تتمركز منطقة أداي أيت حربيل في المنطقة الوسطى الشمالية للأطلس الصغير، أي في الركن الجنوبي الغربي للبلاد، وتحديدا بين خطي طول 90 و100 وخطى عرض 290 و300 يحدها من الشمال كل من قبائل أمطضي وأكني ملولن من الغرب قبيلة تيمولاي أيت حربيل ومن الجنوب قبيلة تينزرت ندولكان أما شرقا فهناك أيت اللول.
لقد كانت حالة المنطقة قبل مجيء أيت حربيل حالة غير مستقرة بحيث كلما يتم تعميرها من طرف ساكنة معينة إلا وتأتي فئة من قطاع الطرق لتهاجمهم وتسلبهم ثرواتهم ومحاصيلهم الزراعية كما هو الحال أثناء استقرار أيت إيلول حيث تم تهجيرهم من أداي حوالي سبع مرات حتى أثى الحربيليون اخيرا لترحليهم إلى منطقة أخرى وراء الجبل بالجهة الشرقية، كانت أداي يطلق عليها "أرض الحروب" أي باللغة الأمازيغية "رك ايشبوكن أو كما قال عنها البعض الأخر "أرض الخيول" أي "أكال ييسان" إشارة إلى الحروب والنزاعات التي مرت منها المنطقة على مر التاريخ، من جهة وأخرى اصطلح على هذه المنطقة لفظ "المجاج" كما جاء على لسمان الرواة، وسمي بذلك لكون منطقة أداي توجد على الطريق أو في موقع استراتيجي تمر منه القوافل التجارية والرحالة المارين الذين يأتون من الساحل في اتجاه الشرق (الشرك) مثل أقا، تزملي، فم لحصن وأظن أن لفظ المجاج هذا يراد به الفجاج لكننا نحترم اللفظ كما تم قوله، ثم أيضا يطلق هذا المصطلح نظرا لموقعه المنبسط وتوفره على أراضي صالحة للزراعة وفرشة مائية مهمة تتمثل في وجود عدة عيون قريبة من السطح، هذا العامل الطبيعي والجغرافي يشكل أساس نشوب كل النزاعات حول المنطقة، وكما قلنا فقد عرفت المنطقة قبل أيت حربيل تذبذبا بين التعمير والإفراغ خاصة من طرف قبيلة أيت أيلول التي كانت أصلية بالمنطقة والتي تعرضت لمضايقات وهجمات من طرف القبائل الأخرى مثل مجاط وأيت براهيم إلى أن جاء الحربيليون في الأخير الذين استطاعوا ترحيلهم بشكل نهائي حيث قتل البعض وترحيل الباقي، وما يؤكد هذه الرواية هو كثرة المقابر بالمنطقة حيث تأخذ شريطا يقطع أداي من غربه إلى شرقه وأغلب هذه المقابر حسب الرواية تعود إلى أيت إيلول حيث دفنوا هناك إما بسبب الحروب أو بسبب المجاعات التي مرت بالمنطقة بين الفينة والأخرى حيث أشارة الرواية إلى كون اليوم الواحد يموت فيه ما بين 17 و 20 فردا وهذا يعطي صورة للحالة التاريخية والوضعية الاجتماعية للمنطقة قبل دخولها من طرف الحربيليين، إلى جانب قبور أيت أيلول نجد كذلك قبور تعود أفراد من قبائل أخرى من مثل مجاط، ادوسلام، ثم أيت حربيل فيما بعد، كما أشارة الرواية إلى وجود قبور لأفراد من أيت باعمران الذين نزحوا إلى المنطقة في فترة المجاعة.
عندما ننصب على دراسة الطقوس والعادات، فان الجدير بذكر هو طريقة الاحتفال بالأعراس لكونها من العادات التي تعبر بأنماط السلوك المتوارثة جيلا عن جيل.والزواج عند المجتمع الأدايي التقليدي، شأن اجتماعي ترافقه مجموعة من الطقوس والعادات الشعبية التي تجعل منه مناسبة احتفالية محكومة بالعديد من الشروط الثقافية والانتروبولوجية، بعضها مستمد من الدين الاسلامي الحنيف والأخر متصل بالأعراف، ونحن هنا سنرصد هذه الطقوس بدءا من أول خطوة الى اتمام عملية الزفاف.
يكتسي الزواج في منطقة "أداي " على غرار باقي مناطق المغرب، فضلا عن بعده الديني صبغة متميزة باعتباره ( رابطة تجمع بين اسرتين ) وهو بالتالي سبب يفصل بين مرحلتين مهمتين وأساسيتين في حياة الفرد مرحلة العزوبة واللامبالاة وعدم تحمل المسؤولية وكذا البراءة . ومرحلة تنقلب فيها المفاهيم حيث يصبح الانسان مسؤولا عن نفسه وأسرته، وكذا مجتمعه بشكل عام.
وعموما فمرحلة الاختيار هي من أهم مراحل الزواج الأدايي حيث كثيرا ما تكون للأهل سلطة مطلقة في هذا الجانب حيث نجد الأم وبمساعدة معارفها وأقاربها باختيار الفتاة المناسبة لابنها دون معرفة الطرفين لبعضعهما، ويعتبر من الوقاحة أن يتطلب الشاب لنفسه أو أن يعرض الأب على أخر دون أن يخطبها، ولعل ظن الأباء ان تجارب لم تؤهلهم بعد لاختيار شريكة الحياة، ودرجة القرابة ومراعاة الصداقة وطمع في الثروة والجاه من أهم دوافع هذا الاختيار الاحادي الجانب، ولكن مهما تعددت الدوافع يبقى الجهل بحقوق الشباب والفتاة سيد الموقف.
غير أن الاختيار بالراحة يخضعان الى مثلين شعبيين في تجديد عملية الاختيار :
- " أنف ايدامن أكوروين " ومعناه تجنب الدم كي لا يكدرك، والدم هنا كناية تعبر عن القرابة العائلية، ويستنجد المتمسكين بهذا الموقف بالقول " أخطب من غير عائلتك وأقربائك " ويستدلون وراءه للحفاظ على العلاقات بعيدا عن مشاكل كل الحياة الزوجية.
- " يوف أزرو تمازيرت مراو واسيف " أي معناه حجر من البلدة خير من 10 أحجار من الوادي، والحجر وصف هنا كناية في ابنة المنطقة ولسان حال أصحاب هذا الموقف " أخطب القريبة منك والتي تسكن في بلدتك " وحجتهم في هذا معرفة الفتاة بالحياة العامة للمنطقة والعلاقات الاجتماعية. ورغم ذلك لا بد من التأكيد أن مسألة الاختيار تأخد في أساسها ضرورة التوافق والانسجام النفسي والمعرفي والعاطفي.
اشتقت من فعل " اسكل " "أريسكيل "، بمعنى طلب، يطلب ويقصد به طلب الرجل أو من يمثله يد المرأة، وعرضه عليها الزواج ويسمى الرجل خاطب والمرأة مخطوبة، وتمر هذه بمرحلتين :
الأولى : ما يطلق عليه " بأسكيل أمزوارو " وهو اتفاق مبدئي بين عائلتين تكون فيه المبادرة لأهل العريس، بعده يتم الاعلان عن أسيكل الذي يحضره العائلتان والمدعوون... ويصطحب أهل العريس هدايا والبسة وأضحية، فيقدمون لأهل الخاطبة النعال " ادوكان " يضاف كذلك مواد غدائية من دقيق وزيت وسكر. وتنوب الأخت الخاطب عنه في منح الخاتم للمخطوبة كعربون صدق وعلامة حب، كما أن الخطوبة لا تعني الزواج الرسمي، فبامكان أي طرف أن يتراجع عن موقفه، وهي أشياء تظهر في الوقت الراهن بشكل مثير، كما أن مدة الخطوبة قد تطول اذ تدوم أكثر من سنة أو سنتين.... وعلى العريس أن يذهب بالهدايا من حين لأخر في كل مناسبة الى العروس، اذا تأخر موعد العرس، وهذا ما يصطلح عليه بـ " أكتي " أي التذكير ، وعموما قد تغيرت طقوس الخطبة كثيرا فيما مضى يمنع على الشاب حضور خطبته كما يمنع رؤية العروس، أما حاليا فقد تغيرت العقلية واتخدت بعدا متحررا، حيث أصبحت بعض العائلات تصر على الخاتم الذي لم يكن له اهتمام في السابق.
