عشوائية الثقافة .. أم .. ثقافة العشوائيات
منذ مدة وأنا أرصد كغيري من المهتمين بالشأن العام المصري تلك التغيرات التى تحدث على الساحة الإجتماعية فى بلدنا الغالي ، ورغم أن تلك النظرات الفاحصة كانت تتم علي فترات متباينة متباعدة .. لكنها كانت تتبين تغيرات جذريه في حالة المواطن وحياته سواء كانت تلك التغيرات لصالحة أم ضده .. وخلال العقد الأخير بدأت تلك النظرات تسير بوتيرة أسرع لتواكب حركة تلك التغيرات حتى صارت شبه يومية ، ففي كل يوم يمكنك رصد تغيرات مؤثرة في الشخصية المصرية .. وغالبيتها للأسف تغيرات مدمرة تعصف بالمجتمع المصري وتهدم الشخصية المصرية المألوفة ، ومن أخطر تلك التغيرات .. إنتشار ثقافة العشوائيات .. بجوار عشوائيات الثقافة لتعبث بالثقافة العامة للمجتمع .
إن العشوائية عموما ُ تقود بسهولة إلي الفوضي وهذا ما يشير إليه كثير ممن يرصدون الحالة المصرية .. بل أنها قادت المجتمع إلي حالة من الفوضي العامة لا يدري أحد إلي أي مدي يمكن أن تأخذ البلاد .
وأصبح السائد هو التعدي علي المجتمع وحقوقه والناس .. من أراد أن يفعل أي شيء يفعله لأنه أيضا ً باتت العقوبات انتقائيه وأصبح الردع عشوائيا .
عشوائية الحياة لم تعد متوقفة عند العشوائيات الإسكانيه أو الإيوائية كما يتخيل الكثير بل تعددت أشكالها ومظاهرها :
في كل مكان الناس تصرخ وترتفع أصواتها .. حتى ولو في حوار عادي بلا مبرر .. أبواق السيارات تدوي في كل مكان ولحظة يشاركها العديد من أشكال السباب والتهجم والتهكم .. وكأن الجميع يسير نحو الأنفجار ، سيارات تعترض نهر الطريق وقوفا ً متحدية جميع القوانين وأخري تسير عكس الإتجاه .. وهذه تقف صف ثالث .. وهذا يرفع سلاح على آخر بسبب أسبقية المرور .. و .. و .. الأطفال في الشارع تتلذذ بإيذاء الحيوانات .. تفرح حينما تطال يدها زجاج سيارة لتكسره وتعدو مرحة بالتدمير .. إزعاج الأهل والجيران والمارة أصبح هدف رئيسي للصبية حتى الصباح الباكر ولو بالترفيه بلعب الكرة .. تدمير وإتلاف المواصلات العامة والحدائق والأرصفة وكأنه بات أمل ينبغي الوصول إليه .. السلبية المتناهية هي قمة العشوائية .. عشوائيات البناء والتخطيط صارت تطال كل مكان لدرجة أنه لم يعد هناك شيء اسمه حي راق .. تعالى معي عزيزي القارئ نتخذ من قاهرة المعز عاصمة البلاد مثالا ً :
فالقاهرة بوضعها الحالي المفروض أن تسع لثلاثة ملايين ونصف المليون إنسان تقريبا ً .. بينما تعداد سكانها الحالي تعدى العشرين مليونا بخلاف الزائرين في ظل النظام العشوائي 
.. والغريب في الأمر أن كل منهم يريد لنفسه ما لايريد لغيره .. ( راجع بنفسك طوابير الحصول على رغيف عيش ) بل أصبح كل مواطن يبحث عن فرصة للتعدي علي حقوق الآخرين أو يحصل علي أي شيء دون ثمن أو مقابل .. تارة بالفهلوة وأخرى بالبلطجة 
هل تصدقني القول عزيزي القارئ أن صفات العشوائية ضربت الحياة كلها .. تعالى معي نراجع بعض الصور التي إلتقطتها عدسة الكاميرا :






وهل هذا يعود إلى :
عشوائية الثقافة .. أم ثقافة العشوائيات
على كلا ًوغالبا ًعندما نتحدث عن العشوائيات في حياتنا , فإنه أول ما يخطر ببالنا مباشرة عشوائيات البناء في غالبية مناطق الأيواء والإسكان في مصر ، حتى الراقي منها .. وفي كل مرة تقودنا الخطى نحو أرقام سواء رسمية أم غير رسمية ونجد أنفسنا نلهث لنتحدث عن عدد العشوائيات في مصر وكيفية معالجتها دون المساس بالعشوائيات الأخطر بل أخطرهم على الإطلاق .. عشوائية الثقافة العامة المقدمة للعوام على طبق من فضة ..
