عبـد الفتـاح الفاتحـي
تداولت الصحافة المغربية بشكل مسهب ظاهرة دعارة المغربيات في دول المشرق العربي، وكانت عدة تقارير قد أشارت إلى تنامي دعارة المغربيات في دول الخليج، وأرجعت ذلك إلى وجود شبكات تنظيم الدعارة تنشط داخليا وخارجيا، وهو ما ظل يحول ومجهودات الدولة في القضاء على الظاهرة.
وغدا الأمر جد مقلق بالنسبة للمغرب، حتى أنه كثيرا ما نوقشت القضية داخل قبة البرلمان، فشكل هذا الموضوع محور أسئلة الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي، والذي شكك في نجاعة وجدية التدابير الحكومية المتخذة في الحد من هذه الظاهرة، بدليل تزايد شبكات المتاجرة في دعارة النساء المغربيات في دول الخليج العربي.
ويسجل المواطنون كما نواب البرلمان أن المملكة المغربية بتاريخها الحضاري والتاريخي تتعرض سمعتها لتشويه كبير على مستوى الخارج بسبب مجموعة من النساء اللواتي يقعن ضحايا شبكات للاستغلال في مجال الدعارة.
وكانت وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن نزهة الصقلي، قد كشفت عن تفكيك المغرب، لما يزيد عن 220 شبكة سنة 2009 في إطار محاربة الاتجار في الأشخاص وخصوصا منهم النساء والأطفال، مما رفع عدد الشبكات التي تم تفكيكها منذ سنة 2003 إلى 2230 شبكة.
وأظهرت دراسة ميدانية نشرتها مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج أن 70 في المائة من المغربيات اللواتي هاجرن إلى بلدان عربية خليجية تم عن طريق شبكات الدعارة، كما أن تحقيقات صحافية ودراسات ميدانية أخرى سبق لها أن أظهرت وجود ما لا يقل عن 20 ألف مغربية في سوق الدعارة مما يجعلهن يعشن أوضاع استغلال جنسي بشع في بلدان عربية مع التركيز على القاصرات.
وتفيد دراسات أخرى، أنه ومنذ سنة 2002 تم تهجير أكثر من 2500 فتاة مغربية إلى مختلف دول الخليج العربي لامتهان جملة من أشكال الدعارة، أي بمعدل 500 ضحية في السنة.
وفيما بين 2002 و 2004 تم ضبط أكثر من 1000 مغربية في حالة تلبس في امتهان الدعارة بالإمارات العربية المتحدة، كما تمت إدانة أكثر من 800 منهن بالسجن النافذ بالأمارات وحوالي 200 بالكويت. وكشفت بعض التقارير السرية أن سوق دعارة المغربيات بدول الخليج تدر على القائمين عليها أكثر من 7 مليارات سنتيما.
وذهبت تقارير استخباراتية أن شبكات تهجير المغربيات إلى الخليج لامتهان الدعارة تعتمد على وسيطات يعملن على استدراج الضحايا بإعلانات بريئة في ظاهرها رغبة جهات مشرقية في تشغيل مربيات أو حلاقات، مرشدات سياحية، مدلكات، نادلات أو عارضات أزياء عبر عقود عمل خاصة بأجور مغرية تتراوح ما بين 1000 و 2000 دولار شهريا. وما إن يصلن إلى أيدي المتاجرين في الرقيق الأبيض حتى يجدن أنفسهن عرضة للاحتجاز في دور الفساد لممارسة الدعارة والمتاجرة بأجسادهن في سوق نخاسة تنظمها مافيا تنتمي عناصرها إلى بعض الدول العربية.
وهناك حالات مغربيات من خدعن بعروض زواج عبر سماسرة الجنس في صفة خطوبة لزواج بخليجيين وفق الأصول الشرعية، ثم يتم أخذ الزوجة إلى إحدى دول المشرق حيث يقومون بتطليقها شرعا هناك، فتضطر لامتهان الدعارة.
وتوجد شبكات لوسطاء ووسيطات استقطاب الفتيات في مدن الرباط والدار البيضاء تتحرك بحسب طلبيات الزبائن الخليجيين، وشرعت أنشطة هذه الشبكات تتسع نشاطاتها لتشمل حتى الطالبات والتلميذات القاصرات.
ومن جملة المعلومات التي قدمها تقرير الخارجية المغربية، أن في العاصمة السورية وحدها بلغ عدد ما يسمى بـ "الفنانات المغربيات" 2000 مواطنة مغربية، إضافة إلى اللواتي يشتغلن في المراقص الليلية بمواصفة مهن أخرى.
