عسكرة المجتمع العراقي لصالح من؟!.
تعرَّف العسكرة، بأنها : عملية إلباس المجتمع لباس العسكر، وتحويل وتنميط سلوكه إلى سلوك عسكري يختلف عن الطابع المدني أو العادي في الغالب. وللعسكرة الممنهجة وجهان: وجه ظاهر تنعكس منه شعارات وخطابات تصف عسكرة المجتمع بأنها إستراتيجية تعبوية احترازية وقائية، فرضتها ظروف استثنائية، لمواجهة اعتداء خارجي، أو خطر داخلي ناشي عن تدهور في الجانب الأمني، ووجه مبطن تكمن فيه الأهداف والغايات الحقيقية من وراء العسكرة الانتهازية للمجتمع، والتي تتلخص في إحكام السيطرة عليه، وإخضاعه كليا إلى سلطة الأنظمة القمعية الحاكمة، لتغطي على فشلها في خلق سلطة مدنية، ومجتمع متحضر ينعم بالسلم والأمان، فالعسكرة تعبر عن حزمة متراكمة ومستمرة ومتأصلة من الأزمات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وتشكل مناخا لتهديد السلم الأهلي، وخلق عوامل القمع والعنف والاقتتال وترسيخ ثقافة الإكراه والقهر، وتغليب لغة العسكرة على لغة المدنية، خصوصا إذا تبنتها الأنظمة الديكتاتورية الفاشية التي تميز بين مواطنيها على أساس الانتماءات الدينية والمذهبية والعرقية والحزبية وغيرها، والتي تمنح صلاحيات غير محدودة للعسكرة بكل أنواعها وآلياتها وتطبيقاتها تجعلها فوق القانون والدستور مع التغاضي عن الممارسات والانتهاكات التي يرتكبها العسكر، واستنزف الموارد البشرية والاقتصادية لخدمتها.
ما إن ظن العراقيون بعد الاحتلال أنهم تحرروا من العسكرة التي لازمتهم لعقود، حتى أُقحِموا في عسكرة لم يسبق لها نظير، تم زجهم فيها بصورة تدريجية، بعد أن خلقت الأنظمة الطائفية القمعية الفاشلة المقدمات والأجواء والعوامل التي تدفعهم نحوها دفعا من حيث يشعرون أو لا يشعرون، حتى صاروا يدفعون الأموال من اجل التعيين في المؤسسات العسكرية أو الأمنية كما أشار المرجع الصرخي إلى هذه الحقيقة في إحدى محاضراته، ومن ابرز تلك الهرمونات المساعدة على تعميق العسكرة هو فرض حالة من الخوف والتوجس (الممنهج) في المجتمع من المؤامرات الداخلية والخارجية التي تروج له إيران والمرجعية والحكومة الخاضعة لها، وبلغت ذروتها بعد صدور فتوى الجهادي الكفائي لتزج العراق وشعبه في دوامة من القتل والاقتتال وإشغال المجتمع بذلك وصرفه عن التفكير في غيره حتى تبقى إيران وأدواتها هي الحاكم والمتسلط، وتستمر في مشروعها الشعوبي..
وتتصاعد الدعوة إلى العسكرة مُجددا وعلى لسان مرجعية السيستاني وحكومتها، فتارة تدعوا الموظفين للالتحاق بسوح القتال، وتارة تدعو الطلبة (الكليات والمعاهد وطلاب المدارس الإعدادية والمتوسطة) لاستغلال العطلة الصيفية في التدريب على حمل السلاح والقتال، فالعسكرة الانتهازية التي يتم تطبيقها في العراق هي من اشد أنواع العسكرة وأخطرها، لأنها عسكرة فوضوية مشرعنة أحادية الجانب، جعلت من الحشد الشعبي والمليشيات والفصائل المسلحة قوة قاهرة فوق المنظومة العسكرية والأمنية الحكومية، بل فوق الجميع، في مقابل رفض عسكرة وتسليح مكونات أخرى أبرزها المكون السني، فتحول العراق إلى ثكنة عسكرية بشرية تنوعت فيها المليشيات والألوية والأفواج والسرايا والفصائل والتشكيلات التي تم عسكرتها، وشملت جميع طبقات المجتمع موظفين وطلاب وعاطلين، ومن المفارقات الغريبة التي تؤكد على فوضوية وعشوائية العسكرة وخبث الأهداف التي تقف ورائها هي انه وبالرغم من العسكرة المبالغ فيها إلا أن الهزائم والانكسارات صارت ملازمة لنتائج المعارك التي تخوضها مع داعش!!!،
والسبب في ذلك كشف عنه المرجع الصرخي وفي سياق جواب له على استفتاء رفع إليه بتاريخ 17 نيسان 2015، والذي يقع تحت عنوان: « تكريت وإيران هزيمة أو هزيمتان » بقوله: ((والمؤسف والمؤلم ان الخسارة الكبرى وقعت وتقع على المغرر بهم من أبنائنا العراقيين الذين صاروا حطب ووقود نار طائفية مفتعلة ، فالمعارك كانت ولا تزال خاسرة وستبقى خاسرة مادامت نفس الوسائل والمخططات والأفكار والقيادات موجودة ومادام المنهج هو نفس المنهج الطائفي العنصري التكفيري)).
ختاما نقول إن العسكرة إستراتيجية خبيثة لا تخدم إلا أجندات إيران وأدواتها في العراق.
بقلم
احمد الدراجي
التعليقات (0)