عاشوراء في القرآن اليهودي
يوم عاشوراء الذي يحل في هذه الايام يعيد الى الأذهان موضوع الترادف اللغوي الذي حصل بين الاسلام واليهودية بفعل انتشار اليهود الذين يتحدثون اللغتين العربية والعبرية في الجزيرة العربية عشية ظهور الاسلام.
كان يهود الجزيرة العربية يتحدثون اللغة العربية الى جانب لغتهم العبرية الأصلية، وكان لهم باع وذراع في ترسيخ مفردات ومصطلحات عربية ذوات أصول وجذور عبرية، حيث يوم عاشوراء الذي يصادف هذه الأيام يكون ربما من أوائل العبارات التي استعارها المسلمون من يهود يثرب، ولكنها حتما ليست الأخيرة.
يصوم اليهود في العاشر من شهر تشري من كل عام حسب التقويم العبري، ويطلقون عليه يوم كيبوريم ومعناه يوم الكفارة، حيث في هذا اليوم نجى الله بني اسرائيل من خطية العجل، ولا يتسع هنا مجال الحديث للخوض في صيام كيبوريم. ما أردت قوله إن يهود الجزيرة العربية ذهبوا الى أبعد من هذا في تفسير الآيات التوراتية المتعلقة بيوم الكفارة قائلين إن هناك علاقة وطيدة بين نجاة موسى وقومه من فرعون وبين غفران خطية العجل. وورد في التوراة ان يوم الكفارة كيبوريم يحل في "العاسور" من الشهر الأول تشري، ولما كان يهود الجزيرة العربية يتداولون اللغتين العبرية والعربية كما أوضحنا آنفا فقد درجت على لسانهم عبارة "عاشوراء" ومعناها العاشر من الشهر، ثم تسللت هذه العبارة الى الاسلام بعد ان أمر الرسول أتباعه بصيام يوم عاشوراء اليهودي مبررا ذلك بكونه، أي الرسول، أولى بموسى من اليهود، وأصبح عاشوراء "الاسلامي" يحل في العاشر من الشهر الهجري الأول محرم.
وأما المثال الثاني فيأخذنا الى كتاب اليهود المقدس المسمى "تناخ" أو "مقراه"، ويطلق عليه النصارى اسم "العهد القديم"، ويسميه اليهود اختصارا "توراه". وعبارة "مقراه" مشتقة بالعبرية من الفعل "قرأ"، وعليه كان يهود الجزيرة العربية يطلقون على كتابهم المقدس اسم "قرآن" بالعربية الى جانب اللفظ العبري الأصلي "مقراه". وكانت كلمة "قرآن" تدور على ألسنتهم قبل ظهور الاسلام بزمن بعيد.
وثمة كتاب تفسير للتوراة تم جمعه في بداية القرن الثالث للميلاد يسمى "المشناه"، ويقصد به "السنّة الموسوية"، أي سنّة موسى. وكان يهود الجزيرة يتداولون العبارتين "مشناه" و "سنّة" جنبا الى جنب. وما عبارة "السنّة النبوية" الا مثال حي وشاهد عيان على التزاوج اللغوي الذي حصل بين الاسلام واليهودية.
ولعل عبارة "بيت المقدس" تكون هي الأخرى من الامثلة البارزة في هذا السياق. وبيت المقدس هو من بين الأسماء التي يطلقها اليهود على القدس منذ زمن سحيق سبق ظهور الاسلام بقرون عديدة. وأما اللفظ العبري الأصلي فهو "بيت همقداش" ومعناه بالعربية "بيت المقدس" وهو الاسم الذي أصبح يدور على ألسنة يهود الجزيرة العربية قبل الاسلام ومنهم انتقل الى العربية. وكان اليهود يطلقون على القاعة الرئيسية في بيت المقدس، وهو معبد اليهود في أورشليم، اسم "هيخال" أو "هيكل" حسب اللفظ العربي ليهود الجزيرة. وأما أقدس بقعة في بيت المقدس فكان اليهود يسمونها "قودش هقودشيم" ومعناها بالعربية "قدس الأقداس". وكان يهود الجزيرة العربية يسمونها اختصارا "قدس"، ثم صاروا يطلقون هذا الاسم على مدينة بيت المقدس كلها، ليتسلل هذا الاسم أيضا الى اللغة العربية الى جانب عبارة "بيت المقدس".
وكان يهود الجزيرة يشدون الرحال الى بيت المقدس في الأعياد اليهودية الرئيسية، وقد ورد ذكر لهذا في الأحاديث النبوية، مثل حديث شد الرحال، الذي ذكر ثلاثة مساجد كانت تشد اليها الرحال في تلك الأزمنة، ومن بينها مسجد بيت المقدس، وكان يقصد به معبد اليهود آنذاك.
التعليقات (0)