قال بغضب " شوف السواقين بيعملوا إيه فى الشارع " ، ثم أردف قائلاً " إحنا فعلاً شعب ما يمشيش إلا بالعصاية " .. لم أكن لأكتب عن تلك الجملة المُهينة برغم أننى أعرف أن كثيرين يؤمنون بها وبصحتها إلا بعد أن سمعتها أخيراً من شخصين يُفترض فيهما النضج العقلى والفكرى ، والحقيقة أننى سمعت نفس الجملة فى يوم 26 يناير مع بداية الثورة من شخص فقلت له بإنفعال " الشعب المصرى شعب مُحترم وأصيل لكن أُحكم إنت على نفسك ولا تحكم على غيرك ، مش كل الناس بيمشوا بالعصاية إلاّ اللى عايز كده " ، فصمت الرجل ولم يُعلِق ، وما زال يقولها أحد أعز أصدقائى ويُضيف لها جملة أننا شعب فرعونى ، وهذا الصديق هو أول ضحية من ضحايا نظام مبارك قبل أن يكون أحد أيتامه والمدافعين عنه بإستماته لدرجة التماهى معه ، وهذه الفكرة الخاطئة تتشابه تماماً مع أعداء الإسلام الذين يُلصِقون أفعال بعض المسلمين الخاطئة بالإسلام نفسه ، وهؤلاء لهم أسبابهم فى ذلك سواء لسوء نيتهم أو لجهلهم ، وهؤلاء الأخيرين يتشابهون أيضاً مع هؤلاء الذين يؤمنون بأن نقد أفعال وسياسات جماعات الإسلام السياسى كأنه نقد للإسلام ذاته ، وإجابتى على من يقول جملة " إحنا شعب ما يمشيش إلا بالعصاية " أن أنظمة الحكم فى مصر منذ القِدم هى التى أرادت ذلك ، ولكن الشعب المصرى يعتبر بمقارنته بغيره من الشعوب التى تعرضت لمثل ما تعرض له أفضلهم سلوكاً ، فمثلاً كثيراً ما قرأنا أن الكهرباء قًطعت من مدينة ما فى الولايات المتحدة لمدة دقائق فنقرأ أن اللصوص هاجموا البيوت فى تلك المدينة ونهبوها رغم الرفاهيه ـ المزعومة ـ التى تنعم بها الولايات المتحدة ، وفى مصر التى فيها نسبة عالية ممن هم تحت خط الفقر نجد أن الثورة حدثت وحدث بعدها فراغ أمنى مُتعمد ومصنوع لمدة شهور طويلة ، ومع هذا نجد أن نسبة السرقات والجريمة طوال هذه المدة أقل من الدول التى حدث فيها مثل ما حدث فى مصر ، ففساد الحكام فى مصر أدى لفساد البيئة المحيطة بالمصريين لذلك سنجد ـ كما قال الكاتب ابراهيم عيسى ـ فى كل بلاد العالم أن لكل مشكلة هناك حل خاطىء وآخر صحيح ولكن فى مصر ـ وحدها ـ هناك حل ثالث وهو الحل على الطريقة المصرية ! ، وأخيراً لو أخذنا أسوأ مائة سائق فى مصر وأرسلناهم لأى دولة تُحترم فيها قواعد المرور وفيها شوارع محترمة وآدمية فماذا سيحدث ؟! بالتأكيد لن يرتكب أى سائق من هؤلاء أى مخالفة فى تلك الشوارع ، إذاً المشكلة ليست فى سلوك بعض المصريين ولكن المشكلة فى البيئة التى يحيون فيها والتى تضطرهم لهذا السلوك ، وهذه البيئة لن تتغير إلا بإحترام القانون وتطبيقه على الكبير قبل الصغير ، فالعصا التى يحملها الجلاد ليُرهب بها شعبه يمكن أن يحملها قائد أوركسترا ليعزف بها لحنه .
التعليقات (0)