يابائعي السكائر ايها الاطفال العراة
متى ينتهي تجوالكم (من نص باللغة المسمارية
في القرن الحادي والعشرين الميلادي)
عبد الهادي فنجان الساعدي
هل بامكان العربة ذات العجلات الثلاث أن تنقل العراق من ضفة البؤس والوحشية الى ضفة السلام والامان ؟!! لقد لبست عباءة المذهبية وحضيت بمباركة المرجعية ولكن هل لموزع الصمون على الدراجة الهوائية الذي تعرفه دمشق ان يمنح الميزانيات السنوية البركة كي تغطي حاجة العراق فقط وليس العراقيين .. لقد استطاع محمد حديد وزير المالية في زمن عبد الكريم قاسم ان ينقل اقتصاد العراق من التخلف الى (سكة السلامة) .. فما الذي فعله موزع الصمون في شوارع دمشق عندما كان تسونامي العراق يمزق مفاصل الدولة العراقية وما الذي فعله باقتصاد العراق . (ما دعاه ادم سميث بـ"القاعدة الفاسدة" للاسياد : كل شيء لنا ، ولا شيء للبشر الاخرين)(1).
من اعجب ما وصل اليه الفساد في الجانب الاقتصاد هو احتراق طابق في المصرف الصناعي العراقي لمرتين متتاليتين. اما المعالجة التي كنا نتصورها كما صرحت هيئة النزاهة وهي قطع الرؤوس الكبيرة ، فقد جاءت من لدن السيد الوزير مباشرة وهي نقل الحراس من الـ(FPS) جميعا في (الشفت) الليلي والنهاري والمجازين وحتى الذين يمضون شهر العسل مع زوجاتهم الى دوائر اخرى .. وعندما سالني احدهم عن هذه الصيغة في المعالجة قلت له بان هذه المسالة كانت تجري منذ (14 قرنا) في هذه البقعة المقدسة .. حيث كان الكبار يبحثون دائما عن (كبش فداء) من الصغار وكان كبش الفداء دائما من المكاريد (وبالمناسبة فقد وجدنا بان كلمة (مكرود) ماخوذة من اللغة (الاكدية) وتعني الفقير او المسكين او احد سكان المناطق التي تعيش على خط الفقر الساخن . فكم هي عريقة هذه الكوارث التي تتجدد بتجدد العصور وقد اوصيته (بالصبر والتقوى) فليس لنا سوى هذا الطريق الذي لا نملك غيره (واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا)(2) كانوا يتصورون بانني املك قوة لايقاف هذا الامر .. قلت بان الدكتور العلامة مصطفى جواد (رحمه الله) لا يملك قوة معاون مدير عام في أي دائرة في العراق الجديد فكيف بهذا الفقير المشاكس ان يمتلك القوة لايقاف الكارثة التي ولدتها العربة ذات العجلات الثلاث .
كم من فاجعة اصابت هذه الامة وهي تمارس دفن اصحاب المواهب وهم احياء ؟!! اين هي الشفاعة في هذا القتل الجماعي لكل هذه المواهب ولهؤلاء الشباب الذين ذاقوا الامرّين امس واليوم وبالتاكيد غدا وهم يحاولون بناء مستقبلهم اللعين.
(تطرق ديفيد هيوم David Hume الى هذه المسائل منذ مئتين وخمسين عاما. وما اثار فضول هيوم هو "السهولة التي تحكم بها الكثرة من قبل القلة ، والخضوع الضمني الذي يسلم به الرجال مصيرهم لحكامهم" وقد وجد هذا مدهشا لان "القوة هي دوما الى جانب المحكومين" واذا ادرك البشر ذلك ، فسوف ينقضون ويطيحون باسيادهم ، واستنتج ان الحكومة مؤسسة على التحكم بالراي ، وهذا مبدأ "يشمل الحكومات الاكثر طغيانا وخضوعا للعسكر ، بالاضافة الى الاكثر حرية وشعبية")(3).
منذ سنة 61 هجرية ونحن نتاجر بمقتلة الحسين وهي كارثة لم تتحملها اية امة في العالم ، ولكننا جعلنا منها وسيلة للعيش . اخبرني احد المؤرخين من الذين ينتمون الى طبقة المؤرخين المسحوقين (بدون) وهو يشغل وظيفة رئيس قسم في احدى دوائر وزارة التربية باننا اما ان نولد ملوكا او عبيدا .. فاذا ولدنا وكانت تسبق القابنا كلمة (ال) فنحن ملوك اما اذا لم نكن نمتلك هذا الامتياز فنحن عبيد . كان يتحدث بمرارة عن تجربته في دائرته اللعينة اذ تم تعيين (عاهرة) من احد تيارات المحاصصة بمكانه ليصبح موظفا لديها مع كل الكفاءة والنزاهة والشهادة التي يحملها اضافة الى خبرته التي اسس بها هذا القسم . ان مثل هذه الكوارث تحدث يوميا في عراق الديمقراطية الجديد .
(أن الحرية دون فرصة هي هبة الشيطان ، أما رفض منح فرص كهذه فهو عمل اجرامي . يقدم مصير الاكثر تعرضا للاذى مقياسا اكثر وضوحا للمسافة من هنا الى شيء ما يمكن ان يدعي بـ"الحضارة". بينما انا اتحدث سيموت الف طفل من مرض تمكن الوقاية منه بسهولة، وسيموت تقريباً ما يبلغ مقدار هذا العدد مرتين من النساء او سيعانين من عجز خطير في الحمل او الانجاب بسبب عدم توفر العلاج والرعاية . وتقدر اليونسيف ان التغلب على ماسي كهذه وضمان مدخل كوني الى الخدمات الاجتماعية الاساسية ، لا يكلفان سوى ربع الانفاقات العسكرية السنوية للبلدان النامية)(4).
أما هؤلاء "اللطامة" الذين يحملون الـ "آل" المقدسة والعيش على دماء ودموع الفقراء والمسحوقين والذين انتخبوهم بامكانهم في المرة القادمة ان يرمونهم خلف الحدود مرة اخرى لولا اصحاب القفازات البيضاء الذين يلوحون بعصى الطائفية والسلفية وتجربة الحكم الذي دام ثلاثة وثمانين عاما من التخلف والدكتاتورية والانقلابات العسكرية البائسة.
الحواشي:
(1) كتاب الربح على حساب الشعوب / نعوم تشومسكي ص57 ترجمة اسامة اسبر / دار نشر بدايات .
(2) سورة الاسراء / الاية 17 .
(3) كتاب الربح على حساب الشعوب ص47 .
(4) اليونسيف ، حالة اطفال العالم 1997 (مطبعة جامعة اكسفورد 1997) اليونسيف ، تقدم الامم (يونسيف هاوس ، 1996) .
التعليقات (0)