يمكن القول و بشكلٍ عام، بأنه ليس هناك قُراء لكاتبٍ معين، أياً كان أسمهُ و مهما كان مستواه، بل هناك قُراء لمقالٍ محدد بصرف النظر عن كاتبه، و بشكلٍ خاص فأن معظمنا و للأسف من القراء النهمين للمقال ـ الإشاعة، خاصةً إذا كان يتضمن نسبة عالية من الفضائح، حيث أنه يحتل بذلك مركز الصدارة من حيث نسبة القراءات، أما إذا كانت المعلومة التي يتضمنها تناسب أهوائنا، فترتفع عندئذٍ أسهم الكاتب، و يُصبح المفضل لدينا.
و هنا أشير إلى إن هذه المقدمة ليست إيحاءً بأن كل ما يثار عن سياسيينا، و منهم د. حكيم، سكرتير البارتي و موضوع هذا المقال، هو مجرد شائعات، و بالتالي هو محاولة للدفاع عنه، كما أنه بالمقابل ليس تأكيداً بأن كل ما يُقال صحيح، بل هو محاولة لتفسير بعض مواقفه من خلال إلقاء الضوء مجدداً على بعضها، منها المعروفة للجميع، و بعضها الآخر بالرجوع إلى مصادر قريبة منه، و أحياناً إليه شخصياً، و ذلك من باب كسر الجمود، أو محاولة عبور حقل الألغام الذي يفصل بين النخب، من باب أن يبدأ كل واحدٍ بتطهير الجهة التي يقف عليها.
ثمة سؤالٌ يثارُ عن د. حكيم، و لعل في الأسطر التالية بعضُ إجابة عليه، و هو فيما إذا كان سياسي قُدر له أن يكون طبيباً، أم أنه مُجرد طبيب يمارس السياسة، و بذلك أُرغم مثل الجميع، الذين هم من مشارب شتى و مستويات متفاوتة، على الدخول في هذا المعترك الصعب، و فيما إذا كان الناس لا زالوا ينظرون إليه كملاك في رداءٍ أبيض، أم يرون أن رداءه قد تلوث بأوحال السياسة، و إلى أي مدى أثر عمله على شخصيته كسياسي، بحيث أنه إنتقل إلى الحقل الجديد و نقل معه إليه كل إمتيازاته، و طباعه، بحيث أن الغموض لا زال يؤثر على خطوطه مما يحتاج إلى إخصائي لفهمها، و كذلك في إعتباره لنفسه صاحب الحق الوحيد في كتابة الوصفة التي على الآخرين الإلتزام بها، إذا رغبوا في الشفاء العاجل.
تقتضي قواعد الإنصاف، وقبل الدخول في تفاصيل ما يُقال اليوم، التذكير ببعض المحطات الرئيسية التي لا يختلف بشأنها كثيرون في مسيرة د.حكيم ، فقبل حوالي خمسة عشرة عاماً، و كان حينها عضواً في اللجنة المركزية للبارتي تعرض لمحاولة إغتيال كادت أن تودي بحياته، و ذلك بسبب آراءه التي كانت لا تروق للبعض، من منطلق رفض وجود رأي آخر مخالف، أو حتى رأي ثاني و إن لم يكن مخالفاً لهم، كان الإعتداء وحشياً، حيث تركه الجناة ملقىً على قارعة الطريق ينزف إلى أن تم إسعافه بعد مغادرتهم لمسرح الجريمة. بعدها بأعوام و عندما أصبح سكرتيراً للبارتي بعد مؤتمرٍ وضع شرعيته على المحك، و كاد أن يعصف بالبارتي، بسبب البديهية السياسية الكُردية التي تقول أن أي مؤتمر حزبي