مواضيع اليوم

عشيقات امرئ القيس

إبراهيم أبو عواد

2014-09-05 14:03:11

0

عشيقات امرئ القيس

 

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

 

.....................................

 

    إن الإنسانَ يعودُ إلى ذكريات الحب الماضي باحثاً فيها عن بارقة أمل أو طوقِ نجاة. إنها العودةُ إلى ينابيع العشق الأُولى ، والرجوعُ إلى النواة التاريخية الأصلية . وهذه العودةُ إلى الأصل إنما هي بسبب المعاناة في الحياة اليومية . فالإنسانُ حينما يعاني من حاضره ، لا بد أن يَهرب إلى الماضي ، لعله يجد فيه الخلاصَ ، والدفءَ العاطفي ، وراحةَ الأعصاب .

     وفي حالة الشاعر امرئ القَيْس ، حدث العكسُ تماماً. فهو يَعود إلى الماضي محترقاً نادباً حظَّه . وذكرياتُه المتمركزة في عالَم عشيقاته السابقات تزيده لوعةً وحزناً وألماً . ولم يجد في قصص حُبِّه الماضية سوى حطب جديد لنيران قلبه المحترق .

     يقولُ الشاعرُ امرؤ القَيْس :

 

كَدأْبكَ مِن أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْلها          وجارَتِها أُم الرَّبابِ بمَأْسَــلِ

 

     يخاطبُ نَفْسَه بكل حسرةٍ وألم ، مقتنعاً أن غرامياته سلسلةٌ متَّصلة من الخسائر والخَيْبات والهزائم . يقول لنَفْسه : عَادَتُكَ في حُب هذه كعادتكَ من تلك . وبعبارة أخرى ، قِلَّةُ حظِّكَ من وِصال هذه ومعاناةُ عِشقها ، كقلة حظِّكَ من وِصالهما ومعاناتكَ عِشقهما. " قَبْلها " أي قَبْل هذه التي شُغفت بها الآن ."مأسَل" اسم جبل.

 

     إن هزيمة الشاعر في معركة العشق الحاضرة قد ذَكَّرَتْه بهزائمه الغرامية الماضية . وبالتالي ، فإن الفشلَ في العِشق ليس جديداً على الشاعر . وهذه المرأةُ _ التي يُعاني الوجدَ بها ويتعذب بسببها _ قد أعادت له ذكرياتِ العِشقِ المرَّةَ التي مَضَت . وهذه العشيقةُ الحاليةُ قد ذَكَّرَتْه بأُم الحُوَيْرث وأُم الرَّباب ، وهما عشيقتان سابقتان ، عانا الشاعرُ معهما أشد المعاناة . إذن ، فالشاعرُ يَملك تاريخاً من الهزائم الغرامية ، الحالية والماضية ، لذلك نجده غير متفاجئ بخَيْبته وقِلَّةِ حظِّه مع المعشوقة . فهذه المشاعرُ سبقَ وأن جَرَّبها في الماضي . إنها مغامرةٌ غرامية خاسرة تُضاف إلى خسائره الغرامية القديمة . وهكذا ، قد تحوَّلت قصصُ العِشق إلى عذابات متَّصلة مخزَّنة في ذاكرة الشاعر المخدوشة، وأرشيفِ التاريخ المكسور، وسِجِل الأيام الحزينة . ويبدو أن الشاعرَ قد اعتاد على إخفاقاته مع العشيقات ، فلم يعد يَشعر بالصدمة ، ولم يَسقط ضحيةً لعنصر المفاجأة القاتل . 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !