عام 2025 فك الشفرة القرآنية
بدايتا لا بد من التنبيه إلى إن مراجع ومصادر هذا المقال كانت طويلة وكثيرة ومتشعبة مما يصعب علينا ذكرها جميعآ.....ونقدم أعتذارنا لكل من أقتبسنا منه ولم نذكر أسمة أو اسم كتابة أو مقالة.
وثانيا ما دعاني لعرض هذا المقال هو قراءاتي المتعددة لإشكاليات فهم النص القرآني والذي يعتبر
إحد المعضلات الأكثر تحدياً للذوات العارفة الفاعلة على صعيد الوعي الديني هي النزول من عالم النص إلى العالم الواقعي والتوفيق بينهما، وبقول آخر، التوفيق بين المحتوى المطلق والثابت للنص الديني وبين حركة الواقع النسبية
و إن البرهنة على قدُسية شكل النصّ من خلال ما يعبر فيه من مفردات ومقولات و عناصر صياغة واستخدام مفاهيم متداولة وطرق وأساليب دارجة في البيان من أمثله وقصص دون الغور في غايته البلاغية يؤدي إلى القفز على حيّز الزمان والمكان وبالتالي الشطط والزيغ وترويج الأساطير والخرافات والتجهيل والتخلف عن العصر.
وعادة ما كان التاريخ يُفسّر، ونقصد هنا التاريخ العربيّ أو الإسلاميّ، انطلاقاً من النصّ القرآنيّ، لكن من الضروري أن يُفسّر القرآن انطلاقاً من التاريخ، من أجل فهمٍ أفضل للتاريخ وللنصّ معاً. لهذا كان من الضروريّ دراسة الإسلام في سياقه التاريخيّ، وفهمه في سياق التطوّر التاريخيّ ذاته.
التعبير والفهم هو ابن زمانه ومكانه حتما
يقول الاستاذ خالص جلبي
قانون التاريخ يقول: إن الشيء الذي يسلم به كثير من الناس يسهل قبوله، ليس لأنه صواب، بل لأن التسليم به لا يحدث معارضة وحرجاً. ولكن الأمر الذي ينكره الناس وخاصة انه حين يتم الإجماع على إنكاره يفقد الإنسان القدرة على إدراكه، وعندما جاء النبي بالصدق قالوا عنه كذاب أشر سيعلمون غداً من الكذاب الأشر؟ إن معرفة التاريخ تظهر كيف مر البشر بمثل هذه المنعطفات فكانوا يرفضون أموراً ثم يقرون بها، وكانوا يقبلون أموراً أخرى ثم يتركونها. ورؤية نماذج من هذا النوع تجعل الإنسان يتشكك في الأشياء التي نسلم بها أنها ليست خالدة أبدية، والله وحده هو الأبدي السرمدي ليس كمثله شيء، ولكن المخلوقات متغيرة. ولو تيسر للإنسان أن يراقب وضع الكرة الأرضية فكرياً ونشوء الحياة فيها وأنواع الحيوانات التي عاشت فيها وكيف أن الحياة كلها بدأت ذات يوم في الماء ثم صارت اليابسة ثم وجد الإنسان، فقد يطرح السؤال نفسه: لماذا لا يخطر في بالنا أن هذا الخلق لا يزال مستمراً؟ لماذا لا يخطر في بالنا أن الخلق لم يتوقف ولا يزال يخلق ويزداد في الخلق وأن هناك نِشأة أخرى؟ ويزيد في الخلق ما يشاء، ان الميزة الكبرى للإنسان أنه يستفيد من التاريخ. ومعرفة كيف بدأ الخلق هي التي تدل على استمرار الخلق والزيادة فيه. ونحن البشر لم ندرك تاريخ الأرض إلا منذ مائتي عام. فما هي المائتا عام بالنسبة لملايين السنوات التي عاشتها الأرض وليست فيها كائنات عاقلة. إن التاريخ سيضطر المسلمين لأن يغيروا فهمهم للقرآن. وعند هذه النقطة فإن المسلمين يقفون من التاريخ موقفاً سلبياً ولا يعترفون بالتاريخ العام وإنما بتاريخهم فقط، بينما لا يأخذ تاريخهم حجمه الحقيقي سلبا وإيجابا إلا إذا نظر إليه من خلال التاريخ العام. حدثني صديق لي أن بعض الناس تشككوا في وصول الناس إلى القمر عندما أعلن ذلك، فاجتمعوا ليتخذوا قرارا في هذا. وأثناء بحثهم قال أحدهم: إذا تبين فعلاً أنهم وصلوا إلى القمر فماذا سنقول؟ قالوا: سنقول ان فهمنا للقرآن كان خاطئاً؟
اذ لا بد ان ياتي وفق مستوى تطور الناس انذاك ،لذلك لا تصلح أدبيات التفاسير الموروثة التي نشأ عليها الأقدمون من أجيال عديدة والتي مَزجت الأساطير والخرافات والتراث بالواقع
ونحن اليوم محاصرون من جهتين، بين المخابرات والمتشددين، الجهة الأولى طاغوت سياسي يغتال الحريات بالكرباج والجندرما والمخابرات، والثانية جِبْتٌ يغتال العقول بالوهم الديني. وقد جاءت النبوّات ضد الجبت والطاغوت لتحرير الإنسان.
و انطلاقاً من ذلك يقول الباحث السيد خالص جلبي في مقالة التالي:
يقوم الألمان هذه الأيام بمشروع قد يستغرق حتى عام 2025 ميلادي، كان أولى بالمسلمين أن يفعلوه، وهو الجينوم القرآني، وهذا المصطلح ابتكرته أنا لطرافة العمل؛ فهم يطلقون عليهم المشروع الأعظم أو الماموت (Mammoth-Project) نسبة لأعظم الكائنات على وجه الأرض، من الفيلة المنقرضة ذات الأنياب المعقوفة الطويلة..
