مواضيع اليوم

عجز العرب عن الإتيان بمثل القرآن الكريم

الفكر الأصيل

2011-11-01 16:46:39

0

عجز العرب عن الإتيان بمثل القرآن الكريم

 

القرآن، و ما أدراك ما القرآن، كتاب جاء به بشر مبلّغا أنّه وحي يوحى‏ (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى‏) «1» في العصر الوحيد في رقيّ الفصاحة و البلاغة - في نوع العرب - و قيام سوقهما و عموم أدبهما.
و كانت دعوة القرآن باهضة لأهل ذلك العصر، مضادّة لأهوائهم، مهدّدة لطاغوتهم في جميع شئونهم، و كانوا هم أهل السلطة و الصولة، و الاقتدار و الثروة، و أهل اللسان الراقين في الفصاحة و البلاغة، فاحتجّ القرآن و نبيّه بجلالة مقامه بحيث يعجزون عن معارضته و الإتيان بمثله.
و كم تحدّاهم‏ «2» في ذلك بطلب المعارضة تعجيزاً، فلمّا عجزوا تنازل في تعجيزهم إلى «عشر سور من مثله» «3» فلمّا عجزوا تنازل معهم إلى الإتيان‏ (بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) «4» و قد كان لهم بالمعارضة أحسن مندوحة تقوم لهم بها الحجّة، و تظهر الغلبة، و يخلد لهم الذكر، و يسمو الشرف، و يستريحون إليها من مقاساة أهوال الحروب التي طحنتهم، و معاناة «5» هوان الأسر، و صغار المغلوبية، و ذلّة الانحطاط من جبروتهم، و التنازل عن ضلالهم و عوائدهم.
لكنّهم يعرفون- لا كغيرهم- أنّ الذي يفتخر به و يتنافس فيه من ارتفاع قدر الكلام و بلاغته إنّما يكون بمقدار مطابقته لمقتضى‏ الحال الذي يتكلّم فيه و جريانه على الوجوه اللازمة في ذلك، لا بمجرّد تزويق‏ «6» الألفاظ و تحوير العبارات؛ و قد وجدوا القرآن الكريم يعطي كل مقام حقّه من المطابقة لحقيقته و مناسباتها، بحيث لم يجدوا في ذلك شبهة غميزة «7». مع خوضه حقّ الخوض في كل حقيقة يحوم حولها العارف الإلهي، و المصلح الديني، و المصلح السياسي، و المصلح المدني الاجتماعي، و المصلح التاريخي، و النبي المتعرّض للغيب، فيوفّي كل حقيقة حقّها على النحو الباهر، مع الاستقامة في المسلك، و الاطّراد في المجرى، و الانسجام في البيان.
و علموا أنّه لا يجدي في المعارضة خيالياتهم في الغزل و النسيب و المدح و الحماسة، بل لا بدّ أن يخوضوا في مواضيع القرآن الكريم من الحقائق خوضا ابتدائيا لا اتّباعا تقليديّا.
فأقعدهم عرفانهم لذلك مقعد العجز، و أوقفهم موقف الحيرة، فاحتملوا ما احتملوا من البلاء، إذ لم يجدوا لما دعاهم إليه من النصفة سبيلا، فبان منهم العجز عن ذلك، و ظهر عند القاصي و الداني إعجاز القرآن و أنّه خارج عن طوق البشر.
و لو كان من ذلك شي‏ء يرضونه أو يتوهّمون لياقته للحجّة و رواجه في سوق المحاكمة لرفعوه علما للاحتجاج، و أنطقوه مستصرخا للانتصار، و صارخا في الأقطار بالظليمة، و داعيا إلى المحاكمة، و للهجت به الأندية «8»، و عجّت بنشيده أسواق العرب، و سارت به الركبان، و دوّنت به الدفاتر، و تعنونت باسمه الحروب و المنافرات، و لكثر له الأعوان و المحامون‏ و المدّعون، و لضجّت به اليهود و النصارى في جزيرة العرب و فلسطين و سوريا، فكان لهم أشهى حديث يؤثر، و أجلّ سيرة تسجّل، و ها أنت و كلّ أحد لا تحسّ لذلك همسا و لا تسمع له حسيسا.
فإن توهّم ... أن قد جاءوا بمثله و اختفى علينا فقد أخطأ وجدانه، كيف و أنّهم أهل السلطة و الكثرة القاهرة و حاجتهم إلى ذلك أشدّ من حاجتهم إلى حفظ شعر امرئ القيس و غيره من الشعراء؟! فكيف يأتون بمثل هذا القرآن و يضيّعونه و لم يضيّعوا المعلّقات السبع التي علّقوها بالكعبة إعجابا بها، فلمّا جاء القرآن أنزلوها استحقارا لها في جنب جلالته كما حفظ ذلك لنا التاريخ؟!
و حينئذ فاعتراف أهل اللسان بإعجاز القرآن حسبما دلّ عليه الوجدان أوضح دليل على إعجازه، و من لم يكن من أهل اللسان فهو عاجز عن إدراك ذلك فلا ينبغي له الخوض فيه، بل يلزم عليه أن يتّبع أهل اللسان و لا يبقى هالكا في ورطة الجهل، أعاذنا اللّه منه و من الجهل بأنّا جاهلون، و اللّه الهادي إلى سواء السبيل.

______________________________
(1) النجم 53: 5.
(2) تحدّاهم: نازعهم.
(3) اقتباس من سورة هود 11: 13.
(4) البقرة 2: 23.
(5) المعاناة: الملابسة و المباشرة.
(6) التزويق: التحسين.
(7) الغميزة: العيب.
(8) الأندية: جمع النادي، بمعنى المجلس.
المصدر: نفحات الاعجاز، الإمام السيد ابو القاسم الخوئي (قدّس سرّه). – بتصرّف -.

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !