مواضيع اليوم

عشية عودة نبيل العربي لدمشق بعين حمراء

د.هايل نصر

2011-09-08 07:21:59

0

سيعود الأمين العام للجامعة العربية إلى دمشق بمهمة, حاملا مبادرة وناقلا "قلق أعضاء الجامعة" لحكام دمشق بأمانة فائقة كما أعلن. وسيستمع لردهم بأمانة. ويعود, عودة يرجوها ميمونة, لنقل الرد إلى القلقين جدا من الوزراء, عله يكون ردا يبدد قلقا, وينهي أرقا.
لم يؤذن للرجل بدخول سورية بسهولة, ولم ير في ذلك إهانة له ولمرسليه, فقد تعودها وتعودوها واعتادوا عليها, فروحهم جد رياضية. لم تشفع للامين تصريحاته السابقة عن تفاؤله وسعادته بما سمعه من القيادة السورية على أعلى المستويات, ولم تسرّع له القدوم.
بين القدوم الأول والعودة الحالية المأمولة سالت دماء سخية, قد يكون وصل لعلمه شيء عنها. السماح له بالقدوم مكسب بحد ذاته ومصدر تفاؤل, وعلى الدبلوماسي أن يبقى دائما متفائل, وإلا ما معنى الدبلوماسية. قد يلدغ الأمين العام من جحر واحد مرات ومرات, ولا بأس بذلك ما دام اللدغ غير قاتل وتبرره المهمة القومية والإنسانية. وما دام لا حياء في الدبلوماسية والسياسة.
نعم الأمين مكلف بتبليغ مبادرة, كما صرح, متكاملة وقيمة ومحددة ومستعجلة وتنهي الازمة وتعيد الامور لمجاريها. سوف لا يزيد عليها حرفا ولا ينقص منها فاصلة. أليس هو الموظف الأمين في جامعة موظفين حديثين ومخضرمين, أمناء على مناصبهم ومكاسبهم؟. سيذهب الرجل, كما قال, ويأتي ويذهب, إن سارت على طبيعتها الأحوال, وقد يعمل مكوكا. شعاره في كل هذا الصدق والأمانة بالقول والنقل. ما على الأمين إلا تبليغ الرسالة/المبادرة, ونقل الجواب عليها بكل تجرد وموضوعية, لاتهم الظروف وإنسانيتها أو عدمها, ولا خطورتها أو نتائجها, فالسياسة فن الممكن. سيضع شخصه جانبا, وهذه صفة الموظف الناجح لتجنب كل مسؤولية, في جامعة موظفين دون مسؤولية. لا حياء في الدبلوماسية والسياسة.
ومع ذلك سيدخل الأمين القصر الجمهوري هذه المرة, بما حمل, بعين حمراء, إلى أن تحمر عليه عيون المحاورين, وتكسر عيونهم عينه, وعندها فقط تتغير الألوان والعبارات والإشارات, على الأقل إلى حين المغادرة الآمنة و النفاذ بالريش. قد يخرج عن قواعد الدبلوماسية  فلا يعبر هذه المرة عن سعادته خارجا من القصر الجمهوري, كما فعل في الخروج الأول, فقد سمع الرجل حينها من الانتقادات ما افسد عليه سعادته. مع انه لا حياء في الدبلوماسية والسياسة.
غريب أمر هذه الجامعة العربية. تصحو فقط حين يُنفخ فيها نفخات خارجية غير عربية. لا ترى ولا تسمع إلا إذا نُصحت بان في الحركة حياة وبركة. فقدت كل فائدة واحترام, ومع ذلك بقيت وتصر على البقاء. تختار أمينها وموظفيها على غرار المنظمات الدولية المحترمة ذات الفاعلية. وتتعيش على حساب الميزانيات العربية فتثري بلا سبب.
سوف لن يخرج عربي واحد في تظاهرة ليهتف : الشعب يريد إسقاط الجامعة العربية. فهي ساقطة. ساقطة فعلا وروحا وباقية جثة وهيكلا. لا يطالب عاقل بموت ميت, قد يطالب بدفنه إكراما له ولذكراه.
والأكثر غرابة في أمرها اعتقادها أن مبادرتها المقترحة من المجلس الوزاري سيهلل لها ثوار سوريا ويشكروا سرعة تجاوبها, ويقدرون للمبادرين جهودهم وقلقهم طيلة شهور ستة, وان شباب الثورة قد عقدوا عليهم آمالا واستعجلوا مبادرات واقتراحات لحلول من لدنهم!!!.  ومع ذلك لا غرابة فلا حياء في الدبلوماسية والسياسة.
من يبذل دمه سخيا ــ أيها السادة الوزراء العرب المبادرون مبادرة جامعية ــ من اجل الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية, وكلها مفاهيم غربية عليكم, في غير قاموسكم, ولا تدخل في تكوين أحد منكم. ولا في تكوين دولكم. وانّ لكم فهمها, هل سمعتم بها بين ظهرانيكم, وهل تقبلون التهمة بأنكم من أنصارها وترضونها لكم ولمواطنيكم؟, من يبذل دما في سبيل هذه المفاهيم لا ينتظر مبادرات من غير أهلها, ممن لم يقف يوما موقفا فيه مناصرة لقضية الحرية.