اخل أكاديمية برلين- براندنبرج للعلوم والإنسانيات في ألمانيا يعمل عدد من الباحثين في مجال العلوم الإسلامية على مشروع كبير يحمل عنوان "CorpusCoranicum" وهو اسم لاتيني معناه "الجسم القرآني". ويهدف المشروع البحثي إلى اكتشاف وجمع النصوص القرآنية التاريخية القديمة لربط تلك النصوص بالسياق التاريخي والثقافي الذي نزلت فيه. حول هذا المشروع التقى "إسلام أون لاين" في برلين مع اثنين من الباحثين فيه، وهما مديرة المشروع البروفيسور الألمانية أنجيلكا نيوفيرث المتخصصة في الدراسات العربية والدراسات القرآنية بجامعة برلين الحرة، والباحث الألماني ميشيل ماركس المتخصص في الدراسات العربية بجامعة برلين الحرة ومدير فريق البحث بالمشروع.
أكدت مديرة المشروع أنجيلكا نيوفيرث أن المشروع بدأ الإعداد له منذ سنوات طويلة، ولكن بدأ تنفيذه بالفعل في عام 2007 بتمويل 2 مليون يورو من أكاديمية برلين-براندنبورج للعلوم والإنسانيات في ألمانيا، والتي أنشئت عام 1700 وتعد من أشهر الأكاديميات العلمية في ألمانيا وأوروبا، حيث تضم مجموعة من أكبر الباحثين وتمول بواسطة الحكومة الفيدرالية في ولايتي برلين وبراندنبرج.
هذا المشروع رصد له ملايين اليورو من العملة الصعبة القوية، ويشرف عليه فريقان، يقوم الأول بخلق بنك للمعلومات (Data-Bank)، تصب في قناته كل مايتعلق بالقرآن كدراسة تشريحية، أي المعلومات والمعلومات فقط، من تفاسير القرآن ونسخ قديمة وجديدة، وعلوم القرآن وأسباب النزول ومحكمه من التأويل، وناسخه من منسوخه، وقراءته العشر والمكي من المدني، في تحري دقيق على الطريقة الألمانية المعهودة..
أما الفريق الثاني فيقوم بما يشبه علم الفسيولوجيا في الطب، أي اكتشاف وظائف وعلاقات البنى التشريحية، وهذا يعني أنه سيدرسون القرآن بطريقتهم الخاصة، فلن يبدأوا مثلا من عند سورة البقرة بل ربما من سورة العلق، حيث بدأت رحلة القرآن من الناحية الكرونولوجية..
هذا المشروع الذي يتوقع له أن يدوم أكثر من عشر سنوات، سيخرج كما فعل المستشرقون مع الأحاديث وتدوينها، ولكن المهمة هنا ستكون من جهة أسهل لنسخة القرآن الموحدة، وأصعب من ناحية تفكيك معانيه ومراميه..
والذي دفع لهذا المشروع هو فهم الآيات التي تتحدث عن السلم وتلك التي تتحدث عن القتال فكيف يمكن جمع كل ذلك في نسق متناسق موحد؟
وأنا شخصيا فكرت وما زلت في وضع تفسير تفسير جديد للقرآن، يعتمد الخرائط والصور التوضيحية والرسومات المبينة وعلوم الانيميشين (الكرتون) فضلا عن الخرائط العسكرية وعلم الجيوبوليتيك وعلم الأديان المقارن والتاريخ وفلسفته..
باختصار حشد ورصد كم متقدم هائل من العلوم الإنسانية المساعدة، للاقتراب من رموز القرآن العظيمة، ومقاصده عبر التاريخ في فلسفة فهم الإنسان وتطويره وصيانته وبنائه حضاريا..
هذا المشروع أتمنى أن يتبناه رجال عظام طموحين مقتدرين ماليا، وهو الذي حدثته هشام علي حافظ فطواه الموت.. ثم فاتحت به ذلك الناجح العبقري ناصر المطوع فأصغى بخشوع، وسوف تبقى مهمتي بقية حياتي حتى يتوفاني الله وقد أنجزت المشروع، فهو مشروع العمر وهدية التاريخ وأعظم حسنة وأروع صدقة وأجل خدمة تقدم للمسلمين هذه الأيام، وأتمنى أن ينشرح صدر رجل من رجال الأعمال الطموحين لهذا المشروع فيضرب ضربته التاريخية فيكتب في الخالدين..
هل للقرآن منطق خاص؟
هذا السؤال اشتغل عليه الكثيرون وأنا شخصيا قرأت الكثير من هذه المشاريع.
لقد حاول شحرور مثلا في دراسته للقرآن، أن يكتشف منطق القرآن الخاص، فاعتمد الأدوات اللغوية، وساعده في هذا (دك الباب) أستاذ اللغة، فحاول اللعب بالعديد من المفاهيم، وجر عليه الكثير من الصداع، حين صدم الكثير من المسلمات عند جمهور المسلمين في قضايا ثياب المرأة وشقوق الجسم، ولكن اللغة كما يقول فيتجنشتاين الفيلسوف النمساوي لعبة؟
وهكذا فعل محمد عنبر أيضا في كتابه جدلية الحرف؛ فزعم أن سر المفاهيم هي في الحرف، ووضع يده على أن (الشدّة) في الكلمة مثل برّ وربّ وجرّ ورجّ وزجّ وجزّ،هي تكرار لحرف واحد في الوسط، بحيث ينقلب المعنى تماما من الأول للأخير وبالعكس.
وذهب جودت سعيد في تفسيره إلى علاقة النص بالواقع، أن البشر يختلفون في الكلمات، ولكنهم لايختلفون في الكلمة الأساسية التي هي الطبيعة، وهو ينقل في هذا عن إقبال أن مصادر المعرفة هي ليست النصوص بل الطبيعة والتاريخ.
أما جماعة التفسير الرقمي؛ فقد حولوا القرآن إلى كتاب رياضيات، وقالوا أيضا أن رقم 19 هو سر القرآن، كما ذهب شحرور في كتاباته أيضا، أن الأحرف التي تبدأ بها بعض السور يساوي مجموعها (ربما 13) اللغة الكونية التي سينطق بها الكائنات السماوية إن وجدت وتفاهمت..
وهناك جماعة السبعة المثاني أيضا، أن كل ما في الكون خلفه سر الرقم سبعة؛ بدء من سبعة دوائر الكترونية تطوق البروتون، إلى سبع مرات في الطواف، وسبع طبقات للأرض وطبقات السماء وهكذا..
أما جماعة الإعجاز العلمي، فقالوا أن كل آية فيها إعجاز علمي، وحاولوا تصيد بعض الآيات، مثل نقص الأكسجين في الارتفاعات، مثل آية (يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء)، ولكنهم مضوا من الآيات التي يمكن أن يشم الواحد فيها بعضا من الإثارة، إلى آيات بعيدة عن الإعجاز العلمي مسافة سنة ضوئية، ولكن الخيال عنده قدرة أن يمشي أسرع من الضوء؟
وفي يوم قرآت لكاتب سوادني من جماعة المعهد العالمي للفكر الإسلامي كتابة من هذا النوع قرأتها بدقة وتمعن ولكن لم أعثر فيها على ضالتي.
والآن إلى مزيد من تعميق المعاني السابقة
الفلسفة الوضعية المنطقية: اللغة لا تزيد عن لعبة
مدارس الفلسفة بقدر مناهج البحث ومدارك العقول؛ فمن غاص عثر على درر، ومن سبح وصل لشواطئ من الغربة فريدة، ومن غامر صاد من غابة العالم الوفير، ومن الفلسفات ما دشنها رجال بصمت مثل راسل والفارابي، وسبينوزا وابن سينا، وشوبنهاور والخيام، وديكارت والغزالي، وهيوم وابن رشد، وكانط والقصيمي، وهيجل والبدوي، وبيثاغوراس وجودت سعيد، والبليهي وفتجنشتاين النمساوي، الذي حاول الإمساك بمفتاح كل فلسفة أي اللغة، وهي التي راهن عليها شحرور في محاولته وضع مدخل للتأويل؛ فلعب بقيثارة اللغة؛ فتاه في بيداء الوهم والغلط؛ فاللغة لا تزيد عن لعبة، هكذا يقول فيلسوف الوضعية المنطقية النمساوي فيتجنشتاين (Wittgenstein).
وفي الواقع فليس هناك من رجل اختلف حوله الناس مثل هذا الفيلسوف، وهو مجهول في الثقافة العربية، ولا يتداول اسمه إلا النخبة من المتبحرين، وبقدر ما كان عبقريا في تأسيس فلسفة جديدة بقدر هدمه لنفس الفلسفة التي بدأها، وكان ذلك من خلال عملين ظهر الأول في رسالته التي أخرجها وهو في المعتقل تحت عنوان (رسالة منطقية فلسفية)، وختم حياته بنقد ذاتي قاسي، تراجع فيها عن الفلسفة الوضعية المنطقية التي أسسها بعنوان (بحوث فلسفية)، وكتابين مشتقين من لونين (الأزرق) و(البني)؟
ولا أعرف حقيقة سبب التسمية.
عاش الرجل 62 سنة ومات بالسرطان بعد أن تفرغ للبحث عام 1947م على أمل أن يصقل نظريته الجديدة، ويهدم ما بدأ به حياته من أفكار، ولكن السرطان لم يمهله فقضى عليه عام 1951م.
ولم ينتج في حياته إلا هذا الكتاب اليتيم، ولكن أعماله النقدية الأخرى ظهرت بعد وفاته، وهو ينقض نفسه بنفسه، وهو ما يذكر بقول نيتشه:
“أصل نفسك حربا لا هوادة فيها ولا تهتم بالخسائر والأرباح، فهذا من شأن الحقيقة لا من شأنك أنت. وإذا أردت الراحة فاعتقد وإن أردت أن تكون من حواريي الحقيقة فاسأل“
والفرق بين الفلسفة والعلم والدين:
أن الدين مريح بأجوبته القاطعة والنهائية.
أما العلم فيجيب عن كيف؟
وتبقى الفلسفة مزعجة، لأنها كما تعلمنا من سقراط أنها تعرفنا أننا لا نعرف دوماً، وأن الإجابة على كل سؤال يفتح الطريق لسؤالين جديدين.
وقد يتقاطع كل من الدين والعلم والفلسفة عند نقطة، ولكن مثل تقاطع المستقيمات في الرياضيات. فلكل محور عمله.
وما بقي للتداول هو كتابه الأول الذي صدر في المعتقل الإيطالي عام 1919م وعمره 30 سنة.
وتشبه تجربته من جانب تجربة أبو حامد الغزالي، حيث مسح الفكر المعاصر ليصل في نهاية الرحلة الروحية إلى أرض التصوف.
وفي كتابه (رسالة منطقية فلسفية) تناول نظرية المعرفة، ومبادئ الفيزياء، ومشكلات علم الأخلاق، ليروي تجربته الصوفية وهو في ساحات القتال على الجبهة النمساوية الإيطالية، حيث اشترك كجندي في المدفعية، ثم وقع في الأسر في جبهة التيرول عام 1918م، حتى خشي الفيلسوف البريطاني (برتراند راسل) المعجب فيه أنه قد مات.
وعمل الرجلان فترة سوية، ولكن البحث الذي ظهر للنور والذي نشر في حوليات الفلسفة هز الأوساط الفلسفية وما زال حتى اليوم، على الرغم من نبذ صاحبه الفلسفة وراء ظهره.
فمن يريد أن يتابع الفيلسوف عليه أن يطلق الفلسفة، لأنها تضعنا أمام الأشياء في حملة ألغاز، وعلينا أن نعود إلى اللغة البسيطة لفهم الأشياء عند استعمالها، وليس بما نضيف عليها من معاني.
ويعتبر (فيتجنشتاين) إنسان عملي، فقد امتهن عشرات الوظائف بين هندسة الطيران، وعلم الرياضيات، والعمل الجامعي، والفلسفة، وكان يوما جنديا محاربا وأسيرا في المعتقل، واشتغل حينا في وظيفة مدرس صارم، وأخرى كبستاني في دير، أو مهندس معماري، أو ممرض وباحث في المعمل، ولم يكن يهمه أن يترك منصب أستاذ الجامعة ليشتغل بوابا أو ممرضا في مشفى.
ومن وجهة نظره فإن القضية المحورية ومشكلة المشاكل هي علاقة اللغة بالعالم، واستخدم لها مثل طنين الذبابة في الزجاجة، أي تلك التي تخرج الذبابة من حيرتها عبر عنق الزجاجة إلى الفضاء الفسيح.
واعتبر الفيلسوف (مور) أن رسالته كانت ومضة من العبقرية.
أما راسل فاعتبر عمله مغامرة عقلية كبرى مدعاة للإثارة، ولكنه للقارئ العادي مجموعة من الألغاز، فقد كتب بطريقة مكثفة جدا.
وتأثر فتجنشتاين جداً بآراء تولستوي؛ فقام بتوزيع ثروته الطائلة التي ورثها على أصدقائه وأقربائه، وارتاح من عناء الثروة، فهي بنظره عبء على الفيلسوف، وأن من يعمل بالفكر عليه أن يتخفف من هموم الدنيا.
وهي وصية صعبة جدا؛ فقد جاء غني إلى المسيح فسأله كيف يدخل الفردوس؟ قال: تخلص من مالك واتبعني!! فانصرف الرجل وفي عينيه الحزن؛ فالتفت المسيح إلى الحواريين وقال: الحق أقول لكم إن دخول غني إلى ملكوت السموات أصعب من دخول حبل السفينة الغليظ في ثقب الإبرة.
وفي وقت سافر فيتجنشتاين إلى روسيا، فحاولوا إقناعه بالبقاء هناك فرفض، ثم ذهب إلى النرويج فبنى كوخا بنفسه وبقي فيه لمدة عام في التأمل.
وأعظم ما في فلسفة فيتجنشتاين تفكيكه لعمل اللغة، وأن اللغة في أحسن أحوالها تصور الواقع، ولكن ليس من واقعة مرتبطة بأخرى بأي وسيلة من الوسائل، وهذا يعني أن اللغة وهم، ولعل أفضل ما فيها أنها قناة تواصل ولكن من خلال الاستعمال؛ فالكلمة لا تحمل المعنى بل نحن من يشحنها بالمعنى، وليس كما فعل شحرور من استخراج أرانب الكلمات البيضاء من قبعات سيرك اللغة، بحيث يمكن أن تقود أي كلمة لأي معنى، فقط بشيء من مهارة اللعب بالألفاظ؟!!
وأفضل مبدأ هو (التحقق) من الكلمات، وهو ببساطة الرجوع إلى الواقع.
وهي قصة جودت سعيد عن خلية النحل، ووضع العلامات على ما فيها من علل، فإذا اختلف الأمر على المربي نزع كل العلامات ورجع للواقع فهو الدليل..
وهو الكتاب الذي لا يقبل التزوير والتبديل والإحالة والتدويل والإعاقة والكذب..
وظن أنه حل طرفا من عويص المشاكل الفلسفية، وأراد بناء لغة تبلغ من الدقة، أن تضع كل شيء في نصابه تماما، ولكن بين هذا الفهم والعلم أيضا بحور ومحيطات.. فالواقع أعقد بكثير مما نتصور، والله يفتح للبعض ثقوب دودية لعبور الفضاء اللامتناهي، الذي نسأل الرحمن أن يفيض علينا بشيء من بركاته وفتوحاته كما فتح لابن العربي روزنة صغيرة في الحب الإلهي..
ولكن الرجل أي فتجنشتاين يقول إن اللغة لا تزيد عن لعبة؟
ومنه اعتبر الرجل مؤسساً للفلسفة الوضعية المنطقية.
اللغة والواقع (أم المشكلات الإنسانية)
لمدة عشرة أيام كانت الصحفية البريطانية (ايفون رايدلي Yvonne Ridley) رهينة في يد الطالبان بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، وفي اليوم السادس دخل عليها أحد ملالي الطالبان وسألها إن كانت تريد اعتناق الإسلام فتملكها الرعب؛ فهي أن رفضت خافت على نفسها من القتل، وإن تظاهرت بالإسلام لبست مسوح النفاق وخانت ضميرها. قالت له: أعدك صادقة أنني سوف أقرأ القرآن عندما تطلقون سراحي. وبعد إطلاق سراحها وفت بما التزمت به وأصيبت بالدهشة وهي تكتشف عالم القرآن.
قالت لمجلة أجرت معها المقابلة أنها اكتشفت حقوق المرأة في الطلاق في القرآن، بما تعجز عنه هوليوود في أحسن أفلامها رواجا، لأقوى محاميها براعة، أن يدافع عن المرأة كما فعل القرآن.
قالت: لم أكن لأصدق أن هذه نصوص قديمة، وكان أشد ألمها لرجال الدين المسيحي عند حصار كنيسة المهد على يد الجيش الصهيوني، أنهم لم يحركوا ساكناً، ولم يستنكروا بكلمة؛ فغسلت يديها منهم والكنيسة، مع أنها سيدة بروتستانتية متدينة.
وفي النهاية عندما سألتها المجلة بسؤال لا يخلو من الخبث: ولكنك اعتنقت الإسلام فأين دور المرأة في الإسلام؟
قالت اطمئنوا فهناك في بريطانيا من الحركات النسائية الإسلامية ما تبهت أمامها حركات تحرر المرأة الأوربية، ونحن ندعم بعضنا على نحو مؤثر. ولكن الشيء الذي أندم عليه أنني عندما كنت في قبضة الطالبان لم أكن أعرف الإسلام إذاً لقمت بتنوير هؤلاء الخاطفين.
إن المشكلة ليست في القرآن ولكن في أفراد صادروا فهمه.
إن من يؤمن من أهل الكتاب يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة.
