتب ممنوعة يمسكونه ويسجنونه… والحين الإنترنت كلشن يكتبون به… ولا يقدرون يقولون شيء..بالعكس هم حتى لو دروا ما يقولون شيء… ( كانت تنصت بإهتام شديد)…
- لا إله إلا الله كل هذا صار وأنا قاعدتن ببيتي؟
- وش تحسبين يا ميمتي.. تحسبين الدنيا تبي تاقف عندتس والا عند غيرتس؟ الدنيا تركض وحنا بعد لازم نركض وراه…
- طيب يا وليدي وش تكتبون بهذي الإنترانت؟
- يا ميمتي نكتب كل شيء ولا شيء… نكتب عن السياسية ، ووش يصير بالبلد ، وعن الملك ، وعن أل سعود… ( توقفني جفلة وتقاطعني )…
- يا وليدي وش تبون بهم.. ؟ يا وليدي تراهم قويين ويمكن يوذنوكم…
- هماه قلنا ذيك المرة انهم تغيروا.. ومهب اللي خبرتس.. وانهم صاروا يشاورون الناس… خبرتس قديم يا ميمتي… ما قلنا الدنيا تركض؟
- اللهم المستعان… المهم يا وليدي خلنا من الحتسي… ترا للجدران أذان.. وقلي وش بعد تكتبون؟
- نكتب عن الحريم وعن طلباتهن… وعن امريكا وطغيانه.. وعن السنّة والشيعة ومناقرهم.. و..
- الحريم! وش يبن الحريم ياملا الدقم؟ مهب مصيونات لابسات أكلات.. نايمات.. معرسات..
- أي يا ميمتي كل اللي قلتي صح… بس انتي تتكلمين عن وقتس.. ووقتس عساي ما عدمه يختلف.. المرة الحين تعلمت وصارت دكتورة.. ومدرسة..وممرضة..ويمكن تدخل الجيش بعد.. والشرطة..وتصير تسوق طيارة مهب سيارة بعد…

تسكت قليلاً ، وتهمس فيما بينها وتتمتم تمتمات لا أسمعها وتقول :
- يالله الخيرة يا وليدي وحسن الخاتمة…طيب وامريكا هذي ياملا الدقم وش تبي منا.. مهب قلتلي ذاك اليوم انه ما خلت احدن بحاله ها؟
- إيه يا ميمتي.. هذي أمريكا عساها للدقم… مثل اللي ما يرى إلا نفسه … وهي صايرة الأمر ..الناهي… الناهب.. القاتل.. وكل ذا بأس الحرية ( كنت بقول الديموقراطية وتوقفت ، لأن جدتي لن تفوتها )…. ولا هناك من يوقفها عند حدها… اللهم إلا حتسي هنا وهناك…
- هو يا ملا الماحي… وين حكام العرب والمسلمين… وراهم ما ياقفون ضده ويوقفونه عند حده… ؟
- يا ميمتي.. انتي وش تقولين؟… هذولا عساهم يحافظون على كراسيهم وامتيازاتهم… ودراهمهم.. مهب فاضين لحد… والظاهر يبون يصيرون تسذا لمنه تصير الفاس بالراس…
- لا حول ولا قوة إلا بالله… وش الحتسي اللي أسمعه… ترا كلامك مهب سهل… يعني حنا ضعاف ومابيدنا شيء… أجل وين الإسلام والمسلمين…؟
- يا ميمتي… الدنيا مهب دنيا… وما بقى به من يعتمد عليه… ومالنا إلا تدعلينا بصلاتس …

تسكت وكانها تتذكر شيئا… وكأنها بالفعل تذكرته لتتم حديثها :

- يا وليدي قلت قبل شوي السنة والشيعة.. وشم ذولا؟
- ( تخرج إبتسامة من شغاف قلبي لهذا الطهر الذي بدا في طهارة حديثها وأريحيتها لأجيبها) : يا ميمتي ما تعرفين وشهم السنة والشيعة؟ هذولا مسلمين بس ما غير مناقر … وكل واحد منهم يكره الثاني أكثر من دم سنونه… والكفّار هم المستفيدين…
- انت تعني بالسنة سنة الرسول اللهم صلي وسلم عليه؟
- إيه يمه هذا اللي قصدي…
- طيب وشهم الشيعة؟
- يا ميمتي هم بعد مسلمين… بس من يوم صارت ذيك الحرب بين علي بن أبي طالب وربعه من جهة ومعاوية بن ابي سفيان وربعه من جهة والإسلام إنقسم قسمين..وإنقسم بعد ذلك أكثر وأكثر..
- أجل وشوله المناقر والهواش؟.. الحين الشيعة يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ويصلون ، ويصومون ، ويزكون ، ويحجون… ؟
- إيه يا ميمتي يسوون كل اللي قلتي…
- هو أجل وراهم يتناقرون؟
- والله يا ميمتي يتناقرون علشان اليهود ينبسطون وأمريكا تنبسط وأعداء الإسلام ينبسطون.. وش تبين أقولتس أكثر من تسذا… ها؟
- لا تقول شيء يا وليدي… ادع لكل مسلم بالصلاح والهداية..

هكذا إنتهت العصرية بسماع صوت المؤذن الذي أعلن لصلاة المغرب ، قبلّت رأس جدتي وغادرت على أن أزورها ككل مرة.


(3)

 

الكتابة بالنسبة لمواطن حقير مثلي هي بمثابة ذاكرة . ذاكرة للوجع ، ذاكرة للرفض ، ذاكرة للهروب من عدم . هكذا هي الكتابة بالنسبة لي … بين القمع والكتابة ألف ألف رصاصة وكلمة … وهكذا امتلأت المسافة بين التاريخ والجغرافيا ، بين الخلق والعدم ..
لقد ضُج التاريخ بالأدعياء والحكماء ، أدعياء الحقيقة الكاملة ، ودجّالو الكلمة ، سماسرة الحرف . أكتب دائماً وأبداً إلى الإنسان الذي قادته الشمس نحو العتمة ، باحثاً عنه تحت ركام النسيان .

---


بدت الحارة وكأنها صدى لصوت أطلقه عدم .
وبدأ الغروب وكأني لا أفهمه .
ووراء هذا السور الذي تسمرتُ أمامه – تعيش هي - ودائماً تفشل في انتظار أحد ..!
لم تلتقِ أحداً منذ تلاشت الذاكرة ..
على إثر وداع للطين ..
بدت عيناها حافية ..
إذ لم الحظ حزناً يليق بأهها ..!
" الحوش " عار إلا من سكون..
لا أحد ..
سوى " ولم يكن له كفواً أحد " وهي تختم بها لتركع ركعتها الأخيرة ..
كان الله ، الواحد الأحد ، يسكن في جوف روحها ..
يا جدتي .. هل سمعتِ خطاي وهي تنتحب ؟

يتوقف السكون عن تقليم أظافره .. ليعلن صوت : السلام عليكم ورحمة الله " يميناً " ، السلام عليكم ورحمة الله " يساراً " .

قبلّت رأسها وجلستُ بقربها .
كانتْ قد أعددت قهوة الشجن ، " وقدوع التمر " ، وكأنها تنتظر زائراً .. لم يكن هذا الفعل لأجل زيارتي ..! بل هو عمل يومي وبزمن محدد ، كأنها تحاول نداء من رحلوا إلى النسيان .

---

- وشلونك يا وليدي ؟
- بخير يا ميميتي ..

أرقبها وهي تمد أطراف أصابع يديها تتحسسني ، تمررها على وجهي .. على شعري .. وكأنها قادرة على تحديد ذلك اللون الأبيض الذي بدأ يغزوه ، مرّرتْ يدها على شاربي ..! لا أدري أكانت تريد التأكد من كثافته أم تريد أن تتأكد أنه لم يتعرَ كالجدار الذي نتكئ عليه ..!

- كبرنا يمّه ..!
- لا دايم إلا وجهه ..
- والنعم بالله يمّه ..!
- وش عندك من علوم ؟
- أبد .. العلوم ما تقضي .. ولو قضت كان ما لقيتي أحدن يغتث ..
- إيه – وأنا أمك – هذي هي حال الدنيا .. ، الإثنين صاروا ثلاثة ، والقريب صار بعيد ، والجماعة تفرقوا …
- ضحكت بقلبي ومن قلبي .. كانت تقصد بالإثنين أنها كانت قادرة على المشي بقدميها ، ومن ثم بدأت تمشي بمساعدة عُكّاز ، والقريب صار بعيد تعني بذلك النظر ، أي وهن العينين ، أما الجماعة تفرقوا فتقصد بذلك تساقط الأسنان ..

وكأنها ترد عليّ بأن هذه الدنيا تبدأ لتنتهي .. كيف تبدأ وكيف تنتهي .. هذا مرهون بالزمن .. وبالبشر الذين يسير بهم ذاك الزمن ..

- طول العمر لك يايمّه ..
- ما بقى كثر ما راح يا وليدي .. وأهم شيء عندي – الستر والعافية وحسن الختام ..
- ماجورة يمّه .. طول عمرك ما سويتي إلا كل خير ..