وللاشارة فالخطوبة تكون بشكل شفوي، وهي فرصة تحديد يوم العرس ( أس نتمغرا )، والذي يسبقه العديد من الطقوس والأعمال والاجراءات والاستعدادات المكثفة، حيث تحضر امرأة ستكون لها اليد الأولى في مختلف مراحل العرس حيث يمكن اعتبارها المدبرة لمختلف شؤون العرس، حيث تتكلف بتوجيه الدعوات للنساء قصد الحضور ليوم العرس.
وعادة ما تمنح المدعوات لجزيل شكرها العطور والحناء والقرنفل، بينما الرجال يتكلف رجل أخر في توجيه الدعوات للرجال من جيران وأقارب وأصدقاء، وتفتح أيام العرس "بالسلكة " أو ما يسمى " بالسلوكت " التي تدعم الحضور الاسلامي في البيئة الحربيلية فأثنائها يقرأ القران جماعيا وفق ما يسمى " التفريق "، وما تيسر من الامداح النبوية وكل ذلك باللغة العربية، ويتم فيها الشرح باللغة الامازيغية، وسيتم استقبال الفقهاء وحفظة القران بالفرح والسرور ويجلسون في أحسن الأماكن وأجمل الفراش، وتقدم اليهم أحسن أنواع الأطعمة ويعبرون عن فرحهم لحماسهم في أداء " تحزابت " نسبة لحزب من القران الكريم.
الزواج ( تامغرا ) سمي بهذا الاسم دلالة على النداء والاستدعاء والدعوة، وتامغرا جاءت من فعل اغرا بمعنى نادى، ومنها جاءت كلمة تغريت وهي " الزغردة " وتكون مميزة في الحفلات والأعراس والرقص، والعرس هو الاحتفال بالزواج، وتقام المناسبة اشهارا لاظهار الفرح والابتهاج والسرور، منذ الصباح الباكر تدب في أرجاء بيتي العروسين بالتوازي بشكل مستقل وهذه ميزة العرس الأدايي خلافا لما هو معمول به في مناطق أخرى.
ويعتبر الاحتفال بتمغرا لدى قبيلة أداي يوم ضيافة بامتياز حيث يتم دعوة الجميع (أهل القرية)، كبيرهم وصغيرهم الا من اعتدر لعذر ما، وتكون الدعوة مفتوحة في وجه الجميع. في هذا اليوم يتوافد المدعوين والضيوف في أبهى الحلل الى العرس حاملين معهم الهدايا لأصحاب العرس والتي غالبا ما تكون اما السكر أو الحلي أو الملابس أو الأواني المصنوعة من زعف النخيل " افراون " ويستقبلون بالحفاوة بعد تقديم الضيف للهدية بالتبريك والتهاني ( أيساعد ربي ) ويرد عليه أصحاب العرس بعبارات الشكر والترحاب "بركات مرحبا بيكن".
الا أن ما يميز هذا اليوم هو طقس يسمى " أس أغكوس " أي يوم تنقية الزرع حيث يتم تفريش ليزار أبيض ليأتي ولد يشترط فيه أن يكون حاملا معه قفة الزرع وفي طريقه تطلق امرأة ثلاثة زغاريد ايدانا افتتاح يوم العرس ويتبع هذا الولد ثلاثة نسوة، الشرط الأساسي فيهن أن يكن في زواجهن الأول يحملن طبقا يسمى " تيشيشت " يوجد فيها الثمر وقليل من السكر والفضة ولبسيس .