ولكن السؤال المزلزل لماذا اختلف إيمان البريطانية (ايفين راديلي) عن إسلام الطالبان؟
ولماذا فهم كل فريق عن القرآن غير الذي فهم الآخر؟
لماذا رأت (برايدلي) الصحفية قرآناً يدافع عن المرأة ووأد الطالبان المرأة في الحياة؟ ولماذا تعددت النسخ القرآنية؟
إن الجواب هو في جدلية (الفهم والنص)، و(الفهم) هو (الأداة) التي ندخل بها إلى (النص)، ويمكن أن نأتي البيوت من ظهورها كما فعل الطالبان. و(فهم النصوص) متعلق بمشكلة (اللغة) وهنا نقتحم بحر طام من علم الألسنيات وجدلية (النص ـ التاريخ ـ الفكر).
وهذا أمر ينبغي أن يبحث ليس كشيء خارق غيبي، وإنما كشيء تقع جزئياته تحت ملاحظاتنا.
ومن هنا كان إلحاح القرآن على الرجوع إلى (الواقع) وطلب الفهم منه بدون ملل. وما ألحّ عليه القرآن فرّغه المسلمون من المعنى، وأخذوا ينظرون بريبة إلى الواقع الذي هو رصيد الكتاب.
وهذه (الظاهرة) من دلالة (الكلمة) ودلالة (الواقع) والعلاقة بينهما لا نقدر على تحليلها، فنحن نظن أن (الكلمة) أدل على (الواقع) من أي شيء آخر، ونعتبر أن هذا الأمر بديهية، ولكنه لا يزيد عن وهم شبيه بالوهم الذي وقع الناس فيه قديماً في إدراك حركة الشمس، وكان يومها يكلف الناس حياتهم.
إن جيوردانو برونو دفع حياته على النار ذات الوقود لمفهوم من هذا النوع، وهو يفتح عيوننا على حقيقة خطيرة أن العودة للنصوص لا تحل إشكالية هذه (الظاهرة) إن لم تزدها تعقيدا، وأن حلها بأداة اللغة يشبه دخول أليس لبلاد العجائب.
ولو اقتصر الناس على فهم هذه (الحقيقة) من الكلام أو اللغة أو من النص لاستمر نزاع الناس واقتتالهم لأن النص قابل للتأويل.
ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد.
وقصة حركة الشمس ليست الوحيدة، ومنها مثلاً قصة خلق الإنسان هل خلق دفعة واحدة كما جاء في العهد القديم أو أنه خلق أطواراً؟
وهو ما لا يفهمه المسلمون من نظرية التطور، ويظنون أنها كفراً بالله وإنكاراً للخالق، وهي ليست هذا ولا ذاك ولا علاقة للتطور بإيمان وكفر، وهي لا تزيد عن تصور الإرادة الإلهية خلقت ما خلقت، دفعةً واحدة أو أطوارا ما لكم لا ترجون لله وقارا؟
وكما نرى فنحن الذين نخترع المعنى، ونحن الذين نصنع العلاقة بين الكلمة والمعنى، مع العلم أن هذا الذي صنعناه ونستمر في صناعته قد لا يزيد عن وهم وخيال.
والتصور المفصول عن الواقع يمكن أن يطير ويغوص ويحلق، بينما الواقع لا قدرة له على الطيران، بل هو ملتزم ومقيد بالواقع ويمشي ببطء، ولكن هذا المشي البطيء يقطع في النهاية مسافة، أما الخيال فهو يطير ولكنه لا يقطع مسافة أي مسافة ويبقى في مكانه.
وينبغي أن نكثر من تأمل هذه الفكرة أو هذه الأوهام التي عندنا استعداد أن نموت من أجلها وأن نميت الآخرين أيضاً من أجلها.
وفي الحياة يمكن أن تصادفنا مثل هذه الأوهام التي توهم الصدق مثل ظاهرة الشمس و دورانها حولنا.
والنموذج على ذلك هو استيلاء الوهم على الناس بأن الناس مجبرين على طاعة الديكتاتوريين وعدم قول الحق أمامهم ظناً منهم أن قول الحق يفضي إلى الهلاك وهو (وهم صادق) مثل وهم حركة الشمس، بينما هناك شيء حقيقي ينظر إليه أنه وهم وهو محاولة مواجهة الطغيان بكلمة الحق، وأنها وسيلة أكثر فعالية للقضاء على الطاغية أكثر من قتله، وننسى أن ردم المستنقع يقضي على كل البعوض.
بكلمة أخرى ليس هناك من طريق للخروج من الفهم الخاطيء إلى الصواب إلا بالرجوع إلى تأمل الظاهرة والنظر في عواقبها، فإذا جعلنا النظر إلى الوقائع والظواهر وعواقبها مستبعدا؛ً فلا يمكن الحل بواسطة الصور الذهنية، لأن الصور الذهنية المنفصلة عن الواقع يمكن أن تكون أوهاماً لذا لابد من العودة للواقع.
وهو أي الواقع أدل على نفسه من الصورة التي نتخيلها نحن، وأدل على نفسه أيضاً من الكلمة التي نطلقها على صورنا الذهنية.
وهذه الحقيقة المستبعدة هي أم المشكلات الإنسانية.
قصة النحل والنحَّال؟
ويمكن ذكر ظاهرة يمارسها (النحّال) وتحصل يومياً أو فصلياً وذلك حين يكشف خلايا النحل فيجد ملاحظات عليها، ويضع مثلاً حجرا صغيرا على الخلية الضعيفة؛ فيصير الحجر رمزاً على معنى معين، فإذا رأينا حجراً على خلية نعرف بمصطلحنا الذي ولده تصورنا عن الخلية أثناء وضع الحجر.
ولكن يحدث في مرحلة ثانية عند الكشف عن الخلايا أن نضع حجراً أكبر على الخلية القوية وليست الضعيفة، لأنها تحتاج مثلا إلى إضافة إطارات جديدة للشغل؛ فنعرف أن الخلية التي عليها حجر كبير تحتاج إلى إطارات جديدة.
وأحياناً نضع حجرا مختلفاً على الخلية المريضة لنعرف أنها بحاجة لمعالجة.
