أجرى الحوار: الصحفي بجريدة المنعطف عبد النبي المصلوحي
سؤال: آفاق المفاوضات الجارية بين المغرب والبوليساريو؟
جواب: لا يتوقع تحقيق حل للنزاع في الصحراء على الأمد القريب، لاعتبارات جيوسياسية منها، عدم انتهاء ثورات الربيع العربي بعد، أو بالأحرى عدم اكتمال التشكل الجديد لمعالم العلاقات الدولية والإقليمية. ولذلك فإن الحديث عن حل للنزاع في الصحراء عبر المفاوضات يبقى أمرا مستبعدا على الأقل في الوقت الراهن. ومن جهة أخرى فلأن أولويات جبهة البوليساريو اليوم، الذهاب إلى المفاوضات بدون هدف، ولذلك تتذرع بجعل القضية الحقوقية على رأس جدول أعمال المفاوضات وكذا قضية استغلال الثروات الطبيعية بالصحراء.
سؤال: يجمع مجمل المتتبعين أن البوليساريو بعد التحولات الإقليمية الأخيرة بدأت تفقد تأييدها القاري أو الدولي؟
جواب: لقد فقدت جبهة البوليساريو مصداقية أدائها الدبلوماسي للبوليساريو على المستوى الإقليمي والدولي، حتى أن دولا مغاربية طالبت للإسراع بحل النزاع في الصحراء. بل وارتفعت عدة أصوات من داخل الجبهة نفسها تدعو إلى الإسراع بحل النزاع في الصحراء والعيش في ظل نظام مدني وديموقراطي بعيد عن حالة اللا حرب واللا سلم.
وقد تعزز تراجع مصداقية البوليساريو على المستوى الدولي غداة انهيار مثلت دعمها الذهبي (الجزائر ونظام القذافي وجنوب إفريقيا)، بينما تعزز موقف المغرب دوليا، بعدما تخلص من مواقف جنوب إفريقيا في مجلس الأمن غداة شغله العضوية غير الدائمة لهذا الأخير للفترة 2012/2013.
كما سجل تراجع ملحوظ على مستوى خطابها الموجه للخارج، حين أعلنت تخليها عن الخيار العسكري وأسلوب المواجهة العسكرية للقوات الملكية المغربية بأسلوب الدبلوماسية السلمية القائمة على الورقة الحقوقية في المنتديات والملتقيات الدولية.
سؤال: لا شك انه بنهاية نظام القذافي، تكون البوليساريو قد فقدت احد أهم داعمها ماليا ودبلوماسيا؟
جواب: فعلا، لقد فقدت البوليساريو في انهيار نظام العقيد القدافي الكثير من الدعم المالي والدبلوماسي والعسكري، ولذلك فهي تعيش البوليساريو رفقة الجزائر أحلك أيامهما السياسية، وما تلا ذلك من تزايد التأييد الدولي للموقف المغربي، حيث نص التقرير الأخير للأمين العام حول الصحراء بدعوة الجزائر والبوليساريو إلى السماح للمفوضية الأممية لشؤون اللاجئين لإعادة سكان مخيمات تندوف، ودعوة ممثلين للصحراويين من خارج البوليساريو لحضور المفاوضات، إضافة إلى فقدان الكثير من المساعدات الغذائية الأوربية خاصة بعد اختطاف ثلاثة متطوعين من قلب مخيمات تندوف.
سؤال: لاحظ المتتبعون أن مؤتمر البوليساريو الأخير عرف تراجعا كبيرا على مستوى الوفود الرسمية التي حضرته....ما هي أسباب هذا التراجع في رأيكم؟
جواب: يتأكد عمليا، ومع مرور الوقت أن جبهة البوليساريو تفقد شرعيتها السياسية والنضالية، ولذلك يمكننا القول أنها تعيش خريفها عهدها السياسي والعسكري والدبلوماسي بعد مؤتمرها الثالث عشر. حيث تراجع حجم التأييد الدولي الرسمي الذي كانت تلقاه الجبهة خلال محطاتها السياسية السابقة.
ويعود ذلك إلى حدوت تطورها في المشهد السياسي الإفريقي، وذلك بأن عدة دولي إفريقي تعيش عهد التعددية السياسية ونبذ سياسة الحزب الوحيد المهيمن، وهذا التطور الديموقراطي كان في صالح الموقف المغربي، حيث تخلت العديد من الدول الإفريقية عن شعارات الحرب البارد كمفهوم تقرير المصير الذي لا تزال تتمسك به البوليساريو كأساس لحل النزاع في الصحراء.
