مصعب الهلالي:
تَـزْويـر عَدَدَ الـزُوّارْ والمشاهدات
في المدونات والمنتديات
باتت العديد من المنتديات والمدونات في كافة أنحاء العالم تعاني حسب تصريحات القائمين عليها ومدراء شركات الاعلان والمروجين والشركات المعلنة من ظاهرة تعمد بعض الأعضاء والمدونين التلاعب في عداد مؤشر عدد القراء والزوار للمواضيع التي ينشرونها سواء في المنتدى أو المدونة ...
وظاهرة التلاعب في العداد يبدو أنها بدأت منذ اختراع هذا الجهاز اللعين (العدّاد) الذي لا أشك في أنه إبداع يهودي صهيوني .. فسائقي التاكسي مثلا كانوا ولا يزالون يشتهرون عبر العالم بظاهرة سرقة العداد وهي طريقة ميكانيكية تجعل العداد سريع جدا لدرجة تجعل ضربات قلبك تتسارع معه وتكاد تفقد وعيك .
وظاهرة الغش في العدّاد لدى سائقي التاكسي والألعاب الألكترونية وهواتف العملة المعدنية وسماسرة بيع العربات المستعملة ربما تكون مبلوعة بوصف أنها طمع وسرقة أموال يظن فاعلها أنه سينتفع بها ويغتني ضاربا عرض الحائط بقيود الحلال والحرام ....
ولكن الغش في العداد الذي يلجأ إليه المدون أو عضو المنتدى يبقى بكل تأكيد نوع من أنواع الغش المعنوي الغير مبرر عقليا والذي لا يجري التكسب ماديا من ورائه بقدر ما هو ضحك على النفس والآخرين ومحاولة للظهور بمظهر الأديب صاحب القلم الرصاص ..
فهو مثلا وإشباعا لغروره ومحاولة منه لتغطية بعض العجر والنقص لديه فيما يكتب ؛ يلجأ إلى تدوير العداد بطريقة ما ربما تكون في حاجة إلى خبير كمبيوتر لتعليمها للفرد حسب ما أتخيل وأتوقع .... أو بالطريقة اليدوية المعروفة لدى الجميع وهي (القراءة الذاتية) بأن يزور الكاتب موضوعه عدة مرات ما بين دخول وخروج متتالي حتى يصل بعدد القراء إلى المئات ...
ومن ثم فإن القاري والمتصفح المفترض للموضوع عندما يشاهد أن عدد قراء موضوع ما بلغ رقما يصل إلى عدة آلاف أو تضخم عداد زوار وقراء المدونة إلى عشرات أو مئات الآلاف وربما الملايين فإنه ينتقل إليه الإحساس النفسي الطبيعي بأن هذه المدونة تستحق أن تقرأ .. فإذا دخلها ووجد أن ما بها لا يعدو أن يكون مجرد قصاصات و (أنسخ وألصق) ، وخـردة (سكراب) و (منقولات) و (مشتروات مزادات وحراجات) و (كلمات مأثورة) مستهلكة من أيام حروب المائة عام و .. إلخ . فإنه يقع ضحية صراع بينه وبين نفسه .. فيتساءل هنا : هل أنا الغلطان أم هؤلاء العشرات الألوف من القراء ؟؟؟ إنها مختصر قناعات الفرد وسط القطيع .... وهي شبيهة بفكرة ذلك الضحك المسجل المصاحب للحلقات التلفزيونية بطريقة مبتذلة الهدف منها هو إصابتك رغما عنك بعدوى الضحك .
على أية حال فإن ظاهرة تزوير العداد تبقى مثل ممارسة العادة السرية ... لن يجرؤ أحد على اتهام الآخر بها . كما لن يعترف أحد على الملأ يممارستها ولكنها رغم ذلك تبدو واضحه على الوجوه ......
وهناك مثلا في بعض المنتديات حين تقارن بين توقيت نشر الموضوع لأول مرة وبين عدد القراء تندهش أنه وصل إلى عدة مئات خلال بضع دقائق مما يدل على أن في الأمر خدعة .. أو ربما تجد عليه زحمة من المعلقين المتهافتين يكتبون بأسلوب واحد .