ومن عشوائيات الثقافة تلك إننا لم ندرك بعد أنها هي التي وراء جميع أشكال العشوائيات الأخرى كعشوائيات البناء و الإيواء التي طالت كل مكان بمصر المحروسة .. تقترب الآن من ربع تعداد السكان .. وهو رقم مخيف حقيقة وخصوصا ً أن العدد التقريبي هو8 ملايين نسمة يعيشون في88 منطقة عشوائية علي مستوي الجمهورية, تحتل محافظة القاهرة وحدها حسبما تنص الأرقام الرسمية نصيب الأسد رغم إنها العاصمة وهي من المفتروض أن تكون عاصمة نظيفة لكنها تحتوي علي68 منطقة عشوائية تحيط القاهرة من شمالها إلي جنوبها من شرقها إلي غربها. 
وكالعادة تعلقنا بالفرع وتركنا الأصل .. فعشوائيات الثقافة خرجت من بطونها أصول ثقافة العشوائيات التي تهدر وبجدارة جميع حقوق الإنسان ، إنها ثقافة تردي القيم الإجتماعية التي برزت معها على السطح ظاهرة الإنحراف الشخصي و التي أدت بدورها لإنتشار فساد عام عم جميع مناحي حياتنا 
وأشار تقرير جهاز الإحصاء إلى أن سكان العشوائيات – ومنها مناطق المقابر– بلغ حوالي 8 ملايين موزعين على 794 منطقة سكنية بكافة أنحاء مصر، إلا أن النسبة الكبيرة منها حول القاهرة الكبرى بسبب الهجرة إلى العاصمة بحثا عن عمل . 
والعجيب أن الناس في العشوائيات تآلفوا مع الخطر واطمأنوا لما هو أهم من خطر هدم مبانيهم السكنية وهي لقمة العيش الغالية من مصادر الدخل هناك .. مخدرات وبلطجة ودعارة ومتفجرات وما خفي كان أعظم .. 
غير أن تلك العشوائية إذ إنتقلت للثقافة العامه كما وحال لغة الإعلام والإعلان والفن البادي على وجه الحقيقة والحياة .. فذلك يمثل كارثة بكل المقاييس ولأدركنا إننا أمام ظاهرة خطيرة وفريدة من نوعها تحتاج لسياسة ثقافيه متكاملة لمواجهتها ، خصوصا وقد سبق أن حذّر خُـبراء مصريون متخصِّـصون في جميع المجالات كالاقتصاد والسياسة والاجتماع وعِـلم النفس وشؤون البرلمان، من خُـطورة العشوائيات على الأمن القومي المصري، معتبرين أنها تمثل "حِـزامًا ناسفًا" و"قنابل مَـوقوتة" تُـحيط بالعاصمة المصرية
وهذا دافعنا الرئيسي للبحث عن أصل المشكلة 
ونتساءل عسانا نصل لحل .. هل المشكلة في عشوائيات الثقافة .. أم .. في ثقافة تلك العشوائيات ؟؟ 
ولنا لقاء أخر بإذن الله
محمد عابدين
التعليقات (0)