  مهامكم أيها السادة دحض هذه المفاهيم ومحاربتها وإجهاضها في أي مكان تتمثل فيه جامعتكم. وهذا ما لا تقولونه علنا مع انه لا حياء ولا أخلاق في الدبلوماسية والسياسة.
مع من تتوسط الجامعة العربية, وباسم من تنقل المقترحات ومشاريع الحلول والمبادرات؟. ولفائدة من؟. وهي التي فقدت طيلة تاريخها كل حس بالمسؤولية, ولم تجار ولو مجرد مجاراة المواقف المسؤولة والإنسانية لمنظمات دولية, وحكومات مدفوعة بتأثير شعوبها المصعوقة من هول ما تراه من أعمال بربرية: قتل واعتقال وتشريد وإذلال, وإرادة مستبدين للاحتفاظ بالسلطة وتوارثها, ولو كلف الأمر أنهار من دماء الأبرياء. لم تقل الجامعة ولن تقول في هذا كلمة حق واحدة. مع انه لا حياء ولا أخلاق في السياسة.
تريد الجامعة العربية, حسبما تسرب من مبادرتها, تمديد الاضطهاد والقتل سنتين مدنيتين جديدتين, إلى نهاية ولاية الرئيس. بعدها تجري انتخابات يتعهد فيها الرئيس دون غيره بان تكون نزيهة. وتجري إصلاحات يتعهد الرئيس بان تكون فعالة. وتغييرات يتعهد الرئيس بان تكون كافية. وبدورها تتعهد الجامعة بان تشهد على ذلك وتضمن الرقابة والتطبيق بقدراتها الذاتية غير المشكوك فيها. والى ذلك الحين على المعارضين العودة إلى البيوت فالحل ناجز و المسالة مسألة وقت!!!. لا حياء ولا خجل ولا أخلاق في السياسة. 
يحاكم جاك شيراك هذه الأيام, والرجل "غلبان" وعلى أبواب الثمانين. ليس بتهمة قتل احد ولا ملاحقة احد بدبابات ومدفعية في الشوارع والمدن الفرنسية. ولا الإثراء من السلطة. ولا التعسف بها. ولا خرق القوانين والأنظمة. ولا تنصيب نفسه نصف اله. ولا لتهريب أموال دولته للخارج على حساب شخصي له, أو حسابات تصب من قريب أو بعيد في حساباته وحسابات أبنائه وأقربائه ( مسكين شيراك حتى في مجال الأسرة ليس عنده الا زوجته وابنته الوحيدة. أما أبناء وأخوة و زعمائنا  فأكثر من قبيلة.) تهمته انه حين كان رئيسا لبلدية باريس قد يكون على علم بتوظيف غير فعلي لموظفين غير فعليين, فعل لم يجن منه كشخص سنتيما واحدا.
أما الحكام الذين سفحوا الدم انهارا لم تقم الجامعة العربية العتيدة بمجرد توجيه لوم لهم, ولا بمطالبة عزل ومحاكمة, فالحاكم العربي أغلى واثمن وأجدر بالحياة من شعبه. وعليه توضع بين يديه المبادرات ليختار أفضلها, في حالة التكرم بقبول عرضها عليه. مبادرات لإنقاذه وخلاصه وعدم التفريط بمواهبه وكفاءاته!!!. ولهلاك شعبه. لا حياء ولا خجل ولا أخلاق في السياسة.
قليل من الحياء يا جامعتنا العربية, ولو أن لا حياء في السياسة, فالحياء على الأقل من النفس مطلوب. والحياء من الأبناء والزوجات مطلوب. والحياء من التاريخ مطلوب. والحياء من الأمين العام للأمم المتحدة, الذي يدين القتل والقمع والتنكيل بالمدنيين, مطلوب. والحياء من مواقف المجلس الأوروبي المنددة والمستنكرة للجرائم البشعة مطلوب. والحياء من أحرار العالم مطلوب.
الحياء من مساندة أنظمة اتخذت القتل والإذلال بكل الوسائل طريقة للحكم واغتصابه والاحتفاظ به وتوارثه لعقود طويلة, مطلوب. بعض من الحياء مطلوب من الصامتين والدافنين الرؤوس في الرمال وكانّ الرجولة ضاعت من رؤوس الرجال.
(عند الانتهاء من كتابة هذه السطور جاء في الأنباء تأجيل زيارة الأمين العام للجامعة إلى دمشق دون ذكر الأسباب. إذن لن يدخل الأمين دمشق بعين حمراء ولا حتى مكسورة. ومع ذلك, تأجيل أو إلغاء أو انجاز الزيارة وتبليغ المبادرة, الطريحة, سيان. وعليه سيبقى ويستمر قلق الوزراء, مضافا إليه خيبة وفقدان هيبة).
د. هايل نصر

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات