جزى الله خيرا من غضب هذه الغضبة التي غضبها لله سبحانه عندما تطاول كاتب على الذات الإلهية , وجزى الله هؤلاء المستشارين المتابعين لكل ما يُكتب في الصحف والمواقع السعودية ويسهرون على حراسة الدين والمحافظة على ثوابته الذين لم يسعهم السكوت على مثل هذه الكتابات دون رفعها إلى ولي الأمر .
فتذكر صحيفة سبق أن خادم الحرمين الشريفين أمر بإيقاف فوري للكاتب عبد العزيز بن علي السويد وإيقاف رئيس تحرير جريدة المدينة الدكتور فهد العقران والتحقيق معهما والمحاكمة في الجهات القضائية المختصة في وزارة الثقافة والإعلام ، بعد نشر مقال للكاتب في الجريدة ويتعدى فيه على الذات الإلهية بعنوان : (المفهوم المدني للألوهية)
ولم يستطع خادم الحرمين الشريفين أن يسكت على مثل هذه الكتابات التي تجاوز كل الخطوط الحمراء لأنها لا تقدح في بشر أو في كتاب فحسب بل تقدح في الذات العلية المقدسة التي لا يجوز أن يقبل مسلم - فضلا عن ولي لأمر - أن يسمح بمثلها ولابد وان ينكرها بكل ما في سعته من وسائل للإنكار .
طالما تشدقوا بكلمة " المدنية " البراقة التي تستهوي البسطاء وتطاولوا بها على المقدسات والثوابت من نصوص وقيم , وبمرور الوقت أصبحت لا معنى لها سوى طمس كل ما هو مقدس سماوي والقبول بالإنسان حاكما على كل شيئ وعلى أن يكون مركزا للكون ليدور كل شيئ في فلكه , وأصبحوا الآن يتجرؤون بها على الله - سبحانه - ليخضعوه لمفاهيمهم العقيمة المجرمة وليكتب كاتبهم اليوم مفهوما جديدا مدنيا لله سبحانه – حاش لله – وكأن المسلمين منذ آدم عليه السلام لم يعرفوا إلههم حتى يأتي أمثال هذا الكاتب ليقدموا مفهوما جديدا وعصريا له !!
فيقول هذا الكاتب في مقدمة مقاله " لابد من القطع مع الألوهية بمفهومها التقليدي الشعبي الخرافي, والأخذ بالألوهية بمفهومها المدني ( الكوني العلمي الإنساني ) " فيتحدث عن مفهوم الألوهية بما عرفه الأنبياء وأتباعهم وسلفنا الصالح بأنه " مفهوم تقليدي شعبي خرافي " ويدعو إلى ترك هذا المفهوم استعدادا لإبراز مفهومه الجديد عن الألوهية بمفهومها المدني والذي سيوضحه بعد قليل .
إنه يتجرأ على كل ما ورد وثبت من مفاهيم عن الألوهية التي وردت في القرآن الكريم والسنة الشريفة المطهرة وأقوال علماء الأمة ويلغيها ويهدرها تماما ويصفها بالمفاهيم الشعبية الخرافية !!
والوحي عنده ليس ما جاء في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة بل يقول " الوحي في آيات الله المنظورة في كتاب الكون , وفكّ الارتباط مع ثقافة النصوص المختلف حولها " إنه يدعو إلى فك ذلك الارتباط الوثيق الذي يرتبط به المسلم مع النصوص من القرآن والسنة ويدعو للتحلل من النصوص فيهما تركهما بالكلية ويدعو إلى اعتبار الوحي فقط هو ما جاء في كتاب الله الكوني في النواميس الكونية وهذا عين ما يدعو إليه عباد الطبيعة الذين يرونها - كذبا وضلالا - إلها خالقا .
ويدعي عدم كمالية النصوص الدينية أو تقديسها , أي بعدم قدسية ما جاء في الكتاب والسنة وعدم كمالها فيقول " أن تصورنا للروحاني لا يكافئ بالضرورة الديني، وحتى عندما يكافئه في سِجِلٍ معرفي محدد، فإنه لا يستأثر به ولا يحوله إلى كمالي أو معصوم مقدس " فتصوره الروحاني أعظم من أن يكافئ أو يناظر التصور الديني وحتى لو كافأه فلا يريد أن يجعل من الديني معصوما أو كاملا أو مقدسا وهذا التصور تصور غير المسلمين للإله والكون , فعندهم الإله يأكل ويشرب وينام ويلعب ويبكي وبالتالي فليست نصوصه مقدسة ولا كاملة ولا معصومة أما فهم هذا الأمة للإله ولأقواله ولأفعاله بأنها كاملة ومقدسة ومعصومة فهو العزيز الحكيم سبحانه
ثم بدأ في شرح تصوره المدني لإلهه الذي يعبده معلنا أنه جاءت اللحظة الفارقة التي يبشر بها هذا الدعي فيقول : " وأظنها لاحت لحظة الحقيقة لنميز ونفرق بين المفهوم والتصور الديني السجالي عن الله والمفهوم والتصور العلمي المنطقي عن الله " داعيا الناس للإيمان بهذا الإله الجديد - الذي لا نعرفه – بأوصاف جديدة يبشر بها الناس ثم يكذب ويدعي أن من سيخبر عن صفاته هو إلهنا الله العزيز الحكيم .
وأخبر عن إلهه أنه صنع الوجود وتركه يعمل دون تدخل منه – حاش لله – فقال كذبا وافتراء : " صنع الله الوجود ثم تركه يمضي ويعمل بقوانين وسنن ونواميس " نعم إن الذي صنع الوجود هو الله سبحانه , ولكنه ما تركه يعمل دون إرادة منه فهو المهيمن على كل شيئ المسيطر على مخلوقاته , إذا أراد أمرا فإنما يقول له كن فيكون , لا راد لأمره ولا معقب لحكمه , قيوم على مخلوقاته التي تأتمر بأمره فلا يجري في الكون شيئ إلا وفق إرادته ومشيئته , والأسباب وحدها لا توصل للنتائج إلا إذا أرادها الله سبحانه , فالأسباب التي خلقها لا تقيده , إن شاء أمضاها وان شاء منعها , فمن الذي منع النار أن تحرق ومنع السكين أن تذبح ؟ إنه الله الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم .
ثم يدعيأن العبد بيده وباختياراته وبتفضيلاته معايير الصواب والخطأ وليس للشرع والإله فيها حكم , فكل ما يختاره العبد هو العبادة !!! فيقول : " إن انحيازات الأفراد وتفضيلاتهم وإيماناتهم كلّها مشروعة ومتساوية في القيمة ، لا يحقّ لأحد أن يصنّفها في أحد بابي الصواب أو الخطأ، الخير أو الشرّ، الإيمان أو الكفر، الوطنية أو العمالة، فكل الخيارات الثقافية والإيمانية التي تسعى للوصول لقوانين النفس والمجتمع والآفاق في سبيل تحقيق ( سنن الله ) قوانينه في المجتمعات البشرية , هي تفضيلات المؤمنين العبادية " فهل هذا هو مفهوم العبادة للمسلم ؟!! فالإسلام هو الانقياد لله سبحانه وتعالى وطاعته فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر , فمعايير الصواب والخطأ والحلال والحرام والإيمان والكفر ليست معايير بشرية بل هي أوامر إلهية , وإذا أصبح الإنسان هو المشرع صار الإنسان إلها وليس عبدا , والمسلم عبد لله يأتمر بأمره وينتهي بنهيه , ويصل علم الحلال والحرام والإيمان والكفر للعبد من الكتب السماوية ومن أقوال وأفعال الأنبياء عليهم جميعا الصلاة والسلام لا من أهواء وتفضيلات البشر .
ويصطلح اصطلاحات خاصة ليعترض بها على الثوابت أيضا فيقول عن مصطلح يسميه بـ : " اللادحضية " والذي يعرفه بقوله (الزعم بأن قولا معينا غير قابل للدحض بتاتا) ويصطلح اصطلاحا آخر عن ما يسميه بـ "الروحانيّة الكونية الجديدة " والتي يخبر فيها أن التواصل فيها مع التعاليم الدينية مجرد تواصل اختياري لا جبري ولكل إنسان ما شاء من اختيارات للوصول لتلك الروحانية الكونية المزعومة فيقول : " التواصل انفتاح على الإلهي من غير جبر ولا إكراه، بل باختيار حرّ يمثّل المسؤولية الأخلاقية الفردية في أبهى تجلّياتها " والمسلم يؤمن بأن هناك أقوالا غير قابلة للدحض بتاتا وهي القرآن الكريم والسنة النبوية قطعية الثبوت , فلا يمكن لمسلم أن يعتقد أن فيهما حرفا واحدا يُشك فيه , ويؤمن بأن كل نصوصهم لا تقبل الطعن , ويؤمن المسلم أيضا بأن تواصله وانفتاحه على الأمر الإلهي ليس مجرد اختيار حر أو مسئولية أخلاقية بل هوا أكثر من ذلك إنه تعبد لله سبحانه الذي يأمرنا فنطيع , فنقول جميعا كما أمرنا الله " إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "
ثم العجب كل العجب أن يستدل الكاتب بأقوال غيره من البشر مع تركه وإهماله وعدم تقديسه لأقوال ربه سبحانه - كما قال سابقا – فاستدل بقول من سماه بـ " الأستاذ المنصف بن عبد الجليل فينقل من قوله " من إمكان للنّجاة بأخلاقيّة من خارج الرّموز الدّينية واستقامة الحقيقة خارج المؤسسة الدينية مما يدلّ على الوعي بتقدّم الإنسانيّة على الشّرع الديني " وكذب الكاتب وكذب من نقل عنه فلا نجاة في الدنيا ولا في الآخرة إلا باتباع الأوامر الإلهية والانتهاء عن النواهي وذلك من مصادرها الشرعية , ومن ظن أنه يمكنه النجاة بدون الاعتصام بحل الله والالتجاء إليه فهو من الأخسرين أعمالا " قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً " , وكذب من نقل عنه بقوله أن الإنسانية تقدمت على الشرع الديني فالله عز وجل هو الخالق العليم الذي أنزل شرعه ليحكم بين خلقه الذي يعلمهم ويعلم متقلبهم ومثواهم ويعلم تقدمهم ويأذن به " أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " ولا يمكن أن يقول مسلم أن الإنسانية تقدمت الشرع الديني ويتهم الله عز وجل في حكمته وعلمه – حاش لله - .
