لم تمر ثورة الياسمين وواقعة بطلها البوعزيزي وكذا الحراك الاجتماعي والسياسي الذي يشهده العالم العربي عموما، دون ان يبصما بتداعياتهما على جماعة تعد واحد من اكبر الجماعات التي تشهد هجرة سكانية محطمة لكل الارقام القياسية.
جماعة أيت عميرة هذه الايام تعرف ما يشبه الهستيريا على التجزئ والبناء العشوائي الغير المرخص بعد سنوات من (القمع والدمار والمواجهة) للاسمنت والياجور والمشتغلين في اوراش البناء والمواطنين على حد سواء، السكان هذه الايام هبوا فيما يشبه الثورة لاستثمار الفرصة التاريخية التي لا تعوض قبل فوات الأوان، وذلك بتحدي كل القوانين المنظمة للبناء، والدخول في مواجهة مباشرة مع الجهات الوصية على المراقبة و التي أعلنت الاستسلام امام العجز عن التحكم في الوضع، فجل دوواير الجماعة بدون استثناء تشهد ثورة عمرانية غير مسبوقة بعد سنوات من القمع الممنهج والمراقبة الصارمة، ولا غرابة في ذلك.
الخطير في الوضع هو ما أفرزته هذه الثورة من ظواهر أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها غير لائقة، من قبيل إحداث تجزئات مشوهة دون احترام أدنى شروط التجرئات المعروفة، كما أن التجمعات السكانية التي يسكن أهلها في البيوت البلاستيكية، تحولت بدورها بين عشية وضحاها إلى أكواخ من الاسمنت المسلح لا تستجيب لأدنى معايير البناء المنظم والهندسة المعمارية فلا ازقة، ولا مجاري المياه، حتى ان بعض المنازل بنيت بدون ان تكون لها طريق للمرور كما هو الشان بالنسبة لدوار الجاموض الذي بنى فيه مواطنون صناديق معدة للسكن ووجدوا أنفسهم بدون طريق للمرور اليها. وبمنطقة غزالة تم بناء حوالي 90 منزلا في ظرف قياسي بجانب مقبرة الحي، هذا الوضع ولد صراعات من قبيل ما سجل من الترامي على املاك الغير للبناء من قبل اشخاص غرباء، و نشوب نزاع حاد بين ثلاثة افراد على بقعة أرضية اشتروها كلهم من شخص واحد وافته المنية. ولعل المشهد المثير للاشمئزاز حقيقة هو تناسل ما يشبه أكواخا وليس ابنية في عدد من المواقع من هذه الجماعة في غياب ادنى شروط الكرامة الآدمية، وهو ما ينذر بكارثة عمرانية ستكون لا محالة مدادا للصحافة فيما يستقبل من أيام سيتعالى فيها بكل تأكيد الصياح والنياح والاستنكار والندم ايضا لكن يوم لا ينفع الندم.
في هذا السياق، أفاد عدد من مواطني المنطقة بان هذا الوضع افرزه الاختناق الشديد الذي امتد على مدى سنوات من منع البناء، بدعوى الوضعية العقارية الاستثنائية لجماعة ايت عميرة المعروفة بأراضي الجموع، وما يزيد الأمر تعقيدا عدم تفعيل المساطر المنظمة لعملية البناء في العالم القروي بالمنطقة و رفض منح السكان تراخيص البناء، في وقت تشهد فيه المنطقة تزايدا متواصلا للوافدين عليها، يوازيه تزايد سكان المنطقة الأصليين وبالتالي كيف يمكن استيعاب مثل هذه الأعداد الهائلة من الأسر المتزايدة يوما بعد يوم، مع منع البناء يقول فاعل جمعوي بالمنطقة. الفاعل الجمعوي نفسه أكد بان من حق الموطن الاعميري الحصول على سكن لائق يستجيب للشروط والضمانات اللائقة بعيش كريم كما يكفله دستور البلاد، واقترح بهذا الخصوص تبسيط المساطر وتمكين المواطنين –وهذا من حقهم- من رخص البناء باثمنة تفضيلية عوض هذه المهزلة العقارية والكارثة السكنية التي لن يغفر التاريخ لهؤلاء المسؤولين دنب هذه الجريمة الخطيرة مدى الحياة يضيف فاعلنا الجمعوي.
في الوقت الذي وجه فيه رئيس الجماعة رسالة الى عامل اقليم شتوكة ايت باها، ووكيل الملك بخصوص ما سماه التفشي الغير المسبوق لظاهرة التجزئ والبناء الغير المرخصين، واصفا هذا الوضع بأنه عسير على التحكم في غياب ما سماه التدخل الحازم للسلطة المحلية في الوقت المناسب، مشيرا بأن هذا الوضع مرشح للأسوأ خصوصا وان عشرات الهكتارات مهددة بالتجزئ والبناء، كما ان مجموعة من المجزئين هبوا من مناطق متعددة داخل أيت عميرة وخارجها للاستثمار في عمليات شراء وتجزئ وبيع أراضي وإعدادها للبناء الغير المرخص.
رئيس الجماعة الذي أكد في رسالته بان بعض الجماعات لا تتحمل مسؤوليتها في الامتناع عن المصادقة على عقود للتجزئ الغير القانوني لأراضي خارجة عن نفوذها الترابي مخالفة بذلك رسالة وزير الداخلية رقم 6370D. التمس من وكيل الملك والسيد العامل إجراء بحث في الموضوع نظرا لخطورة الوضع، كما طالب باستدعاء المجزئين وزجرهم لتطويق المشكل من منبعه. رد عامل الإقليم جاء سريعا حيث حمل الرئيس عمر أوالشيخ ( عن اليسار الاشتراكي الموحد) المسؤولية الكاملة بخصوص وضعية التعمير في المجال الترابي التابع لجماعته وفق مواد قانونية واضحة لا تحتاج الى تأويل.
جدير ذكره أن عدوى تحدي المواطنين للسلطة بخصوص بناء مساكن انتقلت الى جماعة أيت عميرة من الجماعات المجاورة وخاصة جماعات بلفاع وانشادن والتي انطلقت منها شرارة الاحتجاج والتحدي بعد لجوء عدد من نساء احدى الدواوير الى حصار رجال السلطة المحلية وفي مقدمتهم أحد قواد المنطقة أثناء منعهم أحد المواطنين من البناء، وهي الطريقة التي يسلكها بقية السكان الراغبين في البناء، الأمر الذي ساهم من التنقيص من هيبة وسلطة من يسمون رجال السلطة.
هذا ويبقى تدخل الجهات الوصية على الشان العمراني في المنطقة وفي مقدمتها الوكالة الحضرية والعمالة والجماعات المحلية لازما وضروريا وعلى وجه الاستعجال لوضع حد لهذا الظاهرة والتي ستكون تداعياتها جد مؤثرة على المشهد العمراني لمنطقة قابلة للانفجار في اية لحظة، إذا لم تتخذ الجهات المذكورة الإجراءات الكفيلة بوضع حد لهذا الاحتقان المولد للانفجار، بدء من تبسيط المساطر وانتهاء بمنح رخص للبناء بشروط تفضيلية.
احمد الزاهدي
التعليقات (0)