يسجل اليومي لدا كل فرد من أفراد البشرية كمالا يضاهي أعماله الفكرية، ليجد في حالة تنصيب الزمن للسلاطين فسحة تعطر الكم الكافي أمام الكل الوافي، وهي تقنية تسيح بها عناوين الكتب والمقالات، بل هي عنصر إنساني كفيل بترتيب الفهم الذي يساور الحمقى، كما هي الكثافة التي تطوف بعقول النبلاء. فلا يسير على الأرض الأبدية سوى عامل واع، هذه هي الترنيمة التي من شأنها خلق الابداع من رفض الانصياع.
لا بد من فهم جديد للفهم، كم هو واضح أن يطلب الغافل الحكمة من أثواب ليست له، هي نماذج تصورت أنها حكيمة فما لبثت أن عادت إلى أصلها الوجودي من غير غطاء، تلك التي علمت الإنسان ما معنى أن يسير في رواق الأعاجم بينما هو قادر على التكفل بما لا يقدر عليه الأسوياء، هو الجنون كما سماه البعض، وهو الدهاء كما أشار إليه القليلون من العظماء.
لقد سبحت الفلسفة في ظلمة العالم كثيرا وهي تحاول سرد عياءها للفاهمين؛ علي أن أقف برهة أمام ما حملته الفلسفة من تعزير، من تنوير، من مبالغة تارة، وفي تارة أخرى حملت إلى الجمهور كل ما ارتبط بالتحرير، إنها فلسفة للتفلسف، لدا الكثيرين، لدا الموالين والمناوئين، وكأن العالم لا يحوي سوى من يصفون الفلسفة بالتجريم، بينما هم أكثر من تصريف أسمائهم أمام الحريم.
ها قد تلى الدهر أنشودة الغدر، ليتلقفها السامعون بتحالفهم مع النذر، قالوا: إن التفلسف غواية، لكنني أقول إنه أغنية الروح حين تلمس عذريتها، هي هذه التي تدعي العفاف، لكنها عاهرة شريفة، ملكة نحيفة، بإمكانها أن تبني مملكات، لكنها تعجز عن رد الإساءات، وهي بذلك ترعى كل ما هو غير معتاد سمعاه أو رؤيته، ليعود الإنسان أمام جلالتها صيغة من المفاهيم أو الكلمات، وإن شئتم هو أمامها لا شيء سوى انعطافات للذوات.
تعود الحكاية كلها إلى المرء الذي أراد
أراد أن ينتصر لما هو غير قادر على نصرته للنصر، هذا ما طبع العالم، وهذا ما هو متخلف عن العوالم كافة، لتزاحم الأفكار سوقا لم تعد تعترف بغلاء نخاستها، وتُبلى السرائر بمجلدات الأحلام التي من شأنها تقويم كل الجزئيات العالقة، هي هذه التي تسمي روحها بأنغام متعالية، وهي التي لا تهز سوى مَلَكات غير متسامية، كون أن الفرد أمام الفكر قدرا بلا مقدار أو تقدير للمقدرة على القدرة.
السلوك الذي لا يعبر عن صاحبه هو مرهق له دون استشعار آخر، لأن العلوم والثقافات ما هي سوى فلسفات بطرق ومقاصد جديدة، كون أن المعارف لا يمكنها أن تخرج من اطارها الخرافي أمام الكلمات المتعددة، فتسيطر على الكيان الإنساني هالة متعددة ضد ما للمتقادم أمام القادم. فلا يكون أمام المسالك البشرية سوى اختيار المستوى الذي تريد حفره والإقامة ضمنه.
المؤسف أن العالم الذي يعيشه البعض بعيد عن عالم المعيش، لأن الشرف الذي يتخذه المعلّم هو أكبر من أن يمتلكه، إذ أنّ المسار الخاص الذي من شأنه تقديم التقويم النهائي أمام الناظرين هي شخصية قويمة أمام ما للعالم من تجلي واضح، كون أن المسلك الطبيعي للعالم ليس سوى إطار خاص يترك للدنيا كلمات فارغة من المضمون.
عندما يقاتل الفرد الإنساني ذاته فهو حتما وبطريقة آلية يتحمل كل ما تستأنفه العلامات التقنية أمام ما بإمكانه اتخاذه مشعلا قيّما أكثر مما هو قادر على تعديل المسائل التي من شأنها ترتيب الاطار القديم للتسليم.
ما من أطروحة يمكنها ارعاب البشر أكثر من ذاك الذي يدين به الأفراد، له عدة أوراق من أهمها ورقة الموت، الحياة، المشاكل والقوى، إذ أن عناصرها تخرج من سيطرة البشري نظريا، وبالتالي يسترسل فيها صوريا ليكون أهم من ما يمكنه اجراء التقدير الدقيق لها.
التخلي عن الفردانية هو تخلي عن الانسانية، والتخلي عن هذه الأخيرة هي بمثابة استقالة من الحياة، لن يكون للعالم معنى إن لم يحياه المرء، وبهذا يكون من اللزوم العودة إلى البشر من أجل اجراء مقاييس معبرة عن ما يريده الفرد الإنساني من وراء تقديمه لوجوده، إن البشرية ليست سوى بناء، ذاك الذي يتخذ أشكالا وألوانا مختلفة، لكنه يملك القدرة على الحفاظ المتوازن إن ما تعلق الأمر بالاستمرار.
كان للكثير من الأمور الحيز الكافي من أجل اعلام الإنسان عما يدور في فلكه الخاص، وبالتالي ما لا يحتمله الإنسان هو من عقل يسير على عاتق المشاكل الأخيرة لآخر متملق للوجود، لأن التواجد على حساب تقديم غير واضح للإحساس المتعثر هو مربط يمكن أن يسير على خطى كتلته المتأخرة، هذا ما هو مصاحب للعقل البشري خلال أهم محطاته المتأخرة. لأن النهاية هي قريبة جدا.
مزوار محمد سعيد
التعليقات (0)