عداوة الكافرين . للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .
قال الله تعالى : (( ما يَود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن يُنَزل عليكم من خير من ربكم )) [ البقرة : 105] .
إن الله تعالى يوضِّح شدة عداوة اليهود والنصارى والمشركين للمؤمنين . حيث إنهم لا يحبون أن يحصل المؤمنون على الخير من عند الله تعالى . وهذا يعكس الحقد المتجذر في صدورهم ، وابتعادهم عن مفهوم الأخوة الإنسانية الخاضعة للخالق تعالى . فالمؤمنُ يحبُّ الخيرَ للجميع لأنه يدرك أن له رسالة في هذه الحياة محدودة بمدة زمنية . فعليه أن يستغل هذا الوقت في الدعوة وإرشاد الناس إلى خالقهم وإعادة القطار الاجتماعي المنحرف إلى السكة . والإسلامُ ليس سُلطةً كهنوتية مغلّفة بالأسرار والطلاسم ، ومغلقة في وجه الآخرين . إنه الدِّين العالمي للإنس والجن على السواء . ومقياسُ التفاضل بين الخلائق يعتمد على التقوى وليس الجنس أو العِرق أو اللون .
والكفر ليس عقيدةً مخفية في الصدور فحسب ، بل هو أيضاً ذو انعكاس صارم على أرض الواقع ، حيث يتجذر الحقد ضد المؤمنين ، وتتأجج الكراهية في أبشع صورها . فالكافرُ يود لو كان الناسُ كلهم كفاراً ، وهذا من تمنِّي انتشار المنكرات في المجتمع الإنساني لئلا يشعر المنحرفون أنهم شاذون عن المسار الحياتي .
وقال البيضاوي في تفسيره ( 1/ 376 ) : (( نزلت تكذيباً لجمع من اليهود ، يُظهرون مودة المؤمنين ويزعمون أنهم يودون لهم الخير ، والود : محبة الشيء مع تمنِّيه )) اهـ .
قال الله تعالى : (( وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خَلَوْا عَضوا عليكم الأناملَ من الغيظ )) [ آل عمران : 119] .
يصف اللهُ تعالى المنافقين الذين إذا لقوا المؤمنين زعموا الإيمانَ تقيةً ، وإذا خَلَوْا عضوا على المؤمنين أطراف الأصابع من شدة الحقد والغيظ . وهذا التصويرُ القرآني البليغ يشير إلى نار الحقد المتأججة في صدور أهل الضلال ، وأنهم يكرهون الخير للآخرين ، ولا يريدون صلاحَ الأرض وإعمارها. (( والعرب تصف المغتاظ والنادم بعض الأنامل والبنان )) [فتح القدير للشوكاني ( 1/ 567 ) .] .
والقلبُ الخالي من نور الإيمان وبَرْد اليقين سوف تندلع فيه نيران الشك والضغينة والكراهية لكل ما هو جميل . لكنّ نار الحقد تأكل صدرَ صاحبها وتقضي عليه ، فالنارُ حينما لا تجد ما تأكله ستأكل نفسَها .
وعن عبد الله بن مسعود في قوله _ عز وجل _ : [ فردوا أيديهم في أفواههم ] [ إبراهيم : 9] . قال عبد الله : (( كذا ، ورد يدَه في فيه ، وعض يدَه ))، وقال : (( عضوا على أصابعهم غيظاً )).
[رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 382 ) برقم ( 3337 ) وصححه ، ووافقه الذهبي .].
وفي هذا إشارة إلى الحقد الدفين في قلوب الكافرين الذين لو استطاعوا أن يأكلوا المؤمنين بأسنانهم لفعلوا ذلك . فهم يريدون أيةَ فرصة للانتقام من أهل الإيمان ، والتنكيل بهم ، وتشكيكهم بعقائدهم . كما يتمنون أن يرتد المؤمنون عن الإسلام لكي يصبحوا مع المنافقين والكافرين في نفس الخندق ، خندقِ الباطل ورفضِ الحق ومعاداة أهله .
وكما قيل : إن اللص يحب أن يكون كل الناس لصوصاً ، كما أن المرأة سيئة السمعة تود لو سارت النساءُ في طريقها . فأهلُ الباطل لا يكتفون بأنهم فاسدون ، بل يسعون _ بكل جهدهم_ أن يكونوا مُفسِدين، لكي يجذبوا الآخرين إلى دربهم المظلم .
قال الله تعالى: (( لتَجِدَن أشد الناس عداوةً للذين آمنوا اليهودَ والذين أشركوا )) [ المائدة : 82] .
قال ابن كثير في تفسيره ( 2/ 117 ) : (( ما ذاك إلا لأن كفر اليهود كفر عناد وجحود ومباهتة للحق ، وغمط للناس ، وتنقص بحملة العلم . ولهذا قتلوا كثيراً من الأنبياء ، حتى هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ، وسَموه ، وسحروه ، وأَلبوا عليه أشباههم من المشركين )) اهـ .
كما أن العرب المشركين في الجاهلية ليس لهم أي كتاب ديني ، فهم أمةٌ أُمية وثنية . لذلك كانوا ألعوبة بيد اليهود والنصارى يحرِّكونها كيفما شاؤوا ، ويبثُّون فيها عقائدهم الباطلة ، وتعاليم كتبهم المحرّفة .
وفي صحيح البخاري ( 3/ 1156 ) : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مُخاطباً اليهود : (( هل جعلتُم في هذه الشاةِ سُماً )) ، قالوا : نَعَم ، قال: (( ما حملكم على ذلك ؟ ))، قالوا : أردنا إِنْ كُنْتَ كاذباً نستريح منك ، وإنْ كنتَ نبياً لم يضرك .
وهذا يشير إلى رسوخ العداوة في قلوب اليهود لكل المؤمنين ، وسعيهم الدؤوب إلى التشويش على الحق، ومحاولة وأده قبل ظهوره . لكن الحق لا يمكن إيقافه ، كما أن الشمس لا يمكن تغطيتها بغربال .
http://www.facebook.com/abuawwad1982
التعليقات (0)