بماذا نتحادث ولماذا ؟ ..
ماهي الأمور التي حللناها ، والمشاكل التي ما زالت عالقة كي تسألني أو أحادثها عنها ؟
وإن حُلت بعض الأمور ، فماهي الكيفية التي حُلت بها ؟
إننا نجتر مشاكلنا .. فهناك من لا يزال يصرّ على إغراقنا بالهموم ..! لإجل ماذا ؟ الإجل آلا نصحو على غيرها ؟

- قل لي يا وليدي وش أخبار أمريكا – عساها للماحي – ؟
- أمريكا يا ميمتي – شيكا بيكا – على قولة القوالة .. أمريكا تبي تحارب العراق ..!
- هو ..! وشهو عنده ؟ وش سوالَه العراق ؟
- أنتي ما تذكرين هاكلحين يوم يغزي العراق الكويت ؟ عقب ما طلعوه من الكويت قالت أمريكا لازم نأدب صدام رئيس العراق .. لازم ما نخلي عنده أي أسلحة خطيرة .. لازم ندقم شوكته … يقولون عنده أسلحة لو تهور وأطلقها قامت القيامة ..
- الله وأكبر ..! القيامة عاد ..! وأنا أمك ما يدري عن يوم القيامة إلا رب العالمين ..إيه كمّل ..
- يا ميميتي صدّام خبل وكد غزى الكويت .. ويخافون يتركونه يعودلها من جديد ويغزي الكويت وإحتمال يغزي السعودية … يقولون عنده أسلحة دمار شامل .. يعني لو إستخدمها ما يبقى على الأرض إلا التراب ..!
- طيب يا وليدي .. الحين السعودية والكويت ما تقدر تحامي عن نفسَه ؟ مهب عندهم أسلحة وجيش ؟
- إلا يا ميميتي عندهم والخير واجد .. اللي يصرفونه على الأسلحة شيء ما يتصوره عقل .. يعني لو عندك عشرة أريل وتبين تشرين أرزاق وعلاج وخلافه كان ما صرفتي عليها إلا ريال أو ريالين والباقي تبين تخلينه لشراء السلاح .. هم كذا .. الميزانيات بالألوف المؤلفة نصفَه أو أكثر يشرون به سلاح … بس يالله الخيرة ما يمر حول أو حولين إلا وهي مصدية وتحتاج صيانة .. والصيانة بذاك اللهوبه … وماهنا حرب تسوى .. وحتى لو هنا حرب فمهب هم اللي يبون يسونَه ..
- أجل وشوله هالمصاريف ؟ وراهم ما يصرفونَه على العلم والصحة والتجارة و .. ؟
- يصرفون ياميمتي على هذولي .. بس الله يجيرك كنهم يمنون علينا فيها .. وعلى طاري ذكرك للعلم والصحة والتجارة .. أقولك .. يا عندنا جامعات اللهم يا كافي ..عندنا سبع جامعات .. وحدتن تخرج علماء دين … ووحدتن تخرج عاطلين عن العمل ..ووحدتن ما يدخلَه الواحد إلا بواسطة ..وش أقول وأخلي ..ملايين تصرف والعائد نفود رمل تطير به الرياح … أما عن الصحة فالحمدلله عندنا بكل مدينة مستشفى .. والدكاترة يجبونهم من كل الدول ..برخص التراب .. رواتبهم سهلة دفعَه ..وتلقين عند كل مستشفى مقبرة جزاهم الله خير .. لا وأزيدك من الشعر بيت .. ما نسوا العسكر اللي يبون يحموننا … سووا لهم مستشفيات متطورة وما يدخلَه إلا العساكر .. أما غير العسكري فيبيله واسطتن كبر هالجدار ..! وعندنا بعد ياميمتي مستشفن يسمى المستشفى التخصصي بناه الله يرحمه الملك فيصل وسموه باسمه .. هذا المستشفى يعالج الأمراض المستعصية والشينة أبعدنا الله عنها .. وهو مستشفن ما يدخله إلا اللي حالته خطيرة .. والحكومة ما تقصر ..تعالج فيه كل الأجانب … لكن الله يهديها المواطن العادي إذا بغى يدخله وبه علة شينة يبيله حب خشوم وبرقيات .. وممكن ياخذ الأمر شهور .. وأحياناً يموت الواحد قبل ما يجيه رد … ومع ذلك الحكومة ما قصرت وما راح تقصر .. الله يعزها .. قولي أمين ..

آما التجارة فالحمدلله حنا بألف نعمة .. الرز نجيبه من الهند وباكستان وأمريكا .. والسيارات نستوردها من اليابان وكوريا والمانيا وحتى من أمريكا .. كلشن نستورده.. الحمدلله حنا بنعمة .. والدراهم واجد .. اللهم لك الحمد والشكر ..