وتقام هذه الطقوس في بيتي العروسين وبشكل موازي مع ترديد مجموعة من الأهازيج نذكر منها مايلي :
ايكاد با سوق ولا لسواق زار أبي السوق ولا الأسواق
يويد تجوتين سيقنضارن أتى أبي بالقناطير من الذهب
ايكاد لحد امقورن لسواق زار سوق الأحد أكبر الأسواق
كما أيكا لباز أرسخيير أخي هو " البازي " يختار ويختار
امون ديكنوان أرسخيير حلق في السماء مع السحاب ويختار
الا أن أهل العروس ينفردون بخاصية وهي حضور نساء من أهلها الى دار العروس حاملات معهن قليلا من الخبز قصد تقطيعه ووضعه فوق الزرع، قبل مغادرتهن تضع أم العروس الخبز في " تشيشت " التي أتت بها أسرة العريس حتى لا يعودون خاويات الوفاض. خلال مغادرتهن تردد أسرة العروس ما يسمى بـ " تنكيفت ايزيض " حيث يرددن مايلي :
أبسم بسم الله الرحمن الرحيم انات وبناي اغ ابنا تيمصريت نس
سيدنا حماد ءو موسى كيد ءاار زووراغ كيد أفوس زووارغ
ءا واتميزاراد غليغ ءور نخاليض
ءاتاروا ندعمي ءايغنيمن رودانين
ومن الأهازيج المرددة في اغكوسن كذلك :
فلغت امحضار أريقرا الكناشنس تركت المحضار راجعا بكتابه
فلغت أمكسا ايرورد أوللي تركت الراعي راجعا بقطيعه
فلغت أركاز أريتكالا تركت الرجل يتوعد
الفرح ن أولتما كاييد يوين لكن جئت من أجل فرح أختي
الصداق أو " القيمت " بالأمازيغية شرط أساسي لابرام عقد الزواج، وفيه اشعار بالرغبة في الزواج وابرام العقد وانشاء أسرة مستقرة، ويقام بعد صلاة العصر من يوم العرس أو قبله حسب الاتفاق وبحضور أهل العريس الى بيت العروس في جو يعبر عن الاستقبال الحار والسرور وبقدوم الممثل الشرعي للمحكمة مع شرط الرضى، حيث يقام العقد والقران وفق المذهب المالكي، وبعد قراءة الفاتحة، حيث يقول الممثل الشرعي" اشهدو أيها الحضور أني زوجت فلانة بنت فلان لفلان ابن فلان "، ومباشرة يتم الاتفاق على أغلب الأمور التي تتعلق بالزواج، حيث يتم كتابة العقد باعتباره أخر مرحلة تسبق الزواج، حيث تصبح العلاقة شرعية وقانونية، ليبدأ فصل مناقشة المهر أو ما يسمى" بالصداق" أي القيمة المالية النقدية التي يدفعها العريس للعروس اضافة للملابس والحلي والأواني والتي تخضع للتقييم في نقاش ومفاوضات مع تصريح ممثل العريس كل واحدة أمام الحاضرين، ويعمل ممثل على تسجيل أثمنة كل المشتريات المصرح بها في صندوق يحمل مباشرة الى دار العريس، وهنا تجدر الاشارة الى أن مفتاح الصندوق يكون بيد والد العروس. وعند انتهاء التسجيل والتوافق على كل شيء يتم الدعاء للعروسين بالتوفيق والسعادة.
الا أنه لابد من التأكد واستحضار مجموعة من المعطيات التي تتعلق بمسألة المهر حيث ظهرت رؤية أخرى في الوقت الحاضر مع تنامي حقوق المرأة، اذ من الضروري التعبير عن القيمة الاجتماعية للمرأة، الشيء الذي يعقد الحياة الزوجية فما الذي يجري في الواقع؟
كل ما كانت المرأة في أسرة وفئة ميسورة كان صداقها مرتفعا وهي مسألة ثابتة في العلاقات الاجتماعية، لكن الغريب هو أن تجد نساء متوسطات التعليم أو ذوات شهادات عليا ومن فئات فقيرة يطالبن بمهور مرتفعة كعنوان على قيمتهن داخل المجتمع، فاذا كان المهر قديما يمثل رمزا من رموز المحبة والاحترام، حيث كان الزوج الحربيلي يقدم قلادة من النقرة تسمى " أمثقال ".
أما اليوم وأنت تحضر ما يسمى بـ " القيمت " فانك تشعر وكأنك أمام سلعة معروضة في المزاد العلني، مفاوضات، ومزيدات،..... فأصبحت المرأة كبضاعة قابلة للبيع والشراء مما يفقد المرأة كرامتها.
بعد الأكل واحتساء كؤوس الشاي مساءا، تبدأ مرحلة حاسمة في مسار العرس، حيث تتصادق هذه المرحلة باجتماع النساء والرجال وسط بيت العروس لجمع ما يسمى "ءوكريس " بمعنى رزمة من هدايا للعروس، يفرشون ثوبا أبيض في الأرض مصنوع من صوف الغنم قد صنعته أم العريس لابنها، يضعون ثوبا أخر أبيض والحناء والثمر واللوز وحذائين للكبار من حرير العروس وحذاء صغير لاخ العروس، تجمع النساء الرزمة حيت تتكفل امرأة بحمل ءوكريس وتنظر دائما الى الأمام ولا يحق لها أن تدير وجهها لأي اتجاه أخر، بينما تحمل المديرة شؤون العرس حصيرا جديدا يسمى " بأكرتيل".
وفي الطريق تردد مرددات " تانكيفت " أبيات شعرية في غاية الروعة وبأداء مؤثر :
ومن هذه الأبيات نسجل مايلي :
اسم بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله الرحمان الرحيم
انات ابناي اغ ابنا تمصريتي به وضع البناء الأساس
ابسم بسم الله نزوارد داغ النبي بسم الله ذكرنا النبي
نزوارد داغ النبي مولاي محمدي ذكرنا النبي مولاي محمد
اترواحم اطلبا الا امغارن هيا يا طلبة القران وشيوخ القبيلة
اترواحم اددونكلو مونغ هيا أرافقكم جميعا
أبراح سبراح مامو شيغ تمغرانس فلياندي عن كل من حضرت عرسه
مامو شيغ تمغرانس أدشين تيوي أن يحضر عرس ابني
ماتي ستاي أغراس الجوادي هذا الطريق يؤدي الى دار الأجياد
أغراس تكما الجواد ايساوي تقدم ياسيدي أحمد موسى
سيدي احماد أوموسى كيد أضار رووراغ تقدم وكن لنا مرشد
كيد أضار زووراغ كيد أفوس زووراغ
وبمجرد الوصول ال بيت أهل العروس يتم التغني بها، حيث يرددن
أنيغ تيكدار نيغ نميت أياد رأيت هذه الحصون وسألت عن أهلها
أبارك الله أتكدار ءيتدارنغ بارك الله انها حصون أهلنا
وفي معرض حديثهن عن قدر الاقتران ينشدن مايلي :
ربي أداغ ديكان تغوسانغ درون الله الذي جعل حاجتنا عندكم
تغوسانغ تينون تغاوس تيربي حاجتنا حاجتكم بقدرة الله
وأثناء مخاطبة العروس والتغيرات لهن عن حبهن والذي دفعهن لمشاركتها الدقة والفرح، يقلن بصوت يبعث في القلوب عبارات وأحاسيس تخيم على الموكب.
ويا يتبرأومالوا ويا يتبر أومالولو يا حمام العالي
وهاد ويلي كرانين وهاد ويلي كرانين أحبابك في انتظارك
اشكاند اكين أوين جاءوا لاصطحابك
ان المتأمل لهذه الابيات الشعرية يكتشف سر روعة هذا المشهد المعبر عن الدينامية والحركية الشعرية، حيث تشهد بدايتها بذكر الله عزوجل والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والتبرك بالأولياء كسيدي حماد أوموسى، ومدح ال البيت تعبيرا عن ربط العرس بالأصول وبالدين الاسلامي، وباقتراب الموكب للديار المقصودة يبدأ الحديث عن أهلها ومدحهم. وعموما فالقصائد او الأبيات السابقة عبرت عن الثقافة السائدة والمتمثلة في الثقافة الاسلامية، وكذا المستوى الرفيع للأبيات بلاغيا باعتماد أسلوب التشبيه والاستعارة تعبيرا عن مجموعة من الرموز الجمالية الطبيعية كالحمام، وبرجوعنا الى طقس " ءوكريس " فقراءة دلالتها تجعل الباحث يكشف عن معاني معبرة وفي غاية الجمال، فهي مبادرة أخرى على غرار " أسكيل " حتى يؤكد على صدق النوايا والاهتمام الكبير بالعروس، أما لوازم ءوكريس كالحناء والورد والكحل فترمز للصفاء والجمال والحسن.
كما يرمز الايزار الأبيض الى الوضوح والحياء وتجسد المرأة التي تحمله المرشد والمخلص وكذلك النجاح الذي يتوقف عليها وصول المركب، فنظراتها الموجهة دائما الى الأمام تفيد الحشمة والوقار والمسؤولية والالتزام بوصول الموكب بسلام. وبمجرد وصول الموكب الى ديار أهل العروس، ترتفع الأصوات وتنشد الأهازيج اعلانا لأهل العروس بأن الموكب قادم، وفي المشهد تنطلق مجموعة من الأبيات ذات صدى مؤثر على شكل حوار بين نسوة يمثلن العريس وأخريات العروس، ومضمون هذا الحوار مايلي :
أهل العريس : سلام عليكن أويد نوفا السلام علكيم أهل الدار
أهل العروس : عليكن سلام أويدغلنين عليكم السلام يا من طلع علينا
ما نيكامت ما نيتكرامت أين وجهتكن أين طلعتن
أهل العريس : غلي اتكا أونزار اغدغلين من حيث يأتي المطر
تفوست واكال أدنكا من الجنوب أتينا
امي اكوادير ادنزعم نيت نحن أمام الحصن مرفوعات
أهل العروس : وبركامت أتسعديين مرحبا بكن يا سعيدات
أهل العريس : أني غنيت مرحبا ادروساغ رأيت الترحاب بنا قليل
أهل العروس : اغدروس نزايدوياض ان قل فمرحبا بكن مرة أخرى
أهل العريس : صفدتاغ يكوك اوغراس افسحن الجال لنا فالطريق بعيدة
أهل العروس : اغيكوك تنسيمت دارنغ ان كان الطريق بعيدا فابتن عندنا
أهل العريس : اكا الحال تروامزينين لقد تركنا أطفالا صغارا
أتضكالتينو أزعمنيت ياحماتي تقدمي وارفعي رأسك
أكا ملولن أدامد يويغ أتيناك بالرزمة البيضاء
في الحوار توظيفات بلاغية في غاية الروعة الفنية، فالنساء القادمات مثلا يؤكدن أن قدومهن كان من مطلع المطر، وهذا كناية على أنهن قادمات بالخير والبركة والمحاورة مجال خصب لتوظيف المدح، نساء أهل العريس يصفن دار العروس بالحصن وهذا أيضا كناية على أن العروس طاهرة وعفيفة مادامت داخل الحصن، أما نساء أهل العروس فيصفن القادمات بالسعادة ويرحبن بهن بأحسن الترحاب.
يدخل الجميع الى البيت في جو يملأه الزغاريد وكلمات الترحاب والتبريك في كل الأرجاء بمراش العطور ومباخر الطيب.... يذهب الرجال الى الغرفة المخصصة لهم، بينما النساء تأبى الجلوس الا بعد اطلاق أهازيج وزغاريد الرزمة " ءوكريس " حيث يسلم الى أهل العروس، ويحملنه الى العروسة التي تختبئ في غرفة مظلمة رفقة صديقاتها ورفيقات دربها، تدخل عليها الثلاث نساء بالزغاريد وتنحني العروس ويضربنها على ثلاث مرات على ظهرها ثم يوضع كل ما يوجد داخل "أوكريس " في صحن يسمى " تسكيت " والذي يتكون من الحناء والمشط والنعال من نوع " ريحيت " و " تسبنيت " وهي غطاء حريري أحمر اللون وهي مستلزمات تجهيز العرس، وتأكل العروس اللوز والكركاع الموجود في أوكريس ويوزع الباقي على كل الحضور خارج الغرفة والباقي منه يرد الى غرفة العروس . يقوم الرجال بعد انتهاء "ءوكريس " بجلب كل ما ستحمله العروس ببيتها من ملابس وأواني وفضة.
تتقدم نسوة لهن دراية بمسألة التخصيب،بينما الحريري الذي يشترط فيه أن يكون أول من تطأه قدماه هو العروس، يقمن بتغيير ملابسها قبل التخصيب ثم تلف في ازار أبيض وعلى وجهها قطعة من ثوب حريري أحمر اللون " تسبنيت " ثم يغطى رأسها ببقية الثوب الأبيض اضافة الى اكليل من الحبق والزهور.
وهذه العملية تواكبها أهازيج على لسان أم العروس التي تسترخص كل شيء في سبيل هذه الليلة ولا غرابة في هذا، فأمل ليلة عند الأم هي ليلة زفاف فلذات كبدها، ومن ضمنالأشعار المرددة في هذه العادات
أنغمويلي تيضوضيننس نخصب لابنتي أصابعها
لزار أرلسيغ غيضاض ديحركنيت فليحترق الازار ان لم ألبسه الليلة
أدكو أرلسيغ غيضاض ايبينيت ولتقطع النعال ان لم ألبسه الليلة
ومن الأبيات المرددة كذلك اشادة لجمال حناء العروسين
تك تك لحنا اسلان سنقوم بطحن حناء العروسين
الحنا اسلان اعزا ربي العروسين الذين أعزهم الله
بعد الانتهاء من عملية التخصيب تردد النساء أبياتا تدعو أخ العريس بلبس أخته نعلها " أو الشربيل " أو " أدوكو " وما سيضعه داخله سواء فضة أو نقود.
