نموت نموت ويحيا الوطن ... هكذا علمونا حين كنا صغار ... أنا جندي عربي بندقيني في يدي ... اول نشيد تعلمناه في حياتنا ... وهذا ما طبقه نسبة كبيرة من ابناء جيلنا حين كبروا وبكل سعادة تبعوا كل من هتف بنداء الموت لأجل الوطن وتمزقت أشلائهم أربا أربا ومن دفعوهم للموت بقوا أحياء لانهم العقول المدبرة التي يجب ان لا تموت... لماذا لم يسألوا أنفسهم ان من يدفعوهم الى الموت لأجل الأرض لا يخاطرون بحياتهم ودائما يمارسون دور البطولة على شاشات التلفاز ؟؟؟ ولماذا يركضون بدون تفكير خلف كل شعار براق ينادي بحب الوطن والدفاع عنه ؟؟؟ لأننا جيل تربى على تقديس الوطن ولم نتربى على تقديس المواطن ... أننا نقدس كل من ينادي بحب الوطن ونصرة الدين ولا نقدس الحياة ولا نعرف قيمتها...
لانهم يعشقون أدوار البطولة ويجدون في حمل السلاح رومانسية كبيرة تشبع عقدة النقص والرغبة في الانتقام المكبوتة فيهم ... أنه الشعور بالدونية والحقارة الذي خلفه مجتمع لا يعرف سوى لغة العنف والقسوة والتحقير مع الصغار في اتفه الامور ... كل ما فعله فيهم المجتمع من تحقير واذلال وتسفيه في الصغر قاموا بتخزينه في عقلهم الباطن وأنفجر في وجه المجتمع وأرتد عليه في أول فرصة عند الكبر... في اول ظهور لاول مخبول يطالب بالموت لاجل الوطن لبوا النداء بلا تردد ... وأستفرغوا وجبة الطعام الفاسدة التي قام المجتمع بمليء بطونهم بها ... استفرغوها في وجوه من أطعموهم هذا الطعام الفاسد في وجه من علمهم الموت لاجل الوطن ولم يعلمهم كيفية بنائه وكيفية الحياة على ارضه . كان لهم في الة الحرب العسكرية التي بناها النظام السابق خير وسيلة للتعبير عن مكبوتات العنف فيهم فكانوا خير وسيلة لقمع المجتمع لكن حين سقط النظام السابق بحثوا عن تسلية أخرى يجلدون فيها ذاتهم ومجتمعهم ويغذون فيها شعورهم بالنقص الذي خلفه تحقير المجتمع لهم ... ووجدوا ظالتهم .
يسمى الوطن بهذا الاسم لاننا نستوطنه وفي حال عدم وجودنا فلا يختلف شيء عن أي خربة مهجورة لا قيمة لها ... الوطن الجريح ... تتكرر كثيرا هذه الجملة ويستعملها الكثير من تجار الدماء لكسب مشاعر الناس ... لكن في حياتي لم أجد أرض تنزف دم ... ولم أجد أرض لديها أحاسيس ومشاعر ... ولم أجد ارض تجيب حين يكتب أحدهم فيها شعرا ... ولم اجد ارض تتألم نفسيا حين يسبها أحدهم ... ولم أجد أرض تصاب بمرض القلب أو تصاب بالجلطة ... الانسان هو من تتمزق أشلائه وهو من تقطع أوصاله وهو من يصاب بمرض القلب وهو من ينزف دما وهو من يركض الى الموت لاجل الارض ... ماذا عن الارض ؟؟؟... يا له من مقلب ثقيل الدم ... تبين أن الأرض لم تكن تسمعنا حين كنا ننادي باننا مستعدين للموت لاجلها ولم تعلم أننا فعلنا ذلك أصلا ولم تعلم أننا قتلنا أخوتنا ومثلنا بجثثهم لاجلها ... ولم تعلم أننا قبلنا ان يقودنا اشخاص مخبولين الى الموت وهم مختبئين ويتاجرون بدمائنا ماديا ومعنويا ... حتى انها لا تشعر أن جثثنا دفنت تحت ترابها ... لا تشعر بالاطراء حين نمجدها ليل نهار ... ولا تشعر بالرضى حين نمتدح دجلة والفرات ... ليس لديها عقل واعي ولا عقل باطن ... أنه مقلب ساخر ... أكبر مقلب حين نكتشف اننا نموت لاجل شيء ميت اصلا ... أكبر مقلب حين نكتشف أن الارض الميتة تحيا بوجودنا لكننا فضلنا الموت معها على أن نعمرها ونعيش فيها ... أكبر مقلب هو أننسبة كبيرة لا زالت تعتقد انها يجب أن تموت تموت ويحيا الوطن .