وكانت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون قد بعثت رسائل إلى المدير العام للأمن الوطني تطالبه بفتح تحقيق حول شبكة تهجير فتيات مغربيات إلى سوريا، وذلك بعد أن تقدمت إحدى الفتيات إلى سفارة المغرب بدمشق تطالب بضرورة التدخل من أجل حمايتها من إحدى شبكات الدعارة التي حاولت استغلالها والنصب عليها، ومؤكدة أنها وبدون سابق إنذار وجدت نفسها في شقة بالعاصمة السورية بين ما يقارب 50 فتاة.
ومعلوم أن التمثيليات القنصلية المغربية بدول الخليج وجدت نفسها غير قادرة على متابعة الكثير من المشاكل المرتبطة بالعديد من المغربيات غرر بهن، وتأكد ذلك باعتراف دبلوماسيين مغاربة بدول الخليج أنه من الصعوبة بمكان الحد من نشاط شبكات تهريب المغربيات إلى الخليج لامتهان الدعارة، علما أن أغلب السفارات والقنصليات المغربية لا علم لها بأوضاع الكثير من المغربيات اللواتي يقمن (بطريقة شرعية أو غير شرعية) منذ مدة بدول الخليج. ومن النادر جدا توصل مصالح السفارة أو القنصلية بشكاياتهن وذلك خوفا من انكشاف أمرهن أو خشية تعرضهن للعقاب والمتابعة.
وكشفت منظمة الهجرة الدولية على نشاط كبير لعصابات ومافيات أضحت متخصصة في تهريب الفتيات إلى عدة دول لامتهان الدعارة، وأنها تتاجر الآن، في المعدل، في ما يناهز 4 ملايين شخص في سوق الدعارة كل سنة، وهي تجارة تدر عليهم ما يفوق 7 مليار دولار (70 مليار درهم) سنويا.
وأشارت تقارير إسبانية وأوربية تحول المغرب لمصدر أساسي لتجارة النساء ومعبر مهم لهذه الشبكات الدولية التي تتاجر في سوق البغاء المغربي، وأضافت التقارير أن العديد من النساء القادمات من داخل المدن المغربية يجبرن في الكثير من الحالات على العمل في الدعارة لأداء مستحقات شبكات التهريب.
ويرى عدد من المهتمين أنه بناء على المعطيات المتوافرة بات من المؤكد جدا أنه هناك شبكات منظمة داخل المغرب تنشط في المتاجرة بالنساء، أعضاؤها من السماسرة والوسائط، ويتأكد أيضا ارتباط هذه الشبكات بأخرى دولية تؤطرها وتعمل على تهيئ الشروط الضرورية لتهريب شابات مغربيات مرصودات مسبقا للقائمين على أوكار الدعارة بدول الخليج وبعض الدول العربية الأخرى، وقدرت إحدى الدراسات أن المغربيات يحتلن الرتبة الثالثة في سوق الدعارة بالدول الخليج.
وأصبح ملف ما بات يعرف في المغرب "ملف دعارة المغربيات في الخليج" قضية رأي عام في المغرب، لما نشرته الجرائد والصحف من تحقيقات جريئة في الموضوع وتصريحات الضحايا اللواتي ضاعت حياتهن داخل قصور الخليجيين. وغذت بذلك قضية دعارة المغربيات في دول الخليج مادة صحفية دسمة تناولتها الصحافة المغربية بكثير من التحليل، وتصدرت عناوين الصحف والمجلات المغربية على مختلف مشاربها واتجاهاتها.
وكانت هذه المتابعة كفلية بتوجيه الرأي العام المغربي، الذي بادر عبر جمعيات المجتمع المدني إلى مطالبة الحكومة إلى التدخل بحزم لضبط هجرة الفتيات المغربيات للعمل في ملاهي عمان وسوريا ودمشق، وباقي دول الخليج تحت يافطة شرعية ظاهرا وغير شرعية باطنا، وإيجاد ترسانة قانونية تحمي النساء ضحايا شبكات تنظيم الدعارة، ذلك أن العديد من النساء يسافرن إلى دول الخليج بهدف العمل وتحسين وضعهن الاجتماعي عبر حصولهن على عقود عمل قانونية، لكنهن يفاجأن بالسقوط في براثن شبكات للدعارة.