ولكن بالرغم من ذلك فإن مسألة العودة للموضوع المنشور بالمنتدى أو المدونة تبدو أحيانا ضرورية لدى بعض الكتاب والمدونين إذ ربما عنّ للفرد مراجعة ما كتب سواء للتعديل أو لتصحيح أخطاء طباعية أو نحوية يقع فيها كل الكتاب حتى المحترفين منهم ولكن الكبار المحترفين يستعينون بالمصححين اللغويين في مؤسساتهم الصحفية أو دور النشر لمؤلفاتهم في حين يعتمد المدون على نفسه وكان الله في عونه.
كذلك قد يلزمك العودة للموضوع للرد على أحد المشاركين أحيانا . وهناك من هو مصاب بالفعل بداء الرغبة في تعديل مقاله بدرجة كبيرة سواء أكان لسبب منطقي أو نظرا لاستعجاله في الكتابة على الكي بورد والنشر . أو ربما لا يحلو له المراجعة والتعديل بالشطب والزيادة إلا بعد النشر .. ولكن على الرغم من ذلك فلا يمكن أن يؤثر دخول المدون وصاحب البوست إلى مقاله على نحو جوهري في تغيير عدد الزوار والقراء فربما لا يتعدى التعديل والمراجعة النحوية والإملائية والأخطاء الطباعية في حالة نشر الموضوع الواحد أكثر من ثلاث مرات تقريبا أو عشرة دقائق في بعض المنتديات كسقف زمني .....
وكيفية رصد عدد الزوار والقراء تختلف بين كل مدونة وأخرى ... ففي بعض المواقع هناك إمكانيات تكنولوجية ترصد وتتعرف على دخول صاحب المدونة وبالتالي لا يحسب العداد دخوله هنا ولايتأثر بالزيادة في حالة تسجيل الدخول أو حتى محاولة الكاتب الدخول إلى مدونته دون تسجيل دخوله كأنه قاريء فقط حيث يتعرف النظام الألكتروني عليه .... اللهم إلا إذا استخدم المدون في هذه الحالة جهاز آخر غير جهازه الشخصي.
وعلى سبيل المثال نرصد هنا من بين هذه المواقع الأكثر تطورا من الناحية التكنولوجية موقع (جيران) . حيث لا يتحرك العداد إذا قام صاحب المدونة بالدخول إليها للتعديل أو مجرد الفرجة والمراجعة العامة للفكرة عبر تسجيل إسم استخدامه الشخصي ورقمه السري ....
وهناك منتديات ومواقع منها على سبيل المثال (مدونتي) و (بلوج عربي) ألغت العمل بنظام العـداد نهائيا حيث لا يظهر للمدون عدد القراء او الزوار .. ولكن ربما ظهر لإدارة المنتدى أو الموقع على اعتبار ضرورة ذلك بالنسبة للكفلاء والرعاة ووكالات الإعلان والشركات المعلنة حتى تتعرف على حجم المجال الذي تدفع لأجله من ميزانيتها.
كذلك هناك بعض المدونات تفرّق بين عدد المشاهدات وعدد الزيارات للشخص الواحد حيث يتم التعرف على الزائر بطريقة الكترونية ورصده فلا يجري احتساب مرات دخوله للمدونة الواحدة سوى مرة واحدة كزيارة ... وتبقى مرات تكرار دخوله الأخرى لنفس المدونة مجرد مشاهدات خلال الأربعة وعشرين ساعة ...
كيفية حل المشكلة:-
توجهات إدارات المواقع:
1) بعض المواقع والمنتديات باتت تصدر بيانات بهذا الشأن بعد ان ازدادت الضغوط عليها من جانب شركات ووكالات الاعلان والشركات المعلنة وحيث أهابت هذه البيانات كافة المدونين الالتزام بالأمانة وأنها ربما تلجأ إلى تقنية تصفير العدادات المخالفة (أي إعادة رقم العداد إلى الصفر) حتى يكون المعاقب عبرة لغيره إذا تجاوز الحد المعقول الذي قد يتطلبه عدد مرات دخوله للإدراج والمراجعة والتعديل بين حين وآخر .
2) وفي مجال دخول المدون أو كاتب الموضوع في المنتدى بعدة أسماء مستعارة للتعليق على نفسه أو بمعنى أوضح التعليق على ما يكتب بالمدح والثناء فلم تعترض شركات الاعلان على هذا النوع من الغش الأدبي ولا ادري لماذا ؟؟ ولكن ربما لم يجدوا فيه تزويرا في عدد الزوار حيث ان الذي يسمح له بالتعليق عادة ما يكون عضوا بالمنتدى بالطبع. وفي مجال المدونات يلزم المشارك بالتعليق إيراد رقم بريده الألكتروني . وبالتالي فلا غضاضة كحل وسط بين رغبة الشركات المزودة لخدمة الانترنت مثل (ياهو) و (غوغل) التي ترى في تملك الفرد الواحد لأكثر من عنوان بريد ألكتروني تزويرا أو تلاعبا .. كما ترى في زيادة عدد عناوين البريد الالكتروني ميزة مادية وأدبية لها . وبين قناعات وكالات الاعلان والمعلنين أنفسهم الذين تنازلوا عن التشدد في هذا الشأن تحت وطأة حجج وقناعات الشركات المزودة لخدمة الانترنت.