أو إنتخاب سكرتير جديد هو مناسبة ذهبية لإنشقاق جديد، بسبب كثرة المتنافسين الذين يرون في أنفسهم الأهلية لتنسم المنصب الأول، و لا شئ دونه. المحطة الأُخرى في حياته هي توجهه في نوفمبر 2009 مع مجموعة من رفاقه و زملائه من الأحزاب الأخرى إلى دمشق للتظاهر أمام مجلس الشعب إحتجاجاً على سلسلة طويلة من الإجراءات العنصرية ضد الكُرد في سوريا و بشكلٍ خاص المرسوم الجمهوري الخاص بمنع التصرف بالعقارات في المناطق الحدودية الذي أصاب الحياة فيها بالشلل، إن من لم يكن يعرف النظام السوري حينها و عرفه في هذه الأيام فقط، يستطيع أن يدرك تماماً ماذا كان يعني التظاهر ضده في عقر داره، و ماذا كان يمكن أن تكون التكلفة، لكن التظاهرة إنتهت كما أصبح معروفاً قبل أن تبدأ و ذلك بإعتقال المتظاهرين في شوارع دمشق أثناء توجههم إلى هدفهم، ثم تم تجميع المتظاهرين في أحد مراكز الإعتقال، حيث ألقى أحد الشبيحة على مسامعهم محاضرة في حب الوطن، ليطلق سراحهم في اليوم التالي و تبدأ بعدها معاناتهم مع حزمة من المضايقات الأمنية التي كان أهونها حظر السفر. و كانت تلك الأيام إحدى المناسبات النادرة التي سمعته خلالها و هو يوجه نداء إستغاثة للكُرد المهاجرين، داعياً أياهم أن يساعد كلٌ أهله، و حسب مقدرته، لتثبيتهم في أراضيهم، و إفشال مخطط إفراغ الجزيرة من إبنائها الذي زاد من وطأته الجفاف، قائلاً: الوضع الإقتصادي يقتلنا.
قبل عدة أشهر، قام وفد من الأمانة العامة للمجلس الوطني السوري بزيارة إلى إقليم كُردستان، قيل بأن الزيارة كانت ناجحة و كان هناك إعداد لإطلاق قناة فضائية و إذاعة لكُرد سوريا، لكن الذي غطى على هذه الأخبار هو نبأ تلقي كل واحد من أعضاء الوفد لمبلغ 10 آلاف دولار من سلطات الأقليم، كان الخبر ككُرة الثلج يكبر على مدار الساعة، لكنه بالنسبة للدكتور حكيم أخذ أبعاداً أخرى، آخرها ما خرج به موقعٌ ألكتروني، لم أعرفه و لم أطلع على ما نشره، لكني قرأت المقال الذي كتبه أحد الأصدقاء بناءً على ما ورد فيه، قيل بأن الموقع قد ذكر بأن د. حكيم صرح له بأنه: (يستحق المبلغ، و بأن عيادته التي أُضطر لإغلاقها بسبب سفراته كانت ستجلب له أكثر من ذلك فيما لو بقيت مفتوحة)، و لست بوارد تقييم هذا الحديث، لكني أورد بالمقابل ما قاله د. حكيم حرفياً خلال سؤاله عن الموضوع، تاركاً الحكم للقارئ الكريم، و خاصة ممن يعرف الرجل عن قرب، فهو يقول بأن ما ورد على لسانه كان على الشكل التالي: (نحن لا يهمنا المال، و هو آخر شئ نفكر فيه، و لا نبحثُ عنه إطلاقاً، و لو كنتُ بحثتُ عنه لما أغلقتُ عيادتي، و لكني عندما أحتاج إليه فسوف أطلبه من الإقليم دون تردد).
