التصعيد الذي شهدته الدول الغربية في حملتها ضد (النقاب) ، جعل بعض الدول العربية تعكف على إعادة صياغة القوانين المتعلقة بهذا الجانب تدريجيا ، وبإحتشام واضح ، لإعتبارات أهمها الخلط المريع بين (العرف والدين) ..لأنه ورغم المدلول (الديني) الذي يتبناه المدافعون عن (رقعة القماش فوق الوجه) ، إلا أنه لم تثبت صحة دعاويهم بالسند الصحيح والمقنِع .. وفي ظل التجاذبات بين المؤيدين والمعارضين ، تجلت حقائق كثيرة ومؤسفة عن (موضة النقاب) القديمة الحديثة ! ..
ففي الجزائر (مثلا) إرتبط النقاب بمرحلتين مهمتين من تاريخ الكفاح ، الأولى كانت ضد عدو خارجي قاومته جميع فئات الشعب وحتى النساء المنقبات ، فكان المجاهدون يستعينون بحصانتهن ضد شكوك المستعمر حول إمكانية إنخراطهن في العمليات العسكرية ، وكذا ضد ممارسات التفتيش ، لتمرير الرسائل ، والأسلحة ، وغيرها من متطلبات الثورة .. والثانية كانت ضد عدو داخلي إستعمل الدين شعارا لسفك دماء إخوانه ، حيث كان أفراد الجماعات الإرهابية يتمثلون في هيئات النساء المنقبات لتنفيذ عملياتهم الدموية .. فكان لزوما على الحكومة إتخاذ إجراءات صارمة تجاه الظاهرة المتزايدة ، والخارجة عن أطرها السليمة في الغالب ..
فالنقاب في الجزائر يُعتبر (بصمة أخلاقية) من صميم العُرف ، مثلها مثل الحناء التي تتخضب بها النساء المتزوجات (فقط) ، ومتى كانت تلك البصمة من طرف فئة خارج التصنيف ، فإن الوضع سيتفاقم تلقائيا ، وتختلط الأوراق ، ويصعب التفريق بين المتزوجات والمراهقات ، أو حتى بين الرجال والنساء ، وكل ذلك بحكم التجارب المعاشة والمريرة !..
والجزائر ليست وحدها من تحاول الحد من الممارسات السلبية لبعض المنقبات ، فهاهي سوريا تصرح على لسان وزير تعليمها العالي ، عن منع المنقبات من التسجيل في الجامعات .. تصريحٌ أبهج المدرسين والدكاترة واعتبروه خطوة إيجابية في ظل الصعوبة التي يواجهونها في تلقين الطالبات المنقبات ، واللواتي يشعرنهم بالإحباط كونهم لايرون ردات أفعالهن التي يخفيها النقاب ، فلا يعرفون مدى إستيعابهن لما يقدمونه من دروس ومحاضرات ، كما أنهم إشتكوا من حملات (النقل والغش) التي يقدنها أثناء الإمتحانات ! ..
وما يشكوا منه المدرسون هناك هو نفسه مايؤرق أشقاءهم العرب قاطبة .. لكن مالايعلمه هؤلاء أن المراهقات المنقبات وقعن بين براثن التقليد الأعمى ، أو أسوء من ذلك أنهن متزوجات عرفيا أو بأي شكل آخر مما تحلله فتاوى الـ (New Generation ) ! ..
على العموم ينبغي التعايش مع حقيقة أن بعض الأعراف تعيق تقدمنا بصورة أو بأخرى ، وينبغي تطويرها ، أو حتى تغييرها إذا لزم الأمر ، لأن البيئة العربية (مقلِّدة) وليست (تقليدية) كما يحاول الكثيرين إيهامنا .
التعليقات (0)