ليس بالغريب عليّ الإرتماء في أحضانك كلما طلع هلال رمضان ، كيف لا وأنت (بركة) من بركات الشهر الفضيل الكثيرة : من جشع التجّار ، ومن تحمّل فظاظة إخواني (الصائمين) وعصبيتهم وحتى سبابهم ، وكل ذلك لأنهم حُرموا من متعهم المحصورة في الغالب بين ملئ البطون ، ومعاكسات الأجناس لبعضهم ، وتسبيلهم لبعضهم البعض بالعيون ، وكذا بركة الإزعاج الذي يسببه الساهرون القاعدون على المقاهي ، العابثون بأحجار الدومينو، الذين يفضون جلساتهم المتأخرة بضرب أعمدة الشوارع الحديدية وإشارات المرور بالحجارة ليوقظونا رغما عنا بدعوى نيل فضل تنبيه النائمين لوقت السحور ، وهؤلاء جدّ متأخرون في كل شيء حتى أنهم نسوا أننا في القرن الحادي والعشرين ، وأن بيت أبسط بسطائنا يعج بالمنبهات التي يملك كامل الحرية في ضبطها كما يشاء ، ووفقا للوقت الذي يحتاجه للإنقضاض على وجبة السحور التي تختلف ماهيتها من نفر إلى آخر، ونسوا أن هناك من يفضل النوم ممتلئ البطن منذ الساعات الليلية الأولى ولا يحتاج بالتالي إلى الإستيقاظ أصلا ! ..
عزيزي التلفزيــون :
إن المفارقات التي يُحدثها شهر رمضان الذي نكرمك فيه أكثر مما نكرمه هو كثيرة ، ويطول شرحها ، لكن مفارقة أن تنال الحظوة دون جميع وسائل : (البحلقة) التكنولوجية ، و(الصّرعة) الحضارية التي تستهلك ميزانيات معشر المسلمين بشرائها وبدفع فواتيرها ، هي أعظم تلك المُفارقات ! .. ألم تر كيف أننا ننصّبك سلطان الشهر دون منازع ولا مُزاحم نجثم أمامك ركّعا سُجدا كما في حضرات الملوك والأباطرة والآلهة ، نسمع لكل ما تتفوه به ببغاواتك المُسخّرة طوعا وكرها لتصديع رؤوسنا بما يمليه عليها خدمك وحشمك بإيعازٍ منك ، ونشاهد جميع حركات مهرجوك في سرك نُصِب خصّيصا لجعلنا نعتقد أنه لأجل إضحاكنا ولأجل التفريج عنا ، لكنه ما نُصِب إلا للنّصب علينا ، وللضحك على أذقاننا ، وجعلنا فرجة لذواتنا من ذواتنا ، ومن مستوياتنا وكم هي منحطة حتى في أجلّ المناسبات ، وفي أكثرأجوائنا تشبعا بالنفحات الربّانية ! ..
عزيزي التلفزيــون :
أتدري أني أشعر بالإشمئزاز من نفسي لأني قلت كل ما سبق وأنا أضبط مواعيدي أكثر مما أضبط مواقيت الآذان والصلاة ، على (عايزة أتجوز) فقط لأتعنتر على زوجتي ، وأجعلها تشعر بالفخر بي وبنفسها لأنها وضعت قدميها على برّ الأمان بزواجي منها ، ولأجعلها تبتسم وتتفاعل مع تفاعلي مع كوميديا هند صبري الهادفة ! .. وأشعر بالإشمئزاز أكثر لأني من أشد المعجبين بزبالة قنوات الصّرف الصّحي التي تصُب فوق بيتي وأنا أقف تحتها أستحم بأوساخها وأتعطر بنتانة روائحها ، في صورة الدّيّوث الذي لايجرؤ على نزع مكبّها ورميه بعيدا عن سقف بيته ، ولا حتى على الصراخ أو الهمس : ( أوقفوا عنا قاذوراتكم) ! .
ــــ
تاج الديــن : 08 ـ 2010
التعليقات (0)