أما عن مسألة تهديد أحد رفاقه لأحد الكُتاب الذي كان قد أبدى رأيه في مؤتمر هولير بما يشبه خروجاً عن النص و مخالفةً للسيناريو الذي يبدو أن الأغلبية إلتزمت به، فقد إعتذر د. حكيم بداعي أن الإعتذار واجب في هذه الحالة، و نقطة إنتهى. كم كان جميلاً لو تمت العملية بكل شفافية، بحيث يطلع الجمهور على التحقيقات فيما إذا كانت قد تمت و ما إذا كانت هناك لجنة تحقيق بشأنها، بحيث كان يمكن القول عندها بأن البارتي حزب مؤسسات. الإعتذار كان بادرة جيدة و تركت إرتياحاً، لكن السرعة التي تم بها ترك إشارات إستفهام عن الآلية التي أوصلت إليه. و لا بد من الإشارة هنا إلى أن د. حكيم كثيراً ما يُحَمَّل وزر أعمال و تصرفات رفاقه، و كأن بعضهم يتقصد إحراجه. نقطة أخرى وردت في بيان الإعتذار تقول: (نحن حزب ديمقراطي و نؤمن بالديمقراطية.. و نحن على استعداد، و نحن إذ نحترم أراء و أفكار الجميع، لنشر أرائهم و أفكارهم في أدبياتنا..)، و هنا أتقدم بشهادة تؤكد العبارة الأخيرة، و بأن موقع البارتي نشر لي مقالاتٍ كثيرة ليست مخالفة لوجهات نظر الحزب فحسب بل كان فيه بعض القسوة أيضاً، مثل ذلك المقال الذي تناولت فيه مؤتمر هولير بمنتهى الصفاقة، بمنتهى الصراحة، لكن بحثهم عن الرأي الآخر جعلهم ينشرون مثل هذه المقالات دون أن أكون قد أرسلتها لهم، و دون أن يشيروا كذلك إلى مصدرها، و هذه مسألةٌ أُخرى..
واقعة أخيرة أتناولها تجنباً للإطالة، و هي إلقاء القبض على بعض النشطاء الكُرد بعد عودتهم من إقليم كُردستان حيث كانوا قد حضروا هناك مؤتمر هولير، قيل بأن د. حكيم قد إتهم جهة سياسية كُردية بالوقوف وراء العملية، و قد نفت تلك الجهة ذلك، كما نفت ما يُقال بأن عناصرها يقومون بمهام حراسة الحدود، بدوره نفى سكرتير البارتي أن يكون قد أدلى بأن تصريح لأي جهة إعلامية بهذا الخصوص، و أُذكر بأنه كان قد نفى بأن يكون قد أدلى بحديث لصحيفة تركية قبل أسابيع قليلة أيضاً، في حين أن الصحيفة قد نقلت عنه تصريحات تخالف السياق السياسي للأحداث على الأرض. أما كل ما توفر بخصوص حادثة النشطاء الكُرد فهو أن الدليل الذي رافقهم من أجل العبور من إقليم كُردستان نحو سوريا هو من إتصل مع ممثل البارتي في الإقليم و ذكر بأن الذي إعتقلهم هم مجموعة يتكلم أعضاءها اللغة الكُردية، و هم يقتادونهم إلى جهةٍ مجهولة.
يرى سكرتير البارتي أن الشائعات التي يطلقها البعض ضده باتت معروفة الهدف، فهي تأتي حسب رأيه لأن حزبه يلعب دوراً محورياً في النضال الوطني الديمقراطي على الساحتين الوطنية و القومية، و لأن حزبه فتح آفاقاً واسعة لدى بعض الدول العظمى في إشارة منه ربما إلى زيارته الأخيرة إلى أوربا حيث كان له برنامج حافل، قال فيه لوحده كل شئ في وقتٍ قياسي، و كان هذا بدوره محلاً لإنتقادات أُخرى، و كذلك لأقاويل، و هو يرى بأنه سيظل محل تجريح و تشهير من قبل خصوم حزبه و من قبل أعداء الشعب الكُردي.
لكن هل سيبقى الأمر في إطار التجريح اللفظي و التشهير، أم أنه سيشهد تصعيداً خطيراً تكون عملية إختطاف أو إعتقال الناشطين الكُرد أحد أشكالها أو ربما عنوانها الرئيسي، فهاهو الإعتصام الذي كان مقرراً تنفيذه في مدن و بلدات المنطقة الكُردية لأجل إطلاق سراح هؤلاء الناشطين، و الذين أثير حول إختفائهم كما ذكرتا أقاويل كثيرة و من ثم تهديدات، ها هو يشهد تصعيداً خطيراً، لا بل رسالة دموية قد لا تحمد عقباها، من خلال محاولة إغتيال أحد رفاق الدكتور، أم أن الأمر لا يتعلق بتصعيد، بل يتعلق برمته بنجاح النظام في توتير المنطقة بما يكفي، من خلال وضع الكُرد في مواجهة بعضهم البعض، من خلال إستعمال أساليب قديمة، و هو يقطف الآن ثمار نجاحه، ليس أكثر.
التعليقات (0)