دخل وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي، بنيامين بن أليعازر، في تلاسن حاد مع المستشار الإعلامي لوزير الدفاع الإسرائيلي، وقال له: "دير بالك مني، أنا عراقي وسأشويك"، بحسب مصادر إعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
فقد نقلت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا " عن بن أليعازر قوله لمستشار إيهود باراك: "أنا عراقي وأنت لا تعرفني جيداً، سأشويك على الفحم"، وذلك خلال جلسة كتلة الحزب الأسبوعية، فيما رد عليه المستشار طالباً منه أن يخفف من صراخه، موضحاً له أنه لا يهتم لتهديداته.
من ناحيتها، قالت الإذاعة الإسرائيلية إن بن أليعازر صب جام غضبه على المستشار الإعلامي لباراك قائلا: "دير بالك مني! أنا عراقي وأنت لن تتصور ماذا سأفعل لك! سوف أنال منك!" وردّ عليه باراك سري بقوله إنه لا يتأثر بصيحاته, ودعاه إلى تخفبف نبرة كلامه قائلا: "أنا لا أعمل لديك."
هذا ما جاء في خبر تناقلته وكالات الأنباء يوم أمس . ولهذا الخبر دلالات كثيرة عن وقائع عديدة يمكن أن نستدل عليها منه ، على الرغم من أن البعض قد يراه خبرا طريفا عاديا .
أول هذه الدلالات هي أن اليهودي الصهيوني "وليس غير الصهيوني " حتى وأن كان يصيح ليل نهار بأن اليهودية قومية خاصة ذات خصائص وراثية معينة تميزها عن باقي البشر وليست دين سماوي متاح أعتناقه لجميع الناس ، الا أن ثورة الغضب اللتي مر بها بن أليعازر قد أخرجت الحقيقة الكامنة في عقل كل صهيوني واللتي يحاول جاهدا أن يخفيها . وليس شيئا كالغضب يخرج ما في قلب الأنسان وعقله الباطن من أسرار .
وها هو هذا الزعيم الصهيوني الكبير يقر بأنه عراقي قبل أن يكون يهوديا صهيونيا . فلا يمكن أن يكون لليهودي الروسي ولليهودي الأثيوبي ولبن اليعازر العراقي نفس مقومات القومية اللازمة لتعريف أي مجتمع بأنه قومية معينة . مما جعل بن أليعازر يهدد باراك سري "بالشوي" لأنه عراقي ومختلف تماما عن اي يهودي بارد الطباع من يهود اوربا .
كما يدل هذا الخبر على تجذر ثقافة العنف والعصبية العرقية والدينية والمذهبية في وجدان الفرد العراقي " والعربي بمقدار أقل " اللتي بات يعرفها الجميع . هذه الطبيعة اللتي حاول بن أليعازر أن يذكر باراك بها لكي يتجنب أغضابه ، فيكون مصيره الشوي على الفحم على طريقة الكباب العراقي الشهير .
وقد تفسر هذه الطبيعة العراقية جزءً من حالة العنف اللتي يمر بها العراق اليوم . فلا أحد يريد أن يسموا فوق الجراح وينسى الثارات القومية والدينية والطائفية والعشائرية . وحتى العنف اللذي كان يتميز به النظام السابق هو حالة طبيعية في ظل ما أسماها علي الوردي في موسوعته "دراسة في طبيعة المجتمع العراقي " بالأزدواجية الأجتماعية .
يقول علي الوردي ” ان العراقي، سامحه الله ، اكثر من غيره هياماً بالمثل العليا ودعوة اليها في خطاباته وكتاباته ولكنه، في نفس الوقت ، من اكثر الناس انحرافاً عن هذه المثل في واقع حياته . انه اقل الناس تمسكا بالدين وأكثرهم انغماساً في النزاع بين المذاهب الدينية ، فتراه ملحداً من ناحية وطائفياً من ناحية اخرى“ .
وهذا الوصف الدقيق للأستاذ العبقري علي الوردي هو ما يفسر دورات العنف اللا متناهية اللتي يمر بها العراق بين الفينة والأخرى . واللتي أشار أليها الأستاذ صادق الصكر في مقاله الرائع " سرديات كبرى..سرديات مصغرة " حين قال ، (( ان احداث المرحلة التاريخية الراهنة ، هذا الانهيار القيمي المروع المصحوب بانفجار براكين من الاحتقانات وكأن المجتمع العراقي خلال الزمن الفاشي كان اشبه بفوهات بركانية تغلي فيها حمم الرغبات الدفينة في الثأر دون ان تخرج . وها هي عربات اليانكي ترفع تلك الفوهات احجار انسدادها . تلك الاحداث ذكرت الثقافة العراقية بما كانت تريده ان يبقى طي النسيان بعد ان ابتكرت له حلولا ايديولوجية هي اشبه بالسحر على الضد من مسرودات الوردي الصغرى التي اثبتت لاجيال من العراقيين ان ما يخرج الان من فوهات براكين البنى الشعورية واللا شعورية للمجتمع العراقي قد سبق لها ان خرجت عشرات المرات قبل صعود الفاشية الى السلطة في العراق . "يبدو ذلك مفيدا، على الاقل للتوقف عن تعليق كل اخطاء الوعي الجمعي العراقي على الشماعة الفاشية التي تحولت الى هبة سماوية لتبرئة المجتمع العراقي منها )) .
شيء أخير يمكن أن نخرج به من حادثة بن أليعازر مع باراك سري .
فبالرغم من أن أمر أنخراط العراق في الصراع المبدئي للمسلمين والعرب مع الكيان الصهيوني يبدوا بعيدا جدا عن الواقع حاليا . خاصة بعد نجاح الصهيونية وحليفاتها في أقناع الكثير من العراقيين "والعرب والمسلمين" بأن هذا الصراع هو أداة الأنظمة لتطويع الشعوب وأولها النظام البعثي الفاشي ، وليس للشعوب اللتي تأن من ظلم هذه الأنظمة من مصلحة في هذا الصراع . ألا أن الصهيونية تعلم يقينا أن الصراع معها مبني على أسس متينة من الأخلاق الأنسانية أولا وأسس قرآنية ومحمدية ثانيا .
ولأن أي ديموقراطية حقيقية تقوم في أي جزء من أرض المسلمين لابد وأن تنشيء مجتمعا صحيحا معافا قادرا على الوقوف بثبات على أسس حضارته وقيمه وثوابته الدينية والتأريخية للتمييز بين القيم النبيلة والفاسدة . ولأن الطبيعة المقاتلة للفرد العراقي اللتي عبر عنها بن أليعازر تبقى أمرا مخيفا للكيان الصهيوني وللصهيونية العالمية اللتي لاتترك شيئا للصدفة أبدا . حسب الصهاينة حساباتهم الدقيقة والطويلة الأمد كالعادة فدخلت جحافلهم العراق في 2003 لتغذية الأحقاد المذهبية والعرقية والدينية فيه ولتعمل عن كثب على تفكيكه والتخلص من خطرهؤلاء العراقيين عليها الى الأبد .
أي أننا حتى لو قررنا أن نقر ونعترف بالكيان الصهيوني كدولة أمر واقع ، ومددنا لهذا الكيان كل أيادي السلام ، وكتبنا على أنفسنا كل المواثيق اللتي تعطي الأمان لهذا الكيان البغيض . فسيضل الصهاينة بسبب طبيعتهم الثقافية والدينية ونشأة كيانهم السرطانية في سعي حثيث لتفتيتنا الى أقصى مدى ممكن ، وسيعملون على أشعال الحروب بكل أشكالها "كما أخبرنا عز وجل" بين الأجزاء المجزئة حتى لايبقى ألا الرماد . وعندها فقط سيشعر الصهاينة بالأمان وقد لا يفعلون . وما وصل أليه حال مايسمى معسكر السلام اليوم لخير دليل على أستحالة أن يرضى الصهاينة بأقل من الموت تحت أقدامهم دليلا على القبول بالسلام .
بقي سؤال لابد أن نسأله بعد أن رأينا كيف أن اليهود الصهاينة يعتبرون أنفسهم أمة واحدة يالرغم من كل الأختلافات العرقية والمذهبية والتأريخية بين الفلاشا واليهودي الروسي والعراقي والفرنسي ووو.
أذا كنا قد تركنا الله ورسوله ومشينا وراء الماركسية والقومية والعلمانية ألا أننا فشلنا بأن نكون كما وصفنا القرآن أمة واحدة " إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" ، فلماذا لا نتخذ من اليهود الصهاينة قدوة لنا في التوحد لنكون أمة قادرة على تسيير العالم كما يفعل العراقي بن أليعازر وأخوته من اليهود ؟ .
http://arabic.cnn.com/2010/middle_east/7/5/israe.labour/index.html
http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=copy&sid=36103
التعليقات (0)