ومرة رابعة قد نضع الحجر في وسط الخلية ليدل على المرض، وأحياناً نضع الحجر في الأمام ليدل على الضعف، وأحيانا نضع الحجر في المؤخرة ليدل على القوة.
وفي يوم نرى حجراً فلا نعرف على أي شيء يدل هل هو دلالة على الضعف أم القوة أم المرض أم على نوع النحل؟ كأن نعد خلية للإكثار من نوعها؛ فتختلط علينا الأمور؛ فلا نعرف على أي شيء وضعنا الحجر وعلى ماذا يدل؟
وأمام هذا الاضطراب فإن الشيء الذي نفعله بعد قليل من التفكير هو إلغاء (دلالة) الحجر والعودة إلى التعامل مع الخلية من جديد، أي العودة إلى (الواقع).
وهذه الظاهرة الطبيعية تساعدنا على فهم المشكلة العويصة، وهي أن الحجر الذي وضعناه لم يتحول إلى (مصدر المعرفة) وإنما هو (رمز) قابل لأن يعطي (معان) كثيرة.
وكلما أردنا الخروج من الحيرة عدنا إلى الواقع للتعامل معه برموز جديدة. ولكن (الرموز) ليست هي المرجع الحقيقي بل هي مرجع ثانوي عارض لفهم الحقيقة والتعامل معها.
سنن الله والرموز والواقع
هذه النقطة الجلية والخفية معا هي التي تحدث المشكلات والأزمات في العالم الإسلامي والعالم الإنساني، والله تعامل معنا بالرموز والحقائق وقال لنا بأن نرجع دائماً إلى الواقع وننظر فيه، وأن الرموز إن هي إلا مساعدات مرحلية مؤقتة يمكن أن تختلف بحسب الزمان والمكان، ولكن سننه الواقعية لن تتغير، وكلما رجعنا إليها نجدها ثابتة…
ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا..
إلا أن الرموز يمكن أن تتبدل وتتحول ولا تزيد عن أسماء سميناها نحن وآباءنا ما أنزل الله بها من سلطان، والسلطان هو في السنة الثابتة.
قانون من الذرة للمجرة
ويمكن أن نقول أن الرمز شيء مساعد للفهم وقتي، ولكن الواقع هو المرجع والأساس. وهذا القانون يشمل الذرة إلى المجرة، ومن هنا لما بدأ الاهتمام بالوقائع والتفاهم مع الله بواسطة سننه توقفت النبوة، لأن النبوة مرحلية وانتهت، والنبي الأخير ص وخاتمهم أصر على النظر في الكون والاعتبار بسنن الماضين وأن التاريخ و الطبيعة مصادر للمعرفة، وأن التعامل مع الله وفق سننه لا يتغير مع أهوائنا..
ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن.
وانتبه (محمد إقبال) في كتابه (تجديد التفكير الديني) إلى فكرة (ختم النبوة) ولماذا ختمت ولم يعد يأتي نبي ولا كتاب، فقال بأن الكتاب دل على الطريق الذي لا ينتهي، وبذلك دلنا على الكلام الذي ليس هو حروف وكلمات بل وقائع ملموسة وحقائق لا تهتز أو تتغير قال إقبال:”إن النبوة لتبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوة نفسها. وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمدا إلى الأبد على مقود يقاد منه وأن الإنسان لكي يحصل كمال معرفته بنفسه ينبغي أن يترك ليعتمد في النهاية على وسائله هو. إن إبطال الإسلام للرهبنة ووراثة الملك ومناشدة القرآن للعقل والتجربة على الدوام وإصراره على أن النظر في الكون والوقوف على أخبار الأولين من مصادر المعرفة الإنسانية، كل ذلك صور مختلفة لفكرة انتهاء النبوة“.
مشاريع جديدة للقرآن
وفي الواقع لابد من الانطلاق بمشروع جديد لمنطق القرآن، وقد حدثني جودت سعيد في يوم عن مشروعه حول (أجنة قرآنية) و(آيات مفتاحية) مثل آية سورة العنكبوت عن السير في الأرض والخلق، أو الآية من سورة البقرة عن قرار خلق آدم وتخوف الملائكة من هذا الكائن المفسد وكيف كان جواب الرب أنه يعلم ما لايعلم الآخرون.
ومشروعه هذا يشبه اللوغارتم في الحساب، بحيث يمكن الدخول على العديد من الآيات بهذه الطريقة.
وفي يوم كنت في دار الفكر في دمشق فوقع تحت يدي كتاب عرضه عدنان سالم صاحب الدار عن كتاب يجمع مواضيع القرآن سوية، ولكن كيف ترتب ومن الذي يعطي الأولوية؟
ولعل كتب التفسير القديمة بتنوعها حاولت أن تحوم وبمناهج مختلفة شق الطريق إلى فهم منطق القرآن، ولكنه مثل من يحاول خرق لغات العالم أجمعين وهو طالب حضانة..
وكتب التفسير القديمة هي كما حدثني (رشيد بن عيسى) الجزائري يوما أنها إضاءات للعصر، بمعنى أن كل مفسر أسقط مافي ذهنه من عصره على الآيات، وهذا يعني ان من يريد فهم مراد القرآن واستيعاب منطقه الداخلي، وهو يراجع تفسير ابن كثير مثلا الذي يطبع ويعاد طباعته بدون ملل، يشبه جراح من أيام الفراعنة يريد معالجة استئصال ورم في الحفرة الخلفية من الدماغ..
ويمكن القول بدون تردد أن هناك من الطبقات التي دفنت معاني القرآن من تراكمات المفاهيم، ما يجب العودة للنص القرآني المرة بعد المرة للتجلي والبيان، ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر.
ومن أعجب ما قرأت رجل دين دمنهوري مسل وقع كتابه تحت يدي في فرنسا، ذهب إلى أن القرآن ليس فيه من الإعجاز والبلاغة شيء قط، وكل ما قيل في هذا الموضوع خيالات، ويجب أن نحترم نحن بدورنا خيالات الناس..
