علي جبار عطية
الأربعاء 30-10-2013
طباعة المقال Print
يقول لي الرجل الخمسيني الذي ظل مخلصا في المواظبة على تصليح التلفزيونات الكلاسيكية في منطقتنا الشعبية برغم دخول الشاشات الكبيرة والتلفزيونات ثلاثية الأبعاد يقول انه راض عن مهنته التي تدر عليه دخلا جيدا يجعله يستغني عن طرق باب الحاجة الى الناس ! وأسأله عن أمور حيرتني في الماركات على مدار سنوات خلت فينشغل عني وهو ينكب على تصليح احد التلفزيونات ثم يلتفت إلي ويقول :
إنني لم أكمل الصف السادس الإعدادي ومع ذلك ما زلت مواظبا على مهنتي منذ ثلاثة عقود بل ما زالت صداقاتي مستمرة مع زملاء لي في الإعدادية !
واستفيد من عطل تلفزيوني الذي يحول الورد الأحمر إلى اللون الأزرق وتظهر الشفتان زرقاوين والدماء زرقاء فأوثق علاقتي بهذا الرجل وأسأله عن نموذجين من التلفزيونات الألمانية تعاملت معهما قبل سقوط اعلام ( ياكاع ترابج كافوري ) قلت : لي تلفزيون كان لا يعمل إلا حين اضربه بالشحاطة عدة ضربات على ظهره ! فيرد علي بهدوء : نعم يبدو ان اللحيم الرابط بين المقاومات مفصول ويحتاج إلى وصل لا يتحقق إلا بالضرب عليه ! تعجبني الإجابة فأتشجع لأسأله عن النموذج الثاني من التلفزيونات الذي لا يعمل إلا إذا وضعنا قربه مدفأة غازية او نفطية او كهربائية ! فيقول : نعم إذ إن هذا النوع لا يعمل إذا كان الجو رطبا فـ ( اللاين ) الذي فيه يحتاج إلى تدفئة تجفف الرطوبة ليعمل !
أصاب بالدهشة حقا فما كنت أعده غريبا وطريفا ويثير التندر ها هو يجد له تفسيرا علميا معقولا .
ينهمك الرجل بتصليح التلفزيون فيبدل الجزء الصغير الذي هو مسؤول عن أحداث اللون الأحمر وبمهاراته يلحمه مع اللوحة ويعيد تركيب ظهر التلفزيون ليريني الصورة وقد صارت ملونة وبألوان الجرح العراقي . لم يطلب مني سوى عشرة آلاف دينار وهو يستحق ضعفها .
أعود إلى البيت فرحا لتخلصي من ( العشو التلفزيوني ) الإجباري وهو لايقل عن العشو الليلي سوءا والذي يجعل المرء يرى الاشياء بألوان متقاربة على طريقة المثل الذي يقول ( النساء والقطط كلهن سود في الظلام ) !! لكن تتنغص فرحتي ببركة دماء خلفتها احد التفجيرات الإجرامية التي جرت صباح هذا اليوم الذي لايختلف عن أي يوم عراقي دام فأشعر بالندم لأن الجهد الذي بذلته في نقل التلفزيون وتصليحه لم يجلب لي سوى تلوين الفجيعة العراقية!
التعليقات (0)