أكد الدكتور عبد الفتاح الفاتحي، الكاتب العام للجمعية المغربية لحماية اللغة العربية في تصريح لـ CNN بالعربية، أن اللهجة العامية، مجرد انحراف للغة العربية ولا تتوافر على معايير علمية نحوية أو صرفية حتى يمكن اعتمادها في حياتنا الثقافية والتواصلية العمومية."
وأضاف بأن العامية انبثقت في عصر الانحطاط العربي، وحافظت على بقائها في وقت عجزت فيه المؤسسات التعليمية في الوطن العربي وفي المغرب عن إصلاح أحوال التعليم والقضاء على الأمية، وبما أنها اليوم أصبحت واقعا أمام عاجز المؤسسات الرسمية عن حل مشكلة التنمية والأمية فإن التيار التغريبي يسعى جاهدا إلى جعلها خيارا ضروريا للمغرب.
وأضاف عبد الفتاح الفاتحي بأن أنصار الفصحى لا يدافعون عنها من منطلق ديني وثقافي ضيق، بل لأنها اللغة العملية الحاملة لثقافة علمية وفكرية ودينية لا يصح تبديدها.
وأكد معسكر العامية بالمغرب يتحامل على العربية لأنه يجهلها، إذ إن أفراده لا يتقنون غير العامية والفرنسية، كما أنه يركب واقع فشل المنظومة التعليمية والخلل الثقافي العام وعدم اضطلاع وسائل الإعلام بدورها مضيفا أن الأئمة في المساجد يتلون خطبهم بالفصحى، دون أن يؤثر ذلك على استيعاب المصلين من جميع فئات المجتمع المغربي، ولم يشك المصلون من عدم فهم خطبة الجمعة التي تلقى بالعربية الفصيحة.
وبرر عبد الفتاح الفاتحي قوة اللغة العربية التعبيرية في الحياة العامة بما يؤكده المتخصصون في اللسانيات من أن خيار العامية لا يستقيم علميا ونظريا، ويخلص إلى أن الفصحى هي اللغة العالمة التي ترتقي بالأفراد من الشعبوية إلى الوعي المعرفي الناضج.
ومعلوم أن الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية أخذت على عاتقها حماية اللغة العربية والدفاع عنها ضد التيار الفرنكفونية أو حزب فرنسا، وذلك من مبدأ أنها لغة المغاربة الدستورية والوطنية، وتتحرك على واجهات متعددة لإجهاض ما الحملة المسعورة التي تقودها الدوائر الفرانكوفونية المقربة من مراكز القرار السياسي بالمغرب ضد اللغة العربية.
ويحذر مراقبون من مغبة نشوب "فتنة لغوية" في المغرب في ظل احتدام الجدل بين أنصار تكريس مكانة اللغة العربية الفصحى كلغة وطنية والمطالبين باعتماد العامية المغربية كلغة بديلة في التعليم والتواصل العمومي.
واتخذ الجدل منحى تصعيديا في الآونة الأخيرة ليعكس في العمق استقطابا حادا بين النخبة الإسلامية والعروبية من جهة والنخبة العلمانية من جهة أخرى، بين تيار يعتبر العربية مرجعا للانتماء القومي والديني للمغاربة وآخر يحض على تجاوز لغة حاملة لقيم التخلف والقمع.
وقد لوحظ في السنوات الأخيرة اتساع نطاق استخدام العامية في وسائل الإعلام العمومية، وكذا المؤسسات الخاصة التي برزت في سياق تحرير القطاع السمعي البصري، حيث تراهن الإذاعات الناشئة على لغة قريبة من أوسع شرائح الجمهور. كما خرجت إلى الساحة صحف ومجلات اعتادت تصدير أغلفتها بعناوين من صلب العامية الشعبية.
ويقول عز الدين الهادف، سكرتير تحرير مجلة "نيشان"، التي تمزج بين الفصحى والدارجة وتدعو إلى إنهاء "التناقض اللغوي" بالمغرب، إنه لا بد من الاعتراف بوجود مشكلة لغوية بالبلد تعزى إلى الجمود الذي طبع تاريخ الفصحى في معجمها وقوالبها الكلاسيكية، والتعامل معها كمنتوج جاهز أبدي في حين أن الشعوب بحاجة إلى لغة متطورة.
وقال الهادف في تصريح لموقع CNN بالعربية إن الإصلاح اللغوي يفرض نفسه لحسم الازدواجية بين لغة الشارع التي نتواصل بها والفصحى التي يصدر بها المنتوج الثقافي مضيفا أن "الخيار يبقى بين تبني العامية أو اعتماد فصحى معدلة مخففة. ومادامت العامية المغربية تقصينا من عالم أوسع يتحدث العربية ويقبل عليها خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، فإنه من الأجدى الرهان على فصحى مخففة قابلة للتطور."
وأقر سكرتير تحرير المجلة، التي تعتبر منبرا للعلمانيين في المغرب، أن جل أنصار العامية من الفرانكوفونيين الذين تعلموا في مدارس البعثات الفرنسية (لأن لغتهم الأصلية لم تسعفهم لمسار تعليمي متقدم) لكن ذلك لا يسوغ تسفيه المطالبة بإعادة النظر في الوضع اللغوي من خلال دمغها بعلامة سهلة لإقصاء الآخر المزعج ووضعه في خانة ما يسمونه "حزب فرنسا بالمغرب."
التعليقات (0)