- طيب يا وليدي ودي أسألك عن أمريكا مرتن ثانية .. هي مهب عنده أسلحتن مثل اللي يقولون إن العراق عنده مثلَه ؟
- أحسنتِ يا ميمتي بهالسؤال … أمريكا عنده كل شيء ..كل اللي يمكن راسك يتخيل .. والمشكلة مهب أمريكا … أنتي نسيتي إسرائيل اللي أخذت فلسطين بالقوة .. هذي ياميميتي عندَه أسلحة دمار شامل ، وأسلحة نووية .. لو إستخدمته .. كان صرنا أثر بعد عين .. حنا واللي قريبين وبعيدين بعد ..
- هو ..! أجل وراهم على العراق ؟
- كراهم يا ميمتي ..! يقولون نبي نحرر العراق من طاغيته صدام .. والعراق أمامه كم إحتمال .. يما يستقيل صدام أو يثبت إنه ما عنده أسلحتن خطيرة ، أو يدخل الحرب .. وصدام لو تقوم القيامة مهب تاركن الحكم .. أنتي شفتي واحدن ذاق طعم الحكم وتركه ؟ … والعراق يحاول له عشر سنين يثبت إن ما عنده أسلحتن خطيرة .. وفشل .. وأرسلوا له ناس تفتش .. وإلى الحين ما وصلوا لجادة … بس يقولون إن القصة إن العراق عنده بترول يكفي نص العالم ولاهوب حول قضيه … والواحد ضاع بين هالحكي وهالحكي ..!

- طيب يا وليدي شكلك تعبت .. بس أبي أعرف وش أخبار ديرتنا حنّا ؟

- ديرتنا يالله من فضلك .. ما ينقصَه شيء .. الخير واجد .. وأبو متعب الأمير عبدالله طوّل الله عمره يقولون زار الفقراء وتكفل بتحسين أوضاعهم .. ويقولون إنه يبي يسعود التكاسي .. ويبي يقلل من الأجانب ويحط بدالهم سعوديين ما عندهم شغل .. بس يا ميمتي أبو متعب وين يلقاه .. مشاغله واجد .. ومشاكلنا كثيره .. هو يلقاه من أمريكا اللي دخلت عصه بكل شيء .. وإلا يلقاه من اللي حوله اللي متضايقين من سياسته .. وإلا يلقاه من من الديون اللي عقبت تحرير الكويت على يد الأشاوس الأمريكان ..يقولون الديون وصلت حول ال سبعمية مليار ريال .. اللهم يا كافي .. من ويله يبي يسدد ؟ .. بس ترانا عندنا أغنى اغنياء العالم وهم ما يقصرون لو نصاهم أبو متعب .. عندنا الله لا يخلينا منه الأمير الوليد بن طلال ..بناله ذيك العمارة اللي يسمونه المملكة … وعنده مدارسن ما يدخله إلا اللي يقدر يدفع ذيك الدراهم .. وبناله ذاك المستشفى اللي كله لبنانيات الوحدة تقول للثانية قومي وأنا أقعد مكانك … وعندنا بعد الراجحي لو تعدين رمل الربع الخالي ما وصلتي للي عنده من دراهم .. ما قصّر ..! يبني مشاريع ، ويوظف سعوديين .. ويعطيهم رواتب كبيرة .. ويقولون مشاركن باكستان بنسبة 70% من شركة الكهرب .. عندنا يا ميمتي رجال ينشد بهم الظهر .. وخيرن ما يقضي ..


- طيب قبل ما يذن المغرب .. ابي أسألك عن شين ذكرته لي عن حريمنا .. مانتب تقول الحريم يبن يسوقن .. هن ساقن وإلا لا ؟
- الله المستعان ..! إلى الحين ذاكرتن ذا .. يا ميمتي المرة عندنا بلشتن بنفسه .. بين دين يقول ميخالف تسوق المره .. وبين عادات تقول تخسا .. والدين عندنا فيه ناسن تقول ميخالف .. وناسن تقول تهبا .. وبعضهم يخافون من الفتنة .. وبعضهم يفكرون بطريقتن زينة يسمحون به للمره تسوق … إلا على طاري الذكر … أنتي يا ميمتي ما ركبتي الحمير يوم إنك بالمزرعة ؟
- ضحكت هذه المرة وأجابت :

إلا يا وليدي ركبنا الحمير .. ورسنا .. وحصدنا .. جنبا لجنب مع الرجال ..والبدو حريمهم يسوقن ذاكلحين .. عاد ما أدري هن يسوقن الحين وإلا لا ؟

بان الغروب من عين الشمس ، فأعلن نهاية العصرية .. تمنيتُ لو طال بنا الوقت ، ولكنه وقت الأذان : الله أكبر …

كونوا بخير ..

 

 

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !