قبل انطلاق ثورة شباب مصر بأيام، كانت قناة النيل للكوميديا قد أعادت بث مسرحية عادل إمام الشهيرة الزعيم التي يشرّح فيها بشكل ساخر قاتل ظاهرة الطغيان والدكتاتورية في العالم العربي• يزور (في المسرحية) مدير المخابرات مواطنا بسيطا ويتهمه بالتآمر على الزعيم الذي يشبهه في الملامح حد التطابق، عندما مثّل دور لص في أحد الأفلام، قبل أن يقترح عليه القيام بدور الزعيم الذي مات بشكل مفاجئ، وفي معرض حديثه عن أداء دور اللص، يقول المواطن: النهار ده حرامي، وبكرة زعيم عصابة وبعد بكرة رئيس جمهورية. لقد كانت جرأة من قناة رسمية مصرية أن تبث هذه المسرحية، لكن للأسف لم تذهب جرأتها إلى حدها، عندما عمل المقص عملته وتوقفت العبارة عند النهار ده حرامي، وبكرة زعيم عصابة، ولأن الرقيب غبي بطبعه، فقد فاته أن المسرحية بُثت عشرات المرات على مختلف القنوات، وشوهدت آلاف المرات على اليوتيوب والفيديو والدي في دي إلى درجة أن الكثير من الناس أصبح يحفظ مقاطع كبيرة منها على ظهر قلب ومن شاهد المسرحية على القناة الرسمية المصرية يكتشف بسهولة مطلقة المقاطع التي تم حذفها، وتحسر فعلا على حال الرقيب الذي يفكر بعقلية السنين الماضية بينما العالم تغيّر حوله بشكل جذري. وهو تعبير حقيقي على عقلية الأنظمة البوليسية التي لم تشعر بالنار التي تحتها قبل أن تلتهم عروشها وهي تعامل شعوبها بعقلية قديمة ولا تعتبرهم إلا قطعان تحكمهم بانتخابات مزورة تصل فيها نسبة التأكيد إلى 99 فاصل 99 في المئة.
ولم يكن عادل إمام أكثر شجاعة من التلفزيون الرسمي المصري، ولا حتى من النظام المصري الذي انتقده بشكل فني، فعند أول امتحان حقيقي، وجد الفنان نفسه متناقضا ووضع نفسه في مواقف بايخة كما قالت عنه بعض الصحف، فعند الاندلاع المفاجئ للثورة المصرية يم 25 جانفي الماضي، أعلن عادل إمام عن رفضه لهذه الثورة وهو القريب جدا من نظام حسني مبارك، بل ولم يتردد في مهاجمة المتظاهرين ودعا الشعب المصري إلى عدم الالتحاق بالحركة التي تهدد عرش مبارك، لكن موقف الزعيم تغيّر بشكل مفاجئ عندما اتضحت له الرؤية أن الثورة جدية، وسرعان ما تحدث بعد ذلك على قناة الجزيرة ليؤيد الثورة لكن تأييدا محتشما هو أقرب إلى مسك العصا من الوسط كما قال، ولم يشفع له هذا التحوّل في الموقف فقد واصل المتظاهرون التنديد به، وقد يتسبب له الأمر في خسارة موقف المتظاهرين الذين خذلهم في البداية ولا النظام المصري الذي دار عليه بعد ذلك وهو حال المتخاذلين في كل عصر ومصر .
ويبدو الفنانون المصريون الآن في موقف لا يحسدون عليه، فهم بين مطرقة الشارع الذي لا يرحم وسندان النظام الذي يمنحهم امتيازات مقابل أن يقوموا بتلميع صورته، ومع هذا الحال بدا الانقسام واضحا منذ بداية الثورة، ففي الوقت الذي وقف فيه محمد صبحي، يسرا، مي كساب وطلعت زكريا في صف النظام، وذهب طلعت زكريا بعيدا عندما وصف المتظاهرين بـ قليلي الأدب وقال من كتب اليافطات المسيئة للرئيس مبارك يجب أن يضرب على يده. كان فنانون كثيرون مثل شريهان وخالد يوسف وعزة بلبع وعبد العزيز مخيون وخالد أبو النجا وخالد الصاوي في طليعة المتظاهرين. ومع هذا الانقسام الكبير بين الفنانين قال المخرج المعروف محمد فاضل إن المصريين لن يغفروا للفنانين الذين فروا بعد الثورة، وبينت الوقائع أن الكثير من الفنانين محترفون في القفز من البارب الذي يغرق والالتحاق بباخرة النجاة، وربما هو الأمر الذي أدركه الفنان عادل إمام مبكرا عندما غيّر رأيه ومن المنتظر أن يتبعه الكثير من الفنانين الذين دافعوا بشراسة عن مبارك ولا غرابة أن يخرج الكثير منهم بمواقف جديدة يظهر من خلالها بعضهم أنه من المعارضة المتطرفة.
التعليقات (0)