عســـكرة المجتــمع المدنى

                  عسكرة المجتمع المدنى
يذكر أنه لما بدأت الحملة الفرنسية على مصر وحلت بالاسكنرية ، و بعد ان استتب الأمر لنابليون بونارت فيها ، أمر بتعيين واحدا من خيرة قواده حاكما أو واليا أو محافظا ـ سمه ما شئت ـ على الاسكندرية حتى يتسنى له متابعة وقيادة حملته بنفسه نحو القاهرة ، ومنها إلى صعيد مصر ، وهو مطمأن .
لكن ترى ماذا كان رد فعل الضابط الذى عينه نابليون محافظا على الاسسكنرية ..؟ ... لقد انتحب وبكى بكاءا شديدا وأعلن لقائده نابليون عدم رغبته فى تولى ذلك المنصب ، وقال له مخاطبا ؛" إننى خلقت من أجل حياة الجندية يا سيدى ، وخوض غمار المعارك فى ساحات الوغى بتلك الحلة ـ مشيرا إلى رداءه العسكرى ـ وليس للجلوس على المقاعد الوثيرة ، والركون إلى الحياة المدنية "...
ترى كم محافظا عسكريا لدينا عرض عليه تولى منصب محافظ ورفض ...؟
سأترك الإجابة لكم وللتاريخ ... حيث إنه قد تم بالفعل عسكرة كافة شؤوننا الحياتية، ليس فقط من خلال منصب المحافظ ، ولكن أيضا من خلال كافة المناصب الآخرى ، وحتى تلك التى تتسم بطبيعتها المدنية ، فقد إنتقلت العسكرة حتى إلى الأحياء ومجالس المدن والوزارت والهيئات ومستشارى المحافظات ، وبما يخل بمبدأ تكافىء الفرص بالفعل ، وبما يهدر أيضا مبدأ العدالة الإجتماعية والقائم فى أحد جوانبه على العدالة فى إقتسام وتوزيع الثروات ، أو العدالة فى توزيع الدخل القومى بين السكان أوالمواطنين وبعضهم البعض ، حيث يجمع العسكر ـ والذين يتولون مناصب مدنية ـ بين المعاش أو الراتب التقاعدى وبين ما يحصلون عليه من رواتب وحوافز ومزايا نقدية أو عينية أو مكافئات آخرى من المناصب المدنية التى يتولونها بعد التقاعد ، وذلك على الرغم مما قيل بأن حرب اكتوبر كانت هى أخر الحروب .
وفى ظل ازمة البطالة المزمنة ، وأيضا الأزمات الإقتصادية التى تعانى منها مصر، فسوف يؤدى ذلك أيضا إلى القضاء على أية بارقة أمل لترقية أو تصعيد القيادات الشابة ، أو الصف الثانى والمؤهل علميا وأكاديميا ، فى تولى أية مناصب قيادية مدنية عليا بابلصفوف الأولى . إذن فلا نلومن إلا أنفسنا بما حصلنا عليه من صفر المونديال كمؤشر خطير لأصفار أخرى تنتظرنا، وفى مجالات أهم وأخطر بكثير من الرياضة وكرة القدم .
                                                          مجدى الحداد