عبيد الجلاد وعبيد الامر الواقع
منذ 9/4/2003 الى الان هناك من يمتدح صدام حسين وهناك من يذمه وهذا أمر طبيعي وما أتحدث عنه هنا ليس من يمتدحه لأنه مؤمن به ويعتقد انه قائد عظيم ولا يتخذ قرار الا عن حكمة ومعرفة كاملة ولا يقتل انسان ألا أذا كان يستحق القتل فعلا وووو الى اخره . ولا أتحدث عن من يحبه بسبب تاثره بكاريزما صدام حسين وشخصيته مع أنه يذم سياسته وطريقة ادارته للسلطة . ولا اتحدث عن من تعرض لظروف قاسية بعد 2003 اشعرته ان نار صدام كالثلج . ولا اتحدث عن من يمتدح صدام لأنه كان في منصب رفيع ويعيش عيشة رغدة ويجد أن صدام ولي نعمته وعليه الدفاع عنه . ولا اتحدث هنا عن من يحن لايام صدام حسين لأنها جزء من تاريخه الشخصي ويحن لهذا الجزء كما يحن لأي جزء اخر من ماضيه كحالة طبيعية متأصلة في الانسان وهي الحنين للماضي مهما كان هذا الماضي .
ولا أتحدث هنا عن من يذمه لأنه دكتاتور متسلط أدخل الشعب في حروب هو في غنى عنها وافرط في أستخدام القوة ضد شعبه . ولا أتحدث عن من يذمه لأنه أعدم والده ويتمه دون وجه حق . ولا أتحدث عن من يذم صدام لانه جعله يقضي أكثر من عقد من الزمن في الفترة التي هي ذروة شبابه في الجيش في الوقت الذي كان فيه عدي وقصي يصولون ويجولون في شوارع بغداد في سياراتهم الفارهة . أتحدث عن نموذجين محددين مختلفين عن كل الذي سبق أحدهما يمتدح صدام حسين والاخر يذمه وكلاهما جديران بالاهتمام
نموذج يذم صدام حسين
(يا أخي لتجيب طاري صدام أذا متكول وراهة لعنة الله عليه ترة الله يحشرك ويا ... يا أخي هذا ملعون لعنة الله عليه )
قد يقول قائل الكثير من الناس يقولون هذه الكلمات لأنهم تعرضوا لظلم الجواب انا لاأتحدث عن هؤلاء الذين تعرضوا لظلم بل أتحدث عن نموذج محدد .
من قال الكلمات السابقة شخص كان قبل 2003 يفتخر أنه شارك في القاء القبض على هاربين من الخدمة العسكرية والذين تم أعدامهم لاحقا ويفتخر أنه كان يعذب المعتقلين بيده وحين قال له احدهم حينها ( شلون ينطيك قلبك تعذب أنسان بيدك ) اجاب ( هؤلاء حشرات لا يرف قلبي عليهم) فجأة وبعد 2003 بأيام تغير خطابه واصبح يقول ( الحمد لله خلصنة من الطاغية لعنة الله عليه ) لا ادري كيف تمكن بعد فترة وجيزة من الالتحاق باحد الاحزاب ولا ادري كيف تمكن من الحصول على صفة مفصول سياسي ولا أدري كيف تمكن من الدخول في دورات دمج الميليشيات والحصول على رتبة عسكرية رفيعة . كل هذا لا اعلم كيف حدث . قبل 2003هذا الشخص كان يقول وبوجه مكفهر لمن يذكر أسم صدام حسين أمامه دون أن يقول حفظه الله ورعاه ( كول السيد الريس حفظه الله ورعاه لك) لا أدري كيف أصبح يقول لمن يذكر صدام حسين أمامه بعد 2003 دون أن يقول لعنة الله عليه ( كول الطاغية الملعون لعنة الله عليه ترة الله يحشرك ويا) هذا النموذج المتلون له قابلية غريبة على تغيير جلده . هذا النموذج لا يؤمن بشيء غير الامر الواقع . الشخص الذي اتحدث عنه كان حين يذكر الخميني حين يتحدث يقول ( الخميني الدجال ) اما الان فهو يقول ( الامام الخميني رضوان الله عليه) . صدقا لا يمكنني ان أهضم كيف يحدث هذا ؟ أن هؤلاء لا يؤمنون بشيء لا صدام ولا الخميني الشيء الوحيد الذي يؤمنون به هو الامر الواقع وأنا على يقين لو عاد حزب البعث الان للسلطة فسيعود هذا الشخص لأرتداء الزيتوني وسينزع المحابس ويحلق اللحية ويصبغ الشارب وسيترحم على صدام حسين ويبكي عليه ويقول أنه كان يقول ما يقول خوفا او قد يقول انه كان يعمل كمناظل متخفي في صفوف البعث . هذا النموذج هو من أخطر النماذج على المجتمع فهو قادر على التلون والصعود كالنجم في اي زمان وأي مكان . والمشكلة العويصة هي أنه حتى بعد ان يذهب أحدهم ليشتكي عليه ويقول أنه كان جلاد في الزمن السابق سيتمكن من النفاذ بجلده لانه يملك خزين كافي من العلاقات التي تجعله يخرج من أي مأزق بكل أريحية .
نموذج يمتدح صدام حسين
( يا أخي الحياة قبل كانت أفضل بكثير ... كنا سابقا نخرج للشارع في الثانية ليلا ولم يكن هناك من يقول لنا على عينكم حاجب ... كنا نشعر بعز وفخر لأننا عراقيين ... في السابق كان للعراقي قيمة .... ووووالخ من الخريط)
من تحدث الكلمات السابقة هو رئيس قسم في احدى الدوائر كان سابقا يستلم راتب لا يتجاوز العشر دولارات في الشهر ولم يكن يمتلك سيارة وكانت ملابسه بسيطة جدا ولا يدخل اللحم الى بيته الا ما ندر وكان أذا طلبه ضابط الأمن في الدائرة ( ابن عم الريس) يبقى يرتجف ويضرب أخماس في اسداس متسائلا عن السبب وحين يصل اليه يتحدث معه وهو مطأطأ الرأس وذليل وخاضع وفي حال كان أبن عم الريس ليس في يومه ولم يعجبه الاستاذ الفاضل فكلمة (قشمر) هي أقل ما سيوجه له .
أما الان فهو يحصل على راتب قدره ثلاث ملايين دينار ولديه سيارة اخر موديل وقام بشراء منزل ملك صرف بعد ان كان يعيش في منزل أيجار . أما عن الطعام (خير من الله كل ما لذ وطاب) أما عن الملابس (بين قاط وقاط يشتري قاط) . وكل عام يتم أيفاده الى الخارج للدخول في دورة تطويرية أو غيرها .
لكنه لا زال يحن لأبن عم الريس . كل ما تتحدث عن الوضع الان وتقول من باب الانصاف أن هناك تحسن عن الوضع قبل عدة اعوام يقول لك ( الله يرحمك صدام والله كان زمانه زمن خير كنا سابقا نطلع بالثنتين بالليل ) مهما حاولت أن تنتقد امامه الوضع قبل 2003 لن يناقشك في ما تنتقده وسيتجنب الحديث عنه وسيحاول جاهدا أبراز عيوب النظام الحالي فحين تقول له مثلا أن فلان وفلان اعرفهم وتم أعدامهم لأسباب تافهة فاحدهم (سب الريس وهو في حالة سكر في ثمانينيات القرن العشرين) والاخر قال ( عدي لا يشبه قصي) فتم سجنه وتعذيبه لفترة طويلة جدا ولم يعرف له مصير وضاعت أجمل ايام شبابه بسبب قوله لهذه الجملة . بعد أستعراضك لهذه الالدلة على ظلم النظام السابق وبطشه وقسوته الغير مبررة سيقول لك ( لعد هسة شنو مو الكتل بالشوارع ) لن يقول كلمة حق البتة ولديه قدرة على المراوغة لا مثيل لها فلو قلت له ( يا أخي هسة الوضع تعبان وقبل تعبان ) من باب أنصافك له لن يبرد قلبك ويقول لك (بالفعل نحن متضررين في العهدين) بل سيقول وبانفعال ( يا أخي يا ريت على أيام قبل أيام الخير ) ومهما حاولت أن تذم الوضع الحالي امامه لن يتقرب منك خطوة وينتقد النظام السابق ولو في جزئية واحدة .
أن هذا النموذج يحترم من يذله ويهينه فهو يشعر بحنين فضيع ( لأبن عم الريس) ولصيحاته المتكررة ( تعال يويل قشمر) هذا النموذج يحب جدا من يدوس على رأسه (بالبسطال العتيك) فهو كان يعيش في حالة اقتصادية يرثى لها وكان يسكن في دار مؤجر ويقف صاحب الدار فوق رأسه كل شهر كالنسر وهو يقف امامه كالنعجة ويطلب منه بتوسل أن يصبر كم يوم . وكانت اكلته الدسمة المفضلة هي ( روس ورجلين) والكثير من العراقيين يعرفون ما هي هذه الاكلة وهي عبارة عن رؤوس الدجاج وأرجلها تباع في سوق الدجاج بالكيلو وكان بعض الفقراء يعتبرونها بديل عن شراء الدجاج الذي لم يكن يستطيع شرائه الا أبناء الطبقة الغنية حينها . هو يحن لأيام الروس والرجلين ولا تروق له ايام القوزي والكنتاكي والعرايس . هو لا يريد شيء ولن يرضيه شيء سوى الخروج في الثانية ليلا لذلك مهما تحسن وضعه سيبقى يصرخ ( كنا نخرج في أيام الخير بالثانية ليلا). هو في الواقع يحن لأيام أذلاله وتحقيره . هو غير مقتنع براتب ثلاث ملايين في حين أنه في زمن صدام حسين كانت الخمسة الاف دينار تأتيه كمكرمة وكان ياخذها وهو الممتن . صدق المثل العراقي الذي قال ( البزون يحب خناكة) أنه الحنين للجلاد والحنين للوقوف بذل وخنوع أمام أبن عم الريس .
أذا كنت تعشق صدام حسين فعلا فعليك أولا ان تحترم رغباته فالرجل كان يمنحك راتب لا يتعدى العشرة الاف دينار فعليك ان تأخذها وتعيد البقية الى خزينة الدولة أحتراما لرغباته وعليك في نفس الوقت عدم مشاهدة الستلايت وأذا كنت تستخدمه فعلا فعليك أن تطبق على نفسك قانون صدام حسين وتحبس نفسك لمدة ستة أشهر فهذا هو قانون من تحبه وتعشقه وفي نفس الوقت عليك أن لا تستخدم الهاتف النقال فهو جهاز غير مسموح باستخدامه في عهد صدام حسين وحتى الانترنت كان ممنوع بشكل عام ومسموح على نطاق ضيق في عدد محدود من المقاهي التي تشرف عليها الدولة ولا يفتح الا بعض المواقع فقط . فأعلم أن استخدامك للنت في الثناء على صدام حسين ومدحه هو مخالفة لرغبات الرجل فهو لا يسمح لك أن تدخل لمواقع تنتقده حتى لو كانت رغبتك الانتصار له . أذا تمكنت من فعل ذلك فانت محب حقيقي لصدام حسين بل أنت صاحب مبدأ وتستحق الاحترام حينها .
هل هناك من يتمنى أمتلاك ادوات صدام حسين وحزب البعث؟
هل هناك من المسؤولين من يتمنى لو كانت لديه أدوات صدام حسين ليستخدمها شر أستخدام وليتخذ من صدام قدوة ؟؟؟ الجواب نعم بكل تأكيد هناك حتى من الناس العاديين من يتمنى لو كان محل صدام حسين ولديه أدواته ليبطش في الناس ... هل هناك أحزاب لو كانت تمتلك أدوات حزب البعث لأستعبدت الناس واعدمت نصف الشعب بحجة أنه بعثي؟؟؟ الجواب نعم ثم نعم ... هل هناك من المسؤولين من يتمنى أن يعبده الناس ويتخدونه ألها؟؟؟ الجواب نعم بكل تأكيد ... هل هناك من اقارب المسؤولين من يتمنى أن يتخذ من (أبن عم الريس) الذي كان يعز من يشاء ويذل من يشاء بغير حساب؟؟؟ الجواب نعم هكذا نماذج موجودين على ارض الواقع وهم يحاولون ذلك ويقومون ببعض التصرفات المعتوهة . لكن ادوات صدام حسين وشخصية (أبن عم الريس) لا يمكن أعادة رسمها بالكامل وبنفس الطريقة فالواقع مختلف الان فمع كل سلبياته ومشاكله لكن من الصعوبة بمكان على أي شخصية تجسيد دور صدام حسين ومن الصعوبة بمكان على اي حزب تجسيد دور حزب البعث مع وجود هكذا رغبات لدى البعض لكن القدرة غير موجودة لكثير من العوامل السياسية والاجتماعية كتعدد الجهات ذات النفوذ الاجتماعي أو السياسي أو كليهما .
أين نحن الان ؟
هل الوضع في العراق الان مثالي ؟؟؟ الجواب قطعا لا ... هل الوضع الامني مستقر وعلى افضل حال؟؟؟ الجواب قطعا لا ... هل المجتمع متمدن ونموذجي ويتقبل الاخر ويحترم خياراته وسلوكياته؟؟؟ الجواب قطعا لا ... هل الحكومة مثالية ؟؟؟ الجواب قطعا لا ... هل المؤسسات العراقية قمة في النزاهة والامانة وتعمل بكل حرفية وتحترم المواطن وتعمل لخدمته؟؟؟ الجواب قطعا لا ... هل حقوق الانسان محفوظة ومصانة؟؟؟ الجواب لا فهناك من يعتقدون انهم ممثلي الله في الأرض ويتصرفون من هذا المنطلق ... هل القانون فوق الجميع وينتصر لعامل النظافة على الوزير لو أثبت عامل النظافة أن الوزير أنتهك حقه؟؟؟ الجواب لا طبعا ... هل هناك طبقة كانت مسحوقة قبل 2003 ولا زالت مسحوقة وتعاني الامرين؟؟؟ نعم ثم نعم ثم نعم .
هل هناك أمل؟
هل هناك أمل؟؟؟ الجواب نعم هناك فسحة من الأمل وبصيص من الضوء وسط ركام التخلف الاجتماعي الذي ينتج مؤسسات متخلفة وعلى جميع المستويات . لأن هذه طبيعة الأشياء وكل مجتمع يخرج من نظام دكتاتوري الى اللانظام يبقى يتخبط لفترة طويلة نسبيا وما وصلنا أليه الان قياسا بشعوب أخرى سبقتنا يعتبر تطور نسبي ملفت للنظر .لكننا لا زلنا في أطار التخلف .
التعليقات (0)