مع اطلالة كل عام جديد اعتاد الناس على تبادل عبارات التفاؤل والأمل بأن تكون السنة الجديدة خيرا من سابقتها... على الصعيد السياسي -وهو ما يعنينا- هي بلا شك عادة جميلة وقابلة للتحقق لا سيما في الدول التي تملك الحد الأدنى من الحرية والسيادة والاستقلال والوحدة الوطنية، غير أنها لا يمكن أن تعمّم، فلا نراها تصلح مثلا في المدى المنظور لبلد محتل مثل لبنان حيث لا تعدو عبارات التفاؤل والأمل بسنة أفضل من سابقتها عن كونها إحدى وسائل العلاج -أو لنقل الخداع- النفسي لإخراج الناس من حقيقة واقعهم ومرارته الى وَهْم لا يصدّقه إلا من سمَح لنفسه بالانسلاخ عن الواقع ليعيش في حلاوة الأحلام... وهذا ليس بخطأ ما لم يتحوّل الى حالة مستدامة من نكران الواقع للعيش في عالم آخر من صنع الخيال.
ليست بداية متشائمة ولا منكرة لقدرة الله تعالى على تحسين الأحوال، فمهما ضَعُف الأمل لا يمكن أن يخلو قلب المؤمن من الرجاء، إنما هي بكل بساطة مقدِّمة تسمي الأشياء بأسمائها استنادًا لوقائع ومعطيات ومنهجية تحترم عقل القارئ، فالتركة الثقيلة التي ورثتها سنة 2016 عن سابقتها لا تبشّر بالخير ولا تترك مكانًا للتفاؤل ولنبدأ بالتطرّق الى أهم هذه المعطيات.
البداية مِن ذكر حقيقة المرض دون التلهّي بالأعراض، لبنان بلد محتل من العدو الإيراني الذي يمسك بمعظم مفاصل الدولة الحساسة ويسيّرها خدمة لمشروعه الطائفي والفتنوي والتوسعي في المنطقة، وهذه حقيقة لا يمكن لاحتفال سنوي فلوكلوري بعيد الاستقلال أن يلغيها. أضف الى ذلك أن لا شيء في المدى القريب ولا المتوسط يبشَّر بزوال النظام التكفيري الإرهابي الحاكم في إيران، فقد تلقى في تموز من العام 2015 جرعة دعم كان بأمس الحاجة إليها بعد انقلاب الطاولة عليه في سوريا والعراق، حيث وقّع الشيطان الأكبر الأميركي والشيطان الأخطر الإيراني اتفاقًا نووي المَظهر جيو-سياسي المَخبَر من شأنه أن يثبِّت نظام ولاية الفقيه في الحكم على حساب حرية شعبه وأمن دول المنطقة.
سوريا التي كان من المتوقع أن ينعم لبنان بشيء من الراحة في حال ارتياحها بتحرّرها من سفّاح العصر لا تزال منكوبة، وبعد أن لاحت بارقة أمل بقرب انتهاء النظام تدخلّت روسيا في نهاية أيلول2015 لإعادة تثبيته وتطويل أيام إرهابه وتقوية موقعه على كرسي المفاوضات، وذلك بعد أن أطلق الأسد نداء استغاثة علنيًا بأن جيشه قد اُنهك، مقرًّا بذلك بفشل عصابته المسلحة مدعومة بالميليشيات الشيعية العراقية والحرس الثوري الإيراني والحزب الإرهابي اللبناني والوحش الأسدي الداعشي والغطاء الإسرائيلي الضامن للتأييد الدولي... من الوقوف في وجه تقدّم الثوار، هذا فضلا عن إصرار التحالف الدولي على مداعبة "داعش" عدو الثورة الثاني بعد بشار وعدم المساس بالأسد وظهور تبدّل قولي في الموقف الدولي يرضى ببشار في مرحلة انتقالية. وكلها مؤشرات على استمرار الحرب العالمية الثالثة على ثورة الشعب السوري واستمرار تداعياتها على لبنان وجعله جزءًا من التسوية.
في وجه الاحتلال لا بد من مقاومة وإلا فمن الغباء أن نحلم بتحرّر تحمله سنة 2016، وعندما نجد أن ما يسمّى "مقاومة" للمشروع الإيراني في لبنان هو تحالف موهوم ومزعوم يسمّى "تحالف قوى 14آذار" لا يمكن أن "نستبشر" إلا بمزيد من من نفوذ وتغلغل واستقواء ذاك الاحتلال الذي يمثله الحزب الإرهابي؛ ويكتمل معنا الجو "التفاؤلي" هذا عندما نرى أن الاحتلال وجد فريقًا ينتمي زورًا لذاك التحالف الاستقلالي الموهوم كي يعمل عنده في منصب "الصحوات" على حساب طائفته ووطنه، وقد أصر هذا الفريق الانهزامي والانبطاحي على الغدر مرات عديدة بشهدائه وحلفائه وجمهور "ثورة الأرز" وأبى أن يختم عام 2015 بغير طعنة مسمومة يوجهّها لكل هؤلاء فأعلن ترشيحه لشخصية منتمية لفريق الحزب الإرهابي كي تترأس جمهورية الاحتلال الإيراني مقابل تكريس رئاسة الحكومة للصحوات! وإذا كانت أقصى درجات تفاؤلنا قبل ترشيح الحريري لفرنجية لا تعدو عن إمكانية وصول رئيس تحت مسمّى الوسطية أو التوافقية والتي نفهمها على أنها رعاية للاحتلال لكن من شخصية لا تحمل بطاقة انتساب للفريق الإرهابي المحتل، فقد أقفلت هذه الخيانة الحريرية العظمى كل الأبواب على ذاك التفاؤل حتى بات النقاش السياسي اليوم منحصر بعنوان: إذا كانت الرئاسة الأولى لا بد ذاهبة لـ8 آذار فالجنرال عون أولى بها من سليمان فرنجية لكيت وكيت من الأسباب...!
الخيانة الحريرية العظمى التي هي عمليًا بمثابة انضمام تيار المستقبل لـ 8آذار والتي انفرط معها رسميًا عقد قوى 14آذار رغم كل المجاملات والتكاذب المتبادل بين أحزابها، لا شك ستطبع مجريات عام 2016 في لبناننا المحتل والتوّاق للتحرّر من مفسديه عملاء السعودية وإيران.
التعليقات (0)