توفير العدل للمواطنين هو التزام من الدولة تجاه مواطنيها، يشبه إلتزامها بتوفير الأمن والصحة والتعليم، وبمعنى من المعاني فأن استقلال القضاء وآليات محاكمة المتهمين وفسح المجال للتقاضي العادل هي معايير مهمة لمدى وثوقية المواطن بالدولة، وفي كل القضايا هناك آليات قانونية تحدد مكان التحقيق او المحاكمة وتحدد طريقة استقدام المتهمين والتحقيق معهم واصدار الاحكام المناسبة بحقهم بالبراءة او بالإدانة وهذه امور تقع في دائرة اهتمام القانونيين. ومن المفترض ان الجهاز القضائي هو المعني بأحقاق الحق واسترداد الحقوق. والتحقيق في الانتهاكات لحقوق الفرد والامة ضمن ما يقع في دائرة عمل القضاء. الا ان إلتباسات الواقع العراقي تجعلنا امام ظاهرة التطفل السياسي على النص القانوني والحكم القضائي. فقد وجد البعض من السياسيين في القضايا ذات الطابع القانوني ساحة للتعبير عن قدراتهم البلاغية وعن مهاراتهم في توظيف الاحداث سياسيا، من أجل مماحكة الخصوم، او التقرب الى زعماء كتلهم بإبداء اكبر قدر ممكن من التشدد. او لتحقيق شعبية جماهيرية على حساب هيبة القضاء. التعامل مع احكام القضاء تمثل اختبارا حقيقيا لقدرتنا على التعامل مع كل مقولات الديمقراطية وحقوق الانسان واعتماد الخيار القانوني في بناء الدولة الذي يفترض من الجميع إلتزاما بالتعامل مع القضايا ذات الطابع القانوني على وفق السياقات القانونية حتى لو كانت اطرافها من الطبقة السياسية، ومن المهم لمستقبل الدولة عدم استخدام وسائل السياسة في ساحة القضاء. والعمل على اخلاء الساحة للقضاء ليقول قوله من دون مؤثرات. واذا ضربنا مثالا للتعاطي مع قضية طارق الهاشمي. سنجد إن الكل اخذ يستخدم وسائل السياسة في شأن قضائي، في معركة نخشى ان يكون الخاسر الاكبر فيها هو القضاء العراقي، خصوصا ان مجلس القضاء الاعلى حدد الثالث من مايس المقبل موعدا لمحاكمته التي ستكون على جانب كبير من الإثارة والصخب .وبغض الطرف عن حضور السيد الهاشمي الى المحاكمة او بقائه في تركيا او غيرها، لو ثبتت ادانة الهاشمي بعد هذه الزوبعة من التصريحات التي استمرت لأشهر فسيكون مناصروه مدانين بعرقلة القضاء والدفاع عمن لا يجوز الدفاع عنه وادخال البلاد في دوامة عنيفة تكاد تعصف بالمشهد السياسي، وتسمم الاجواء السياسية بين شركاء العملية السياسية متوتري الاعصاب هذه الايام ، ولو ثبتت براءته فسيكون خصومه مدانين بالتشهير به والاساءة الى سمعته مانحين بتصريحاتهم الفرصة للنيل من القضاء، أما الخيار الثالث الذي يمكن تصوره لقضية الهاشمي فهو الاسوأ. فلو تم اللجوء الى حل توافقي يضمن لملمة الامر واعادة الملف الى تحت الطاولة في اطار صفقة جديدة فسيكون في الأمر احراج للقضاء وربما تقليل للثقة به وفي كل الاحكام الصادرة عنه ، وهذا ما لا يتمناه عاقل للقضاء العراقي. اتمنى ان يتوقف الجميع عن التصريح في قضية السيد الهاشمي وترك التصريحات للقانونيين والقضاة فقط حتى لا يخلقوا خندقة جديدة للشارع الذي لم يعد يتحمل المزيد.
مقالات للكاتب محمد الكاظم
التعليقات (0)