3) بعض إدارات المواقع الشهيرة باتت تمهِّد للمدونين أنباء في صدر صفحاتها عن خطط تفيد أنه لن يسمح مستقبلا للمدون باستخدام إسم مستعار .... ويبدو ان هذا القرار إن صدر فهو حتما مُحَصِّلة لقرارات وضغوط وإملاءات أمنية سياسية باتت تضيق ذرعاً بهامش الحرية الواسع الذي يسرح فيه المُدوّن ويمرح عندما يختلي بنفسه ويكتب آرائه الحقيقية بأسماء مستعارة .. والدليل على ذلك أن قراراً بحظر الصحفيين والكتاب المحترفين من الكتابة في المنتديات أو اتخاذ مدونات بأسماء مستعارة سيكون هو الأسرع من حيث التطبيق في المنطقة العربية تمهيدا لتعميم القرار على عامة المدونين لاحقا .. وربما يسبق أو يصاحب ذلك محاولات مغرية من جانب إدارات المدونات والمواقع (بإيعاز طبعاً من لدن من يهمهم الأمر ) برصد جوائز مالية مغرية للمدونات التي تجد إقبالا من القراء أو تتسم بتوجهات ومواصفات محددة الأمر الذي يعني أنه لن يسمح سوى لمن يدون بإسمه الحقيقي أن يشترك في مثل هذه المسابقات حيث يفترض أن يجري تحويل مبلغ الجائزة له ليستلمها بناء على إسمه وعنوانه ورقم هاتفه الحقيقي المطابق لإسمه كمدون في بطاقته الشخصية أو جواز سفره.
الحــل الأشـمـل :
على رأي المثل البدوي الذي يقول ( تـيـزنا مطلوق .. أربطوا غنمكم) .. فإنني أهيب ببعض مدراء المنتديات والمدونات عامة أن يتنازلوا عن مبلغ قليل من أرباحهم في سبيل إدخال تقنية ضبط العدادات ألكترونيا . وبالتالي عدم احتساب دخول المدون لمدونته للتصحيح أو المراجعة أو إدراج موضوع جديد على اعتبار أنه زيارة للمدونة ... كذلك إضافة ميزة التعرف على البريد الألكتروني للزائر بحيث يجري احتساب عدد زياراته لمدونة بعينها أو موضوع بعينه في المنتدى زيارة واحدة فقط طالما لم يمر على زيارته السابقة 24 ساعة.
............
وتماشيا مع مبدأ الوقاية خير من العلاج فمن الخير أيضا أن تشرع إدارات المواقع في تنبيه ضيوفها من المدونين والأعضاء بضروة التزام الصدق والأمانة لأن المسألة ليست مسابقة وضحك على النفس بقدر ما هي نافذة متاحة للتعبير عن مكنونات الذات للفرد من غير محترفي العمل الأدبي والصحفي .... أو من اولئك المحترفين الذين يرغبون في الخروج على النص والإحساس بالصدق مع النفس ولو مرة واحدة خلال فترة عملهم الصحفي والأدبي في هذا العالم الثالث المعقد التركيب والعقد الذي لا يسمح سوى بممارسة نزعة القطيع.
ومما لاشك فيه أن التوجهات المستقبلية لشركات ووكالات الاعلان وعملائهم من الشركات المعلنة التي تدفع أموالا طائلة للإعلان في المواقع الألكترونية ... ستكون التوجه نحو مراجعة مصداقية عدد الزيارات للموقع ككل وبالتالي كل مدونة .. فلا أحد سيكون على استعداد للإعلان وبعثرة أموال ميزانيته الإعلانية في موقع أو مجلة ألكترونية تتعرض لنوع من (غسيل الزوار والقراء والمعلقين) الذي تحول إلى ظاهرة مستشرية حالياً .. أو كما باتت الصحف المحلية في بعض البلدان العربية تشتهر به من توزيع مجاني لنصف أعداد طبعاتها في المكاتب الحكومية وعلى أعتاب البيوت وأبواب الشقق السكنية حتى تضحك على الشركات المعلنة بإدعاء الانتشار ...
هناك اقتراح آخر ربما كان أكثر واقعية ويجمع بين حسنات كافة الخيارات وهو أن يتم إخفاء عَدّاد المدونة وكذلك في المنتدى .. يتم إخفاؤه عن الزوار تماما . ومن ثم لا يمكن مشاهدته سوى للمدون عند دخوله للمدونة الخاصة به باستخدام رقمه السري وكذلك الحال بالنسبة لصاحب الإدراج في المنتدى ... وبالطبع فإنه يكون بإمكان الإدارة العامة معرفة الأرقام الحقيقية وبالتالي إطلاع مندوبي الإعلان بها مستندياً فيكون ذلك سببا في الاطمئنان وتكريسا للشفافية .... شعار وقناعة العصــر.
..............
ظاهرة التعليق الذاتي:
الأطرف بعد كل هذا هو أولئك البعض ممن يقوم بالتعليق بنفسه على نفسه في مدونته أو الموضوع الذي قام بإدراجه في المنتدى على طريقة (القرد في عيون أمه غزال) .. أو (مادِحَـتهَا عمّـتها وخالتها وماشطتها) وهي طريقة ربما لا يتوقف عندها مدراء المواقع الالكترونية كثيرا لعدم خطورتها أو تأثيرها الجوهري في علاقة الموقع والمدونة بشركات الإعلان .. لكنها بالفعل ظاهرة نفسية مرضية مثيرة للإنتباه حيث يلجأ مرتكبها عادة إلى استخدام أكثر من عنوان بريد ألكتروني وإسم مستعار .. ولكن يتم التعرف على مثل هؤلاء بسهولة خاصة عندما يلاحظ تكرار الأسماء وتطابق الأفكار والمواقف والأسلوب في الموضوع الواحد أو عدة مواضيع ..... وعلى نحو يجعل من احتشاد هذه الأسماء المستعارة وتكرارها ... يجعلك تحس بأنها وكأنها (مظاهرة) ترفع لافتات وشعارت نمطية هادرة مفبركة من جانب (الحزب الحاكم) .............
إننا بالفعل نشهد تغيرات عديدة وإنقلاب في القيم والمثل وأساليب تحايل قد تبدو أحيانا محزنة وأحيانا أخرى مثيرة للشفقة .... وربما من جوانب أخرى مسلية لاسيما وأن فضاء الانترنت قد أتاح في إطار التوسع باستخدام الأسماء المستعارة وعدة عناوين بريدية للشخص الواحد .. قد أتاح إيجابيات وسلبيات عديدة ..
ودونا عن المواقع والمنتديات العربية التي تتخذ من الخارج في الغرب الأوروبي والولايات المتحدة مقرات لها وفي جانب توجهات الحكومات (ما عدا لبنان) ذات الأنظمة الشمولية لإجبار المواقع الألكترونية المسجلة في المنطقة العربية عامة وربما الشرق الأوسط لحظر استخدام الأسماء المستعارة فإن ذلك حتما سيؤدي إلى القضاء على الشفافية في الإبداع الأدبي والرأي السياسي .. وتبعا لذلك فقد يحجم كثير من الصحفيين والكتاب والمبدعين المشهورين عبر أسمائهم الحقيقية عن المساهمة بالكتابة والتدوين (خَارجَ النـَصْ) بأسماء مستعارة عبر المدونات والمنتديات ... خاصة إذا كان ذلك يتعارض مع سياسة الدولة ونظامها الشمولي ووسائلها القمعية. أو يتعارض مع وظائفهم الحقيقية في مواقع إعلامية رسمية حساسة تتطلب الالتزام بسقف محدد من البروتوكول وتوجهات الدولة ... أو يتمتعون برصيد أدبي ما عبر إبداعاتهم الأدبية ومنتجاتهم الثقافية التي يدفعون بها للنشر عبر القنوات الرسمية في الإذاعة والتلفزيون والصحف والمجلات والدوريات وتكون عادة وفق إكليشيهات محددة مسبقاً . وعلى نسق يتفق ويتماشى مع سياسة مجلس الإدارة وقناعات رئيس التحرير وحدود مسئوليته وأعراف وتقاليد ومعتقدات المجتمع السائدة.
التعليقات (0)