كان أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة المطلوب رقم واحد «حيا أو ميتا»، منذ تفجيرات 11 سبتمبر 2001 التي غيّرت وجه العالم، واحتاج الامر إلى عشر سنوات كاملة من اجل الإعلان عن مقتله في الثاني من شهر ماي الماضي، وقد تحولت «القاعدة» إلى «قواعد» متعددة في مختلف انحاء العالم الإسلامي.
رغم أن أسامة بن لادن، كان مطلوبا لدى المخابرات الامريكية منذ سنة 1998، عندما تبنى تنظيم القاعدة الذي كان يقوده تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية في نيروبي ودار السلام، إلا أنه انتظر ثلاث سنوات أخرى ليكون المطلوب رقم واحد ويتحول إلى واحد من أشهر الأشخاص في العالم، مع كل الجدل الذي أحيط بشخصيته، حيث وصفه البعض بـ»المجاهد» الذي تحدى أكبر قوى استعمارية في العالم، في حين قال بشأنه البعض أنه مجرد عميل للمخابرات الامريكية يقود تمثيلية هزلية تخدم في النهاية المصالح الإمبريالية الامريكية، ومرت السنين ولم يحسم الجدل بعد وقد يكون السر دفن في البحر مع جثته المفترضة، وفي كل الحالات فإن تاريخ بن لادن طيلة العشر سنين الماضية ارتبط بتنظيم القاعدة المثير للجدل بدوره.
القاعدة تعلن بداية قرن من الحروب
قيل إن القرن العشرين انتهى قبل أوانه، انتهى مع بداية سقوط المعسكر الاشتراكي السابق والاتحاد السوفياتي، اختتم بشكل رمزي مثير مع سقوط جدار برلين يوم التاسع من نوفمبر 1989، وبالمقابل فإن القرن الحادي والعشرين انتظر أكثر من عشر سنوات منذ ذلك التاريخ ليبدأ يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001، ذلك اليوم الذي لم يكن يخطر على أكبر عباقرة سيناريوهات أفلام الرعب والخيال العلمي في هوليود، الذين تخيلوا كل سيناريوهات الاعتداءات الخارجية إلا ذلك السيناريو الذي تستعمل فيه الطائرات المدنية.
كان اليوم ثلاثاء، وسمي بعد ذلك بـ»الثلاثاء الأسود» عندما اصطدمت طائرتان مدنيتان ببرجي التجارة الدولية في مدينة نيويورك وأدى ذلك إلى مقتل أكثر من ثلاثة آلاف شخص، وكادت الكارثة تكون أكبر لو نجحت الطائرات الاخرى في إصابة أهدافها، حيث أصابت واحدة منها مقر وزارة الدفاع الأمريكية إصابة لم تكن مؤثرة بالشكل الذي أريد لها، وطائرة رابعة تحطمت في بنسلفانيا بينما كانت تستهدف المقر الرئيسي للحكومة الامريكية (الكابيتول)، ولم تنتظر حكومة المحافظين الجدد بقيادة جورج بوش الابن من إلصاق التهمة بتنظيم القاعدة وهنا ظهر لاعبون جدد في مسرح السياسة العالمية، فمن جهة نجد جورج بوش الابن ودونالد رامسفيلد (وزير الدفاع الامريكي) وديك تشني وكونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي التي ستتحول بعد ذلك إلى وزارة الخارجية، ومن جهة اخرى برز بشكل لافت اسم أسامة بن لادن إضافة إلى أسماء باقي قيادة القاعدة منهم أيمن الظواهري وأبو حفص المصري، وبدأت ما أسمتها الولايات المتحدة «الحرب على الإرهاب».
أولى حروب قرن من الحروب
أولى نتائج أحداث سبتمبر، جاءت من أفغانستان البلد الذي أنهكته الحروب ودفع غاليا فاتورة الصراع بين الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية وجربت فيه كل انواع الأسلحة بما فيها سلاح الجهاد الإسلامي حيث استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية في وقف زحف المعسكر الاشتراكي السابق. ولم ينتظر صقور البيت الأبيض حينها طويلا وطالبوا إمارة طالبان التي كانت تحكم حنها أفغانستان بتسليم أسامة بن لادن وباقي أعضاء قيادة القاعدة المقيمين على أراضيها لكن الطلب جوبه بالرفض وبدأ الحرب يوم السابع من أكتوبر من نفس السنة، ومازالت تداعيات تلك الحملة مستمرة لحد الآن، وتحولت أفغانستان إلى مستنقع حقيقي رغم إطاحة سريعا بنظام طالبان التي تبنت بعد ذلك حرب عصابات مازالت مستمرة لحد الآن.
