عـراقٌ واحــدٌ أم ثـلاثـة ؟
حين جاء عبد الملك بن مروان إلى سدة الخلافة في دولة "بني مروان" الأموية كان العراق يسمى بالعراقين عاصمة احدهما البصرة والأخرى الكوفة .... ثم وعلى يد الحجاج بن يوسف الثقفي وبحد السيف الأملح وقطف رؤوسٍ أينعـت صارا عراق واحد.
واليوم وبإنسحاب القوات الأمريكية المحتلة من المدن إلى ثكنات لها في الداخل بدأت التكهنات تترى بما سيحدث . وذلك على الرغم من ان هذه القوات الأمريكية المنسحبة تحتفظ لنفسها (بعد إذن المالكي طبعا والمطبوع وموقع سلفا) بحق التدخل والعودة مرة اخرى إلى المدن والقرى والنجوع العراقية إذا استجدت أوضاع أمنية مهددة ونزلت المليشيات المتربصة إلى الأزقة والشوارع .....
ولكن الذي يجب أن يدركه الأمريكان أولا وبادئ ذي بدء أن لا أحد يصدق أنهم قد انسحبوا من تلقاء انفسهم وبمزاجهم أو من أجل خاطر سواد عيون سواد العراق ....
لقد كان للمقاومة العراقية الوطنية الشرسة بكافة طوائفها ومنطلقاتها الدور الأكبر في دحر القوات الأمريكية الغازية ولن تطبع الذهنية العربية ولا التاريخ في صفحاته الناصعة البيضاء سوى هذه الحقيقة التي لم تكن ولن تكون الأولى في تاريخ بلاد الرافدين العظيمة . فقد سبق الأمريكان إلى مثل هذا المصير الأكاسرة وهولاكو ... ..حتى الإسكندر المقدوني كان له من جرأة بابل جانب فإعتل بسَمُومِ رياحها ومات في ريعان شبابه محموما قبل أن تتفرق امبراطوريته التي كابد من أجلها أيادي سبا كأن شيئا لم يكن .
وعودة إلى الواقع المعاش فإنه وإن كان لصدام حسين من حسنات في ميزانه الأرضي فيكفيه أنه وطوال فترة حكمه لم يحكم العراق من منطلق طائفي ولم يكرس الطائفية في البعث ابتداء .... بل كان وكأنه كان يدرك أن الذي يجمع بين أهل العراق هو أكثر مما يفرق بينهم ....
ومن ثم فقد كان هذا التوجه الوطني لديه هو صمام الأمان الذي حفظ للعراق وحدته ولحمته وكيانه الموحد طوال سنوات مضت من حكمه ؛ على الرغم من نشوب انتفاضات شعبية محدودة هنا وهناك بين حين وآخر مستغلة ضعف الدولة سواء أبان حربها مع إيران الخميني أو بعد غزو الكويت .... لكن وبنحو عام كان العراق بالفعل مستقرا وينعم أهله بالكثير من الخيرات والمكاسب في مجال التعليم ورغد العيش والعلاج الطبي المجاني ، لولا ما ارتكبه صدام حسين من حماقات فيما يتعلق بحربه الغير مبررة أو مجدية ضد إيران الخميني ، وكذلك الغزو الغير مقبول بأية حال من الأحوال لدولة عربية شقيقة......
أما الإدعاء بأن صدام حسين قد حافظ على نظامه ضد أية انتفاضات وثورات داخلية عبر اتباع أسلوب بوليسي وقمعي فهذه حجج واهية غير مقنعة وليست أسبابا جوهرية في مجال احتفاظ أي نظام سياسي بالسلطة طوال هذه المدة التي حافظ بها حزب البعث على مقعده منها.
إذن وعلى هذا النسق فإن المطلوب من الساسة العراقيين أن يعوا الدرس جيدا وأن يدركوا أنه لا مجال للاعتماد على الغازي المحتل في تحقيق وحدة التراب العراقي وأمن شعبه وصيانة لحمته ووحدته الوطنية وسلامة أراضية وثرواته سواء على المدى الطويل او القصير . وأن السعي للمحاصصة الطائفية والعرقية وفرض دكتاتوية الأغلبية العددية لن يكون مجديا بقدر ما سيكون هو الطريق الأقصر لنشوب حرب أهلية ضروس تقضي على ما أبقاه الغزاة البيض من يابس ... وتحيل العراق إلى موطن أشباح.
هناك بالفعل أكثر من أجنبي يهمه ما يجري في داخل العراق ويرغب في أن تكون له السطوة واليد العليا لمصلحته هو وليس لمصلحة شعب العراق. سواء أكان هذا الأجنبي إيران أو تركيا أو إسرائيل في جانب تعزيز مصالحها الأمنية الاستراتيجية . وبالطبع الولايات المتحدة في جانب مصالحها النفطية وهذا لا ينفي تطلع بعض اسود وديوك الماضي و" ثعالب الحاضر" من دول اوروبية غربية قلبت لها الدنيا ظهر المجن بعد أن كانتا فيما مضى إمبراطوريات استعمارية يشار لها بالبنان .... ثم أنه وإن كانت هذه الثعالب قد باتت تدخل إلى المنطقة العربية تحت العباءة الأمريكية لكن لا يمكن إغفال دورها الأحادي أو التقليل من شأنها طالما كانتا تمتلكان حق الفيتو ولها كلمة في مجال الشحن السياسي المغرض وكذا التوجه العام "لإتحاد اليورو" البراجماتي الجديد..... وليس تاثير هؤلاء في إشعال نار الفتنة في إقليم دارفور السوداني ودفعه نحو الانفصال ببعيد عن الذهن والإدراك.
فهل يعي العراقيون الدرس وينأون بأنفسهم عن التحصيص في كافة المواقع الحساسة وغير الحساسة ؟ أم أنهم سيدفعون بإتجاه تقسيم العراق إلى ثلاثة دول بعد حرب أهلية ضروس إن لم تكن الآن فربما عقب الانسحاب الأمريكي الكامل عام 2011م ؟؟
.......
مصعب الهلالي
30/6/2009م
التعليقات (0)