عشوائيات القاهرة وقرار غلق المحلات في العاشرة
منذ أسابيع أو شهور عدة والمجتمع المصري كله مشغول بقضايا في منتهى التفاهة ولا قيمة لها ولا تأثير في التغيير الذي كان المطلب الأساس للثورة المصرية التي أظن أنها دخلت عالم النسيان عند معظم المصريين.
فقد انشغل واهتم المصريون بغلق المواقع الإباحية وغلق المحلات في العاشرة مساء وغلق القنوات الفضائية وغلق الجرائد الورقية التي تهاجم الأخوان ، ورغم هذا الانشغال إلا أن معظم المصريين لم يفكروا أن معظم القرارات تطالب بـ (غلق) ، وهذا لا يبشر بأي خير إطلاقا ، ويثبت ويؤكد أن مشروع النهضة المزعوم كان أكبر أكذوبة في تاريخ البشرية بعد أكذوبة أن الاخوان هم أبطال الثورة وأن الوضع الذي نعيشه الآن يمكن وصفه بأنه نجاحا للثورة.
ومقالي هذا سيتناول فقط قرار واحد ألا وهو "قرار غلق المحلات التجارية في العاشرة مساء" بهدف توفير مليارات على الدولة كما يزعم صاحب القرار ومن أيده وواقف عليه وسانده ، وأظن بل أؤكد أن غلق المحلات في هذا التوقيت لن يجلب على مصر إلا الخراب والفقر والبطالة والبلطجة وانتشار خفافيش الظلام من بلطجية وخلايا إرهابية وهابية في كل شبر من أرض مصر دون رقيب أو حسيب وسيكون المستفيد الوحيد من إخلاء شوارع القاهرة كلها في هذا الوقت المبكر هم البلطجية والمسجلين والارهابين من تجار الدين وذلك مع استمرار حالة الفراغ الأمني المتعمدة من الدولة.
وسؤالي هنا لصاحب هذا القرار الشجاع البطل : إذا استطعت تنفيذ هذا القرار على أصحاب المحلات التجارية في المناطق والشوارع التجارية المشهورة في الأحياء الكبرى في القاهرة مثل العتبة ورمسيس والتحرير والموسكي وخان الخليلي والحسين والزمالك والمهندسين ومدينة نصر ومصر الجديدة (روكسي) ومدينة 6 أكتوبر وهذه مجرد أمثلة ، ولنفرض جدلا أن أصحاب هذه المحال سيوافقون وينفذون القرار ويغلقون مصادر رزقهم في هذا التوقيت المبكر ، فهل يجرؤ أو يستطيع أي مسئول في هذه الدولة أن يصدر قرارا بغلق الورش والمصانع والمحلات التجارية المنتشرة في كل شبر من عشوائيات القاهرة.؟ وإليكم أمثلة على كلامي : في مدينة الحرفيين ، وفي حي البساتين والسيدة عائشة وبعض أحياء تابعة للمعادي وهي مجاورة لحي البساتين وحي الدويقة ومنشأة ناصر والزاوية والسيدة زينب ، ولكي لا أطيل على حضارتكم فإن العشوائيات أصبحت سرطان لا يمكن علاجه لأنه يتكاثر بصورة غير طبيعية وغير تقليدية وليس هناك أي نية للدولة لعلاج هذا السرطان ، ونجد في أرقى أحياء القاهرة وبجوار أشهر الفنادق مساكن عشوائية ، وهذه مجرد أمثلة فقط ، فكل هذه الأحياء السطنية مليئة بورش نجارة لصناعة ودهان الموبيليا وصناعة وتنجيد جميع أنواع الأثاث وورش لصيانة السيارات ميكانيكيا أو أعمال السمكرة والدوكو ، أو ورش لتصنيع جميع أنواع الرخام والحجر الجيري والحجر الفرعوني وجميع أعمال البناء وصناعات الأسمنت والجبس ، (كل هذا في قلب العمارات السكنية) ، وكل هذه المهن رغم أهميتها في المجتمع واعتبارها مصدرا أساسيا للدخل لكثير من المصريين الذين فشلت الدولة في توفير أعمال مناسبة لهم ، إلا أن هذه المهن تضر بصحة الإنسان لأن معظمها يتسبب في تلويث الجو بغبار الرخام والجرانيت والأدخنة والأتربة والعوادم ومخلفات البترول التي يستخدمها من يقومون بدهان الأثاث ودهان السيارات وكذلك عوادم مصانع الملابس وصباغتها ، وعوادم ورش الخراطة وبرادة الحديد والمعادن الأخرى ، فهذه العشوائيات تعتبر المسبب الرئيسي لكثير من الأمراض مثل الربو الشعبي وأمراض الجهاز التنفسي ، ولا يجب ان ننسى الضوضاء التي تسببها هذه الورش التي أدمن أصحابها النوم نهارا والعمل ليلا حتى مطلع الفجر ، وقد أصيب معظم سكان هذه العشوائيات بأمراض نفسية وسمعية وعقلية بسبب الضوضاء وكانت أيضا سببا في تفريخ البلطجية والمسجلين.
وسؤالي الأخير : هل قرار غلق المحلات مبكرا هو قرار إصلاحي.؟ نتمنى ذلك ، لكن من وجهة نظري أراه قرارا مُسَيَّـسَا من الدرجة الأولى لأن هدفه كما قلت إخلاء شوارع القاهرة من الناس في ساعات مبكرة من الليل لكي يخلو الجو لأرباب السوابق وخفافيش الإرهاب ، ولو أن هذا القرار الغرض منه إصلاح حال الناس وتوفير أموال للدولة فلابد من التفكير في العشوائيات ونقل جميع الورش والمحلات خارج المناطق السكنية إذا كنتم تفكرون أصلا في أي إصلاح يعود على المواطن الفقير المعدوم ، لكي لا يشعر أنه في عالم النسيان حتى في القرارات التي لا نعلم هل هي مع أو ضد الوطن المواطن.
التعليقات (0)