بن لادن- بوش. منطق واحد لعقليتين مختلفتين
كان فريق المحافظين الجدد في عجلة من أمره، وهو يقسم على لسان رئيسه جورج بوش الابن العالم إلى محور خير ومحور شر، قائلا: من ليس معنا فهو بالضرورة ضدنا، وهو القول الذي يتطابق في مضمونه مع تقسيم بن لادن للعالم إلى «فسطاط الغيمان» و»فسطاط الكفر»، ولم تحسم الأمور في أفغانستان حتى بدأت حرب أخرى في العراق استهدفت نظام البعث برئاسة صدام حسين الذي كان يخضع لحصار منذ بادية تسعينيات القرن الماضي. وبسرعة أيضا بدأت الحرب في العراق وسقط النظام هناك يوم التاسع من أفريل 2003 وكانت الحرب قد بدأت في العشرين من شهر مارس من نفس السنة، إلا إن المستنقع العراقي الذي أصبح مزمنا لا يشبهه إلا المستنقع الأفغاني، ولئن استهدفت الحرب في أفغانستان قيادة القاعدة إلا أن الهدف لم يتحقق حينها وانجبت القاعدة قاعدة أخرى في العراق التي سميت «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين» بقيادة أبي مصعب الزرقاوي التي تبنت الكثير من العمليات النوعية بعد سقوط نظام صدام حسين، ومن أهمها الهجوم على مقر الامم المتحدة في العراق وقتل سيرجيو دي ميلو مبعوثها هناك، ومقتل زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق محمد باقر الحكيم في تفجير كبير الاول من نوعه في تاريخ العراق والذي أعقبته تفجيرات كبيرة أتت على عشرات الآلاف من الناس هناك رغم الإعلان عن مقتل أبي مصعب الزرقاوي في السابق من جويلية 2006 إلا أن الأمر لم يهدأ، حيث تشكلت ما سميت «دولة العراق الإسلامية» وتشتت القاعدة بعد ذلك لكن الوضع لم يهدأ بعد ذلك في العراق لحد الآن.
لغز رقم 11
لعب تنظيم القاعدة الزئبقي على بعض الرموز، لعل أهما رقم 11 الذي يشبه في شكله برجي التجارة الدولية اللذين استهدفا يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001، وفي وقت كان فيه تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين يعيشه أقوى مراحله، سجل التنظيم الدولي واحدة من أقوى ضرباته الاستعراضية في مدريد يوم 11 مارس 2004 عندما استدفت محطة قطارات أتوشا رينفي في أقوى تحدي للسلطات الأسبانية قبل ثلاثة أيام من الانتخابات العامة وتسبب ذلك في مقتل 191 شخص وإصابة 1755 آخرين، واستمر تهديد التنظيم وبلغ مداه عندما وصل إلى العاصمة البريطانية لندن والتي استهدفت بتفجيرات وقعت يوم السابع من جويلية 2005 عندما تم تسجيل سلسلة من العمليات الانتحارية المتزامنة وأسفر ذلك على مقتل 50 شخص وإصابة 700 شخص آخر.
أصل يتراجع وفروع تنشط
وتزامنا مع العمليات الدولية الكبرى في مدريد ولندن وغيرها، كان تنظيم القاعدة يؤسس له فروع أو وكالات في بعض جهات العالم الإسلامي، وإضافة إلى تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين (العراق)، فإن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب (السعودية واليمن) سجل حضورا قويا وشهد هذا الفرع عملية نوعية سنة 2003 بعد أن أعلن عن ميلاده أواخر 2002، وبدا أن التنظيم فريد من نوعه، ولا يخضع لهيكلة منطقية فهو يتبنى وكلاء يحملون «الماركة» وأسلوب العمل دون أن يتلقى الفرع أومر من القيادة الدولية المعروفة. وتوارى رؤوس التنظيم المعروفون خلف الأضواء خاصة أسامة بن لادن الذي قلل من ظهوره بشكل ملفت وتولى نائبه أيمن الظواهري مهمة الظهور الاستعراضي لمدة طويلة، حيث أصبح هدف أسامة بن لادن هو سلامته الجدية بالدرجة الاولى، وبالمقابل نشطت الفروع (الوكالات) التي انقذت التنظيم نفسه من ورطته التاريخية.
«صفقة» الجماعة السلفية وتنظيم القاعدة
بعد الإعلان عن مقتل أبي مصعب الزرقاوي سنة 2006، وتشديد الخناق على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، اتجهت الانظار إلى «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» بقيادة عبد المالك دروكدال (أبو مصعب عبد الودود)، حيث أن «صفقة» التوأمة بين الجماعة السلفية للدعوة والقتال سليلة الجماعة الإسلامية المسلحة، ومع التنظيم العالمي كانت في صالح الطرفين، فمن جهة يستفيد التنظيم المحلي من الصيت العالمي الذي «يتمتع» به التنظيم الدولي، ومن جهة اخرى يجد التنظيم نفسه في قلب الحدث دوما وبعض التفجيرات تنسب إليه في وقت يزداد فيه الخناق على الفروع الاخرى التي تراجع أداؤها بشكل كبير جدا، وما إن تم الإعلان عن «تأسيس» الفرع في جنفي 2007 حتى بدأ لمسات التنظيم الدولي واضحة في العمليات الاستعراضية، واستخدم «الفرع» كل السبل حتى ينسب نفسه للتنظيم الدولي بما في ذلك رقم 11 الرمزي حيث سجل أكبر عملية نوعية له يوم 11 أفريل 2007 واستهدف قصر الحكومة ومقر الشرطة الدولية في الجزائر العاصمة، ومثلما كان الحال في باقي فروع التنظيم فإن فرع «المغرب الإسلامي» الذي ركز نشاطه بعد ذلك في منطقة الساحل الإفريقي بدأ الخناق يزداد حوله وكان إعلان مقتل زعيم العالمي أسامة بن لادن المتزامن مع ربيع الثورات العربية الذي بدأ في 2011 إيذان ببداية نهاية التنظيم العالمي الذي شغل العالم طيلة العشر سنوات الماضية.
التعليقات (0)