وعليه، ففي الوقت الذي تطورت فيه المواقف السياسية للدول، أبقت البوليساريو على خطابها الراديكالي، واجترار ذات الخطاب رغم المتغيرات التي أحدثها الربيع العربي على الصعيد الإقليمي والدولي، فضلا عن تزايدت الشكوك بتعاطي أفراد البوليساريو لأنشطة إرهابية، ولاسيما بعدما تم اختطاف ثلاثة أوربيين من داخل مخيمات تندوف.
سؤال: ما هي قراءتكم للمشروع السياسي الذي تتبناه البوليساريو في ظل ما تعرفه مخيمات تيندوف من حراك في سياق الربيع العربي ..وفي ظل الغضب الدولي بسبب علاقاتها المشبوهة مع الجماعات الإرهابية التي تنشط بالمنطقة...؟
جواب: يستشعر الجميع، بأن مخيمات تندوف بات تعيق جهود محاربة الإرهاب الدولي في منطقة الساحل الإفريقي، لما يوفره هذا الفضاء من تغطية على أنشطة إرهابية وإرهابيين هاربين من العدالة. ولذلك ربطت عدة دول كبرى بين حل قضية الصحراء ومحاربة الإرهاب في منطقة الصحراء الإفريقية، وذلك بعد تواتر العديد من التحقيقات تشير إلى وجود اتصالات أعضاء من البوليساريو بأنشطة إرهابية في المنطقة.
ويجمع المغاربيون على أن محاربة الإرهاب قدر مشترك يفرض تنسيقا مشتركا لاجتثاثه من كافة المنابع ولا سيما من الصحراء الإفريقية الكبرى، وهو ما يفرض حل النزاع في الصحراء لمحاربة الإرهاب، حيث ترسخت كذلك القناعة الدولية بإمكانية تعاطي جبهة البوليساريو للإرهاب بعد أن سجل تطور في أنشطة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بالصحراء الإفريقية، وأسفرت عن ارتفاع عمليات الاختطاف، خاصة بعد اختطاف ثلاثة من عمال الإغاثة الإنسانية الغربيين من داخل قلب تندوف.
سؤال: ما هي السناريوهات المحتملة لنهاية النزاع حول الصحراء المغربية؟
جواب: يبدو واضحا أن السيناريوهات المستقبلية للنزاع حول الصحراء يمكن حصرها في خيارين، فإما قبول البوليساريو بمقترح الحكم الذاتي، وتحولها من تنظيم عسكري إلى حزب سياسي مدني جهوي.
وإما أن ترفض ذلك، لتواصل عرقلة أي تسوية سياسية للنزاع في الصحراء، وهو ما يجعل المجال أمامها واسعا للتعاطي للأعمال الإرهابية على طول شريط الساحل الإفريقي، بعد تراجع دعمها المالي وتراجع عائدات المساعدات الغذائية التي كانت تتاجر بها قيادات البوليساريو في السوق السوداء الجزائرية والموريتانية والمالية.
سؤال: إلى أي حد يمكن احتواء الصراع القائم حول الصحراء داخل مشروع الاتحاد المغاربي؟
جواب: أعتقد أن الإرادة السياسية والاستماع إلى نبض الشارع المغاربي، كفيل بتسريع بناء هياكل الاتحاد المغاربي وتحييد قضية الصحراء جانبا، ومن شأن ذلك أن يفتح أفاقا واعدة في التعاون والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بين الدول المغاربية.
ومعلوم أن هذه المزايا والنتائج قد تمنع منطق العودة إلى الوراء، وهو ما سيفرض بالضرورة إلى التسريع الإقليمي والدولي بحل النزاع في الصحراء. وهو ما يجعل خطاب البوليساريو متشائما من أي تحرك إقليمي من أجل تسريع بتحريك عجل الاتحاد المغاربي، لأنها ترى فيه بذرة نهاية أطروحتها لصالح مقاربة الحكم الذاتي.
سؤال: وضع المغرب الأقاليم الجنوبية في صدارة مشروع الجهوية..إلي أي حد يمكن أن تقفل هذه الخطوة باب المفاوضات مع البوليساريو؟
جواب: إن المفاوضات غير الرسمية لم تعد تشكل مدخلا حقيقيا لإحراز أي تقدم لحل النزاع في الصحراء، لعدة أسباب منها ترهل الموقف التفاوضي لجبهة البوليساريو وإرهاقها بتوصيتين حاسمتين في تقرير مجلس الأمن حول الصحراءـ منها إعادة إحصاء سكان المخيمات، ودعوة صحراويين من خارج الجبهة للمشاركة في المفاوضات غير الرسمية، وكل ذلك يجعل البوليساريو والجزائر أميل إلى سياسة الهروب إلى الأمام بدل الدخول في نقاش حقيقي لحل النزاع في الصحراء.
والحق أن المغرب ينتظر أن يجمع المنتظم الدولي على أن لا جدوى من استمرار المفاوضات حول الصحراء بصيغتها الراهنة، وهو ما يستدعي دخول الملف في نفق جديد من الانتظار وستفقد البوليساريو ما تبقى لها من مصداقية دبلوماسية، بينما يكون أمام المغرب الشروع في تطبيق الجهوية الموسعة في الأقاليم الجنوبية، كجزء من رؤية المغرب للحكم الذاتي.
سؤال: من المتوقع أن يعود المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، إلى أي حد يمكن أن يساعد هذا على تعليق عضوية البوليساريو بهذه المنظمة الإفريقية؟
جواب: بالفعل، لقد بدأت عدة أصوات مغاربية وإفريقية ترتفع من أجل عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، بعدما أن فقدت مصداقيتها في المحافل الدولية نتيجة تحكم التحالف الليبي والجزائري والجنوب إفريقي في سياستها الخارجية، ومنها الاستمرار في دعم نظام القذافي ضدا على إرادة الشعب الليبي، حتى بعد مصرعه بمدينة سرت الليبية.
ولهذه الأسباب وأخرى غدت هذه المنظمة مسيئة لعدة دول إفريقية، لا سيما بعد استمرار القبول بعضوية جمهورية وهمية لا تتوفر على شروط قيام الدولة، بل لا توجد حتى على الورق.
ويقابل هذا الاختلال تحقيق المغرب للكثير من التغلغل في العديد من الدول الإفريقية عبر اعتماد دبلوماسية اقتصادية نامية في العديد من الدول الإفريقية. وهو ما يجعل المراقبين يتوقعون عودة مرتقبة للمغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، وأن ذلك لا يعدو أن يكون مسألة وقت في انتظار إعادة ترتيب العلاقات الدولية والإقليمية في شكلها النهائي.
سؤال: إلى أي حد يمكن اعتبار انضمام المغرب إلى مجلس الأمن كعضو غير دائم إلى غاية 2013 عاملا مقويا لموقفه التفاوضي، و معززا لمساعيه لحشد المزيد من الدعم الدولي لفائدة رؤيته؟
جواب: بالطبع، يعد حصول المغرب على مقعد غير دائم في مجلس الأمن مساندة قوية لموقفه التفاوضي، ويكفي أن نتذكر القلق الكبير الذي كانت تختلقه له جنوب إفريقيا لما كانت تشغل هذا المقعد خلال السنوات الماضية. حتى أنها كادت أن تكلف المغرب تنازلات مؤلمة في سيادته على الأقاليم الجنوبية، وخاصة بعد "أزمة أميناتو حيدر" و"أحداث مخيم اكديم ايزيك"، حيث بادرت أوعزت الجزائر إلى جنوب إفريقيا بدعوة مجلس الأمن لعقد اجتماع طارئ لدراسة الوضع في مدينة العيون ولبحث إيفاد بعثة أممية لتقصي الحقائق هناك.
وعليه، فإنه أمام المغرب الكثير لاستثمار هذا المقعد في مزيد من شرح وإقناع دول أخرى بوجاهة مقترح الحكم الذاتي لحل النزاع في الصحراء، إضافة إلى مراقبة أي تقرير قد يسيء إلى موقفه في قضية الصحراء، وقد تتجلى أهمية ذلك مثلا على مستوى انطلاق صياغة الأمين العام بان كيمون لتقريره السنوي حول الصحراء منتصف شهر أبريل القادم.
سؤال: أي حد يمكن أن تؤثر التحولات الإقليمية و الدولية الجارية في علاقة الجزائر بالبوليساريو؟
جواب: إذا كان أمر تسجيل تطورات دالة في العلاقات بين الجزائر والبوليساريو جد مستبعدة على الأمد القريب، وذلك لطبيعة علاقة التبني الجزائري للبوليساريو. إلا أن استمرار جمود المواقف الجزائرية من المغرب وقضية الصحراء قد يكلفها الكثير من مصداقيتها الدبلوماسية على المستوى الدولي لصالح الموقف المغربي، المنسجم مع التوجهات الدولية الكبرى، ولا سيما حلفائه التاريخيين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وكذا الاتحاد الأوربي.
فضلا عن يزداد القلق الحقوقي الدولي من حجم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان داخل مخيمات وسجون البوليساريو المقامة فوق التراب الجزائري، وهو يجر على الجزائر المسؤولية القانونية والأخلاقية حيال الانتهاكات الحقوقية التي تقام فوق أراضيه.
سؤال: ما هو توقعكم لنتائج الجولة التاسعة التي ستعقد بعد أيام بالولايات المتحدة؟
جواب: من وجهة نظري، فإنني لا أتوقع تحقيق أي تقدم ملموس بعد الجولة غير الرسمية التاسعة من المفاوضات حول الصحراء. ذلك لأجواء اللا ثقة التي تختلقها البوليساريو قبيل انطلاق المفاوضات، وذلك في تناسب مع استراتيجية الإنهاك عبر الملف الحقوقي.
وتتوسل البوليساريو اليوم بتقديم مبالغ مهمة لتحفيز انفصالي الداخل على تقويض الاستقرار والأمن في الأقاليم الجنوبية، عبر يافظة النشاط الحقوقي، عسا أن تجعل المغرب يرتكب أخطاء على غرار "أزمة أميناتو حيدر" و"أحداث مخيم اكديم"، وهو ما تعول عليه البوليساريو لإعادة خلق حيوية في موقفها التفاوضي، ولأنها تراهن على ذلك للدفع بمجلس الأمن إلى القبول بمطالبها لتوسيع صلاحية المينورسو لتشمل الوضع الحقوقي في الأقاليم الجنوبية وما يترتب عن ذلك من مس برمزية السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية.
سؤال: صرحتم في وقت سابق لإحدى وسائل الإعلام أن البوليساريو تسعى إلى تأجيج الشارع المغربي بالجنوب...هل لديها الإمكانات اللوجيستيكية و المادية والبشرية لانجاز هذا العمل؟
جواب: إن قراءة في توصيات المؤتمر الأخير لجبهة البوليساريو يكشف عن وجود مخطط استراتيجي مكتمل المعالم التموينية اللوجستيكية والتأطيرية لإدارة الصراع داخل الأقاليم الجنوبية، وهو ما برز واضحا من خلال تسريب وثيقة رسمية صادر عن البوليساريو تقضي بتوزيع مبالغ مالية سخية على انفصالي الداخل لحفزهم على تحريك الشارع الصحراوي.
وإضافة إلى ذلك فإن الجبهة ظلت تستقبل وفودا من انفصالي الداخل، تعمل على تدريبهم في دورات تكوينية في مخيمات تندوف للرفع من فعاليتهم في تأطيرهم للتجمهرات الشعبية وخلق أجواء العصيان المدني على غرار ما قامت به من أعمال إجرامية في أحداث "مخيم اكديم ايزيك"، وتكوينهم على أساليب الترويج لهذه الاحتجاجات الشعبية والاقتصادية على أنها ذات مطالب سياسية، وافتعال صور لها.
إن الغاية من هذا المخطط هو تقوية الضغط على المغرب عبر الورقة الحقوقية بعدما فشلت البوليساريو في المجال الدبلوماسي الدولي بالرغم من المساندة الجزائرية لها.
حيث ترى البوليساريو أنه بإمكانها جذب الاهتمام الإعلامي الدولي واستثمار تعاطف الرأي العام الدولي مع الربيع العربي في المنطقة العربية والمغاربية، ولذلك تسعى جاهدة خلق توتر واحتقان داخل الأقاليم الجنوبية، عبر استنبات نموذج لعصيان مدني أو زعزعة الاستقرار والأمن في هذه الأقاليم، على اعتبار ذلك المدخل الاستراتجي لإضعاف موقف المغرب التفاوضي حول الصحراء.
التعليقات (0)