أكماس نتسليت ألاس أدوكو يا أخ العروس البسها نعلها
يويد أقنضار ما كيس اتلين احمل معك ما يوضع فيه
أقنضار أوورغ أكيس اتلين قنطار الفضة هو الذي يوضع فيه
ويردد كذلك باعتبار الأخ حجاب وحنان الأخت مايلي مرتين
كاس الحجاب اكماس احنان كاس الحجاب اكماس احنان
استجابة الاخ لطلب النساء فيضع ما استطاع داخل تغل اخته ترحيبا وقبولا لزوجها ثم تهل النسوة العروس ويضعها 3 مرات مع ترديد بيت شعري في كل مرة:
بذ الرمان بضو دوكال ترفعي يا شجرة الزمان عن الارض
اكور اكلن تزانين حتى لا يعيت
ان ما يمكن استنتاجه من البيت هو استنهاض للهموم باعتبار هذه المرحلة مهمة من حياة الفتاة, تخرج العريس من غرفتها فتسأل عن مفاتيح ابيها بنبرة حزينة على قرب الفراق فتجيب قريباتها بان المفاتيح تركتها على عتبات.
تيسورا نبابام اتاعيالت اين مفاتيح ابيك يا فتاة
تيسورا نبابا اورتنت اوسيغ مفاتيح ابي لم احملها
اكي العدوبات اغنت لانت مفاتيح ابي فوق العتبات
وقبل اخراج العروس تردد النساء ابيات تحمل في طابتها طلب منح الرضا للبنت من قبل الوالدين و الاخوة اي منحوها والحجاب.
فتاس الرضا النون الولدين امنحوحا رضا الكمال كما يا والديها
فتاس لحجابنون ايايتماس امنحوها الحجاب يا اخوتها
فترد اجابة واضحة مؤترة من قبيل.
ءايلي ءداك ؤورتلاتي يا ابنتي يا ابنتي لا تبكي
ءاعيال ترضيت ءاكم ييوين الشاب الدي رغبتي هو الان زوجك
ءيسامحام ببام ءولا يمام سامحك ابوك وامك
ءولاسول لوهلات نءايت مام حتى زوجات اخوتك
بعد السهرة و الاحتفال لساعات متاخرة من الليل تزف العروس الى دار زوجها ويصاحبها موكب كبير خاص من النساء وفي هده المرافقة طمانة العروس وسعادة لها حيث تحين لحظة تطلق فيها العروس عويلا وانينا حزينا حيت الفراق الصعب هو كثيرا ما نسمع هذا البيت يردد بموازات بكاء العروس و اهلها.
ايلينو اداكورتالاتي لا داعي للبكاء يا ابنتي
استمام غيد اول غين تريت اخوتك هنا وهناك
ينطلق الموكب في مقدم العروس في سيارة وفي مؤخرته الرجال وفي الطريق تردد مجموعة من الابيات الشعرية تانكيفت مثل
اميا كود سرحان اويات اربي الشور يا قائد البغلة على رسلك
سليغ الملوك ايكنوان زايد بلاك سمعت ملوك السماء في استنفار
اكليد رايزري دارويا ايصرصو الملك سينطلق الى الملك اخر
وباقتراب وصول الموكب الى بيت العريس في جو من الترحاب و الاحتفال وهنا ينتظرون اطلالة العريس . يتاخر قليلا حينه ينشد هذا البيت:مانزاك الوكيلي اعزان وتقول ايضا مرددات اهل العروس.
لوح لوح اللوز أيضكال: إرمي إرمي اللوز الجاف يا صهري
لوح لوح اراو نتيني:إرمي إرمي ثمار الثمر
ويطل العريس بجلبابه الابيض و سلهامه و الكوميت ومعتما بعمامة بيضاء ومعه صديق له يدعى "الوزير" له دراية بتفاصيل ليلة الزفاف, ويرمي العريس من شرفة او سطح اطلالة " اللوز " الدي يتكون من الثمر والحلوى والملح وحبات تافيوشت...وما ان يصل الموكب حتى تنطلق المفاوضات بين اهل العروسين بجانب الباب ومضمون هذا الحوار .