وقال هذا الدعي كاذبا " رسم التصور الديني التقليدي عن الله مفهوماً اقرب لبشرية الإله من كونه إلهاً مطلقا متعاليا فوق التصور البشري , فهم مثلاً يتصوّرون موجوداً ماديّاً يطلقون عليه اسم (الله) هذا التصور الناتج عن ظروف وتحولات التاريخ والجغرافيا وأزمات المقدس الديني " فالتصور الديني الذي سماه بالتقليدي هو عقيدة المسلم في ربه , والذي يؤمن فيها كل مسلم بأن الله عز وجل ليس له شبيه ولا نظير , وليس له والد ولا ولد , وليس له زوجة ولا ابن , وليس له من صفات البشر شيئا بل هو متعال متفرد عن خلقه , وكما قال ربنا سبحانه في كتابه عن نفسه " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "
ونفي أن يكون لله مشيئة تتصف بالصفات الإلهية العليا فقال " فالمشيئات المطلقة التي ننسبها ونبررها بالحكمة والابتلاء والكيد والإمهال والاستدراج لا تصح في جانب الله " تعالى الله عما يقوله هذا الكاتب وأمثاله علوا كبيرا , فهذا كذب وافتراء على الله سبحانه , فالمسلم يؤمن بأن مشيئة الله مطلقة وغالبة " وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " فالله يعطي ويمنع بحكمة باهرة , ويبتلي عباده ويختبرهم بالعطاء والمنع , ويكيد لأعدائه , ويمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته , ويستدرج العصاة ويمنحهم ليزدادوا من الله بعدا ومقتا , وكل ذلك من الصفات تصح في جانب الله لا كما يقول ذلك الدعي .
ويؤول لفظ "هو" في آيات المشيئة بالإنسان ويقول أنه ينقلها من بعض العلماء فيقول " قد يتم تأويل الآيات الواردة بشأن المشيئات بالعودة للضمير المحذوف هو : أي الإنسان , كما قال بذلك بعض العلماء "- فالثابت الذي عليه علماء التفسير من السلف والخلف وكل من قرأ القرآن العربي يفهم ويؤمن بأن لفظ هو في آيات المشيئة تنصرف إلى ذات الله سبحانه لا إلى الإنسان , لأن مشيئة الله هي الغالبة ولا يكون في ملك الله إلا ما أذن به الله وحده لا سواه , وما إرادة المخلوقين كلها تستطيع أن تحرك ساكنا أو تسكن متحركا إلا وفق ما يأذن به الله وحده , ولا ندري من يقصدهم بلفظ العلماء الذين قالوا بذلك إلا إذا كان علماؤه المقصودون هم علماء الفرق الضالة التي انحرفت عن المنهج الإلهي القويم .
هذا قليل من كثير مما جاء في هذا المقال الذي جاء الأمر الملكي بالقبض على كاتبه ورئيس تحرير الجريدة التي نشر فيها , وكل ما ورد فيه مخالفات صريحة لما عليه دين الأمة تحتاج من العلماء الأفاضل في المملكة وغيرها تبيان وجهة النظر الشرعية في هذه الكلمات وفي قائلها إن كان مؤمنا بها قاصدا لمعانيها مصرا عليها , فلست من أهل التخصص الشرعي الذين يستطيعون أن يحكموا على القول وقائله , وهذه منوطة بعلمائنا الأجلاء
التعليقات (0)