الأنسان هو الوطن وبدونه لا يوجد وطن ولا هم يحزنون ... الانسان هو المقدس ويجب ان لا نشرك بحبه شيئا ... أرض الوطن تكون مقدسة حين يكون الانسان مقدس ولوجدوده عليها قيمة ... حين يخرج أحدهم من بيته وهو يعلق علم العراق في سيارته وكتب على زجاجها الخلفي عبارة ( ألك الله يا عراق ) لكن حين يصل الى الدائرة التي يعمل فيها يحرص على أحتقار المراجعين وعرقلة معاملاتهم ... هذا في الواقع يعبد صنم أسمه الوطن ويكفر بمقدس اسمه أحترام الاخر ... حين تجد أن أحدهم ينزعج وترتفع غيرته حين يجد سياسي عربي يتطاول على العراق ولا يهتم حين يقوم أحدهم بسلب ارادة انسان أمامه فتأكد انه يعبد صنم اسمه الوطن ولا يعرف شيء عن المواطنة ...
الوطن هو الأنسان ... الانسان وحده قادر على بث الحياة في هذه الارض ووحده قادر على أشعار الاخرين أن هذه الارض تسمع وتستحق الثناء حين يحترم الحياة ويحترم الاخر ... الأنسان وحده قادر على رفع شان الارض وجعلها كيان عظيم وعاقل حين يعيش الحياة ويحترم كل لحظة فيها ... حين يحترم مشاعر الاخرين ولا يحقرهم ... حين يقوم بعمله على أكمل وجه ... حين تكون علاقته مع الله مبنية على اساس احترام خلوقاته وعدم تعطيل مصالحهم واعمالهم ... أما حين تكون علاقته مع الله مبنية على التملق والتزلف فلا يوجد وطن ولا يوجد مواطن ... حين يكون نسبة كبيرة من الموظفين ( يشوفون الناس ذبان خشمهم و يحتقروهم ويعطلون مصالحهم ) لكن حين يحين وقت الصلاة يحرصون على قفل مكاتبهم بوجه الناس وفتح الباب على مصراعيه مع الله والسجود له بكل خضوع ... تأكد أن هؤلاء يحاولون كسب ود الله من خلال تملقه لانه يتخيلوه يشبه حكامهم لذلك يستخدمون معه سياسة ( اللواكة) ... هذه الفئة من الناس لا تبني وطن ولا تحترم مواطن ... من يحترم مخلوقات الله فقط لديه قدرة على بناء وطن محترم أما من يهين مخلوقات الله ويتملقه فهذه سياسته في الحياة ( أحترام القوة واحتقار الأخلاق )... الوطن مسكين ليس له ذنب في كل ما يجري فهو لا يعدو كونه أرض غير عاقلة وجدت لخدمة الانسان .. فيه ولدنا وعليه نشانا ولنا فيه ذكريات لها قيمة كبيرة في نفوسنا ... على ارضه تعرفنا على اصدقاء لم ولن ننساهم ... وعلى ارضه كبرنا ... ونكن له عواطف جياشة لكن لا يجب ان نموت لاجله بل يجب ان نعيش على ارضه ونبث فيه الحياة ... بوجودنا عليه سمي وطن وبدوننا لا يسمى وطن ولن يتعدى كونه مجرد أرض .
التعليقات (0)