عالم قرود قرود
كنت قد شاهدت منذ عدة سنوات كثيرة أحد الأفلام الأمريكية ، وهى من نوعية تلك الأفلام الفاكهية، أو الكوميدية ـ أو بالأحرى الكوميديا السوداء ، إن شئت الدقة ـ الممزوجة بشيء من الخيال العلمي . وقصة الفيلم تدور ببساطة حول عائلة ، أو أكثر ـ وعلى ما أتذكر ـ من العائلات الأمريكية قد قررت السفر عبرا لفضاء لزيارة أحد الكواكب المأهولة . وتفترض قصة الفيلم أن هناك أيضا كائنات فضائية أخرى قريبة الشبه بالقرود ـ أو هى كذلك بالفعل ـ تفكر هى الأخرى فى غزو كوكب الأرض والإقامة فيه ، وربما أيضا السيطرة عليه ، وفى ذات الوقت ـ ولكننا سوف نكتشف ذلك قرب نهاية الفيلم تقريبا .
وبعد فترة من الزمان تقرر العائلات الأمريكية العودة إلى كوكب الأرض مرة أخرى ، وإلى موطنها الأصلى فى الولايات المتحدة .. وعندما عادت إلى وطنها فوجئت بالقردة منتشرة فى كل مكان . وبعد أن تعرضت العائلة الأمريكية للعديد من مضايقات القردة ذهبوا إلى أقرب جيرانهم ليشكوا لهم همومهم ولكى يقفوا ويتحدوا معا لمواجهة القردة ، إلا إنهم فوجئوا أن جيرانهم أيضا قد استبدلوا بالقردة . فهربوا من منزلهم متجهين إلى أقرب قسم شرطة .. وهم فى طريقهم الى القسم وجدوا سيارة دورية شرطة فاستوقفوها ليشكوا لقائدها غزو القردة لمنازلهم ففوجئوا أن قائد السيارة وزملائه المرافقون له أيضا من القردة . فرتكوهم وهرعوا إلى قسم الشرطة فوجدوا كل من فيه من الساعى حتى المأمور ـ أو "الشريف" ـ من القردة أيضا ، وهكذا دواليك .. حتى الكونجرس ، والبيت الأبيض ، وغيرهما .. بإختصار لقد اكتشفوا أن الجنس البشرى قد فنى تقريبا ، واستبدل بالقردة .
ولا أعتقد أن الوضع يختلف كثيرا فى مصر الآن . ففى غفلة من الزمن غفونا فيها جميعا واستيقظنا لنفاجئ بالقردة تحكمنا وتتحكم فينا ، و كذا تتحكم فى كل مفصل من مفاصل الدولة .
والعلاقة الوجودية التى تحكمنا مع القردة هى هنا علاقة صفرية ، وذلك من وجهة نظر القردة بطبيعة الحال . وقد تجلى ذلك واضحا بعد حالة فقد الإتزان ، وحتى التوازن النفسى الذى اجتاح القردة فى أعقاب امتناع فصيل من الجنس البشرى عن الإدلاء بصوته فى مسرحية الإنتخابات الرئاسية المصرية ، حيث خرج علينا كبير قردة القضاة ، والذى يترأس ناديهم ـ ناهيك الآن عن قردة الإعلام ، وهيئة الإستعلامات ، والشؤون المعنوية ، وغيرهم ـ ليلوح بزنده ، أو ذنبه ، مهددا كل البنى آدمين الذين أمتنعوا عن التصويت فى تلك المسرحية الهزلية بالويل والثبور وعظائم الأمور ، معتبرا إياهم عالة على مجتمع القردة بطبيعة الحال ، ومتهما إياهم بالخيانة العظمى والتبعية للخارج ، وتعطيل مسيرة البلاد ودولة القرود ، وانه لابد من استئصالهم ، والتخلص من كافة شرورهم لأنهم لايستحقون أن ينالوا شرف الإنتساب إلى عالم القردة والقرود .
مجدى الحداد
التعليقات (0)