والمهم فهذا الموضوع يؤرقني من زمن بعيد حتى تبلور في ذهني شيء ، ولكنني عرفت ان الألمان سبقوني إليه، فكما فعل العلماء بفك الجينوم البشري في لوس آلاموس، كذلك يعكف حاليا فريقين من العلماء الألمان على فك الجينوم القرآني.
جينوم الخلية والجينوم القرآني
كان الجينوم البشري لفك الكود الوراثي الراقد كاللوح المحفوظ في بطن كل نواة خلية، كذلك الجينوم القرآني راقد لوحا محفوظا في نصوص تتلى للضمير إلى قيام الساعة.
يتمتع الجينوم البشري بثبات مذهل خلاف الميتوكوندريا في السيتوبلاسما، كذلك النص القرآني يتعالى على قول البشر بنظم خاص فليس هو بشعر ولا نثر بل قرآنا عربيا غير ذي عوج.
يحوي الجينوم البشري العضوي ثلاث مليارات حمض نووي مترابطة على شكل جسر ملفوف صعودا، ويتكون الكود القرآني من 114 سورة و6236 آية و 77436 كلمة و 340740 حرفا، في 18 جزء مكي و12 جزء مدني، نزل دفعة واحدة إلى السماء الدنيا ، ثم نزل على مكث تنزيلا، ونفهم ذلك الآن حين نرى أقراص الليزر ونقل المعلومات عبر القارات بكبسة زر.
وكما فتح مشروع الجينوم البشري الطريق إلى فهم الإنسان، كذلك فإن مشروعا من هذا القبيل ينتظره العالم الإسلامي كوصفة خلاص نفسية ـ اجتماعية للجنس البشري.
ومشروع الجينوم القرآني يبدأ حاليا من أرض الجرمان بمشروع سموه (مشروع الماموت Mammutproject) نسبة للفيل العملاق المنقرض، بدأته عالمة ألمانية مستشرقة هي (انجيليكا نويفيرت Angelika Neuwirth) بميزانية مليوني يورو ولفترة سوف تمتد ثماني عشرة سنة.
سوف يقوم الفريق الأول بوضع (بنك معلومات Databank) لكل ما يتعلق بالقرآن، والثانية في تحليل العمل الأول، ما يشبه دراسة التشريح والفيزيولوجيا في الطب، وما يلحقه مع علم النسج والتشريح المرضي، في محاولة فهم الجو الديني والحقبة التاريخية التي عاصرت انبعاث الإسلام، في محاولة إعادة تصنيعها للاقتراب من فهم أفضل للنص القرآني.
وأنا شخصيا كنت قد عرضت على الناشر في المؤسسة السعودية للأبحاث والنشر أن نقوم بوضع لوغارتم قرآني، على شكل آيات مفتاحية، وأجنة قرآنية، كما أشرت إلى ذلك، لتسهيل فهم القرآن على المسلم وغير المسلم المعاصر، فتحمس رحمه الله (هشام حافظ) للمشروع ثم جاء من أفسد الفكرة وطمس النور؟!
ومازال في نفسي هذا المشروع، وأنا أرى غيري من الألمان من يسبقوني إلى مشروع عملاق من هذا النوع، الذي نحن بأمس الحاجة إليه. هذه المرة سيؤدى بالدقة الألمانية المعهودة.
والفريق الأول الذي سيعني ببناء بنك للمعلومات القرآنية سوف يحشد ويجمع كل ما يتعلق بالقرآن، مثل النسخة التي عثروا عليها في اليمن في السبعينات (1973م)، وكانت غير منقطة وبدون تشكيل؛ فمثلا المستشرق (جيرد روديجر بوين Gerd-Ruediger Puin) يريد من خلال النسخة اليمينة إعادة كتابة الفترة الأولى من تاريخ الإسلام؟
وتقول مجلة المرآة الألمانية في عددها الأخير من عام 2007م والتي جاءت معنونة عن القرآن (الكتاب الأعظم أثرا في حياة الناس Das maechtigste Buch der Welt) وتقول كيف يمكن فهم الآيات التي تدعو للتسامح وتلك التي تدعو للقتال، وهل يمكن ان يظهر (تأويل) جديد للايات؟ وأن يحدث إصلاح ديني كما تم في أوربا بنهوض البروتستانت من رماد الكاثوليك والحروب الدينية.
إن توينبي درس التاريخ بطريقة الرجعى، ليكتشف أن عصر التنوير سبقه الإصلاح الديني، ومالم نفتح الإفواه في نقد الفكر الديني، ونطلق قيود العقل والنقاش، فسعينا ضلال وطريقنا باطل ومستقبلنا كئيب؟
ونحن اليوم محاصرون مثل موسى بالبحر من جهتين؛ فكان كل فرق كالطود العظيم، بين السياسيين والمتشددين، الأول طاغوت سياسي يغتال الحريات بالإكراه، والثاني جبت يغتال العقول بالوهم الديني.
والنبوات جاءت ضد الجبت والطاغوت لتحرير الإنسان.
مصطلح الجسم القرآني عند المستشرقة نيوفيرت
والسيدة نويفيرت (64 عاما) عاشت في الشرق فترة ويساعدها اثنان من الباحثين هما (نيكولاي سيناي Nicolai Sinai) و(ميشيل ماركس Michael Marx) هي التي ابتدعت هذا المصطلح (الجسم القرآني Corpus Coranicum) ودعت إلى دراسة متأنية لفهم المسلمين على نحو جدي.
وتقول السيدة أن القرآن سوف يوضع تحت المجهر كلمة كلمة، وسوف يدرس كرونولوجياً، ودراسة السور ستكون مثل البناء الميكروسكوبي (microstructural). فالقرآن لم تنزل فيه أطول سورة ابتداء، كما هو الحال في سورة البقرة 286 آية؟ بل من المعروف أنه نزل على مكث بسور قصيرة، وبكلمة اقرأ لفتح الدماغ وتنشيط الوعي، ولكن العرب اليوم لايقرأون، ولو قرأوا مافهموا، ولا ينبئك مثل خبير.