أهل العروس:مانيكا اوضكال اورديوكي:اين العريس لم يظهر
أهل العريس:أرون إتسو تيكضيفيت:يفرش لكم ازهى الافرشة
اهل العروس:كلغ اوركشمغ ارتا تيغ :والله لن ادخل حتى اره
أهل العريس:وابركات اتيسعديين:مرحبا بكن يا سعيدات
أهل العروس:اسيامت تازنين غوغاراس:أخروا الاطفال من البيت
اهل العريس:إزد إسور تفريحم إتازانت:الم تفرحو للعروس
أهل العروس:إغاس اورتفرحم انوري: انام تفرحو لها عادت الاى اهلها
عند انتهاء المفاوضات الشيقة والتي تفصح عن مقصديته وراء هذا الانشاد الجميل, يستجيب اهل العريس لطلبات اهل العروس ويقف العريس امام الباب, وينزل اناء به الحليب لكي يشرب منه العروسين, بعد هذا يخرج السلطان اي "مولاي" عن يمين العروس,وتدخل العروس متبوعة بباقي الموكب,وتسبق المراة التي اشرنا لها لحضورها القوي في العرس الى الغرفة المخصصة للعروس مع ترديد النساء للابيات الشعرية:
احانو اياد احانو إيلي هذه الغرفة لابنتي
احانو اوريكي وينتوشركا لا يشاركها فيه احد
توضع العروس في الركن المقابل للقبلة, ثم يدخل العريس مناديا على العروسه بإسمها و مرحبا بها ومتمنيا لها مقاما طيبا سعيدا...عندئذ يجلس العريس في تكليمها ومحادثتها وتتخلله وجبة الاكل المحضرة سابقا, وهنا يجد التدكيران ساكنة الواحة تقيس عفة الفتاة بإزالة بكارتها فالبكرة في مجتمعاتنا تكافئ وضع شرف المجتمع في الميزان, فنصبح بالتالي شأنا اجتماعيا بإمتياز, فالشرف والعفة له رمزيته وقيمته الكبرى في مجتمعنا.
تدخل المرأة المشار إليها لتتأكد من نجاح العملية ,إذ داك تزغرد زغاريد تجمع المرأة بين الفرحة وبالمناسبة و بالعفاف و الطهر بعدها يقوم العريس بتقبيل راس والديه متوجها إلى موكب النساء ومراش والعطور بيتيه ,يرحب بهن أحسن الترحاب والزغاريد والأهازيج والطبول والبنادر تردد إرجاء البيت بصداها , يتواجه موكب الرجال ,يرحب بالجميع ويجلس بين رفاقه ,والتبريكات والتهاني تنهال عليه من كل حدب وصوب .ثم يزف الخبز إلى أهل العروس ويسمى دلك" بانعور"فعفة الفتاة "لحرت"هو شئ يبقى نرويها في المجتمع الأدايي وفي هده اللحطة نجد أم العروس في غاية البهجة والسرور وراحة الضمير ,وهنا تستوقفنا عبارة تردد على التهاني بطهر العروس .
ارغوداك ربي ربي سترن تونزا اولتماك
تنتهي ليلة الرحلة وتبدآ الحياة الزوجية
مع إشراق الشمس يحضر أهل العروس إلى العريس وتتقدمهم إلام بأشواق وأمال بلقاء ابنتها .يستقبلها العريس مقبلا رأسها ويقدم لها الهدية النعال "ادوكان" بينما أهل العروس يقومون باعداد مأدبة العصيدة "تكلا" وبصاحب هذا اليوم عادة وهي إن العروس لا تزيل الغطاء على وجهها إلا إن تظل في وسط إناء العصيدة الملئ بلدام. وتناولها امرأة يشترط فيها إن تكون في زواجها الاول ثلاث مضغات على ظهر يدها .ذات العملية تعاودها العروس للمرأة ,ويليه تناول جميع مأدبة .وهنا تتقلد امراة محنكة منصب"ماشطة العروس" كل يوم أسبوعا كاملا .
وتقدم العروس هدايا للجميع تسمى " لبروك نتسليت "وهي عبارة عن السواك والحلوى والعطور .قصد اظهار فرحتها وسعادتها من جانبه يقوم العريس بعادة الغرب بالنعال على رفاقه كي يعتادوا به.
من إنجاز: ATBIR LAHCEN
التعليقات (1)
1 - شكرا
يابوكي - 2013-08-03 19:00:11
موضوع جميل جدا