عراق التصحيح
لحقت الانبار بربيع العرب الذي لم تثمر أزهاره حتى ألان فأطلقت بعراق الرافدين صرخة مدوية اهتزت لها مدن العراق ومحافظاته , وتداعى مسرعاً شعب العراق الآبي بكافة طوائفه وانتماءاته , فتضامنت سامراء والموصل , وتحركت ارتال البشر مهرولة نحو ميادين الكرامة ورفض الظلم والقهر فالهم عراقي والواقع عراقي , تلك الكواكب البشرية مؤمنة بالحرية والتعددية والتعايش والتنوع وتؤمن بالوطن الكبير الغير مجزأ والغير مختزل ومختطف , فالعراق ومنذ القدم وسيظل مهد التعددية والتعايش والتنوع فهو يمثل الأرضية الصلبة للديموغرافية السكانية بالشرق الأوسط , وهو ارض الحضارات والممالك المتنوعة المتعددة .
لن يرضى أحرار العراق وعقلائه بأن يتحول بلدهم الكبير لمقبرة جماعية تحتضن رفات شعب متنوع متعدد , لن يرضخ لتربصات وأمنيات من يريد تفتيته وتمزيقه بنشر المذهبية والطائفية والعنصرية , فعصر الاستبداد والطغيان والعنصرية والطائفية ولى وأدبر ولا مكان لعودة إستبداد دموي طائفي عنصري بغيض !
تحرر العراق من استبداد شعاراتي بغيض لكن فرحته بالتحرر لم تكتمل فقد تحول الداخل العراقي بمختلف مكوناته وانتماءاته لنقطة الصراع بدلاً من نقطة البناء , نقطة تخفت نارها تارة وتتوقد تارة أخرى ولولا عناية الله ثم وجود العقلاء لتحولت طرق بلاد الرافدين لمقابر جماعية تحتضن شعب بأكمله .
ذلك التحول الغير مسبوق من محاولة البناء إلى مرحلة الصراع يرجع في الحقيقة إلى طموح السياسيين وتدخلات القيادات الدينية في اللعبة السياسية , ولا نغفل أن هناك أرضية أسهمت بشكل مباشر في ذلك وهي المحاصصه السياسية , فالمحاصصه لم تكن في يوم من الأيام وسيلة حل لمشكلة العنصرية والإقصاء والتعدد العرقي والمذهبي بل هي الوقود التي تزيد النار نارا , فلا صوت عقلاني يعلو صوت ألانا والتحزب والتعنصر .
مكونات شعب العراق الاجتماعية والسياسية والدينية والعرقية والمذهبية عامل بناء لا هدم , ووسيلة بناء معرفي وثقافي وتراثي , لكن البعض ممن رضع من أثداء العنصرية والمذهبية والطائفية يحاول تمرير كل خطأ على حساب طائفة أخرى , فليس كل الطائفة متورطة بسقطات من يمثلها بالحكومة أو بمجلس النواب وليس كل الطائفة متورطة بدم أو بمحاولات زعزعة الأمن ’ فالقاعدة العقلية والواقعية تقول بكل مذهب وحركة وتيار وطائفة متطرفون ومعتدلون , وبكل قاعدة شواذ ! هذه هي الحقيقة التي تغيب عن أعين دعاة الدم وناشري داء العنصرية والطائفية بين الأمم .
انتفاضة ربيع العراق ما زالت في مهدها تطلق صرخات ولادتها و فعراق العٌرب والحضارة والتعدد , يعيش أزمة سياسية واجتماعية لا تقل مرارتها عن الحقب الزمنية السابقة بداءً من حقبة الخمسينيات حتى التسعينيات من القرن الماضي , تلك الأزمة المشرعنه دستورياً , والمدعومة من قبل ساسة غلب البعض منهم مصلحته وقدمها عن مصلحة الوطن الكبير لن تنتهي إلا بإنتهاء مسبباتها , فالمرض له أسبابه ولزواله لابد أن تزول مسبباته !
لن أتحدث عن أخطاء رئيس الوزراء نوري المالكي الفادحة بحق وطنه وأمته ولن أتحدث عن مواقف بعض السياسيين العازفين على أوتار حساسة , فالحديث فيها مؤلم لدرجة أن الألم يصرخ من شدة الألم نفسه !
ربيع العراق بدأت صرخاته تنطلق ونعول على العقلاء ومن كل الأطراف أن يستشعروا حقيقة يرونها بأعينهم وهي أن ذلك التحرك الشعبي ليس مسخر لطائفة دون أخرى فهو للعراق وللعراقيين الكل يسير في ركابه الكل متضامن ومؤيد للحراك مهرولاً سنة وشيعة يهود ونصارى شبك وصبائه عرب وتركمان وأكراد , فالعرق والدين لم يقف أمام الوحدة الوطنية والتضامن الشعبي مع من تحرك فالأصل واحد والأرض واحده , وكل محاولات الإقصاء والتهجير وزرع بذور الفتن تصطدم بعزائم شعب مؤمن بوحدته وبثقافته وتعدده منذ القدم وحتى اليوم وعليهم ألا يقعوا في الفخ كما وقع غيرهم فيه !
من بغداد تعلم العرب اجمع كل أنواع المعارف والعلوم فهي ارض الحضارة والتعدد ويا ليتهم يتعلمون معنى كلمة التعدد والتعايش فالمواطنة مفهوم سياسي والوحدة الوطنية كذلك, ديمقراطية العراق ولدت مشوه وأتمنى كغيري من العقلاء أن يكون ذلك الحراك حراك تصحيحي لديمقراطية العراق ليعود كما كان ارض الحضارة والعلم مهد التعايش والتعدد والبناء .
التعليقات (0)