وقصة عمل المستشرقين ليس جديدا، وكان دوما مغلفا بالريبة والشك أنهم عملاء جواسيس، وهذا من جهة صحيح، ولورنس كان عميلا، ولكن المفاجأة له بالذات، أنه اكتشف نفسه أنه مستخدم بدون إطلاعه على خطط السياسيين، في تراكب عجيب، بعد أن قطع الوعد للعرب بقطعة أرض عربية، فتبين أن سايكس وبيكو قطعا العرب ألف قطعة، ومن قطع جثة الحريري في بيروت مزعا كانت مؤامرة متراكبة من هذا النوع، قد يكون آخر من يعرف سرها هو من نفذها؟
ولكن الألمان بوجه خاص، ولعدم وجود تاريخ استعماري مع العرب، رشح اللغة الألمانية ان تكون اللغة الثانية بعد العربية في دراسات المستشرقين، ومن ينظر في عملهم للحديث الشريف يصاب بالذهول من دقة عملهم وصبره،م وطول اشتغالهم وإنفاقهم على الأبحاث.
وحين ظهر كتاب فهرس الحديث الذي ضم مدخلا لكل حديث ومظنة وجوده في أي صحيح من الصحاح التسعة، كان ثمن الكتاب يومها 25 ألف ريال، حتى سرقه البعض واشتريناه بأقل من ذلك بكثير، وهو في مكتبتي ويستفاد منه.وبعد الانترنت وأقراص الليزر تسهلت الأمور كثيرا.
وتقول السيدة نويفيرث أن مستشرقا ألمانيا من جامعة بون هو ستيفان فيلد 70 عاما (Stefan Wild ) دعي إلى السعودية إلى المدينة المنورة للمرة الأولى للمشاركة في مؤتمر الإسلام والدراسات الاستشراقية، وقد ضم جدول التوصية في فقرته 29 ما اقترحه الرجل من الجهد المشترك من المسلمين وغيرهم في الدراسات القرآنية.
وهكذا فعلينا الانتظار حتى عام 2025 لنرى ماذا يتولد عنه المشروع؟ ولعله سيكون مثل كتاب الكرونيك الرائع الذي تنتجه الثقافة الألمانية في كل فن، عن تاريخ المرأة، وتاريخ الطب، والمسيحية والقرن العشرين والجنس البشري، وسيضم له الآن الجينوم القرآني..
فكما فك الكود الوراثي في الخلية، فسوف يتم تفكيك الآيات وتاريخها ونزولها ..
والقرآن يقول أو لم يكفه آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل..
والقرآن يقول إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا. ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا. ويخرون للأذقان يبكون ويزيديهم خشوعا..
والقرآن يقول عن الجن أنهم لما سمعوه انصرفوا، وقالوا لقومهم إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به.
ومخلص أخير نقلتة صحيفة الاتحاد الاماراتية تقول فية:
كما فعل العلماء بفك الجينوم البشري في لوس آلاموس، كذلك يعكف حالياً فريقان من العلماء الألمان على فك "الجينوم القرآني". كان الجينوم البشري لفك الكود الوراثي الراقد كاللوح المحفوظ في بطن كل نواة خلية، كذلك الجينوم القرآني هو أيضاً سر راقد في نصوص تتلى وتصل أعماق الضمير إلى يوم القيامة.
يتمتع الجينوم البشري بثبات مذهل، بخلاف الميتوكوندريا في السيتوبلاسما، كذلك النص القرآني يتعالى على قول البشر بنظم خاص، فليس هو بشعر ولا نثر بل قرآن عربي غير ذي عوج.
يحوي الجينوم البشري العضوي على ثلاثة مليارات حمض نووي مترابطة على شكل جسر ملفوف صعوداً، ويتكون الكود القرآني من 114 سورة و6200 آية في 18 جزءاً مكياً و12 جزءاً مدنياً، وقد نزل دفعة واحدة إلى السماء الدنيا ، ثم نزل على مكث تنزيلاً... ونفهم ذلك الآن حين نرى أقراص الليزر ونقل المعلومات عبر القارات بكبسة زر واحدة.
وكما فتح مشروع الجينوم البشري الطريق إلى فهم الإنسان، كذلك فإن مشروعاً من هذا القبيل ينتظره العالم الإسلامي كوصفة خلاص نفسية اجتماعية للجنس البشري.
ومشروع الجينوم القرآني يبدأ حاليا من أرض الجرمان، بمشروع سموه "مشروع الماموت Mammutproject" نسبة للفيل العملاق المنقرض، بدأته عالمة ألمانية مستشرقة هي "انجيليكا نويفيرث Angelika Neuwirth" بميزانية مليوني يورو ولفترة سوف تمتد ثمانية عشر عاماً.
وسوف يقوم الفريق الأول بوضع "بنك معلومات Databank" لكل ما يتعلق بالقرآن، بينما سيهتم الفريق الثاني بتحليل العمل الأول، في جهد يشبه دراسة التشريح والفيزيولوجيا في الطب، وما يلحقه مع علم النسج والتشريح المرضي، في محاولة لفهم الجو الديني والحقبة التاريخية التي عاصرت انبعاث الإسلام، في محاولة إعادة تصنيعها للاقتراب من فهم أفضل للنص القرآني.
وهكذا فعلينا الانتظار حتى عام 2025 لنرى ماذا يتولد عنه "مشروع الماموت"، ولعله سيكون مثل الكتاب الإلكتروني الرائع الذي تنتجه الثقافة الألمانية في كل فن عن تاريخ المرأة وتاريخ الطب والمسيحية والقرن العشرين والجنس البشري... وسيضم له الآن "الجينوم القرآني".. فكما تم فك الكود الوراثي في الخلية، فسوف تتم دراسة الآيات وتاريخ نزولها. والقرآن يقول: "أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل". ويقول أيضاً: "إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يُتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً، ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا، ويخرون للأذقان، يبكون ويزيدهم خشوعاً".
التعليقات (0)