وترى فعاليات من المجتمع المدني المغربي أن ظاهرة دعارة المغربيات بدول الخليج أصبحت جد مقلقة لكل المغاربة، ومسيئة لحرمة البلد وكرامة كل المغاربة، وطالبت بتشديد العقوبة على المتاجرين بكرامة المغربيات، والقيام بحملات تحسيسية.
ويعيب المجتمع المدني المغربي على الحكومة المغربية بطء الإجراءات المتخذة في مجال انتشال عدد من الفتيات والنساء المغربيات من عالم الدعارة في دول الخليج، ويعتبر أن المقاربة الحكومة في محاربة ظاهرة الدعارة تبقى قاصرة لم تصل إلى مستوى تفعيلها إجرائيا، في وقت تتزايد فيه هجرات الفتيات للعمل في أوكار الدعارة في الخليج، بعقود عمل مزيفة.
ويستغرب الشارع العام المغربي تزايد الممتهنات للدعارة في دول الخليج، فلا يستبعدون ضلوع جهات نافذة في السلطة بدعم شبكات التجارة في الجنس بالخليج، حيث أفادت شهادات بعض العائدات من دول الخليج أنهن خدعن بعقود عمل وهمية ومزورة، أمام رجال في السلطة.
ويرى عدد من خبراء الإعلام أن ملفات الصحافة المغربية حول الدعارة في الخليج أضرت بصورة الشخصية الخليجية في ذهنية المغربي، وأن المغربي اليوم يحمل صورا جد سيئة حول رغبات الغنى الفاحش لبعض الخليجيين.
وترى عدة فعاليات إعلامية أن الملفات التي فتحتها الصحافة المغربية حول دعارة المغربية في دول الخليج هي التي دعت بمحمد عامر، الوزير المكلف بالجالية المغربية في الخارج، الذي لم يسبق له أن زار الدول الخليجية للوقوف على وضعية الجالية المغربية المقيمة بها، ومنه الوقوف على وضعيات النساء في هذه الدول. وقد زار الوزير الإمارات العربية ومملكة البحرين، التي اشتهرت كثيرا بتوافد عدد كبير من المغربيات العاملات في ميدان الدعارة عليها، فيما دولة قطر المحطة الأخيرة في جولة عامر الأولى إلى دول الخليج.
وأعلنت وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن نزهة الصقلي أن العمل الحكومي ومنذ سنة 2004، وفي إطار الرجوع الطوعي إلى المغرب، تم إنقاذ ما يزيد على تسعة آلاف مهاجرة، وقالت: إن محاربة هذه الظاهرة تتطلب مقاربة استباقية للأسباب التي تعرض لهذا الاتجار، والتي ترتبط بالهشاشة السوسيو- اقتصادية والفقر والأمية والعنف والتمييز، وكذا الاستغلال بجميع أشكاله.
وأوضحت نزهة الصقلي من جهتها أن الحكومة تستعد بتنسيق مع الوزارات المعنية، لإعداد خطة تواصلية في المجال، من بين أهدافها عدم تقديم هذا الصنف من النساء كمجرمات بل كضحايا، خاصة وأنهن يسقطن ضحايا شبكات للاتجار في الدعارة، كما جاء في جواب الوزيرة أول أمس بمجلس النواب عن سؤال تقدم به فريق العدالة والتنمية حول استغلال بعض المغربيات المقيمات في الخارج في شبكات الدعارة والفساد.
ومعلوم أن الحكومة المغربية كانت قد أعلنت على لسان وزيرها المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج أن الحديث عن الوضعية التي تعيشها بعض النساء والفتيات المغربيات في دول الخليج، في إشارة إلى استغلالهن في شبكات الدعارة، لم يعد من الطابوهات المحرم الحديث عنها دون الدخول في التفاصيل، معلنا أنه تم إحداث لجنة قطاعية مشتركة تضم وزارة الداخلية ومديرية الهجرة، ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون ووزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن ووزارة التشغيل والثقافة، للانكباب على وضعية النساء المغربيات بدول الخليج ووضع برنامج استعجالي لمعالجة مشاكلهن الآنية، لإيجاد حلول للمتعاطيات للدعارة مع سلطات بلدان الاستقبال وتحريرهن من قبضة مافيا الاتجار في البشر.
وستعمل هذه اللجنة على تسطير برنامج عمل يهدف إدماج النساء المهاجرات. ومن جملة تدابير هذا البرنامج رصد مبالغ مالية لصرفها لصالح النساء والفتيات اللاتي قررت الخروج من شبكات الدعارة.
Elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)