وقبل أن يُعلَن فوز عبده خال بجائزة البوكر بوقت طويل، بدأت كل من مافيا الجوائز العربية من ناحية، وأقلام الكدر الثقافي المتشبعة بالثقافة الإقصائية حربها الإعلامية ضد لجنة التحكيم ورئيسها الكويتي طالب الرفاعي، بعد تلمسهم تغير أسلوب العمل داخل تلك اللجنة وابتعادها عن مسار توجيهاتهم ورؤاهم الضيقة التي لا تقبل ولا تعترف بوجود أي منجز ثقافي عربي خارج مدار دول المراكز.
ومن الملاحظ مما يكتب في العلن وما تضمره بعض الصدور أنه لا سبيل إلى تغيير نظرة الإقصائيين العرب حتى لو حصد عرب الرز والطز معا كل جوائز نوبل للآداب في السنوات المئة القادمة، ويا سبحان الله بعد أن كانت البوكر هي مطمع الكثيرين من الإقصائيين، أصبحت هذه الجائزة فجأة (كخة) الثقافة العربية بعد أن ترأسها كويتي وفاز فيها سعودي.
ولعل هذا الملف المترع بالأسى لما وصلت إليه حال بعض المثقفين العرب، يكشف اللثام عن أزمة حقيقية تتمثل في وجود قَبلية ثقافية نهمة تميل إلى إلغاء الأبعد فالأقرب ثم الأقرب حتى تنتهي بنفسها، ومن يظن أن مثقفي المراكز يطيقون بعضهم بعضاً أو هم على استعداد للتحالف من أجل خدمة الثقافة العربية ككل، فهو يعيش في عالم آخر غير الذي نعيشه، وهو الأمر الذي لم يعد بالإمكان السكوت عنه لأنه يحتاج إلى رجة عنيفة تنبه لخطورة الاستمرار في نهج التقسيم الثقافي لثقافة واحدة وتاريخ مشترك، وبرأينا المتواضع هناك ثلاث محطات يجب التوقف عندها في هذا الملف:
المحطة الأولى، وهي أن عرب المراكز يتعاملون بهوس شديد مع الجوائز الثقافية مثل بطولات كرة، حيث يصرون على الفوز بكل الجوائز كل مرة، وباستمرار وبكل المراكز وجميع الفئات.
المحطة الثانية أن المراكز الثقافية فقدت الكثير من قدرتها على المبادرة والريادة في مقابل تقدم دول الخليج العربي في المجال الثقافي، خصوصاً في مجال المؤسسات الثقافية المتخصصة التي تعتمد على خيرة العقول العربية، وحتى في المجال الإعلامي نجد أن أهم القنوات الفضائية العربية المؤثرة في المجالين الإخباري والدرامي هي قنوات خليجية.
المحطة الثالثة، وهي لا تقال سوى بهذه الطريقة إن بعض المثقفين العرب يمسحون أي تاريخ لهم كان في دول الخليج التي أمضوا فيها جزءا من حياتهم، وكأن ذكر تلك المعلومة تقلل من قيمتهم أو تؤخر من تقدمهم.
وفي الختام لم يكن أديب عظيم مثل نجيب محفوظ بحاجة إلى جائزة نوبل كي يعترف العالم له بأنه واحد من أهم الرواد في تاريخ القصة والرواية العربية، كما أن عدم حصول السعودي عبدالرحمن منيف على أي جائزة عربية أو دولية لا يقلل من روعة أعماله الروائية، خصوصاً خماسية «مدن الملح» التي لخص فيها بعمق حالة التحول السريعة في مجتمعات الخليج البسيطة من حياة العوز إلى حياة الرخاء بعد ظهور النفط فيها.
وأخيرا، نقول إن فوز عبده خال بجائزة البوكر لم تقدم أو تؤخر في حقيقة إمكاناته الروائية دون أن نقلل من أهمية فائدة تلك الجائزة في ترجمة أعمال الفائز إلى ست لغات، وعدم فوز باقي المرشحين خصوصا صديقي وأستاذي محمد المنسي قنديل لا ينفي حقيقة كونه مدرسة روائية تتحرك على قدمين وتنطق بلسان ساحر يطفئ ثورة البراكين، ويشعل مكانها شمعة للهدوء والـتأمل، والمهم هو أننا كعرب يجب أن نحارب التفكير الذي يقطع عروقنا ويقسم أجسادنا إلى حبات رز لا تعد ولا تحصى.
الفقرة الأخيرة: تنسب إلى الشاعر والأديب البحريني الراحل يوسف الشيراوي قصيدة، قسم العرب فيها إلى أربعة أقسام: هم عرب العز وهم العرب الذين يعيشون في أميركا وأوروبا، وعرب الرز وهم عرب الخليج الذين ينعمون بالأكل الوفير والنوم الهانئ، وعرب الهز وهم عرب مصر وبلاد الشام الذين يعشقون الشعارات ويدبكون عليها، وأخيرا عرب الطز وهم عرب شمال إفريقيا ومعنى الطز لا أعرف حقا ما معناها، ولكنه ربما كان يقصد أن عرب المغرب أداروا ظهورهم لعرب المشرق وقالوا طز فيكم.
ورغم أن ذلك التقسيم لا يخلو من الطرافة فإني واثق أن الشيراوي استمده من تكرار كلام مثقفين عرب قالوه في حق مثقفين عرب آخرين، ثم صاغه هو بهذه الطريقة الرشيقة.
التعليقات (0)